يتتبّع هذا البحث ظروف إنشاء ديوان المحاسبة وتطوّره منذ اقتراح إنشائه، مرورًا بحرب 1975-1990، وانتهاءً بمساعي معالجة ذيولها لإعادة إطلاق عمل ديوان المحاسبة. ولهذه الغاية، تفحَّصنا عددًا كبيرًا من الصحف والمنشورات والوثائق الصادرة في فترات تاريخية مُمتدَّة منذ عهد الانتداب وحتّى العام 1992. وقد لاحظنا في هذا السياق أربعة أمور أساسيّة: (1) كانت التطوُّرات المفصلية في تشريع الديوان وتنظيمه تأتي، في كلّ مرّة، ضمن سياق تنظيمات وتشريعات أخرى تتعلّق بالإدارة العامة؛ و(2) كانت التشريعات المتعلّقة بالإدارة، تُقدَّم في كلّ مرّة على أنّها استجابة لمطلب “الإصلاح الإداري”، وهو المطلب الدائم منذ الشروع في التنظيمات الإدارية في عهد الانتداب الفرنسي (السيّد حسين، 2010، ص 437)، حتّى العمل على خطّة تحديث جدّي للإدارة في عهد فؤاد شهاب (1958-1970)[1]، إلى أن عادت ثنائية التطهير- التوظيف مجدّدًا تحكم مقاربة الحكومات في التعاطي مع الإدارة. (3) لم تكن الاستجابات لمطلب الإصلاح الإداري لتحصل بعيدًا عن سياق الحراك الاجتماعي، ونذكر في هذا الصدد ثلاث محطّات أساسية: عام 1945، وقد شهد أطول إضراب عمّالي في تاريخ لبنان، ثمّ انتفاضة 1952، وثورة 1958. (4) كانت مُجمَل الإصلاحات الجدِّية – بما فيها تشريعات ديوان المحاسبة – تحصل بدفعٍ من إحدى الشخصيات السياسية البارزة، من عبد الحميد كرامي إلى كمال جنبلاط إلى خالد شهاب وفؤاد شهاب، وتأخذ عمومًا المنحى نفسه، بالرغم من تنوُّع التوجُّهات السياسية لدى كلّ منهم.
بناءً على تلك الملاحظات، سعينا إلى وضع المراسيم والتشريعات المرتبطة بديوان المحاسبة في سياق التطوّر التاريخي لانتظام إدارة الدولة (أو تحلُّلها)، وهو التطوّر القائم على ثنائية الفساد/الإصلاح الإداري التي أخذت حيّزًا واسعًا من الجدل العام منذ الانتداب وحتّى اليوم. عمليًّا، تركزّت معظم مساعي الإصلاح، أو “قصّة إبريق الزيت” كما كانت تصفها صحف الأربعينيات، على إصلاح الفساد من دون إصلاح ركنَيه الأساسيَين، وهما الزبائنية والتطييف، من خلال التطهير والتوظيف بدلًا من تعزيز أجهزة الرقابة، أي إجراء إصلاحات شكليَّة أو مُجتزَأة، حتّى تمكّنت خطّة شهاب التحديثية من ضرب الزبائنية وتعزيز الأجهزة الرقابية. ومن هذه الأجهزة ديوان المحاسبة.
وللإحاطة بما تقدّم، توسّعنا قليلًا، أوّلًا، في الحديث عن مأسسة الزبائنية في الإدارة وتطييفها (1920-1945)، لأنّ ذلك شكّل أحد أهمّ أسباب النقمة الشعبية، نظرًا إلى تعطيل مصالح الناس من جهة، والغبن بحقّ مَن يستحقّون الوظائف بسبب المحسوبيات من جهة أخرى. وقد جرت محاولات استيعابية للنقمة الشعبية بالإعلان عن توجُّهات لإصلاح الإدارة.
سردية مأسسة الزبائنية والتطييف (1920-1945)
خلال فترة إنشاء لبنان الكبير، تقول السردية، “أظهر اللبنانيون، على وجه العموم، استعدادًا لقبول الإصلاحات الإدارية التي أراد الفرنسيّون إجراءها، والتي عاد الفضل الأكبر فيها إلى روبير دي كيه، الأمين العام للمفوَّضية الفرنسية” (صليبي، 1991، ص 210). أوجد دي كيه أوّل جهاز إداري من خرّيجي المعاهد الفرنسية والكاثوليكية في لبنان، وبقي بعض هؤلاء في مناصبهم بعد فترة الاستقلال. وتمَأْسَسَ الفساد في الإدارة مذّاك كوسيلة وأسلوب حكم اعتمده الفرنسيّون -وقد انتظرنا إلى ما بعد انقضاء عهد الانتداب ليُكشَف حجم فساد الإدارة في الكتب وفي الصحف اليوميّة-. وقد تحدّث الصحافي إسكندر الرياشي عن كيفيّة استخدام الزبائنية والرشاوى كأداة لتوطيد نظام الانتداب ودرء المقاومة الشعبية له (أو “شراء لبنان من قبل عمّال فرنسا” حسب تعبير الرياشي) ولخّص قائلًا: “ابتاعت فرنسا الانتداب عندنا، قبل العاطفة وقبل التقاليد الفرنسية-المارونية، بالجنيهات المصرية، التي كانت عملة الفرنسيّين الرسمية عندما وصلوا مع الإنكليز في تشرين الثاني 1918 إلى البلاد اللبنانية” (الرياشي، 1953، ص 19)[2].
في 23 أيار 1926، صدر الدستور اللبناني في عهد المفوّض السامي هنري دي جوفينيل، ونصَّ في المادّة 87 منه على وجوب إنشاء ديوان للمحاسبة، السلطة التي من المُفترَض، وفق الديمقراطيات الحديثة (حينذاك)، أن تراقب حسابات الوزارات والإدارات والبلديات، عملًا بمبدأ الفصل بين السلطات. لكن يبدو أنّ تطبيق هذه المادّة لم يكن على سُلَّم أولويّات الفرنسيّين، بخاصّة أنّ إدارة الانتداب كانت تعمل على بناء شبكات زبائنية في لبنان وغيره من المُستعمَرات. وكان الدستور “أعطى المفوّض السامي الفرنسي الحقّ في نقض جميع القوانين التشريعية الأساسية التي لا يوافق عليها” (صليبي، 1991، ص 213). كما كان المفوّض السامي يعيّن مستشارين فرنسيّين يمارس عبرهم رقابة على جميع مستويات الإدارة. بالتالي، بقي قانون المحاسبة -القديم (1923)- طوال عهد الانتداب من دون الهيئة الإدارية التي تطبّقه (أي ديوان المحاسبة). وكان لافتًا بعد الاستقلال، استمرار رموز الحكم الفرنسي البائد في مواقعهم في السلطة والإدارة[3]، وفي طليعتهم رئيس الجمهورية بشارة الخوري (1943-1952)، وقد مُدِّدَت رئاسته ثلاث سنوات)، بالرغم من الفضائح التي بدأت تطفو حول مَأسَسَة الانتدابِ الفرنسي الفسادَ والزبائنيةَ في الإدارة والسياسة، وهذا ما نستشفّه من مناقشات المجلس النيابي تلك الفترة، ومن خلال رصدنا الصحف التي كانت تنقل فضائح الفساد وواقع المحسوبية والتطييف من جهة، وتنقل تَملمُل الناس من سوء إنجاز معاملاتهم من جهة أخرى.
في المحصّلة، ترك لنا الانتداب ميراثَين ثقيلَين: الأوّل، هو النهج المُتَّبَع في توطيد الحكم من خلال استتباع مجموعة من الزعامات قادرة على إيصال نسبة من نوّاب البرلمان مُرجِّحة في القرار، وتحكُّم رأس السلطة في طرق التمثيل، وترويج هذا الأمر أمام الرأي العام على أنّه “ممارسة للديمقراطية”؛ والثاني، إجراء تشكيلات إدارية وفق مصالح زبائنية طائفية، أدّت إلى استقواء المسؤول الإداري بالمسؤول السياسي على حساب أخلاقيات الإدارة وإنتاجيتها (السيّد حسين، 2010، ص 413). وبقدر ما كان المُوظَّف قلقًا بشأن الحفاظ على وظيفته أو الارتقاء فيها، كان يلجأ إلى المسؤول السياسي لحمايته (السيّد حسين، 2010، ص 438). وقد أذن الفرنسيّون بتجربة قصيرة مختلفة بين عامَي 1932-1934، حصلت خلالها إصلاحات في النظم الإدارية والمالية، وكانت مُرضِية للرأي العام، بالرغم من تعليق الدستور في تلك الفترة (صليبي، 1991، ص 224).
… في 5 حزيران 1944، أصدرت حكومتا لبنان وسوريا بيانًا مُشترَكًا عن تسلُّمهما السلطات التي كان يمارسها الانتداب باسم البلدَين[4]، فكان لبنان يتسلّم مصالح الإدارة تباعًا، تطبيقًا للاتّفاق المعقود في 22 كانون الأوّل 1943. وخلال نصف عام، حتّى مطلع عام 1945، كان الحكم متعثِّرًا، تشوب الإدارة مشكلات جمّة[5]، وهذا ما عبّرت عنه صحف تلك الفترة، إذ أشارت جريدة العمل[6] مثلًا، في نهايات عام 1944، إلى أنّ الحكومة عاجزة، ولذا تتبع “الخطّة التقليدية في الإرضاء والإغضاب، وهناك العثرات الناجمة عن الرغبة في الاستئثار والجنوح والتشفّي”. هذا ما أشارت إليه أيضًا جريدة النهار عن عهد رياض الصلح، فكتب جبران تويني (الجدّ ومُؤسِّس الجريدة)، في بدايات عام 1945، أنّ الإدارة تراخَت في عهده، “وانتشرت المحسوبية في الدوائر، فاختلّ نظام المعاملات واحتلّ السماسرة أروقة الدواوين”[7]. كما أوضح مقالٌ آخر تفشّي السماسرة في الإدارة، رابطًا الظاهرة بظروف الحرب الاستثنائية، قال “ماعَت القوانين الضابطة إلى حدٍّ أنّها خرجت من مجراها الطبيعي وفقدت الصفة الرئيسية والطابع الأساسي: فلم تقسط بين الناس بالمساواة”[8].
فترة إعداد مشروع قانون المحاسبة العمومية الجديد (1945)
لم يكن لدى حكومة رياض الصلح برنامجٌ واضح لقيادة تلك الفترة، وطغى همّ السياسة الخارجية وحلول الاستقلال لديها على بقيّة الاعتبارات. وسرعان ما تجاوز الرأي العام رمزية “رجالات الاستقلال” بفعل سوء إدارتهم للمرحلة، وقد عبّر عن ذلك جبران تويني في جريدة النهار، بداية عام 1945، في إثر استقالة حكومة الصلح الثانية، بقوله إنّ الاستقلال أسمى “من أشخاص أرادوا أن يربطوا أسماءهم به”[9]. كانت أخبار الإضرابات والاعتصامات في صحف المُنتصَف الثاني من الأربعينيات شبه يوميّة. وقد أتت تسمية عبد الحميد كرامي للحكومة الثالثة بعد الاستقلال استيعابًا للنقمة الشعبيّة، واشترطت الكتلة الوطنية[10]، للاشتراك في الوزارة، أن يكون تمثيلها مساويًا لتمثيل الكتلة الدستورية[11]، وفقًا لجريدة النهار[12]. وإذ طرحت الكتلة مطالب إصلاحية من 15 بندًا[13]، جاء في البند العاشر منها “تأليف ديوان محاسبة لضبط حسابات الدولة ومنع الإسراف والمصاريف غير القانونية”. وعولجت عقدة التأليف بطرح حكومة من ستّة، مع أعضاء من خارج المجلس، ثلاثة منهم مُقرَّبون من الكتلة الدستورية[14]، في حين لم تتمثّل الكتلة الوطنية في الحكومة. لكن، في جلستهم الأولى، درس الوزراء عريضة نوّاب الكتلة الوطنية، ووجدوا أنّ تحقيق معظم ما تضمّنته مفيد وضروري، فقرّروا الأخذ ببعض المطالب وذكرها في البيان الوزاري[15].
نالت الحكومة الثقة، وجاء في بيانها أنّ الإدارة اللبنانية مُرهَقة بعدد من المُوظَّفين، واعدةً بوضع ملاك نهائي لمُوظَّفي الدولة يحدَّد فيه عددهم وتُراعى فيه الكفاءة في الترقيات. وأضاف البيان ما حرفيّته: “ستحقّق حكومتنا مشروع توسيع الصلاحيات لكبار المُوظَّفين، لقاء تحمُّل التَبِعة والمسؤوليات في أعمالهم”. وبدَت كلّ القوى مُلتفَّة حول المطالب الشعبية في تحقيق الإصلاح الإداري. وفي بضعة أيّام، شرعت الحكومة في تنفيذ بيانها من خلال تشكيل عدد من اللجان لتنفيذ المهامّ الإصلاحية، فتشكّلت مثلًا إحدى اللجان التي لا يُعرف من أسماء أعضائها إلّا الوزراء، ومهمّتها إعداد تقارير لرئيس الحكومة حول حياة كلّ مُوظَّف في الدوائر البارزة[16]. وكانت لجنة أخرى قد تألّفت في عهد الحكومة السابقة لإعداد مشروع خاص للتنظيم الإداري، باشرت عملها في 24 كانون الثاني -لم يُنفَّذ مشروعها-[17]. كما تشكّلت لجنة تضمّ معظم مديري الدولة، لغاية وضع نظام جديد للدوائر العامة، قضت “بتحديد عدد الوظائف في كلّ وزارة[18]. ونقل مصدرٌ للنهار عن الحكومة أنّها ترى وجوب “الإسراع بالعمل في الحقل المالي بإنشاء ديوان المحاسبة لتصبح المعاملات المالية أكثر انتظامًا وسهلة التدقيق”. وأشار إلى أنّ مُوظَّفي الديوان سيؤخَذون بالامتحان من ضمن المُوظَّفين المُسجَّلين في ملاك الدولة[19].
