جلسة ثالثة من محاكمة علي الزين، المتهم بقتل زوجته سارة الأمين، عقدت اليوم. حضرت العائلة، إبن سارة وجداه والدي الضحية، وأيضاً شقيقها وزوجته المقيمان في “إفريقيا”. جاؤوا ليعلنوا جزعهم إزاء تأخر المحاكمة، فيما “وكلاء المدعى عليه يستمرون بالمماطلة في الإجراءات”.
وتعتبر قضية مقتل سارة الأمين، بعدما أطلق عليها زوجها الزين 17 رصاصة، من أبرز جرائم العنف الأسري الحاصلة خلال السنوات الماضية. وكان الزين إدعى أنه لم يسمع صوت الرصاص “من فورة أعصابه”، وطلب وكيله طبيباً نفسياً لمعاينته خلال الجلسة الماضية إثر قوله هذا.
إذن، وقفت السيدة إنعام – والدة سارة – أمس أمام هيئة المحكمة، يظهر عليها الحزن والإرتباك. تلتفت إلى أشخاص يجلسون خلفها تماماً بانتظار وصول جلسات تعنيهم. تعتذر بلباقة عن إدارة ظهرها لهم. لم يكن من حاجة لهكذا إعتذار، فالموقف ملائم لمكان وقوفها، لكنها لا تألف سلوكيات قاعات المحاكم، يظهر الأمر بوضوح. أتت تريد “العدالة”، من قاضٍ لا تعرفه، لا يهمهما من هو، ما يهمها أنه يرتدي ثوب القضاة.
“هدّلنا حيلنا” تقول لرئيس المحكمة القاضي إيلي الحلو. “إنظروا ماذا حلّ بنا، أنا مرضت، أبوها مرض أيضاً”، تشير إلى زوجها المتكئ على منصة خشبية، تساعده عاملة أجنبية حضرت معهم، تمسكه من الخلف. لا يخفى على أحد أن قدمي الرجل لم تعد تساعدانه على البقاء واقفاً. وقد التفت القاضي الحلو إلى الأمر لحظة اقتراب الأب. “أجلسوه” قال للمحامي. “لا يستطيع” أجابه الأخير.
يوضح وكيل العائلة المحامي أشرف الموسوي سبب حضور العائلة: “أريد أن تروا مدى سوء حالة العائلة وتأثرها، وكيف تؤذيها المماطلة. المرة الأولى، عندما حضروا كانت صحتهم أفضل بكثير، وضعهم يتدهور بسرعة”. تتدخل الأم: “محمد (إبن سارة) رأى كل ما حصل، يمكنه أن يخبركم كل شيء، إسمعه”. يوضح القاضي أنه “يجب أن نسمع الشهود في اليوم نفسه، أن تحصل مواجهة، لا أستطيع أن أسمع الآن”. يتخلى رئيس المحكمة أمام إنهيار الأم الواضح عن صرامته المعهودة. فلا يخفى على أحد الحزم الذي يلتزمه القاضي الحلو خلال جلساته، مع عناصر قوى الأمن ومع أي شخص يحضر في قاعة المحكمة. أمام الأم الثكلة بابنتها، يهز رأسه مستمعاً، ويوضح اللازم بهدوء وتعاطف واضح لا يجرّده من مظهر الحياد تجاهها.
توضيح المحامي لا يعبّر بالتمام عمّا تريده إنعام. بقيت مصرة على التكلم مع القضاة، وكأنها تنتظر أن يمنحها أحدهم ضمانة ما أو أن يطمئن قلبها أن حق إبنتها لن يضيع. إلتفتت إلى المحامي العام، فهو أيضاً بنظرها قاض، وهو الأقرب إلى مكان وقوفها. تكلمه بصوت لم يكن مسموعاً للحاضرين. يخبرها محاميها الموسوي أن “لا علاقة له” وأنه عليها أن “تتكلم مع الرئيس”. يتدخل القاضي الحلو في الوقت عينه: “لا تقولي شيئا الآن، بكلامك أنت تسهلين على خصمك المواجهة وتسهلين عليه تحضيراته ليدافع”. هذا ما تخافه إنعام، أن يهدر حق إبنتها. تمتثل لطلب القاضي، مشيرةً بيدها إلى فمها بحركة تفيد التعهد بإلتزام الصمت. “ما عاد إفتح تمي، سارة الأمين بنتك” (لن افتح فمي مجدداً، سارة بمثابة إبنتك).
الوالد لم يتكلم بالمطلق. يبدو أنه لا يقوى على ذلك بكل الأحوال. أيضاً الإبن، إلتزم الصمت. حضوره هذه المرة كان مختلفاً. ظهر أكثر تماسكاً من الجلسة الفائتة عندما كان غاضباً يريد الإقتصاص من والده. يظهر أثر حضور الجدّين المنهكين جلياً عليه، كأنه يحمل مسؤولية أن لا يصيبهما أي إنفعال إضافي، ومسؤولية أن يحميهما. لم يعبّر لا عن حزن ولا عن غضب. إكتفى بالإمساك بجده بينما هم يخرجون من القاعة.
الجلسة الثالثة إنتهت اليوم من دون جديد عملي يذكر. فالجهة المدعى عليها لم تنهِ الإجراءات المالية اللازمة لكي يتمكن الطبيب النفسي من مباشرة عمله مع علي الزين. هذا مع العلم أن وكيل الأخير هو الذي طلب، في الجلسة الفائتة، تعيين طبيب نفسي يصدر تقريراً حول حالة المدعى عليه. أيضاً لم يحضر الشهود الذين طلبتهم الجهة المدعى عليها، وهم جيران الزين. وقد استمهلت الجهة المدعى عليها، لتقديم لائحة بالشهود والوقائع المطلوب إستماع شهادتهم حولها. من جهته، اعترض الموسوي على المماطلة “فقد مرّ 3 جلسات وهم يماطلون، وهذه جناية قتل”. القاضي الحلو أجابه أن “حق الدفاع مقدس، وهذه جناية قتل”، في إشارة منه إلى خطورة التهمة الموجهة إلى الزين.
لاحقاً وفي حديث مع المفكرة يقول الموسوي أنه “إذا كان حق الدفاع مقدسا ومصانا، إلا أنه يخضع لسقف. وعندما يطلبون أطباء ولا يسعون بجدية لبدء عملهم، هذه مماطلة”. وقد أرجأت الجلسة إلى 12 شباط 2019 لعرض “الكلشنكوف” المستخدم في قتل سارة، وإستماع الشهود.