نشرت وزارة العدل في موقعها الرسمي بتاريخ 30 ماي 2013 بلاغا جاء فيه "على إثر الأحداث التي شهدتها مدينة الدار البيضاء بمناسبة مباراة كرة القدم التي جمعت يوم 11 أبريل المنصرم بين فريقي الرجاء البيضاوي والجيش الملكي، والتي تسببت في إحداث خسائر مادية مهمة بممتلكات الغير، قامت مصالح الأمن بإيقاف 214 شخصا تم تقديمهم للعدالة، من بينهم أطفال قاصرون وكذا مراهقون، وراشدون لهم سوابق قضائية في مجال الاتجار في المخدرات. كما تم منذ 15 أبريل المنصرم، تفكيك عدة شبكات لترويج المخدرات وحجز كمية مهمة من الأقراص المخدرة وأقراص الأمفيتامين التي يتم ترويجها بين صفوف القاصرين".
وأضاف البلاغ الذي تداولته عدد من وسائل الاعلام أنه "وشعورا بمعاناة الأسر واقتناعا بأن عددا كبيرا من الشباب الذين تم إيقافهم قد انساقوا بشكل لا إرادي لارتكاب أعمال العنف، فقد أعطى صاحب الجلالة نصره الله تعليماته السامية لوزير العدل والحريات بصفته رئيسا للنيابة العامة لتقديم ملتمسات للهيئات القضائية المعنية من أجل القضاء بإطلاق سراح القاصرين وتسليمهم لأسرهم، إلى حين بت المحكمة في التهم المنسوبة إليهم".
ويثير البلاغ الذي تم تداوله على نطاق اعلامي واسع نقاشا قانونيا محضا بعيدا عن القضية التي لا تزال وقائعها معروضة على أنظار القضاء، ويتعلق هذا النقاش بعلاقة المؤسسة الملكية بالقضاء، وهو سؤال تزداد راهنيته بالنظر إلى سياقات طرحه، أي في زمن الحوار حول الاصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، وغداة تنزيل المقتضيات الدستورية الجديدة على أرض الواقع في شكل قوانين تنظيمية من المفترض أن تكرس القضاء سلطة مستقلة وترسم بوضوح حدود ونطاق العلاقات التي تربط بين السلطة القضائية وبين باقي السلط.
أولا: القضاء والمؤسسة الملكية في ظل دستور 2011
بداية نقف عند مقتضيات الفصل 107 من الدستور الذي ينص على أن الملك يبقى "الضامن لاستقلال السلطة القضائية".
إن هذا المقتضى يجب وضعه في سياق النص الدستوري حيث ورد في الفقرة الثانية من الفصل 107، بعدما نصت الفقرة الأولى من نفس الفصل على أن "السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية والتنفيذية". وبالتالي فإن قراءة الفصل 107 في شموليته تدفع للاعتقاد بأن المقصود من الفصل هو أن الملك يعد الضامن لاستقلال السلطة القضائية في مواجهة باقي السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولا يمكن أن نأخذ النص على إطلاقه ونعتبر المؤسسة الملكية الضامنة بشكل مطلق لاستقلال السلطة القضائية في جميع الأحوال.
ويتأكد هذا الاعتقاد بالرجوع إلى عدة إشارات تضمنتها المقتضيات الدستورية الجديدة، أهمها ما نص عليه الفصل 109 الذي ألزم كل قاض اعتبر استقلاله مهددا بأن يحيل الأمر على المجلس الأعلى للسلطة القضائية، فالنص الدستوري لم يلزم القضاة في حال تهديد استقلالهم بمكاتبة الديوان الملكي أو المؤسسة الملكية وإنما أحالهم على المجلس الأعلى للسلطة القضائية باعتباره المؤسسة التي تسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولاسيما فيما يخص استقلالهم حسبما يستفاد من المادة 113 من الدستور.
إن هذه القضية تثير أيضا عددا من القضايا الجانبية للنقاش أهمها تلك المرتبطة بوضعية النيابة العامة، والتي تستمد راهنيتها من النقاش المجتمعي المفتوح حول وضعيتها في ظل الدستور الجديد بين التبعية والاستقلالية.
