استمع المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان في 4/11/2015، الى إفادة الزميلة ديما صادق في الشكوى التي قدمها "حزب الله" ضدها وتركها بسند إقامة. وقد شهد قصر العدل عند الساعة العاشرة صباحاً وقفة تضامنية مع صادق، شارك فيها عدد كبير من الزملاء من مختلف وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة وذات التوجهات السياسية المقربة والبعيدة عن حزب الله. فالقضية هنا ليست موقفاً سياسياً بقدر ما تتعلق بحرية الإعلام المصانة وفقاً للدستور والقوانين في مواجهة سياسة الهيمنة التي تنتهجها السلطة السياسية المتمثلة بالأحزاب وأدواتها في هذا البلد.
وفي اتصال "للمفكرة القانونية" مع صادق، رفضت هذه الأخيرة أن تسرد ما جرى معها خلال جلسة الإستماع إليها، حفاظاً على "سريّة التحقيق" مشيرة الى أن محامي "حزب الله" خرق هذه السرية حين تحدث عن التهمة الموجهة ضدي. وقالت:"قيل لي أنني كتبت مقالاً أن هناك أعضاء في "حزب الله" يتاجرون بالمخدرات وحبوب الكبتاغون وذكرت أسماء بعض القيادات في حزب الله والمقربين منهم. على العموم أنا لا أعرف شيئاً عن هذا المقال الذي يقولون إنني كتبته وليس لدي أدنى فكرة عنه".
وعن الإثباتات التي قدّمت ضدها في المحكمة أكدت صادق أنه لا يوجد مستند جديّ في القضية وقالت: "الاثبات الذي قدّم ضدي كناية عن صورة مأخوذة عن موقع اسمه" القاسمية" لم يعد موجوداً على الانترنيت وموقع آخر يدعى "لبنان الجديد". وقد ذكر هذان الموقعان أن ديما صادق قالت هذا الأمر ولكن لم يستطع "الحزب" تقديم أي مستند يثبت أنني قلت ذلك لا على حساباتي الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي ولا من خلال أي تسجيل صوتي أو مقابلة معي. الضجة الإعلامية بنيت على أساس screenshot، تمّ تسريبه والذي بنوا عليه إثباتاتهم إلاً أنهم لم يقدموا أي إثبات خلال الجلسة وفي النهاية أقرّ المحامي أنه لا يملك مستنداً يثبت أنني قلت هذا الأمر".
ورداً على سؤال إن حصلت أية محاولة للمصالحة بينها وبين حزب الله، نفت صادق الأمر وقالت: "اتصل الصحافي غسان جواد عن طريق شخص آخر وعرض الصلحة ولكن أنا لا يمكنني أن أجزم ان الحزب هو الذي أرسله. فقد يكون الأمر مجرد مبادرة فردية منه".
وعن تقييمها للحملة التضامنية من قبل الجسم الإعلامي، التي رافقتها أثناء الإستماع إليها: "لقد كان التضامن معي من مختلف الوسائل الإعلامية. فقد كان كان هناك من بين المتضامنين إحدى المساهمات في قناة الجديد كرمى الخياط ومديرة الأخبار مريم البسام. وطبعا من المعروف أن قناة الجديد مقربة من حزب الله أكثر من أي فريق آخر. كذلك كان هناك زملاء من جريدة الأخبار مثل محمد زبيب وحسين مهدي. وبالتالي لا يمكن أن يكون التضامن مسيساً بل على العكس. وحضورهم لم يخدمني أنا وحسب بل خدم قضية حرية الإعلام وعدم ممارسة الضغوط على الصحافيين، لأننا وصلنا الى مكان حيث الملف في هذه القضية فارغ ومعنى ذلك أننا لم نعد نحاسب أحداً على ما قاله وإنما هو الضغط لمجرد الضغط. عادة الأمر المستنكر يكون في إستدعاء أي صحافي لأنه كتب شيئاً. أما الجديد في هذه القضية، أن هناك شخصاً لم يكتب شيئاً ولم يقل شيئاً ومع ذلك قاموا باستدعائه ربما لأنهم يعتقدون أن هذا الشخص ممكن أن يزعجهم. لذا أعتبر أن مشاركة كل وسائل الإعلام التي كانت موجودة في الوقفة التضامنية من قناة الجديد الى قناة المستقبل الى الزملاء في جريدة السفير الى الزملاء من العربية والجزيرة والـbbc و الـmtv . هذا كله يشير الى أن التضامن لم يكن من صف واحد".