ثمّ أحالت الحكومة إلى المجلس النيابي في 8 حزيران 1945 مشروع قانون للمحاسبة العامة، إلّا أنّ هذا الجهد لم يكتمل بفعل الإضرابات الطويلة التي جرت في النصف الثاني من عام 1945، ومن بينها أطول إضراب عمّالي شهده لبنان في تاريخه. حاول عدد من النوّاب استغلال الأزمة، ووقّعوا على عريضة طالبوا فيها بتعديل الوزارة لتوسيعها، مع بقاء الرئيس الحالي. وكان “القائمون بهذه الحركة هم السادة رياض الصلح والأمير مجيد إرسلان وفريق من الوزراء السابقين”[20]. لكنَّ كرامي قدّم استقالته بعد تعرُّض العمّال للاعتداءات والاعتقالات على يد الدرك (البواري، 1986، ص 229)، فيما بقي قانون المحاسبة قابعًا في جوارير المجلس النيابي، على اعتبار أنّ ديوان المحاسبة لم يكن مُنظَّمًا تنظيمًا وافيًا، ولم يكن قادرًا على القيام بالمهامّ التي ستُوكَل إليه. فقد تبيّن لدارسي المشروع أنّ صلاحية الديوان شملت “النظر بقانونية المعاملات المُختَصَّة بتحقُّق الضرائب والرسوم وصحَّة تحصيلها وانطباقها على قوانين الجباية، وبصحَّة صرف النفقات واستعمال الموادّ والأدوات، وصحَّة الحسابات المُقدَّمة من المُحاسِبين وما إلى ذلك”. لذلك، تمّ التوقُّف عن درس المشروع، وعُهِدَ مُجدَّدًا إلى “لجنة مُؤلَّفة من مدير العدلية العام ومعاونه ومدير المالية العام ورئيس قسم ضريبة الدخل بإعداد مشروع قانون المحاسبة العامة”.
مماطلة حكومة سامي الصلح بالإصلاحات تُصعِّد النقمة
تألّفت حكومة جديدة بدلًا من حكومة عبد الحميد كرامي المُستقيلة في آب 1945، استبشر فيها الناس خيرًا، نظرًا إلى أنّ رئيسها سامي الصلح كان يقدّم مطالعات مُطوَّلة حول الإصلاح الاقتصادي والإداري والاجتماعي[21]. ولكنَّ بيان الحكومة اكتفى في موضوع الإدارة بالقول إنّها ترمي إلى إصلاحها وإنّه “لن يكون إرهاق للموازنة بتضخُّم عدد المُوظَّفين”، ولم تظهر لاحقًا أيّة بوادر إصلاحية. وشرح مقال في جريدة النهار كيف جرى التسويف والمماطلة في إقرار الإصلاحات، فكانت تَعقد اللجان النيابية جلسة مثلًا لا يكتمل فيها النصاب فتُؤجَّل أعمالها. وانطبق نمط “الاستهتار” على مجلس النوّاب ككلّ؛ فحين كانت تُطرَح عليه مشاريع القوانين “تجد النوّاب مُتحمِّسين في النصف ساعة الأولى المُخصَّصة لتلاوة “الأوراق الواردة” لأنهم يبحثون فيها المواضيع التي يريدونها… ولكنّ حماستهم تبرد عندما يجيء دور البحث في مشاريع القوانين” [22]… بأيّ حال، وعلى إثر المماطلة، سواء من اللجان أو من المجلس أو من حكومة سامي الصلح، هدّد النائب عبد الحميد كرامي ومعه عدد من النوّاب بالاستقالة من المجلس النيابي، إذا لم تبادر الحكومة إلى تطبيق الإصلاحات، وقال كرامي لجريدة النهار في 16 كانون الثاني 1946 “إنّنا غير طامعين بمنصب على الإطلاق، وإنّما نريد الإصلاح فقط”[23].
وفيما نقلت الصحف أنّ اللجان المُوكَلة بدراسة قانون المُوظَّفين وقانون المحاسبة العمومية الجديدَين تُواصِل عملها، أوردت الصحف في 11 شباط 1946 خبرَين بالِغَي الدلالة على توجُّهات حكومة سامي الصلح للمماطلة والالتفاف على المطالب الشعبية: الأوّل هو أنّ لجنة برلمانية خاصة تُواصِل درس قانون المُوظَّفين، وقد طرحت مجموعة مُحرَّمات على المُوظَّف كالاشتغال بالتجارة والسياسة أو الاستدانة ولعب الميسر وسبق الخيل[24]، إلّا أنّه تبيّن لنا، خلال مراجعتنا الصحف، أنّ هذا الطرح قديم ويعود إلى فترة الانتداب. وتحدّثت “جريدة المعرض” في آب 1935 عن طرح مُشابِه حول تحريم الاستدانة على المُوظَّف، وقالت آنذاك إنّ في الطرح مبالغة “لأنّه لا يُعقَل أن تقوم الحكومة بعمل صارم قاسٍ مع مُوظَّفيها دون أن تجد لهم في الوقت نفسه مخرجًا من ديونهم، ودون أن تجعلهم في المستقبل أيضًا بغنًى عن الاستدانة”[25]. وبدا لنا الطرح تحويلًا للجدل من الرقابة على مختلف أنواع الوظائف العامة، إلى رقابة على حرِّيّة تصرُّف فقراء المُوظَّفين بإدارة شؤونهم الخاصة المالية. أمّا المؤشّر الثاني على التسويف فقد اتّصل بمجال مختلف عن الإدارة، وهو طرح مشروع قانون العمل في المجلس النيابي مُتضمّنًا وجوب تأليف نقابات عمّال مُختلَطة بين العمّال وأرباب العمل (أي يوضع رقيب على العمّال من أرباب العمل أنفسهم)، والأمران يؤشّران إلى نهج الالتفاف على المطالب الشعبية والإصلاحية، الاجتماعية منها والإدارية. وبالفعل، انتهى عهد هذه الحكومة من دون إنجازٍ حقيقيّ[26].
لم تهدأ المعارضة الأقلِّية في المجلس النيابي، ولم يهدأ الشارع. في أيّار 1946، أرسل أربعة نوّاب مُذكّرة إلى رئيس الجمهورية دعوا فيها إلى تأليف حكومة يُختار أعضاؤها من المشهود لهم بالوطنية والكفاءة، وتكون مهمّتها تحقيق الإصلاح “وانتشال البلاد من هوّة الفقر والإفلاس والدمار”. وقد أيّد المُذكّرة لاحقًا نحو 15 نائبًا، وأُتبِعَت بمُذكّرات جديدة (من بين النوّاب المُؤيّدين للمُذكّرة النائب كمال جنبلاط ومجموعة من نوّاب حزب الشعب). ساندت بعض الصحف حركة هؤلاء النوّاب، فكانت تفسّر أهمِّية الإصلاحات وتدعو إليها، وتستقبل تواقيع على عرائض مُؤيِّدة للإصلاح من كلّ المناطق اللبنانية[27]. كما جرت تظاهرات شبابية مُؤيِّدة، بعضها توجَّه إلى رئيس الجمهورية ليعبّر عن تأييده المُذكّرة[28]. استقالت الحكومة في 18 أيّار، على إثر استقالة وزيرَي حزب الاستقلال منها (سعدي المنلا وأحمد الأسعد). ثمّ ورد في مضمون مُذكّرة ثالثة أرسِلَت إلى رئيس الجمهورية “أنّنا لا نريد أن نحكم على ما يبدو من بوادر تجاهل الحقائق”، وأضافت أنّه لا يجوز أن نضرب بالرأي العام عرض الحائط، وخلصت بالقول: “سنظلّ مع الشعب بهيئاته ومُنظَّماته وجمعياته النسائية نراقب، بعينٍ ساهرة، ما يحدث، غير مُطمئِنّين إلى المستقبل”[29].
إقرار قانون إنشاء ديوان المحاسبة
على وقع النقمة الشعبية، استُبدلت الحكومة مرّتَين مُجدَّدًا عام 1946، حتّى عاد رياض الصلح إلى رئاسة الحكومة، وذلك قبل أيّام قليلة من جلاء جيش الانتداب الفرنسي في كانون الأوّل. وترأَّسَ رياض الصلح، منذ تلك الفترة، أربع حكومات مُتتالية (14\11\1946، 7\6\1947، 26\7\1948، 1\10\1949)، وقد استقالت الأخيرة في 13 شباط 1951). وكانت مطالبات الإصلاح أغرقت الجدل العام، فكانت المعارضات المختلفة من داخل النظام، كالكتائب والكتلة الوطنية وحزب الشعب والحزب التقدُّمي الاشتراكي، وكذلك من أحزاب وقوى خارج النظام، تتمّ ملاحقتها، كالأحزاب اليسارية بعامة، والقوى النقابية الفاعلة، كلّها تدعو إلى إصلاحات. وعليه، سعى رياض الصلح إلى استيعاب المعارضة الأولى من خلال وعود في إشراكها في الحكومة، أو من خلال سياسته الخارجية التي تندرج تحت عنوان عدم خروج عن “الصيغة الميثاقية” المُؤسِّسة (أي إنّ ارتباطات لبنان تميل أكثر إلى الغرب، لكنّه مُنفتِح على العالم العربي)[30]، فيما يعمل على استيعاب المعارضة الثانية من خلال وعود بتطبيق المطالب الاجتماعية.
وخلال فترة حكومة رياض الصلح الخامسة بعد الاستقلال (26\7\1948- 1\10\1949)، كانت أجواء البلاد متوتّرة، ذلك أنّ الناس ملّوا من مراوغة الحكومات في تنفيذ الإصلاحات. في نهاية عام 1948، عقدَ الصلح اجتماعات مع “أطراف معارضة”، وعمل الوزير حبيب أبي شهلا – الندّ لرياض الصلح وفقًا لـ “النهار”[31] – على وساطة بين رئيس الحكومة وكلّ من بيار الجميّل (أي حزب الكتائب) وهنري فرعون، ودعاهم إلى طاولة “غداء فاخرة”[32]؛ وفيما نقلت النهار عن مصادر هؤلاء أنّهم تحدّثوا في مشاريع إصلاحية، رجّحت الجريدة أن يكون سبب اللقاء أزمة في إيجاد تركيبة الحكومة المقبلة. في حين أشارت جريدة العمل إلى أنّه جرى البحث حول “قواعد مصالحة وطنية عامة”، وأنّ وجهات النظر كانت متقاربة[33]. فشل الحوار، وأشارت جريدة العمل إلى نيّة الحكومة إعداد مشاريع إصلاحية لتثبت للرأي العام أنّها قادرة على إعدادها من دون المعارضة، وأضافت الجريدة: “هكذا نراها، كلّما رأت نفسها في مأزق حَرِج تعمد إلى البحث في دفاترها العتيقة عن المشاريع الإصلاحية المدفونة في دوائرها”[34]، وتابعت أنّ من هذه المشاريع مشروع ديوان المحاسبة “الذي ينام ويستيقظ وفقًا للتيّارات التي تتجاذبه”.
وفي 6 كانون الثاني 1949، أحالت رئاسة مجلس الوزراء إلى المجلس النيابي مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون المحاسبة العامة بموجب المرسوم 13991[35] (أي قانون عام 1923). ثمّ في 27 كانون الثاني 1949، بَدَرَ ما يوحي بأنّه تلبية للمطالب الشعبية بالإصلاح خلال جلسة لمجلس الوزراء، حيث ذكرت جريدة النهار أنّه “كان في طليعة ما تناوله بالدرس التفتيش القضائي والتفتيش العام في سائر إدارات الدولة”، فجرى استبدال رئيس هيئة تفتيش الدولة بعد نقله إلى وزارة الدفاع، فعُيِّن مكانه رئيس جديد، هو مدير عام رئاسة مجلس الوزراء، مع احتفاظه بوظيفته[36]. وعقّبت النهار في اليوم التالي على الحادثة بأنّ الإصلاح، بالنسبة إلى رئيس الوزراء، هو وضعه في “الوظائف المفاتيح” الأصدقاء والمحسوبين عليه[37]. واستمرّت التشكيلات الإدارية أواخر كانون الثاني، ودرس رئيس الحكومة مع رئيس هيئة تفتيش الدولة مشروع قانون ملاكات الدولة[38]. بعدها، عُقِدت جلسة أخرى لمجلس الوزراء في 1 شباط 1949، تَقرَّرَ خلالها المشاريع الآتية: “مشروع قانون المحاسبة – ملاكات دوائر الدولة (المُتمِّمة لمشروع قانون المُوظَّفين المُحال سابقًا إلى مجلس النوّاب)- مبادئ ترقيات المُوظَّفين اعتبارًا من أوّل كانون الثاني 1949”[39]. وعليه، أحالت الحكومة إلى المجلس النيابي، في دورته الاستثنائية، المرسوم رقم 214268 تاريخ 2 شباط 1949، المُتعلِّق بمشروع قانون المحاسبة العامة (وأحالت كذلك مشروع إقرار ملاكات دوائر الدولة المُتمّمة بمشروع قانون المُوظَّفين). كما أحالت وزارة العدلية، في 4 شباط، مشروع القانون القاضي بإنشاء ديوان المحاسبة إلى لجنة الإدارة والعدل للتدقيق والنظر فيه قبل إحالته إلى البرلمان[40].
وفي 18 شباط 1949، ورد خبر مفاده أنّ رئيس هيئة تفتيش الدولة بدأ الإصلاح بقرارَين: الأوّل، انتداب مُوظَّفين لتلقّي مراجعات أصحاب المصالح وملاحقة أسباب تأخيرها في الوزارات والدوائر التابعين لها؛ والثاني، انتداب مُوظَّفين لمراقبة دوام المُوظَّفين في كلّ يوم عمل[41]. كما ورد خبر آخر مفاده أنّ اللجنة الوزارية التابعة لوزارة الاقتصاد الوطني أتمّت وضع مشروع ضمّ دائرة مراقبة الشركات ذات الامتياز إلى وزارة الاقتصاد، بعد أن كانت مُنقسِمة بين دائرة تابعة لوزارة المالية ودائرة تابعة لوزارة الأشغال[42].
وكان يُفترَض أن يتسلّم الأمير جميل شهاب رئاسة الدائرة، لكنه لم يحضر إليها[43]. وتبيّن أنّ “اللجنة السورية في المجلس الأعلى للمصالح المشتركة اعترضت على تعيين الأمير جميل شهاب مديرًا لدائرة مراقبة الشركات “على اعتبار أنّه لا يجوز أن يشغل وظيفتَين في آنٍ واحد، وأنّ المجلس مُستعِدّ لسلخه من المصالح المشتركة إذا ما تمّ ذلك”؛ ولكنَّ شهاب تسلّم الدائرة بالفعل، إذ أشارت النهار إلى أنّه بدأ في 22 شباط بالاطّلاع على أعمالها[44]. (لاحقًا، سيُعَيَّن شهاب نفسه رئيسًا لديوان المحاسبة).
وفي 3 آذار، أشارت جريدة النهار إلى أنّ الحكومة طلبت إعادة مشروع قانون ملاكات الدولة إلى مجلس الوزراء بذريعة تضمُّنه أخطاءً، ووصفت النهار الأمر بـ “حكاية إبريق الزيت”، وأشارت إلى أنّ السبب يعود إلى اعتراضات وزيرَين على القانون[45]. كما أوردت الجريدة خبرًا آخر مفاده أنّ الأمير جميل شهاب رفض نقل دائرة مراقبة الشركات ذات الامتياز إلى وزارة الاقتصاد، مطالِبًا أن يُخَصَّص قسم لها من جناح رئاسة الوزراء الذي تشغله هيئة تفتيش الدولة (وهو ما حصل)[46].