ثانيا: ملاحظات بخصوص قضية الخميس الأسود
إن ما أورده البلاغ المنشور بالموقع الرسمي لوزارة العدل من اصدار "صاحب الجلالة نصره الله تعليماته السامية لوزير العدل والحريات بصفته رئيسا للنيابة العامة لتقديم ملتمسات للهيئات القضائية المعنية من أجل القضاء بإطلاق سراح القاصرين"، يثير العديد من الملاحظات:
أولها تتعلق بالمستند الدستوري لهذه المبادرة وعلاقتها بوضعية النيابة العامة في ظل الدستور الجديد، فالمادة 110 من الدستور تنص على أنه "يتعين على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون، كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها". فمن المعلوم أنه وإلى حدود اللحظة لا يزال وزير العدل يترأس جهاز النيابة العامة الذي يتميز بعدة خصائص أهمها خضوعه للسلطة الرئاسية. ولا شك أن هذه المبادرة قد تدفع للتساؤل حول ما إذا كانت الجهة التي ستتبع لها النيابة العامة في ظل القوانين التنظيمية الجديدة يمكن أن تتمثل في المؤسسة الملكية خاصة وأنه ثمة تعليمات مكتوبة توصل بها قضاة النيابة العامة في نازلة الحال قصد تقديم ملتمسات للهيئات القضائية بإطلاق سراح بعض الموقوفين على هامش أحداث الشغب، وذلك بناء على تعليمات ملكية وجهت إلى وزير العدل حسب ما يستفاد من البلاغ المنشور.
أظن أن مثل هذا الطرح يبقى بعيدا عن المناقشات التي تتم اليوم سواء داخل الحوار الوطني حول اصلاح منظومة العدالة أو خارجه.
ثاني ملاحظة تتعلق بما إذا كانت المبادرة التي قامت بها المؤسسة الملكية تستند لكونها تترأس من جهة المجلس الوزاري والذي يحضر فيه جميع الوزراء ومن بينهم وزير العدل، وتترأس أيضا المجلس الأعلى للقضاء سواء في نسخته القديمة أو الجديدة، وهنا لا بد من الاعتراف بوجود فارق واضح بين ما هو سياسي (ترؤس مجلس الوزراء) وما هو اداري (ترؤس المجلس الأعلى للقضاء)، وما هو قضائي أي اعطاء تعليمات لقضاة النيابة العامة لالتماس السراح في قضية مطروحة أمام القضاء، والهالة التي أحيطت بها مثل هذه المبادرة.
من جهة ثالثة تطرح أكثر من علامة استفهام حول ما إذا كانت الأنباء المتداولة عبر عدد من وسائل الاعلام وكذا عبر الموقع الرسمي للوزارة والتي تفيد بوجود تعليمات ملكية وجهت لوزير العدل الذي تولى نقلها إلى قضاة النيابة العامة بشأن قضية رائجة أمام أنظار المحكمة وقيام قضاة النيابة العامة بالتماس السراح طبقا للتعليمات الملكية الصادرة في نفس الموضوع من شأنها أن تعتبر تدخلا في القضاء من طرف السلطة التنفيذية أو بإمكانها أن تؤشر أو تدفع للاعتقاد بوجود محاولة للتأثير أو تأثير خضع له القضاة.
إن الاجابة على هذا السؤال تبقى من اختصاص الهيأة القضائية التي تبت في القضية والتي يبقى لها وحدها صلاحية القول بوجود تأثير من عدمه، وبالتالي بإمكانها اللجوء إلى تطبيق الآليات القانونية المتاحة ومن بينها إمكانية طلب التنحي عن الملف لسبب من الأسباب القانونية ومن بينها الاحساس بوجود تأثير. إلا أنه وبعيدا عن نازلة الحال وبطرح المبادرة في سياقها المجرد يمكنني القول إن غياب السند الدستوري والقانوني للمبادرة وغياب سوابق مماثلة في الموضوع يدفع للاعتقاد بوجود نوع من التأثير، تزيد من خطورته حالة الفراغ القانوني والمؤسساتي الذي يحدثه التأخر في صدور القوانين التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية التي من شأنها ازالة اللبس حول عدد من الاشكاليات المطروحة في هذا الصدد.