وختمت صادق قائلة: "إن مهمة الصحافي هو أن يقول المعلومات التي لديه ويقوم بالمراقبة نحن إسمنا "السلطة الرابعة" لذلك دعونا نقوم بعملنا".
بدوره علق محامي "حزب الله" نزيه منصور في اتصال مع "المفكرة القانونية" على قضية صادق" قائلاً إن التهمة التي وجهت إليها هي تهمة القدح والذم والتشهير والتحريض معتبراً أن صادق "قد أساءت الى كيان سياسي لبناني وإقليمي ودولي فعندما نقول حزب الله ليس كأن نقول "القوات" أو "الكتائب" أو "حركة أمل"، فهذا الحزب له علاقة بكل الملفات المرتبطة بالمنطقة ولا أحد بإمكانه أن ينكر هذا الأمر". وقال منصور أن صادق: "اتهمت هذا الكيان السياسي أنه يتاجر بالمخدرات ويقوم بتزوير العملات وأن كل الناس لديه موجودون في أفريقيا وأوروبا وأميركا".
وأشار منصور الى أن "صادق قامت بتسمية عدد من الأشخاص وقالت إن الحزب يرعاهم ويتستر على أفعال جرمية ترتكب من قبلهم وبالتالي اتهمت "حزب الله" ليس بأنه فاسد وحسب وإنما يرعى الفساد".
وأضاف: "لقد أنكرت ديما صادق أنها قالت هذا الامر ولكن هناك مواقع إخبارية نشرت ما قيل على لسانها وهي وضعتها بداية على صفحتها ولكن فيما بعد، عمدت الى إزالتها عن صفحتها لكن بعد ان قامت عدد من المواقع بنشرها. والآن سوف يتم التحقيق مع كل الناس التي نشرت ما قالته ديما صادق على موقعها".
وبسؤاله عن السبب في تقدم "الحزب" بالدعوى لدى النيابة العامة التمييزية وليس الاستئنافية أجاب: "إن النيابة العامة التمييزية هي أعلى نيابة في لبنان، وهي تشرف على جميع النيابات العامة الاستئنافية، ولديها صلاحيات على كافة الاراضي اللبنانية بينما النيابة العامة الاستئنافية قد تكون في بيروت او في غيرها من المناطق. كذلك فإن للنيابة العامة التمييزية سلطة مباشرة على محكمة المطبوعات وهي تقوم بالتحويل الى محكمة المطبوعات كل الأفعال التي يرتكبها الصحافيون والتي لديها طابع جرمي كالقدح والذم والتي هي جرائم جزائية يحاكم عليها قانون العقوبات".
تابع:" في النيابة العامة التمييزية هناك قاض من أعلى الدرجات هو الذي يتولى التحقيق وبذلك نحافظ على معنويات الشخص المدعى عليه ومصلحته ومصلحة الشخص المدعي. القضية تذهب الى المدعي العام التمييزي الذي يقوم بتحويلها الى أحد المساعدين للتحقيق في الموضوع في أي منطقة بلبنان. بينما النيابة العامة الاستئنافية لا يمكنها أن تحقق الا ضمن نطاق وجودها في بيروت أو جبل لبنان أو غيرهما من المحافظات. وبعد الانتهاء من التحقيق إن وجد القاضي أن هناك جرم يقوم بتحويلها الى قاضي التحقيق او الى محكمة المطبوعات. هذا الخيار يعود الى المدعي العام التمييزي".