وفي تمّوز 1950، رأى مقالٌ افتتاحي في جريدة النداء[47] “أنّ النظرة التي نعالج من خلالها معظم مشاكلنا بعيدة عن أن تكون نظرة جدِّية”، واصفًا تصرُّفات المسؤولين بأنّها تلبس “طابع التسويف واللامبالاة”[48]. لكن خلال شهر آب 1950، بدأت الاستعدادات باكرًا لإجراء الانتخابات النيابية، وفي خلفيَّتها نقمة شعبية ونقمة قوى سياسية على تزوير انتخابات 1947 (صليبي، 1991، ص 240)[49]، وتوجُّس السلطة من صعود الحراك العمّالي. في الشهر ذاته، أُنجِزَ مشروع الضمان الاجتماعي الذي كانت تنتظره جميع الفئات الشعبية. وفي الفترة ذاتها، بُعِثَ مشروع تنظيم ملاك الدولة إلى المجلس لمناقشته وإقراره.
في ذلك الحين، لم تلتفت الصحف إلى أهمِّية قانون المحاسبة، ولعلّها لم تطّلع على مضمونه، فيما أشارت صحيفة النداء في العدد 15 تشرين الأوّل 1950 إلى “الأهمِّية المُتعاظِمة التي يكسبها مُوظَّفو الدولة الإداريون في أنظمة الحكم الحديثة”، وأضافت “يسرّنا أن يُعلَن اليوم عن اتّجاه نيّة الحكومة إلى تعزيز جانبهم بواسطة سَنّ قانون جديد لهم، وإلى مراقبة أعمالهم الرسمية من الناحية المالية بواسطة إنشاء ديوان المحاسبة”، مؤكّدةً أنّ العبرة بالتنفيذ أكثر منها بالمبادئ والنصوص. واعتبرت الصحيفة أنّ الفساد الذي تتحدّث عنه بعض الصحف الأجنبية “الفساد الذي يدفع إلى اليأس، أعمق جذورًا وأضخم ساقًا وأثقل ظلًّا”، من الشكل الذي تُصوّره هذه الصحف التي تنظر إلى “القشور”، فالفساد، في رأيها، هو فساد النظام كلّه، والذي “يجعل على الشعب الغرم ولغيره الغنم”.
في 17 تشرين الأوّل 1950، اجتمعت اللجنة النيابية للإدارة والعدل واللجنة المالية للنظر في قانون ملاكات المُوظَّفين ومشروع قانون المحاسبة العامة، ووضعوا بعض التعديلات، ثمّ وافقوا عليه كلّه[50]. وبعد شهر، خلال جلسة استثنائية للمجلس النيابي في تاريخ 20\11\1950، جرى نقاش قصير حول المشروع في المجلس ليُصدَّق عليه. وقد اعترض النائب كميل شمعون على طلب التصويت عليه بموجب مادّة وحيدة، معتبرًا أنه يجب أن يُدرَس مادّة مادّة من دون أن يُبدي اعتراضًا على مضمون القانون. ردّ النائب إميل لحّود بأنّه “مضى على هذا المشروع وهو في اللجان نحو خمس سنوات”، مُسهِبًا في شرح “العمل والجهد اللذَين بُذِلا في درس المشروع. يريد السيّد كميل شمعون درسًا كاملًا!” مضيفًا أنّ ما قاموا به هو “بحث فنِّي لتنظيم المحاسبة، وقد نُظِّمَت بموجب هذا المشروع”، وأصرّ على التصويت عليه وتصديقه بمادّة وحيدة. ووافقه النائب سامي الصلح الرأي “حتّى لا يُدفَن، إذ إنّ المشاريع كالأفراد، بعضها محظوظ وبعضها مثلي بدون حظّ”، على حدّ تعبيره. وأضاف أنّه “حتّى الآن تتمشّى ماليّتنا على قانون محاسبة وُضِعَ سنة 1922″… وبالفعل، صُدِّقَ المشروع بالإجماع بمادّة وحيدة إزاء إلحاح النائبَين لحّود والصلح، مع امتناع شمعون عن التصويت. ولكن بقي التوجُّس قائمًا حيال جدّية التطبيق، بخاصّة أنّ هذه التشريعات حصلت بُعَيد الانتخابات النيابية.
في 2 كانون الأوّل 1950، أعاد مقال آخر في “النداء” التذكير بأنّ الدستور نصّ على وجوب وضع قانون خاص لديوان المحاسبة، وأضاف: “ما فتئت البلاد تطالب بلسان مُمثّليها في المجالس المختلفة، وبواسطة الصحافة، بإنشاء ديوان المحاسبة تنفيذًا لأحكام الدستور. ولم يكن بوسع الحكومة أن تحقّق هذا الأمر إلّا بعد أن ننظّم الأمور المالية تنظيمًا جديدًا يمكن معه ديوان المحاسبة من ممارسة الصلاحيات الموكولة إليه”. كما أشارت “النداء” إلى وجود تيّارَين مختلفَين داخل اللجنة التي عملت على إعداد قانون المحاسبة، تبعًا لاختلاف النظام الإنكلو سكسوني عن النظام اللاتيني: فالأوّل، وفق الصحيفة، هو “القاضي بإنشاء مراقبة يُعهَد بها إلى رجل فرد يُدعى المراقب المالي العام، يعيّنه الملك مباشرة ولا يُعزَل إلّا بموافقة البرلمان”؛ والثاني، تابعت الصحيفة، “يعهد بمراقبة المحاسبة إلى مجلس له صفة القضاء”، وهو الذي اختارَته اللجنة، وهو يُخوِّل المحامي العام الصلاحيات الواسعة للبتّ في تقارير التفتيش. ثم أسهب المقال في شرح مضمون القانون لينتهيَ إلى القول إنّ “هذا القانون هو من أهمّ القوانين التي صدرت في عهد الاستقلال، وأكثرها فائدة للإدارة اللبنانية. فإذا جمعنا بين المراقبة الإدارية التي يجريها وزير المالية على صرف النفقات وهيئة التفتيش المالي على أعمال المُحاسِبين والمراقبة التشريعية التي يمارسها مجلس النواب بواسطة قانون قطع الحساب السنوي، أمكننا القول إنّ تنفيذ الموازنة في جميع أطوارها سيُراقَب، من الآن فصاعدًا، مراقبة فعّالة مُجدِية، وإنّ أموال المُكلّفين ستكون في مأمن من كلّ عبث”[51].
يبدو أنّه أُثير جدلٌ حول من يُعيَّن في منصب رئاسة الديوان؛ ففي 3 كانون الأوّل، يستهجن مقال في النداء كيف تتحوّل مشكلة من يرأس ديوان المحاسبة إلى مشكلة “أعوص” من المشكلات السابقة حول تشريع الديوان وإنشائه. وكان الحلّ المطروح يقضي بإسناد رئاسة الديوان إلى جميل شهاب بعد نقله من دائرة مراقبة الشركات ذات الامتيازات (التي سبق وذكرنا أنّه ترأّسها)، وقد جاء في النداء أنّ شهاب “أصبح في عُرف المسؤولين جوكر الوظائف في هذه الدولة”[52]، ذلك أنّ شهاب كان قد تنقّل أيضًا من مدير المصالح المشتركة إلى مدير عام للجمارك. لذا تساءلت النداء عمّا إذا عدمت الدولة الأَكْفاء الجديرين برئاسة الديوان. وقد جرت المماطلة في التعيينات، على ما يبدو في انتظار تسويات على مُجمَل التشكيلات الإدارية. في 18 كانون الثاني 1951، عُيِّن جميل شهاب رئيسًا لهيئة إدارة مصلحة المياه[53]، ولكن سرعان ما عُيِّن، في الأسبوع الأوّل من شباط 1951، رئيسًا لديوان المحاسبة. بعد أقلّ من أسبوع على إجرائها التشكيلات، استقالت حكومة الصلح، وحلّت محلّها حكومة برئاسة حسين العويني بهدف إجراء الانتخابات النيابية.
ديوان المحاسبة في عهد شمعون
في العام 1952، لم تستطِع أيّ من الحكومات[54] احتواء النقمة الشعبية، بالرغم من محاولتها، في كلّ مرّة، تقمُّص دور الإصلاح. في أيّار 1952، دعا الرئيس بشارة الخوري قائد الجيش فؤاد شهاب لخلافته، لكنّه رفض. وفي الأشهر الأخيرة من عهد بشارة الخوري، جرت حملة لتطهير الإدارة. وقد نعتت “جريدة النداء” الحكومات التي تعاقبت بـ “حكومات حمية الإصلاح”[55] على اعتبار أنّها لا تقوم بالإصلاح إلّا بتدبير واحدٍ لا يتبدّل، “وهو صرف بعض المُوظَّفين من غير ذوي العلاقة بالقائمين على الحكم”، وتابعت الجريدة أنّها بعد ذلك “تحيط عملها بالتطبيل والتزمير”، موهِمةً الناس أنّها تقوم بإصلاحات. كما كتبت في مقال آخر[56]، أنّ “اللبنانيّين الذين أصدروا على أساليب الحكم أشدّ الأحكام، وقطعوا بفساد وسوء تدبير من عليهم التدبير”[57]، لم يبقَ من “خيط يشدّهم إلى هذه الدولة” سوى أمل الإصلاح عن طريق الحرِّيات والديمقراطيّ، لكن أضافت أنّ الحاكمين قطعوا هذا الخيط.
كما كان للكثير من النوّاب في تلك الفترة مطالعات في المُواطَنة والحرِّيات العامة والعدالة الاجتماعية وانتظام الإدارة، وكان موضوع “الإصلاح” يتقدّم الجدل. وننتقي، على سبيل المثال، مقالًا مُعبِّرا للنائب عبدالله الحاج بعنوان “9 وصايا لتحقيق الإصلاح والقضاء على الفساد”[58] رأى فيه أنّ المعارضة “أظهرت في عدّة مناسبات الفساد الطاغي في دوائر الدولة، وفي المعاملات، وفي طرق تصريف أمور الناس”، وقال إنّ الفاسدين أصبحوا معروفين. وبدأ يسرد عددًا من الوصايا لتشجيع المُتخاذِلين من الناس على محاربة الفساد، منها مثلًا أن يعتبروا الذين أفسدوا “كفّارًا في الوطنية، ومجرمين اجتماعيّين”، وتجدر مقاطعتهم في الأفراح والأتراح، ومنها أيضًا أنّ حقّ الطاعة هو للقانون ولا يملكه إنسان على إنسان، ودعا كلّ مواطن إلى عدم انتظار الإصلاح العام، بحث عليه أن يبدأ من قريته أو مصنعه أو حقله، إلخ.
لم تكن وصايا النائب سوى صدًى للأجواء العامة في نهاية عهد بشارة الخوري. دامت حكومة سامي الصلح الثانية نحو 10 أشهر، خلفتها حكومتان في أيلول 1952 لأيّام معدودة، حتّى وقعت انتفاضة شعبية، ورفض قائد الجيش خلالها التدخُّل ونصح رئيس الجمهورية بالاستقالة. ثمّ شكّل فؤاد شهاب حكومة عسكرية انتقاليّة في 18 أيلول بهدف الإشراف على عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وأسفرت الانتخابات عن وصول كميل شمعون إلى سدّة الرئاسة. كان الاتِّجاه حينذاك لتأليف حكومة برئاسة سامي الصلح، لكنّ الأوساط السياسية فوجِئَت وفقًا لـ “جريدة النهار” باتِّصالات تجري مع رشيد كرامي[59]. وقد صرّح نائب الجبهة الاشتراكية عبد الله الحاج، بعد اجتماع للتشاور حول الرئيس الجديد، بإمكانية تكليف رشيد كرامي.
لكن يبدو أنّ هذه الحكومة، التي ضمَّت إلى كمال جنبلاط عضوًا آخر من الحزب التقدمي الاشتراكي، لم تحظَ بثقة أكثريّة النوّاب[60]، فيما ألحّ بعضهم على بقاء فؤاد شهاب رئيسًا للحكومة، لكنّه رفض[61]. وطرح النائب هنري فرعون اللجوء إلى استفتاء شعبي بعد رفضه إعطاء الثقة لكرامي. أمّا بيار إدّه، الذي رفض أن يكون في حكومة فيها أعضاء من التقدُّمي الاشتراكي، فدعا إلى تأليف حكومة برئاسة عبد الله اليافي يتمّ توزيره فيها إلى جانب كرامي وحميد فرنجيّة. بينما دعا صائب سلام كرامي إلى تأليف حكومة برئاسته تضمّ إدّه وفرنجيّة ورشيد بيضون… وبعد تأزُّم المشاورات، رسَت في النهاية على تأليف حكومة من خارج المجلس النيابي، سمِّيَت “حكومة مُوظَّفين” أو “الحكومة الإدارية”، لا يتعدّى أعضاؤها أربعة وزراء، بمن فيهم رئيس الحكومة خالد شهاب (استمرّت حتّى استقالتها أواخر نيسان 1953)، وكانت أشبه بحكومة انتخابية، أوّل مهامّها وضع نظام انتخابي جديد وحلّ المجلس النيابي وإجراء انتخابات نيابية جديدة.
بداية تشرين الأوّل، في حين لم تكن الحكومة قد نالت الثقة بعد، ورد الخبر الآتي: “أحالت وزارة العدلية على رئاسة مجلس الوزراء قانون ديوان المحاسبة بعد أن أدخلت عليه اللجنة الاستشارية التشريعية بعض التعديلات” -علمًا أنّ شهاب تولّى أربع وزارات، العدلية والداخلية والدفاع والأنباء، إلى جانب رئاسته الحكومة. بالتالي، حمل التعديل توقيع شهاب كرئيس حكومة وكوزير للعدلية في آن- وقد تناول التعديل كلًّا من المراقبة المُسبَقة والمُؤخَّرة للديوان، جاعلًا مراقبته المُسبَقة تطال جميع الأعمال الحكومية، لا سيّما ما يتعلّق منها بصرف النفقات والتعيينات والمُعاهَدات وأعمال التلزيم. ولكن بقيت صلاحياته ضمن الرقابة المُسبَقة مُنحصِرة بإبداء الرأي للحكومة، وإذا مانعت أحال الأمر على مجلس النوّاب ليستعمل حقّه في المراقبة المالية، بالتالي يستجوب المجلس النيابي الحكومة إذا ما قضت الظروف بذلك. كما وقّع شهاب تعميمًا[62] على الوزارات طالبَها بتزويد ديوان المحاسبة بنسخ عن جميع النصوص، وبصورة خاصة عن “جميع القرارات التي صدرت عنها ابتداءً من 1 تشرين الأوّل 1952، والتي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالأوضاع المالية”. حاولت حكومة خالد شهاب (ولا زلنا قبل منح الثقة) إيجاد فتوى لدفع رواتب مُوظَّفين، كانوا وُضِعوا تحت تصرُّف رئاسة الحكومة خلال ولاية لم تدُمْ بضعة أيّام للرئيس صائب سلام في أيلول، ما قبل استقالة بشارة الخوري. وكان أصدر رئيس ديوان المحاسبة قرارًا قضى بعدم دفع الرواتب للمديرين والمُوظَّفين الذين وُضِعوا تحت تصرُّف رئاسة الحكومة، وسعت الحكومة إلى إيفاء رواتب هؤلاء من خلال تكليفهم بمهامّ وظائف مختلفة.
خلال جلسة للبرلمان في 9 تشرين الأوّل، قرأ الرئيس خالد شهاب بيان الثقة للحكومة، وتحدّث عن “ثورة شعبية رائعة” انبثق عنها العهد. وممّا جاء في البيان، تعهُّد شهاب بـ “القيام بتفتيش شامل في جميع دوائر الدولة، وإجراء تحقيق بجميع المخالفات والقضايا المريبة، وملاحقة المسؤولين”… ثمّ طلب منح الحكومة الحقّ في إصدار المراسيم الاشتراعية لمدّة ستّة أشهر، وحصر طلبه بتحقيق بـ 13 قضيّة على غاية الأهمّية[63]، من بينها “إعادة النظر في قانون المحاسبة العامة وديوان المحاسبة”، وهي قضايا شكّلت الجزء الأكبر من المطالب الإصلاحية من العهد البائد. ولم يخلُ النقاش في جلسة الثقة من تنظير من أكثريّة النوّاب، ودعم عدد قليل من النوّاب للحكومة. ونالت الحكومة ثقة المجلس بأكثريّة 67 صوتًا، إذ امتنع النائبان صائب سلام وشارل حلو عن التصويت، وخالف النائب سامي الصلح الذي استفاض بطرح عناوين في المناقشة، بالرغم من أنّه لم يحقّق إنجازات خلال عهده، وربط منحه الثقة بأن تُستثنى، من المواضيع التي على أساسها تُمنح الحكومة الصلاحيات التشريعية، مسألة تعديل قانون الانتخاب.
أمّا النوّاب علي بزّي (حزب النداء القومي) وحميد فرنجيّة وغسّان تويني فكان كلامهم مُقتضَبًا بموقف داعم، اتّفقوا مع رئيس الحكومة على قانون انتخاب على أساس الدوائر الصغرى خارج الإطار الطائفي. واعتبر تويني أنّ الشعب ثار من أجل الإصلاح، لا الإصلاح التشريعي فحسب، مُطالِبًا بعمليّة تطهير تطال من هُم داخل جهاز الدولة وخارجه. أمّا النائب كمال جنبلاط فقال ما حرفيّته: “جئتم لتطهير الدولة من نكبة المُتسوّسين السياسيّين ولِتُرجعوا الإدارة إلى مستوى يليق برجال السياسة”، وطالب الحكومة أن تأخذ بـ “جميع الملاحظات التي أبداها الزملاء حميد فرنجيّة وعلي بزّي وغسّان تويني” فيما يتعلّق بإلغاء الطائفية لصيانة التمثيل النيابي”. وحول الإصلاح الإداري قال جنبلاط إنه وسيلة، وأضاف “فاجعلوا هذه الوسيلة وهذا الإصلاح يتوجّهان لخير الشعب”. أمّا النائب رشيد كرامي فقال إنّ “المجلس هو الذي حمل الحكومة على طلب المراسيم الاشتراعية”، ورأى أنّ المجلس يتهرّب من مسؤوليّته ومن الضروري الإسراع في حلّه، مردِفًا أنّه سيعطي الحكومة الثقة على كلّ ما تطلبه.
في الواقع، كانت مسألة التوظيفات والتطهير، مُجدَّدًا، أولى المسائل المثارة في هذا العهد. في 15 تشرين الأوّل، صدر مرسوم قضى بتعليق حصانات المُوظَّفين 6 أشهر، وبدأت تَرِد في الصحف أخبار صرف مُوظَّفين. فيما انتقد النائب عبد االله الحاج، بداية تشرين الثاني، التعيينات والتشكيلات الجديدة التي أجرتها الحكومة في صفوف المديرين العامين، وطالبها بالاستقالة كما طالب بحلّ المجلس النيابي[64]. وفي ما يتعلّق بمن سَمَّتْهم جريدة الحياة “المُوظَّفون الطُفَيليّون والمُتدخّلون”، أي الذين عُيِّنوا على أساس المحسوبيات في العهد البائد، أعلن أحد الوزراء، في تشرين الثاني، أنّه لن تُؤَلَّف لجنة للتطهير، “قبل أن تفرغ جميع الوزارات من درس حالات مُوظَّفيها”، بواسطة لجان خاصّة[65]، أي إنّ مجلس الوزراء لن يتدخّل، بل ستقوم لجان التطهير الفرعية هذه بالتحقيق والإدانة، سواء في ما يتعلّق بالتدخُّل في الأمور السياسية أو في ما يتعلّق بالمُوظَّفين الذين لا يقومون بأيّ عمل. وعليه، طلبت رئاسة الوزراء من مختلف الدوائر وضع جداول بأسماء هؤلاء المُوظَّفين.
وفي بداية تشرين الثاني، ظهرت بوادر إصلاحية وبوادر أخرى غير إصلاحية. فمِمّا استُبشِرَ به خيرًا مثلًا، إعلان اللجنة التشريعية في وزارة العدل انتهاءَها من إعداد مشروع قانون الإثراء غير المشروع[66]، وكذلك بلاغ وزارة الداخلية بتعيين مراكز لجان قيد الناخبات اللبنانيات[67] (أي حقّ المرأة في التصويت). وأمرٌ آخر هو استمرار اللجان الفرعية في دراسة مشروع قانون جديد لملاك المُوظَّفين، قيل إنّه “تتوفّر فيه جميع الشروط الكفيلة بحماية المُوظَّف من التدخُّلات”، من خلال وضع أُسُس صحيحة للتعيين والترقية[68]. وعلاوةً على ذلك، ظهرت تقارير إعلامية مختلفة تشير إلى نيّة الحكومة التحقيق في فضائح أثيرت في العهد البائد، من فضيحة تهريب رأسماليّين كمِّيات من الذهب إلى خارج لبنان[69]، إلى صفقات في الغنم والقمح[70]، إلى فضائح جرى التحقيق فيها، مثل تلاعُب عناصر من الدرك في سجن صيدا بإعاشة السجن وقبضهم دراهم من بعض السجناء لتسهيل أمورهم والسماح لهم بالخروج من السجن[71]، إلخ.
في المقابل، انتقدَت الصحافة إبقاء قانون الانتخاب الجديد الصادر في تشرين الثاني على توزيع المقاعد النيابية على أساس طائفي. وهذا ما نقرأه في جريدة الحياة حيث جاء “إنّ غاية الطائفية اللبنانية كانت خلق الدولة وضمانة استقرارها، وما دامت هذه الغاية تحقَّقَت، فإنّه لا يبقى أيّ مُبرِّر لاستبقائها”[72]. بالتالي، تُضيف الجريدة، تحوّلت الطائفية “من دعامة دولة إلى سلعة للإتجار”. كذلك، انتقدت إدخال الطائفية في الجهاز الإداري، وتابعت “الإدارة في منتصف القرن العشرين تقوم على الكفاءة والخبرة دون سواها. وإذا تعذّر إنشاء إدارة صحيحة، تعذّر إنشاء دولة”. وانتهت إلى أنّه “مهما اتَّخَذ العهد الجديد من تدابير إصلاحية، فإنّه لن يستطيع أن يصلح الأمور حقًّا، ما دامت الطائفية تسمو على ضرورات الدولة”. علاوةً على ذلك، حصر القانون إعطاء الحقّ في التصويت للمرأة، بالمرأة المُتعلِّمة، أي أبقى النظام على التمييز ضدّ المرأة.
لكنَّ مسألة الإبقاء على التطييف وعلى التمييز الجندري في الانتخابات، لا يلغي الأهمِّية التاريخية لما أقدمت عليه هذه الحكومة في 21 تشرين الثاني 1952، حين أصدرت مرسومًا تشريعيًّا أعاد تنظيم ديوان المحاسبة. وقد أصدرت الحكومة بيانًا في هذا الصدد، جاء فيه ما حرفيّته أنّ “هذا التدبير يلبّي الطلبات التي طالما جاهَرَ بها الرأي العام لمحاسبة كلّ من يتدخّل في إدارة الأموال العامة، ومجازاة كلّ من تُسوِّل له نفسه إساءة التصرُّف بها، ولذلك قرّرت الحكومة منح ديوان المحاسبة السلطات الضرورية لأداء هذه المهمة”[73]. ولفت البيان إلى الحصانة القضائية التي يتمتّع بها أفراد الديوان، وإلى أنّ الحكومة قد أُخضِعَت لرقابة المحاسبة القضائية، وكذلك أنّ “الحكومة قرّرت محاكمة كلّ مُوظَّف يخالف قواعد قانون المحاسبة العامة وأصوله”. من ناحية أخرى، نفّذت الحكومة وعدها بإصدار مرسوم اشتراعي أقرّ قانون الإثراء غير المشروع في 18 شباط 1953. لكنّ حكومة خالد شهاب لم تدُم أكثر من سبعة أشهر، واستقالَت في 30 نيسان 1953.
أتت ثلاث حكومات بعد حكومة خالد شهاب، تحدّثت عن ضرورة إجراء تعديلات على المراسيم الاشتراعية التي أقرَّتها هذه الحكومة، لكنّ هذا الأمر لم تنجزه إلّا الحكومة الرابعة بعد شهاب، والتي ترأّسها سامي الصلح. عادت هذه الحكومة إلى حكاية إبريق الزيت. فمنذ بداية عهدها، قدّمت بعض المشاريع الإصلاحية، كعناوين للاستهلاك الإعلامي، لتمرّر في المقابل بعض التعديلات على التشريعات الإصلاحية. ومن الأمور المهمّة التي أُنجزت في أيلول 1954، إنشاء وزارة جديدة باسم “وزارة التصميم العام“، كان الهدف منها، وفقًا لبيان الثقة، أن “يخطّط لبنان أهدافه ويحصي إمكانياته في جميع مرافقه الحيوية”. ولكنّها تراجعت عن تشريعات مهمّة متعلّقة بديوان المحاسبة. وكان البيان الوزاري لَحَظ أربعة بنود تتعلّق بالإدارة وهي:
1ـ تحقيق اللامركزية على أوسع نطاق؛
2ـ تعديل المراسيم الاشتراعية في بعض نصوصها التي أظهرت التجارب أنّها لم تَفِ بالغاية المقصودة (ومنها ما يتعلّق بديوان المحاسبة)؛
3ـ تبسيط المعاملات الإدارية والمالية بشكل خاص، واختصارها على ما لا بدّ منه؛
4. إلغاء الحصانة التي مَنحَتها المراسيم الاشتراعية للمُوظَّفين الإداريين، وذلك تمكُّنًا من الإشراف الفعّال على أعمالهم، وتعزيز التفتيش الإداري والأخذ بنتائجه.
بعد تلاوة البيان، علّق النائب بيار إدّه قائلًا إنّ البنود كافّة هي تحت عنوان واحد هو تعديل المراسيم الاشتراعية، وإنّ بعضها يحتاج إلى التعديل السريع. وأعطى مثلًا “أحلْتُ منذ شهر شباط الماضي، حين كنت وزيرًا للمالية، تعديلات اشتراعية متعلّقة بالمحاسبة العامة، وذلك من أجل تبسيط المعاملات التي تجعل المشاريع تنتقل من دائرة إلى أخرى من دون أيّ تأخير أو إهمال”. لذا دعا الحكومة إلى طلب صلاحيات وسلطات التشريع “كي توفّر على الشعب التسويف والمُهاتَرات”. فأجاب الصلح أنّه لن يتمسّك بالكرسيّ ويبقى دقيقة واحدة إذا لم تمنح الحكومة هذا الحقّ. وخلال الدورة الاستثنائيّة الثالثة للمجلس النيابي، في 15 تشرين الأوّل، أُعطِيَت الحكومة لمدّة 3 أشهر الحقّ في تعديل المراسيم الإشتراعيّة، وانحصر الأمر في 8 مراسيم. وأقدمت الحكومة بالفعل، في الربع الأخير من عام 1954 على تعديل هذه المراسيم، ومنها: إحداث محكمة إدارية خاصة[74]، إعادة تنظيم ديوان المحاسبة مرّة جديدة[75] (تعديل في تاريخ 23\12\1954 وآخر في تاريخ 18\1\1955)، وضع قانون المحاسبة العمومية[76]، وقانون التنظيم الإداري ويتعلّق باللامركزية الإدارية[77]، ومجموعة من المراسيم تتعلّق بتنظيم إدارات الدولة[78] (التنظيم الإداري وتنظيم الإدارة أمران مختلفان)، وأخرى تتعلّق بالملاكات وأنظمة المُوظَّفين[79].
وقد أدّى التعديل على الديوان من خلال المرسوم الاشتراعي رقم 9 تاريخ 1954/11/23 إلى تضييق دور الديوان في الرقابة المُسبَقة لجهة تقرير الملاءمة بين النفقات والواردات وقصر صلاحياته على الرقابة المُؤخَّرة في هذا الخصوص. كما حوّل المرسوم الديوان من هيئة تمارس الرقابة على كلّ الوزارات إلى هيئة تابعة لوزارة المالية.
لكن تجدر الإشارة إلى عمل مجلس التصميم تلك الفترة على اقتراح قانون لإنشاء مجلس الخدمة المدنية، علمًا أنّ هذه الفكرة كانت مطروحة لدى المُشترِعين منذ عام 1942. وقد أنشأت حكومة سامي الصلح، بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 12/55 تاريخ 1955/1/7، مجلسًا للخدمة المدنية في رئاسة مجلس الوزراء، لكن نشب نزاع بين الحكومة ومجلس التصميم والإنماء، لأنّ الأخير كان سبق وتقدّم بمشروعٍ هدف إلى أن “يكون مجلس الخدمة المدنية مُستقلًّا، وأن يكون أعضاؤه من خارج المُوظَّفين بحيث لا يتأثّر بالاعتبارات السياسية”؛ بالتالي تعطّل المشروع.
ديوان المحاسبة في العهد الشهابي: الإصلاح ليس رفع عتب
بعد الإصلاحات الجزئية في عهد حكومة سامي الصلح عامَي 1954-1955، نام جدل الإصلاحات الإدارية حتّى نهاية عهد الرئيس كميل شمعون. وقد عكست بعض الصحف التي طالعناها الخيبةَ الشعبية من عدم تلبية مطالب الإصلاح[80]، سواء الإصلاحات الجذرية أو الإصلاحات الاجتماعية الاقتصادية. ولكنَّ الموضوع الأبرز الذي حوّل النقمة الشعبية إلى ثورة عام 1958 كان السياسة الخارجيّة للعهد (التملمُل من الموقف حيال الوحدة بين سوريا ومصر). فقد عمّت الإضرابات مناطق لبنان كافّة، وكانت التحضيرات مطلع أيّار 1958 لتجديد ولاية كميل شمعون، وكان هدف الحراك الحؤول دون إعادة تجديد العهد. وأتى اغتيال الصحافي المُعارِض نسيب المتني في 8 أيّار[81] ليحوِّلَ الانتفاضة إلى ثورة. فكان إضرابٌ عامٌّ وعصيانٌ مدنيٌّ ترافق مع اضطرابات أمنية[82]. وكادت الحكومة تفقد السيطرة على حدودها الشمالية[83]، في حين كان موقف الجيش، بقيادة فؤاد شهاب، رفض التدخُّل بين العهد ومُعارِضيه[84].
لم يستجِب شمعون لنقمة الشارع، كما أنّه عاد لتكرار تجربة سلفه في طريقة التعاطي مع الإدارة العامة، فنشر في 9 حزيران 1958 مشروع القانون الخاص بإلغاء حصانة المُوظَّفين[85]، وأعقبه بحركة تشكيلات وصرف[86]. وصوّر ذلك على أنّه إصلاح[87] (كما جرى تعديل بسيط في قانون المحاسبة العمومية يتعلّق بتقسيم موازنة النفقات[88]). ونظرًا إلى عدم تدخُّل الجيش اللبناني لقمع الانتفاضة، لجأ شمعون إلى طلب الحماية الأميركية، فأنزلت قوى من جنود البحرية قرب بيروت في 15 تمّوز، من دون أن يؤدّي ذلك إلى خمود الانتفاضة (حرب، 2012، ص 47). وبالرغم من تمكُّن شمعون من الحفاظ على منصبه حتّى نهاية عهده، إلّا أنّ أمله من الولايات المُتّحدة خاب، لأنّها نصحَته بعدم تجديد ولايته. وفي 31 تمّوز، انتخب المجلس النيابي فؤاد شهاب رئيسًا للبنان، وتسلّم الرئاسة من شمعون في 22 أيلول، ليشكّل حكومة برئاسة كرامي، الذي كان ممّن شاركوا في الثورة على العهد. بعد أيّام، أعلن حزب الكتائب إضرابًا عامًّا، وبدأ التحضير لثورة مُضادَّة، إلى أن جرى الاتّفاق في 14 تشرين الأوّل على تشكيل حكومة جديدة برئاسة كرامي، وعضوية حسين العويني وبيار الجميّل وريمون إدّه، أطلق عليها اسم حكومة الإنقاذ الوطني تحت شعار “لا غالب ولا مغلوب”[89].
تخطيط الإصلاح الإداري الجذري:
أجاز المجلس النيابي للحكومة، في 12 تشرين الثاني 1958، أن تَتَّخذ في مجلس الوزراء مراسيم اشتراعية لمدّة ستّة أشهر (وقَّعَ رئيس الجمهورية على هذا المرسوم في تاريخ 1958/12/12)، وذلك في ما يتعلّق بعناوين عدّة، ومن بينها “التنظيم الإداري، تنظيم الإدارة والإدارات العامة، تحديد الملاكات، أنظمة المُوظَّفين”. ولم يكن للمجلس النيابي أن يرفض هذا الطلب، في وقتٍ كان من صلاحية رئيس الجمهورية حلّ المجلس النيابي (راجِع مقال وسام اللحّام حول المراسيم الاشتراعية)، وفي ظلّ مطالبة الجبهة الاشتراكية بحلّ المجلس.
ولم تتأخّر حكومة كرامي الرباعية حتّى بدأ العمل الجدّي، بحيث تمّ تشكيل هيئة في رئاسة مجلس الوزراء تُدعى “الهيئة المركزية للإصلاح الإداري” في تاريخ 6\12\1958؛ كان على الهيئة أن تقدّم اقتراحات متعلّقة بسلّة المراسيم الاشتراعية، وأن تعيد تنظيم جميع إدارات الدولة وترفع مستواها، وأنيط بها عدد كبير من المهامّ لتحقيق هذه الغاية. قُسِّمَت الهيئة إلى 7 لجان كبرى وستّين لجنة فرعية، واختير أشخاص من ذوي الخبرة والاختصاص لهذه اللجان. (كفوري، 2012، ص 46)، وطُلِب من الهيئة إنجاز مهامّها في 6 أشهر.
مراجع تاريخية عدّة كتبت حول تلك الفترة التأسيسية، وميّزتها من العهدَين السابقَين اللذَين لم يتمكّنا من إنجاز الإصلاحات المنشودة. لم يكرّر شهاب تجربة سلفَيه بتشكيلات جديدة وعمليات صرف المُوظَّفين. قالت ندى فيّاض في كتاب “الدولة المدنية- تجربة فؤاد شهاب في لبنان” إنّ هذا العهد الذي كان يملك رغبةً في الإصلاح الجذري وتصميمًا عليه “وجد أنّ المهمّة هي أخطر وأصعب وأدقّ من مُجرَّد عمليّة تشكيلات عامة، كالتي تستسيغها العهود السابقة”. وأضافت أنّه أراد تشخيص المرض قبل إعداد الدواء، وبدلًا من “ديكتاتورية الطبيب الواحد”، وعملًا بالطريقة الديمقراطية الحديثة، ألّف لجان الإصلاح لدرس أوضاع الدولة[90]، فيما يمكن وَصْف ما تمّ في تلك الفترة التاريخية بتهيئة القدرات البشرية والأطر التشريعية اللازمة لوضع خطّة[91] وبرنامج عمل لتنفيذ الإصلاح الإداري الجذري، الأمر الذي لم يحصل قبل الحقبة الشهابية (عهد الرئيسَين فؤاد شهاب وشارل حلو) ولم يحصل مُجدَّدًا بعد تلك الحقبة.
وبدا لنا، من متابعتنا الوثائق، أنّ اللجان الوزارية كانت تعمل بصورة مُنتظِمة، ذلك أنّها بدأت، منذ شباط، تحيل توصياتها إلى الهيئة المركزية، وكانت السياسات الاقتصادية-الاجتماعية تحتلّ مرتبة أوّلية من اهتمام الحكومة[92]. ففي آذار، على سبيل المثال، رفعت لجنة تنظيم ملاكات الدولة توصية إلى الهيئة المركزية بخصوص إنشاء مجلس الخدمة المدنية[93]، وأجرت الهيئة تعديلات طفيفة على المشروع وانتهت منه في غضون أيّام معدودة ورفعته إلى مجلس الوزراء[94]. وعلى هذا النحو، كانت تتمّ الأمور في بقيّة المشاريع. ويُذكَر أنّه في أواخر أيّار، تمّ تحديد سلسلة رتب ورواتب لوظائف مؤقَّتة أُحدِثت لدى ديوان المحاسبة. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ عمليّة الإصلاح لم تمرّ من دون مقاومة ممّن اعتبروا أنفسهم مُتضرِّرين من بين المُوظَّفين، إذ حاول الناقمون منهم تحريض زملائهم على الإضراب، فجاء الردّ حازمًا بالتهديد بصرف من يُضرِب، على اعتبار أنّ “الدولة –وليست الحكومة- لا تقبل أيّ مساومة على المبادئ الأساسية التي تقوم عليها”، مع إشارة مصادر رسمية للنهار إلى عدم تفاجُئها ممّا أحدثته المراسيم في أوساط المُوظَّفين “لِعِلْمِها بمَيْل هؤلاء –بعد فساد 16 عامًا- إلى معارضة كلّ عمل إصلاحي”[95].
خلال أيّار 1959، نشر جبران حايك سلسلة مقالات له في جريدة “النهار”[96]، يفنّد فيها عمل لجان الإصلاح ويحلّلها ويفسّرها. وكان لافتًا تعريفه الإصلاح بأنّه عمل إنساني لا عمل إلهي، وأنّه باختصار “أن يتمكّن أيّ مواطن عادي، من القرية جاء أم من المدينة، من الوصول إلى حقّه والقيام بواجباته، بسهولة وبساطة، وبأقلّ كلفة وأسرع وقت”. وأضاف أنّه يجب ألّا يصل أحد إلى أكثر من حقّه ولا إلى أقلّ منه، وأنّ على الجميع أن يؤدّي واجبه، “تحت رقابة صارمة وعادلة من المجتمع المُمثَّل بالدولة”. ثمّ أعطى أمثلة تظهر كيف يكون ذلك عمليًّا بالنسبة إلى المهندس والمزارع والتاجر، معتبرًا أنّ لجان الإصلاح كانت أفضل طريقة ديمقراطية دستورية لدرس أوضاع الدولة كافّة، لأنّ “العهد الجديد لا يؤمن بدكتاتورية الطبيب الواحد”. فيما كتبت جريدة النداء حول ما كان الناس ينتظرونه من المراسيم الاشتراعية، وقوامه جعل أجهزة الحكم والإدارة أقرب إليهم وأكثر مرونة في تلبية مطالب أصحاب المصالح و”إشاعة الروح الديمقراطية في أعمالها وسير نشاطها”[97]. ورأت أنّه سيكون لتحسين الإدارة أثره في إشاعة الألفة والثقة والتآخي بين المواطنين، ويصبّ في مصلحة الوحدة الوطنية.
وكانت كلمة للرئيس فؤاد شهاب شرح فيها نظرته إلى موضوع الإصلاح، قال: “لقد تبيّن لي، بعد أن عكفْتُ ستّة أشهر على دراسة أوضاع الدولة، أنّ الفساد لا يكمن بالأشخاص بقدر ما يكمن في الأنظمة التي تقوم عليها دوائر الدولة” (أنيس فاخوري، 2012، ص 142). كما كان شهاب يعتقد أنّه يجب أن يبدأ من الإصلاح السياسي، إنّما وجد صعوبة في هذا الأمر، فرأى أن يبدأ من الإصلاح الإداري الذي كان محور عمل اللجان، ثمّ الإصلاح الاجتماعي-الاقتصادي الذي كان محور عمل بعثة إيرفد، وصولًا إلى تحقيق المُواطَنة لـ “إعادة بناء شخصية المواطن مادِّيًّا ومعنويًّا”.
تنفيذ خطّة الإصلاح:
تمكّنت اللجان من إعداد 162 مرسومًا إشتراعيًّا[98]، 82 منها، وهي الأبرز، صدرت بمراسيم اشتراعية في يوم واحد في تاريخ 12\6\1959. ثمّ في 23 حزيران، أودعت الحكومة نسخة من المراسيم في المجلس النيابي للاطِّلاع عليها ومناقشتها، بالرغم من أنّها كانت أصبحت نافذة منذ تاريخ نشرها. وقد طالعنا كيف كانت الصحف تعجّ بعناوين تلك المراسيم، وبقيت فترة طويلة تناقشها، وكان أبرز ما أثار النقاش من المراسيم، إنشاء التفتيش المركزي وإنشاء مجلس الخدمة المدنية، إذ عوّل عليهما في محاربة الزبائنية وفي فصل الإدارة عن السياسة. كما كان من أبرز تلك المراسيم ما يتعلّق بـ: تنظيم ديوان المحاسبة، وقانون المحاسبة العمومية، نظام مجلس شورى الدولة، إنشاء مجلس النقد والتسليف، إحداث مديرية الإحصاء المركزي، قانون المصالح المستقلّة، قانون التنظيم الإداري، نظام المُوظَّفين، رفع الحصانة عن المُوظَّفين، تنظيم الإدارات العامة، المحاكم العدلية، إلخ.
وبخلاف المواضيع الأخرى، لم يَحظَ تنظيم ديوان المحاسبة باهتمام الصحف أو بجدلٍ حوله، ولربّما يعود الأمر إلى كثرة العناوين المطروحة، بالرغم من الأهميّة الكبيرة للتنظيم الجديد. فبعدما كان الديوان في العام 1952، رقيبًا كما تعرّفه المادّة الأولى من قانونه، مهمّته “السهر على إدارة أموال الدولة والبلديات والمُؤسَّسات العامة التي تديرها الدولة أو البلديات… والبتّ في المعاملات المتعلّقة بواردات الموازنة ونفقاتها، ومقبوضات الخزينة ومدفوعاتها، وجوهر المعاملات التي تعود لها”؛ ثمّ أصبح عام 1954، كذلك وفق تعريف المادّة الأولى من قانونه “هيئة مرتبطة بوزارة المالية، مهمّتها السهر على إدارة الأموال العمومية، وذلك بمراقبة استعمالها، والفصل بصحّة حساباتها وقانونية معاملاتها، ومعاقبة المسؤولين عن مخالفة القوانين والأنظمة المتعلّقة بها”؛ عاد وأصبح عام 1959، “هيئة – قضائية إدارية – مهمّتها السهر على إدارة الأموال العمومية، وذلك بمراقبة استعمالها بالفصل في صحّة حساباتها وقانونية معاملاتها، وبمحاكمة المسؤولين عن مخالفة القوانين والأنظمة المتعلّقة بها”. ولكنّ الديوان أصبح مرتبطًا إداريًّا برئيس مجلس الوزراء بدلًا من وزارة المالية.
يُذكَر أنّ كثيرين من أعضاء المجلس النيابي – الذي أنتجته انتخابات مشكوك في شرعيتها في عهد كميل شمعون – استشعروا تهديدًا لهم في عدد من التشريعات، بخاصّةٍ ما يتعلّق منها برفع الحصانة عن المُوظَّفين، وبالشهادة الجامعية كموجب للترشُّح للوظيفة، فالتقى أنصار العهد البائد مع نوّاب “ما تبقّى من جبهة الاتّحاد الوطني”[99]، وفقًا لتعبير جريدة النهار، في اعتراضهم على عدد من الإصلاحات. لجأ بعض النوّاب إلى المنظار الطائفي في طلبه بإلغاء الشهادات الجامعية، لأنّه اعتبر أنّ “الطائفة الشيعية لا تضمّ عددًا كافيًا من المُتعلِّمين”، فيما اعتبر نوّاب حزب الأحرار[100] أنّ نصوص نظام المُوظَّفين الجديد “يُقصَد به تطهير الدوائر من أنصار شمعون”[101]، بينما أعربت الحكومة عن استعدادها طرح الثقة بنفسها لمواجهة تلك الاعتراضات.
همُّ إعادة الاستقرار يطغى مُجدَّدًا:
أعاد اغتيال النائب نعيم مغبغب، في 27 تمّوز 1959، خلط الأوراق السياسية وتهديد الاستقرار[102]. دعا رئيس الجمهورية إلى تأليف حكومة اتِّحاد وطني لقطع الطريق على استغلال الحادث طائفيًّا[103]. وفي 7 تشرين الأوّل جرى تعديل وزاري، وأصبحت الوزارة برئاسة كرامي مُؤلَّفة من الوزراء: فيليب تقلا، علي بزّي، موريس زوين، فؤاد بطرس وفؤاد نجّار، وسُمِّيَت حكومة “إنقاذ وطني”. وصدرت الدفعة الأولى من التشكيلات الإدارية على عهد هذه الحكومة، وأشارت النهار إلى ترشيح “رؤوس كبيرة” من المُوظَّفين في حملة التطهير هذه[104]، وقد أعدّ رئيس الجمهوريّة القسم الأكبر من التشكيلات، فعجّت الصحف في تشرين الأوّل وتشرين الثاني بأخبارها. ويُذكَر أنّه وقع خلاف بين “كبار المسؤولين” وفق النهار، حول الإبقاء على معيار التوازن الطائفي في توزيع الوظائف[105]، وكان من الأمور التي أُخِذَت لاحقًا على العهد إبقاؤه على المُناصَفة بين الطوائف في الوظائف العامة. وقد استمرَّت حكومة رشيد كرامي إلى حين الانتهاء من الانتخابات النيابية المُبكِرة، والتي عُقِدَت قبل موعدها في أيّار 1960.
وبعد انتخاب مجلس نيابي جديد، تشكّلَت حكومة برئاسة أحمد الداعوق دامت 3 أشهر، تَلَتْها حكومتان برئاسة صائب سلام. وخلال عهد حكومة صائب سلام الثانية (20\5\1961 إلى 31\10\1961)، أحالت الحكومة تعديلًا على المرسوم الاشتراعي رقم 117 الصادر في 12\6\1959 المُتعلِّق بديوان المحاسبة، ويقول التعديل “لا تخضع الصفقات التي تُجريها المُؤسَّسات العامة والبلديات لرقابة ديوان المحاسبة المُسبَقة إلّا عندما تبلغ قيمتها المُعدَّلات المُحدَّدة في المادّة الأولى”. نُشِرَ مشروع قانون التعديل هذا إلى جانب مجموعة أخرى من مشاريع القوانين بمراسيم في بداية آب[106]، ارتبطَت ثلاثة منها بعدم ازدواجيّة الصلاحيات بين مجلس الخدمة المدنية وديوان المحاسبة وتسهيل المعاملات (التعديلات على المراسيم 114-117 و118). وأقرّت التعديلات بمرسوم في تاريخ 18\8\1961.
كانت تلك أبرز التطوُّرات المُرتبِطة بالفترة الشهابية. وخلال السنوات اللاحقة، قبل نشوب حرب 1975-1990، لم يُجرَ أيّ تعديل في قانون المحاسبة أو في ديوان المحاسبة، لكن حصلت بعض التعديلات في ما يخصّ المُؤسَّسات والهيئات والجمعيات الخاضعة لرقابة الديوان، وأخرى مُتعلِّقة بمُخصَّصات مُوظَّفي الديوان أو شروط تعيينهم، وأخرى تتعلّق بمهل إيداع الحسابات في الديوان. وقد صدرت مراسيم تتعلّق بنظم إرسال الحسابات والجبايات إلى الديوان (كثير منها تتعلّق ببلديات بعينها)، وأخرى تتعلّق بأصول الرقابة على المصالح المُستقلّة التابعة للدولة أو البلديات وتعاونية مُوظَّفي الدولة والجامعة اللبنانية.
كما تجدر الإشارة إلى حصول تطوُّر سلبي على مستوى الإدارة عام 1972 (عهد سليمان فرنجيّة) مع تعديل نظام المُوظَّفين (المرسوم رقم 3169 تاريخ 29/4/1972) “بحيث بات بإمكان وضع مُوظَّفي الفئة الأولى بالتصرُّف، وذلك بمرسوم يُتَّخَذ في مجلس الوزراء، ما يؤدّي إلى تقوية صلاحيات السّلطة السياسية على حساب الإدارة”[107]. كما حصل تطوُّر بارز آخر في العام 1978، مع صدور مرسوم يقضي بتنظيم الرقابة المالية على المُؤسَّسات العامة. وقد أدّت الحرب، وما تبعها من تغيُّر في نظام الحكم، إلى إعادة خلط أوراق ديوان المحاسبة بالكامل.
الحرب وتعطيل الإدارة والديوان
كان للحرب دور كبير في تعطُّل أجهزة رقابة الإدارة. فمنذ عام 1975، اقتصر دور الديوان على الرقابة المُسبَقة، أي إبداء الرأي، من دون الرقابة المُؤخَّرَة، كما توقّف الديوان عن نشر تقاريره السنويّة منذ عام 1976. فعليًّا، كانت معظم مُؤسَّسات الدولة مُعطَّلة، فاقتصر دور الحكومات على تصريف الأعمال وتعطّل العمل الرقابي للمجلس النيابي. أدّى ذلك إلى إحساس المُوظَّف بأنّه بات قادرًا على ارتكاب المُخالَفات بمأمن من العقاب[108]. وكان الأثر الأبلغ للاجتياح الإسرائيلي للبنان (حزيران 1982)، بحيث تعطّلت مرافق الدولة، بما فيها المجلس النيابي، ولم يتجاوز عدد جلسات هذا المجلس السبع في عقدها العادي، والخمس في عقدها الاستثنائي، وكانت بمعظمها لانتخاب لجان المجلس أو لانتخاب رئيس للجمهورية أو لإعطاء الحكومة الحقّ في إصدار المراسيم الاشتراعية. وهذا ما حصل خلال جلسة 2 تشرين الثاني 1982، مع إعطاء حكومة شفيق الوزّان (وهي الحكومة الأولى في عهد أمين الجميّل) الحقّ في إصدار المراسيم تحت عناوين واسعة من الأمن والدفاع إلى الإدارة والقضاء والتربية والتعليم.
كانت حكومة الوزّان تُصدِر المراسيم تباعًا، ووصل عددها عام 1983 إلى 455 مرسومًا، منها 150 مرسومًا صدرت في يوم واحد في 16 أيلول 1983. ولم تكن هذه المراسيم ذات التأثير الثوري والتأسيسي في الإدارة كالمراسيم التي أتَتْ في عهد فؤاد شهاب عام 1959، إنَّما أتَتْ نتيجة تعذُّر ممارسة المجلس النيابي دورَه. وكان أحد القوانين مرسوم رقم 82، قضى بإعادة تنظيم ديوان المحاسبة، فأحدث للمرّة الأولى وظيفة مُدقِّق حسابات. لاحقًا، عُدِّل القانون بالمرسوم الاشتراعي رقم 5 تاريخ 23/3/1985.
وبين عامَي 1990 و1992، انصبّ اهتمام مختلف القوى على وقف الاقتتال وإرساء صيغة جديدة من التوازنات، لذا لم تكنْ إعادة الانتظام القانوني للإدارة ضمن أولويات الأفرقاء. ثمّ ترافق قدوم رفيق الحريري إلى رئاسة الحكومة مع وعود الإصلاح الإداري. إلّا أنّ ما حصل خلال الحكومات الثلاث الأولى للحريري كان تمامًا معاكسًا للإصلاحات، إذ جرى غضّ الطرف عن مختلف تجاوزات الإدارة المالية التي وقعت خلال الحرب، من دون أيّ تدابير لإعادة تفعيل أجهزة الرقابة المالية وتنشيطها. ويمكن اختصار حقبة التسعينيات بمفارقة تتمثّل في الترويج الإعلامي المُستمرّ لسلامة الأوضاع المالية والاقتصادية، مع الإبقاء على تصدُّعات الإدارة المالية للدولة خلال الحرب. أمّا إعادة تفعيل دور ديوان المحاسبة، فكانت تنقصه الإرادة السياسيّة، ذلك أنّ نشاط الرئيس الجديد لديوان المحاسبة، عام 1992، كان يصطدم بعقبات لوجستية وسياسية، وأخرى ترتبط بعدم مواكبة القانون القديم لحداثة الإدارة، وقد حالت كلّ هذه الأمور دون استعادة الديوان دوره السابق.
في أيلول 1992، تسلّم القاضي حسين حمدان مهامّ رئاسة الديوان (بعد أن كان نائبًا عامًّا ماليًّا لديه). وفي أواخر العام 1992، أجرى حمدان مقابلة مع “جريدة السفير” أوضح فيها للرأي العام طبيعة المهامّ المُلقاة على عاتق الديوان. فقد بدأ، انطلاقًا من ملفّات كان يتابعها من موقعه السابق كمُدَّعي عام مالي (تتعلّق بالجمارك ومُؤسَّسة الضمان وقضايا أخرى)، بتطبيق إجراءات بحقّ مُوظَّفين في الجمارك: “صدرت بحقّهم عقوبات إدارية بسبب ارتكابهم مخالفات أدّت إلى إضاعة أموال على الخزينة”[109]، وقال وقتذاك إنّه ينتظر نتيجة التحقيقات تتعلّق بمُوظَّفين آخرين في مُؤسَّسة الضمان. وعدا القضايا المالية، اهتمّ حمدان بمسألة التعيينات و”المُتعاملين مع وزارة التربية” ودور الديوان في التثبُّت من قانونية التعيينات، مشيرًا في هذا الصدد إلى 2000 مُتعامِل، بينهم 800 لا عمل لهم ويقبضون رواتبهم؛ كذلك، تحدّث عن تعيين 400 مُوظَّف في الجامعة اللبنانية من دون الحاجة إليهم. لكن، من ناحية أخرى، كان حمدان يرى أنّ قانون تنظيم الديوان “بصيغته الحاضرة غير كافٍ لإعطاء الرقابة المالية للديوان الفاعلية التي يجب أن تكون لها”، وتحدّث عن اقتراحات لتعديل القانون تقدَّمَ بها لتعزيز صلاحية الديوان. ومن أبرز الإصلاحات التي تضمَّنَها التعديل القانوني الصادر في القانون رقم 132 تاريخ 1992/4/14، توسيع ملاك الديوان، فضلًا عن إنشاء قسم القانون المالي في معهد الدروس القضائية. وقد أذن هذا التعديل بتعيين عدد من القضاة من خرّيجي المعهد في فترة التسعينيات (بلغ مجموع عددهم 22 قاضيًا) ساهموا، إلى جانب قضاة (11) عُيِّنوا بموجب مباراة محصورة من بين المُراقِبين، في معالجة الشغور إلى حدٍّ كبير، قبل أن يتوقّف إجراء المُباريات المفتوحة لدخول المعهد، ومن بعدها المحصورة تباعًا في العامَين 1998 و2003، وتعود فجوة الشغور لتتعمَّق.
ومن العقبات الأخرى أمام عمل الديوان، غيابُ قطوع الحسابات لموازنات سنوات الحرب، وهو الأمر الذي ورد في الأسباب المُوجِبة لتعديل الفقرة الثانية من المادّة 56 من قانون تنظيم ديوان المحاسبة (قانون رقم 393 تاريخ 1995/1/12) ما حرفيّته: “تبيَّنَ لديوان المحاسبة في معرض ممارسته رقابتَه المُؤخَّرة أنّ عددًا كبيرًا من الإدارات العامة والمُؤسَّسات العامة والبلديات الخاضعة لرقابته لم تُرسِل حساباتها عن السنوات 1981- 1991 نتيجةً لفقدان بعض المستندات أو كلّها بسبب الأحداث الأمنية التي حصلت في الفترة المذكورة”. وكان هذا القانون أشبه بعفوٍ عام عن ارتكابات ما قبل العام 1991 التي لم تلحَظْها التقارير السابقة للديوان، واقتصر مضمون التعديل على ما يأتي: “مع مراعاة القرارات النهائية الصادرة عن ديوان المحاسبة بالنسبة لحسابات السنوات السابقة، يمارس ديوان المحاسبة رقابته على الحسابات اعتبارًا من حسابات السنة 1991”.
نشر هذا المقال في الورقة البحثية: “ديوان المحاسبة المتعثرة”
لقراءة وتحميل الورقة البحثية بصيغة PDF
مراجع
عبد الرحمن محمود الحصّ، لبنان في عهد الرئيس شمعون (بيروت، 1953).
إسكندر الرياشي، قبل وبعد (بيروت، دار الحياة، 1953).
الياس البواري، تاريخ الحركة العمّالية والنقابية، الجزء 1 (بيروت، دار الفارابي، 1986).
كمال صليبي، تاريخ لبنان الحديث (بيروت، دار النهار للنشر، 1991).
باسم الجسر، فؤاد شهاب (مُؤسَّسة فؤاد شهاب، 1998).
عدنان السيّد حسين، كيف يُصنع القرار في الأنظمة العربيّة (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2010).
ندى حسن فيّاض، الدولة المدنية تجربة فؤاد شهاب (بيروت، منتدى المعارف، 2011).
توفيق أنيس فاخوري، الشهابية مدرسة حداثة رؤيوية (بيروت، 2012).
مروان حرب، الشهابية حدود التحديث السياسي في لبنان (بيروت، دار سائر المشرق، 2012)
توفيق أنيس كفوري، الشهابية مدرسة حداثة رؤيويّة (بيروت، دار سائر المشرق، 2012).
[1] يُشار إلى 12 سنة من عهد الشهابية، على اعتبار أنّ عهد الرئيس شارل حلو شكّل امتدادًا لعهد الرئيس فؤاد شهاب.
[2] وتلا ذلك اعتراف خطير من الكاتب مفاده أنّه كان في رأس الذين كلّفَتهم المُفوَّضية الفرنسية في بيروت بصرف ملايين الجنيهات للدعاية للفرنسيّة، وتطرّق بعدها إلى رموز الانتداب الذين استمرّوا في السلطة، قال “يجب علينا أن نقرّ للفرنسيّين بمَكرُمة نبيلة، هي أنّهم لم يفضحوا الذين انقلبوا عليهم في ما بعد، بل أرسلت المُفوَّضية الفرنسية سنة 1941 أوراقها وسجلّاتها تحرقها في أتون النار…”.
[3] هذا ما حاولت الصحف استخلاصه، وكذلك العديد من المراجع حول عهد الاستقلال، ومنها على سبيل المثال كتاب “لبنان في عهد الرئيس شمعون” للصحافي عبد الرحمن الحصّ (1953) الذي ورد فيه أنّ “النفر الذين مهّدوا للاحتلال سبل التحكُّم والسيطرة في بلدهم فمهّد لهم الاحتلال أسباب الجاه والقوّة والنفوذ، هذا النفر بقي بعد أن زال الاحتلال وغربت شمسه عن لبنان، بقي لا يختفي ويتوارى بل ليسيطر ويتحكّم بقوّة المال، وبقوّة الجاه والنفوذ، وبقوّة رجال الفتوّة” القبضايات، بقي هؤلاء لتوجيه سياسة لبنان ومصالح لبنان وفق أهوائهم ومصالحهم، فحازوا أموال الشعب واكتنزوا الثروات من غير سبيلها المشروعة، وجمحوا في طريق الحصول على المادّة، ونسوا أنّ الشعب يسمع ويرى…”
[4] أين نحن من سلطاتنا الوطنية؟. جريدة العمل، 14 كانون الأوّل 1944.
[5] الحالة الداخلية لا تدعو للارتياح. جريدة العمل، 14 كانون الأوّل 1944.
[6] التابعة لحزب الكتائب الحديث النشأة (1936).
[7] جبران تويني. قال لي صاحبي!. جريدة النهار، 17، 18، 19 كانون الثاني 1945.
وأسهب تويني في مقاله، الذي نشرَته النهار على أربعة أيّام مُتتالِية، في سرد الفضائح التي تخلَّلها عهد رياض الصلح. ثمّ تحدّث عن نائبه في الوزارة حبيب أبي شهلا وتشكيله للمحاسيب في الإدارة “فقد كان منزله وديوانه يغصّان بطلّاب الحاجات (…) فكم عيّن من المُوظَّفين وكم رقّى”، ولكن تويني قال إنّه لم يتّخذ قرارًا “إلّا تحت ضغط، إمّا يأتيه من فوق وإمّا من تحت…”
[8] أف لهؤلاء السماسرة. جريدة العمل، 18 كانون الثاني 1945.
وتحدّث المقال عن انتهاز من جهة، وغبن من جهة أخرى، وأنّ الريح كانت مؤاتية للسماسرة الطامعين بسبل كسب سهلة، وتابع “ومن المؤسف أن يكون معظم أولئك السماسرة من طبقات في المجتمع تدّعي أنّها أرقى طبقاته”. وأضافت الجريدة إلى ذلك قدرة الطاقة البشرية المُتاحة على تحمُّل الأعباء، قالت “كيف يستطيع الوزير مثلًا أن يهتمّ في وقت واحد بسياسة وزارته العليا وسياسة التوظيف والمُداخَلات والمراجعات؟”.
[9] الاستقلال – خوف في غير محلّه. جريدة النهار، 10 كانون الثاني 1945.
[10] تأسَّست عام 1936 – وقد تزعّمها الرئيس إميل إدّه.
[11] أي “حزب الاتِّحاد الدستوري” الذي أسّسه بشارة الخوري عام 1934.
[12] عبد الحميد كرامة يشكّل الوزارة الجديدة. جريدة النهار، 11 كانون الثاني 1945.
[13] منها مثلًا استعادة هيبة الحكم والقانون، ومحاربة الغلاء، ومنع الاحتكارات الجديدة ومراقبة القديمة.
[14] يُضاف إليهم أحمد الأسعد، ونقولا غصن، ورئيس الوزراء عبد الحميد كرامي.
[15] أوّل “مجلس وزارة” في السراي. جريدة النهار، 12 كانون الثاني 1945.
[16] لجنة خاصة لدرس أحوال المُوظَّفين. جريدة النهار، 25 كانون الثاني 1945.
[17] اجتماع لجنة التنظيم الإداري. جريدة النهار، 26 كانون الثاني 1945.
لجنة التنظيم الإداري. جريدة النهار، 27 كانون الثاني 1945.
[18] نظام الدوائر العامة الجديد. جريدة النهار، 29 كانون الثاني 1945.
[19] الحكومة تشرع في تنفيذ بيانها الوزاري. جريدة النهار، 27 كانون الثاني 1945.
[20] الوزارة بين البقاء والتعديل والاستقالة. جريدة النهار، 19 حزيران 1945.
[21] اُنظُرْ على سبيل المثال التقرير الذي قدّمه في المجلس النيابي في نيسان 1945 حول الموازنة العامة. وقد رأى فيه أنّ الحكومة “لم تستطِع أن تنهج سياسة رشيدة في رسم خططها الاجتماعية والاقتصادية للفترة التي تلي خلاص الحرب”، وأشار إلى أنّ التضخُّم المالي يوجِب على الحكومة أن تتّخذ تدابير استثنائية عادلة للوصول إلى حالة من الاستقرار. وطالب الصلح بتعزيز القطاعات الإنتاجية بدلًا من الاعتماد على الحوالات المالية التي تردنا من المهاجرين. وسأل عن التدابير التي اتَّخذتها الحكومة لمنع تسرُّب رؤوس أموالنا إلى الخارج. كما دعا إلى وضع أسس للإصلاح من خلال: توسيع شبكة المواصلات، والقضاء على موجات الغلاء، وتنزيل الأجور في السكن، وتوقيف تضخُّم العملة، والاستفادة من الثروات الطبيعية، واتّباع سياسة إنشائية جديدة، وافتتاح المدارس النموذجية الحديثة، والمستشفيات والإصلاحيات…
الدور التشريعي الخامس- العقد العادي الأوّل سنة 1945- محضر الجلسة الخامسة.
[22] هذا العهد! -6-. جريدة النهار، 19 كانون الثاني 1946.
[23] كيف يتمّ الإصلاح. جريدة النهار، 19 كانون الثاني 1946.
[24] ممنوع على المُوظَّف التجارة والقمار والسياسة. جريدة البيرق، 11 شباط 1946.
وأثير جدل في الصحف حول موضوع تحريم الاستدانة، وأوحت إثارة هذه الشروط بأنّ مشكلة استقامة الإدارة منبعها الوازع الأخلاقي.
[25] ميشال زكّور. حول ديون المُوظَّفين. جريدة المعرض، 8 آب 1935.
[26] قانون العمل بالمجلس. جريدة البيرق، 11 شباط 1946.
[27] صدى المُذكّرة الإصلاحية. جريدة البيرق، 18 أيّار 1946.
الإصلاح! الإصلاح!. جريدة البيرق، 20 أيّار 1946.
تأييد مُذكّرة الإصلاح. جريدة البيرق، 17 أيّار 1946.
[28] تظاهرة شباب بيروت بتأييد الإصلاح. جريدة البيرق، 18 أيّار 1946.
[29] مُذكّرة الإصلاح رقم 3. جريدة البيرق، 27 أيّار 1946.
المُذكّرة الثالثة وقّعها في 24 أيّار النوّاب: عمر الداعوق، لويس زياده، ألفرد سكاف، محمّد خالد، محمّد عمر بيهم، حبيب طراد، فيليب تامر، نهاد إرسلان، كمال جنبلاط، محمّد عبّود عبد الرزاق.
[30] هي عبارة عن تحالف القومية اللبنانية التي تسعى إلى بناء علاقات متينة مع الدول العربية، وفي طليعتها “رجالات الاستقلال” من رياض الصلح – حزب الاستقلال -، إلى بشارة الخوري – الحزب الدستوري – إلى مجموعة من الزعامات التقليدية. وكان في مواجهتها ثلاثة تيّارات راديكاليّة ومجموعة تيّارات معارضة براغماتيّة:
تيّار تقوده الكتلة الوطنية، فضّل توطيد العلاقات مع فرنسا بدلًا من الدول العربية؛
تيّار قومي عربي يبحث عن الوحدة مع سوريا، في طليعته الحزب القومي السوري؛
وتيّار ثالث يتمثّل في القوى اليسارية والنقابية، ويرى في التيّارات القومية والطائفية عائقًا أمام التقدُّمية وتطوير بنى الحقوق الاجتماعية.
أمّا التيّارات البراغماتيّة فتلتقي أحيانًا مع كلّ من التيّارات الأربعة وتعارضها أحيانًا كثيرة، ومن هؤلاء عبد الحميد كرامي (الذي فضّل الوحدة مع سوريا بالرغم من مشاركته كرئيس حكومة في النظام)، والحزب التقدُّمي الاشتراكي (الذي قدّم المسائل الاجتماعية على مسائل أخرى بالرغم من مشاركته في النظام)، وغسّان تويني الذي التقى مع رياض الصلح وبشارة الخوري في سياستهما الخارجية، وعارضهما في سياستهما الداخليّة، وحزب الكتائب الذي بالغ في التنظير للقومية اللبنانية ولكنّه عارض الحكم حين أُقصِيَ عنه.
[31] رياض الصلح يؤمّن طريق العودة. جريدة النهار، 3 كانون الثاني 1949.
[32] أتى ذلك على وقع توتُّرات أمنية شهدتها البلاد، تطرّق لها النائب المعارض خليل أبو جوده خلال جلسة نيابية بيان الثقة في 25\1\1949 مُستجوِبًا الحكومة، حول تفلُّت الأمن واستخدام السلاح خلال تظاهرات وقعت فيها “مذابح” من جهة، وحول إهمال الحكومات المُتعاقِبة بشؤون البلاد و”الفوضى المُتفشِّية في الدواوين”، وقال “ليس بمُستغرَبٍ أن تكون الحكومة على خلاف دائم مع الشعب ما دامت مُختلِفة مع نفسها، وما دام الخلاف قائمًا في قلب مجلس الوزراء”. وأضاف أنّه إذا كانت الحكومة تشغل نفسها بنفسها، فإنّ ذلك يمنعها من الاهتمام بشؤون البلاد. ولم يشأ الصلح أن يردّ، واعتبر أنّ هناك حملةً مُوجَّهَةً ضدّه.
الدور التشريعي السادس- العقد الاستثنائي الثاني لسنة 1949 ـ محضر الجلسة الأولى.
[33] بحث قواعد مصالحة وطنية عامة في لبنان. جريدة العمل، 1 كانون الثاني 1949.
[34] ماذا بحث مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة. جريدة العمل، 12 كانون الثاني 1949.
[35] تعديل أحكام قانون المحاسبة. جريدة العمل، 7 كانون الثاني 1949.
(وفي 8 كانون الثاني، عُيِّن مُفتّش للتحقيق في شكاوى العمّال كخطوة مُمهِّدة لتنفيذ قانون العمل)
[36] طلائع “الإصلاح” في الدولة كما تمخّض عنها مجلس الوزراء. جريدة النهار، 29 كانون الثاني 1949.
[37] بطل “الإصلاح” يريد أن يضع في الوظائف المفاتيح رجالًا يدينون له بالولاء والطاعة العمياء. جريدة النهار، 31 كانون الثاني 1949.
[38] الحكومة تأخذ – مبدئيًّا – بنظام اللامركزيّة في الإدارة. جريدة النهار، 1 شباط 1949.
كما درس مع وزير الداخلية جبريال المرّ مشروع اللامركزية الإدارية، والذي يعطي صلاحيات واسعة نسبيًّا للمُحافِظين والقائمقامين والمجالس البلدية.
[39] الحكومة تضع قاعدة الترقيات. جريدة النهار، 3 شباط 1949.
[40] مشروع ديوان المحاسبة. جريدة النهار، 5 شباط 1949.
[41] تجربة جديدة لتيسير مصالح الناس. جريدة النهار، 18 شباط 1949.
[42] مصير دائرة الشركات ذات الامتياز ما يزال قيد الدرس. جريدة النهار، 18 شباط 1949.
[43] الأمير جميل شهاب لم يتسلّم إدارة الشركات. جريدة النهار، 22 شباط 1949.
[44] المصالح المُشترَكة تطالب بالأمير شهاب. جريدة النهار، 23 شباط 1949.
[45] الحكومة تستردّ مشروع الملاكات أَلِتعيد النظر فيه أم لِتضعه على الرفّ؟. جريدة النهار، 3 آذار 1949.
[46] دائرة مراقبة الشركات تنتقل إلى السراي. جريدة النهار، 3 آذار 1949.
[47] الاعتبارات الشخصية. جريدة النداء، 5 تمّوز 1951.
[48] تابع المقال أنّ لكلّ أزمة منشأ شخصي، وأنّه “بقدر ما يكون للشخصية، أو للأشخاص الذين وراء الواقعة أو الأزمة من مكانة وزعامة، أو إقطاعية ونفوذ، تنال الأزمة أو الواقعة اهتمامًا ودرسًا ومتابعة”. عليه، دعت الجريدة في مقال افتتاحي آخَر في آب 1950 إلى “استئصال الشرّ من جذوره، وبناء مجتمع صالح على أسس ثابتة صالحة”. وتابعت النداء بأنّه “ليس رجالنا السياسيون كأفراد أكثر علمًا و(…) وأنقى كفًّا وأطهر ذيلًا من رجال السياسة في فرنسا وإنكلترا و(…) وليس شعبنا أقوى على التعبير عن إرادته، والدفاع عن حقوقه وتحقيق مصالحه من الشعب الفرنسي والإنكليزي و(…) فلماذا رأى كلّ شعب من هذه الشعوب بدون استثناء أن يحسب الحساب لأنانية رجال السياسة وشططهم واستبدادهم، ويحتاط للأمر بجمع كلمته وتنظيم صفوفه (…)”.
لا تضلِّلوا الشعب باسم الشعب. جريدة النداء، 2 آب 1950.
[49] أورد مقالٌ لجبران تويني في النهار نقدًا مُعبِّرًا حول نوّاب انتخابات 1947، أشار فيه إلى أنّ “الفريق الأكبر من النوّاب يستغلّ نفوذه في الدواوين لتحقيق أغراضه، فترى النوّاب مُنتشِرين في دوائر الدولة القضائية والإدارية، يتدخّلون لقضاء مصالح ناخبهم أو لمصالحهم هم”، ثمّ أوضح أنّ هذا يتمّ مثلًا للحصول على إجازات تصدير واستيراد، إلى الإتجار بسيّارات وكميونات، إلى تحويل حقوق من القضاء أو الإدارة، أضاف أنهم يفهمون الدولة أنّها “مزرعة للاستغلال والاستثمار”. وتساءل في النهاية “هل شعرت الهيئتان التشريعية والتنفيذية أيّ تأثير سيئ أحدثتاه في مصير هذا العهد؟”.
جبران تويني. هذا العهد!. جريدة النهار، 6 شباط 1949.
[50] الموافقة على إنشاء ديوان المحاسبة. جريدة النداء، 18 تشرين الأوّل 1950.
[51] تقرير إنشاء ديوان المحاسبة وميزاته الخاصة. جريدة النداء، 2 كانون الأوّل 1950.
[52] لماذا لا يستقرّ الأمير في مركز واحد. جريدة النداء، 3 كانون الأوّل 1950.
[53] تعيين هيئة إدارة مصلحة المياه. جريدة النهار، 18 كانون الثاني 1951.
[54] تشكّلت حكومة ترأّسها حسين العويني، ثم أخرى ترأّسها عبد الله اليافي، وثالثة ترأّسها سامي الصلح.
[55] المُوظَّفون الصغار أم السماسرة الكبار. جريدة النداء، 9 تمّوز 1952.
[56] نظرًا إلى الرقابة الشديدة على الصحف وملاحقة الصحافيّين ومحاكمتهم في ذلك الوقت.
[57] الأمل الأخير. جريدة النداء، 8 تمّوز 1952.
[58] النائب عبد الله الحاج. 9 وصايا لتحقيق الإصلاح والقضاء على الفساد. جريدة النداء، 6 تمّوز 1952.
[59] رئيس الجمهورية يعيّن حكومة إدارية. جريدة النهار، 1 تشرين الأوّل 1952.
[60] كيف بدأت وكيف انتهت وزارة كرامي. جريدة النداء، 1 تشرين الأوّل 1952.
[61] طلبوا إلى اللواء شهاب بإلحاح. جريدة النداء، 3 تشرين الأوّل 1952.
[62] إدخال تعديل على قانون المحاسبة. جريدة النداء، 4 تشرين الأوّل 1952.
[63] ـ تعديل قانون الانتخابات النيابية على أساس الدائرة المُصغَّرة، وبشكل تنبثق عنه سلطة تشريعية تماشي نهضة البلاد وروح العصر وتمثّل الشعب تمثيلًا لا يفسح مجالًا للطعن بصحّته.
ـ تعديل قانون البلديات وإجراء الانتخابات البلدية فور هذا التعديل.
ـ منح المرأة حقوقها السياسية.
ـ تعديل قانون المطبوعات وقانون نقابة الصحافة.
ـ تنظيم دوائر الدولة والملاكات.
ـ توقيف مفعول القيود والحصانات المنصوص عليها في القوانين النافذة والتي تتعلّق بمُوظَّفي الدولة على اختلاف أنواعهم.
ـ إعادة النظر في قانون التنظيم القضائي توصُّلًا لإيجاد حصانة فعلية تضمن للقضاء استقلاله ومناعته.
ـ التنظيم الإداري على أساس اللامركزية.
ـ إعادة النظر في قانون المحاسبة العامة وديوان المحاسبة.
ـ إنشاء مجلس تصميم وإنماء اقتصادي مهمّته وضع تصميم عام للاقتصاد اللبناني بغية إقرار برامج إنشائية لاستثمار موارد البلاد الطبيعية والمائية خاصة، وتبنّي سياسة اقتصادية تهدف إلى زيادة الإنتاج العام والدخل الوطني، ممّا يؤدّي إلى رفع مستوى معيشة الشعب اللبناني وزيادة ثروته.
ـ إعادة النظر في قوانين الاستيراد والتصدير.
ـ قانون معاقبة الإثراء غير المشروع.
ـ إعادة النظر في قانون الطوارئ والقانون الصادر في 14 آذار 1950.
[64] النائب الحاج يطلب ذهاب الحكومة والمجلس. جريدة الحياة، 6 تشرين الثاني 1952.
[65] المُوظَّفون الطُفَيليّون والمُتدخّلون. جريدة الحياة، 6 تشرين الثاني 1952.
[66] من أين لك هذا. جريدة الحياة، 7 تشرين الثاني 1952.
[67] مراكز لجان قيد الناخبات اللبنانيات. جريدة الحياة، 19 تشرين الثاني 1952.
[68] مشروع قانون جديد لملاك المُوظَّفين. جريدة الحياة، 11 تشرين الثاني 1952.
[69] عن تهريب الذهب. جريدة الحياة، 19 تشرين الثاني 1952.
[70] اتِّجاه إلى فتح تحقيق عدلي بصفقات القمح والغنم وغيرها. جريدة الحياة، 20 تشرين الثاني 1952.
[71] تحقيق بتصرُّف مشبوه. جريدة الحياة، 20 تشرين الثاني 1952.
[72] قام كيان لبنان على الطائفيّة وقد ينهار على الطائفيّة!. جريدة الحياة، 9 تشرين الثاني 1952.
[73] سلطات واسعة لديوان المحاسبة. جريدة الحياة، 22 تشرين الثاني 1952.
[74] مرسوم بإحداث محكمة إدارية. جريدة الحياة، 28 تشرين الثاني 1954.
[75] أقرّت إعادة تنظيم ديوان المحاسبة. جريدة الحياة، 22 كانون الأوّل 1954.
[76] قانون أصول المحاسبة في مجلس الوزراء. جريدة الحياة، 23 كانون الأوّل 1954.
[77] اقتراح آخر لتعديل التنظيم الإداري. جريدة الحياة، 13 تشرين الثاني 1954.
[78] تنظيم الإدارة العامة: مرسوم اشتراعي رقم 12 تاريخ: 1955/5/1 – مُلغى.
[79] توصيات مجلس المديرين بتعديل تنظيم أوضاع المُوظَّفين. جريدة الحياة، 12 كانون الأوّل 1954.
[80] مثلًا ما ورد في بداية سلسلة مقالات لجبران حايك في جريدة النهار، 8 أيّار 1959.
“أمّا المواطنون العاديون أمثالنا، فقد غمرت نفوسهم موجة كاسحة من التشاؤم والخيبة لكثرة “الإصلاحات” التي شهدوها- تمثيليات غالبًا ما كانت مآسي، أدّت أدوارها حفنة من هواة التمثيل ومحترفيه أمام جمهور مشدوه لا يملك غير الحسرة والتأوُّه، وغير لسان سليط يقذف حممه على رؤوس المُمثِّلين، مُسَلِّمًا أمره للشيطان، كافرًا بنعمة ربّه، شاكيًا مُتذمِّرًا ولا من مجيب…”
[81] شهد عام 1958 وحدة سوريا ومصر برئاسة عبد الناصر (حصل أيضًا انقلاب في العراق بقيادة عبد الكريم قاسم).
كان نسيب المتني من انصار التيّار القومي الداعي إلى التقارب مع الجمهورية العربية المُتَّحدة، وكان عضوًا في الحزب التقدُّمي الاشتراكي.
[82] دعت الجبهة الوطنية (والتي كانت أوصلت شمعون إلى الحكم من دون أن تحكم) إلى إضراب عام، وحمّلت الحكومة مسؤولية الاغتيال، عمّت الإضرابات المناطق اللبنانيّة كافّة.
ووفق مطالعتنا للصحف، كانت الأحداث تتنقّل من طرابلس وجبل لبنان، إلى زغرتا وبعلبك، فإلى صيدا والنبطية ثمّ صور، ثمّ تعود إلى ضهر البيدر… من بعدها اغتيل الصحافي نسيب المتني، وأعلنت الصحافة والمعارضة إضرابًا عامًّا شمل بيروت. تخلّلت الإضرابات مظاهر مُسلَّحة، وكانت بعض من القوى الأمنية تقمع بشدّة، وأسفر ذلك عن أعداد كبيرة من القتلى الجرحى والمُعتقَلين، واستسلمت مجموعات من قوى أمنية في أماكن أخرى أمام ضغط المُنتفِضين…
[83] عاطف عيد، موسوعة لبنان تاريخ وسياسة وحضارة بين الأمس واليوم- الجزء العاشر من الاستقلال إلى حرب 1975.
[84] * قلّة من القوى وقفت إلى جانب الرئيس شمعون، منها حزب الكتائب والحزب القومي السوري وحزب الطاشناق.
* كان من المُطالِبين برحيل الرئيس جبهة الاتّحاد الوطني التي تتألّف من مجموعة مُنوَّعة من القوى، كان بين هؤلاء من وقّعوا على بيان تحميل الحكومة مسؤولية اغتيال نسيب المتني، ودعوا إلى إضراب عام وهم:
رشيد كرامي، كمال جنبلاط، معروف سعد، صائب سلام، محمّد علي الرز، فؤاد الخوري، نسيم مجدلاني، إميل الخوري، عبد الله المشنوق، علي بزّي، فؤاد عمّون، أحمد الأسعد، عبد الله اليافي، صبري حماده، أمين بيهم، لحّود لحّود، عفيف الطيبي، علي جابر، حسين العويني، أنيس صالح، حسن بحصلي، محسن سليم، لويس زيادة، حسن فرحات، رفيق نجا، نهاد إرسلان، محمّد خالد، تقي الدين الصلح، محمّد صفي الدين، عدنان الحكيم، عدنان حيدر.
* وكان هناك من تمّت تسميتهم “القوّة الثالثة”، والذين ساندوا بيان الإضراب العام، وتضامنوا مع دعوة نقابة الصحافة إلى الإضراب، وهم:
يوسف سالم، نجيب صالحة، هنري فرعون، بهيج تقي الدين، يوسف حتّي، شارل حلو، جورج نقّاش، غسّان تويني، جبرائيل المرّ، محمّد شقير.
* ويُضاف إلى هذه القوى، البطريرك المعوشي؛ ويروي نقولا ناصيف أنّه “فتح صالون بكركي كي يؤمّ مشايخ مسلمين الصلاة في موعدها، وكانوا لا يزالون فيه. وقف ضدّ محاولة تجديد انتخاب الرئيس. (نقولا ناصيف. يوم قال البطريرك للرئيس: إرحل. جريدة الأخبار، 14 أيّار 2019).
* وتُضاف مجموعة كبيرة من الصحف، وكذلك الأحزاب والقوى اليسارية.
[85] نصّ قانون إلغاء حصانة المُوظَّفين. جريدة النهار، 10 حزيران 1958.
[86] حركة تشكيلات وصرف من الخدمة. جريدة النهار، 10 حزيران 1958.
[87] تعديل قانون المحاسبة العمومية. جريدة النهار، 27 حزيران 1958.
[88] مباشرة تنفيذ التعديلات على قانون المحاسبة، جريدة النهار، 15 تمّوز 1958.
[89] “لم يكن تأليف الحكومة الرباعية من ضمن نظرة الرئيس الجديد للجمهورية أو البرنامج الذي كان يتطلّع إلى تنفيذه، لتصفية آثار ورواسب الثورة، أو معالجة أسبابها، لكنّه كان الحلّ العملي أو الواقعي لوقف ما سُمِّي بالثورة المُضادّة. وكان دخول ريمون إدّه فيها مفاجأة للناس، بعد أن ترشّح ضدّ الرئيس شهاب في جلسة انتخابه رئيسًا، وحال دون انتخابه بالدورة الأولى. ولكنّ التعاون بين الرجلَين، في بداية الأمر، كان إيجابيًّا، ساعد على معالجة وحلّ مشاكل عديدة، ولم يكن هنالك من أسباب شخصية أو مزاجية تحول دون استمرار هذا التعاون بين رجلَين تقرّب بينهما أفكار وصفات مشتركة…”
الجسر، فؤاد شهاب، ص 39.
[90] كانت الجبهة الاشتراكيّة تسعى إلى حلّ البرلمان الفاقد الشرعية، وتكوين مجلس نيابي على أساس نظام انتخابي أكثر عدالةً في التمثيل. في أيّار 1959، تحدّثت جريدة النهار عن سكوت الجبهة عن مطلب حلّ المجلس النيابي، في إشارة إلى وجود مشروع لدى رئيس الجمهورية بتأليف حكومة من المُوظَّفين بعد استقالة الرئيس كرامي. وأضافت أنّ مهمّة الحكومة الجديدة هي “إطفاء النار السياسيّة عن طريق الانصراف إلى تنفيذ الإصلاحات الإدارية”.
ما وراء سكوت الجبهة عن حلّ المجلس. جريدة النهار، 9 أيّار 1959.
[91] وفي الواقع، إنّ التخطيط الذي وُضِع للبنان أخذ في الاعتبار أهمِّية القطاع الخاص في البلاد، وإشراكه في عمليّة التنمية. في هذه الظروف، وفق الأب لوبريه، سوف يحافظ لبنان على تراثه الليبرالي، ويضع نفسه على سكّة التنمية. «لبنان ليس بلدًا اشتراكيًّا ولن يكون. ومن الأهمِّية بمكان أن يلعب القطاع الخاص دوره». وهو يوضح أيضًا أنّ «التنمية عملية مُشترَكة، يلعب فيها القطاع الخاص دورًا مهمًّا، ومن دون هذا الدور يكون التخطيط مستحيلًا».
حرب، الشهابية حدود التحديث السياسي في لبنان، ص 59.
[92] اللجنة المركزية تبدأ هذا الأسبوع مناقشة توصيات اللجان الوزارية. جريدة النهار، 17 شباط 1959.
[93] لجنة تنظيم الملاكات ترفع توصياتها إلى الحكومة. جريدة النهار، 8 آذار 1959.
[94] وضع المديرين بتصرّف الوزراء لتتمّ التشكيلات بمعزل عنهم. جريدة النهار، 27 آذار 1959.
ذكر المقال أنّ المشروع “سيكون الدعامة الأولى في الإصلاح الإداري. فهو يشكّل ضمانة قوية للمُوظَّفين وسيفًا مسلطًا فوق رؤوسهم في الوقت ذاته. ويكفي أن تكون من صلاحيات هذا المجلس وضع حدّ للتدخُّلات السياسية التي أرهقت الإدارة وسبّبت إفسادها”.
[95] الدولة تتّخذ تدابير حازمة في وجه عمليّة تخريب الإصلاح. جريدة النهار، 26 حزيران 1959.
[96] جبران حايك. النهار تحقّق فيما حقّقته لجان الإصلاح. جريدة النهار، دراسة من 16 جزءًا، نُشِرَت من 8 إلى 30 أيّار 1959.
[97] المراسيم الاشتراعيّة. جريدة النداء، 16 حزيران 1959.
[98] إميل شاهين، التكوين التاريخي لنظام لبنان السياسي الطائفي: لبنان السلطة ولبنان الشعب (دار الفارابي، أيلول 2015)، ص 188.
[99] الحكومة مُستعدّة لطرح الثقة. جريدة النهار، 28 حزيران 1959.
[100] تأسُّس حزب الأحرار في 8 أيلول 1958 على يد الرئيس كميل شمعون وعدد من النوّاب: جورج عقل، رضا وحيد، محمّد الفضل، هنري طرابلسي، جان حرب، شفيق ناصيف، محمود عمّار، قبلان عيسى الخوري.
دوري يتذكّر داني: كنّا كلّنا عسكر. جريدة الأخبار، 28 تشرين الأوّل 2017.
[101] صدى المراسيم الاشتراعيّة في أوساط النوّاب والمُوظَّفين. جريدة النهار، 16 حزيران 1959.
[102] لا أحبّ الدماء!… جريدة النهار، 29 تمّوز 1959.
اعتبر أنصار مغبغب أنّ سبب قتله هو كي لا يكون رئيس الجمهورية “لفريق دون فريق”. وفي رسالة ابن مغبغب إلى رئيس الجمهورية، وجّه الاتّهام إلى الذين يريدون احتكار صداقة رئيس الجمهورية وإبعاد الناس عنه.
[103] المجلس يقف دقيقة صمت حدادًا على مغبغب والنواب يتبارون في رثائه. جريدة النهار، 30 تمّوز 1959.
جرى في البداية تبادل الاتّهام بين 3 أفرقاء، الحكومة ونوّاب العهد السابق من جهة، وهؤلاء والمُعارِضين ممّن لم يشاركوا في الحكومة من جهة أخرى.
رئيس الجمهورية يطّلع على سير التحقيق في مقتل مغبغب. جريدة النهار، 4 آب 1959.
لكن لاحقًا، وقع الاتّهام على أنصار كمال جنبلاط، واعتبر آل مغبغب أنّ الجريمة “بنت ساعتها”، ولكنّهم اتّهموا “بعض الزعماء” على التحريض لقتل النائب.
[104] الرؤوس الكبيرة… هل تعرفها؟. جريدة النهار، 14 تشرين الأوّل 1959.
[105] كرامي يميل إلى تأجيل البتّ بالتشكيلات. جريدة النهار، 24 تشرين الأوّل 1959.
[106] مشاريع القوانين التي نُشرت بمراسيم. جريدة النهار، 2 آب 1961.
[107] وسام اللحّام، المراسيم الاشتراعية في العهد الشهابي: تعزيز منطق المؤسّسات وبناء الدولة الحديثة، المفكّرة القانونية، 2021/2/18.
[108] رئيس ديوان المحاسبة: الرقابة المؤخّرة توقّفت منذ عام 1976. جريدة السفير، 22 كانون الأوّل 1992.
[109] المرجع السابق ذاته.