وأكد منصور، أن المسألة ليست شخصية مع ديما صادق وأن أحداً لا ينوي التعرّض لها او لغيرها وأنّ إنتقاد الحزب في مختلف الموضوعات السياسية هو أمر مشروع ولكن ليس توجيه الاتهامات والافتراءات. وقال: "نحن نغض النظر عن كل شيء يتعلق بالسياسة مثلا أن يقال إننا نقاتل في سوريا أو أنه لا علاقة لنا بفلسطين أو أننا نتعامل مع إيران كل هذه الأمور السياسية لا مشكلة فيها. ولكن أن يأتي أحدٌ ويتهمنا بقضايا مثل المخدرات وغيرها، فلن نسمح بذلك. " وأشار منصور الى أن "أحد المواقع الإخبارية اتّهمنا بتشغيل فتيات في الدعارة وقد تقدمنا بشكوى ضده، كذلك فعلنا ذلك بحق موقع آخر قال إننا نقوم بتهريب الحشيشة. وبالتالي كل الأمور التي تحمل طابعاً جرمياً أو تؤدي إلى فتنة سنية شيعية أو شيعية مسيحية، أو تمسّ بعلاقتنا بالناس والمجتمع، هناك قرار لدينا بتقديم شكوى ضد من يسوق لها مهما كان موقعه من أعلى الهرم حتى أدناه ولو كان مواطناً عادياً".
ورداً على سؤال عن الخوف من أن يكون لقضية ديما صادق ارتداد سلبي على سمعة الحزب وإتهامه بالتعرض لحرية الصحافة، أجاب منصور بالنفي. وقال: "بكل الأحوال فقد حضرت ديما صادق الى المحكمة وتراجعت عما قالته وقالت ألا علاقة لها بالأمر وأنها تترك الحكم للقضاء وأنها مرتاحة. نحن لا نريد التعرض لا لديما صادق ولا لغيرها ونحن لا نطلب شيئاً من أحد لا أن يقف الى جانبنا ولا أن يتضامن معنا. ولكن بالمقابل لا نقبل من أحد أن يسيء إلينا. نحن في السياسة نتقبل أي انتقاد كان ولكن ما لا نرضاه هو ان يتوجهوا لنا بعيوب غير موجودة".
وفي تعليقه على هذه القضية، انتقد المحامي نزار صاغية السلوك المعتمد من قبل السياسيين وأصحاب النفوذ بشكل عام فاعتبر أنه "صار هناك عرف أن يلجأ السياسيون وأصحاب النفوذ الى النيابة العامة التمييزية بخلاف سائر المواطنين الذين يقومون بتقديم إدعاءاتهم أمام النيابة العامة الإستئنافية. ومثال على ذلك الدعاوى الأخيرة المقدمة من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري على الناشط صلاح نور الدين، أو وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق على الصحافي محمد زبيب، كذلك مجمل الشكاوى التي تقدمها القوات اللبنانية. ونفهم أبعاد هذا التوجه حين نعلم أن النائب العام التمييزي هو القاضي الأكثر قربا من السياسيين بحكم وظيفته. وتالياً، يقدم السياسيون دعاويهم عملياً أمام القاضي الأقرب إليهم، ليحظوا بمعاملة مميزة. وما يعزز ذلك هو تصرف النيابة العامة نفسها التي تسارع إلى التحقيق في هذه القضايا بأقصى سرعة، وكأنها قضايا ذات درجة عالية من الخطورة، فيما أنها تعمد في حال تقديم شكاوى مماثلة من مواطنين عاديين إلى إحالتها فورا الى النيابة العامة الاستئنافية.
ويلفت صاغية الى أنه "عندما نجد أن الفئات السياسية تتجه الى الجهة الأقرب لها وتختار القاضي الأقرب لها والقاضي دائما يقبل بالإختصاص ويعاملها بالتمايز عن كل المواطنين الآخرين، عندها نصبح أمام جهاز قضائي غير حيادي يميّز بين المتقاضين. ومن الطبيعي عندها ان يشعر الصحافي المدعى عليه أنه يذهب الى مكان لا تتكافأ فيه الأسلحة بينه وبين المدعي".
كما أردف أنه:" صحيح أن النيابة العامة التمييزية لديها الصلاحية في التحقيق بكل شيء. ولكن من الطبيعي أيضاً بموجب مبدأ المساواة أمام القانون ونظراً الى محدودية قدرات النيابة العامة التمييزية أن تحصر عملها في القضايا الأكثر خطورة مثل قضايا الإرهاب أو قضايا السرقات الكبرى أو القتل العمد في ظروف معينة الخ. أما أن تقبل النظر في دعاوى قدح وذمّ، فهي بذلك تطعن في مشروعية تدخلها وتتحول الى جهاز قضائي يحدد اختصاصه على أساس مقام المتقاضي وليس على أساس خطورة الدعوى. ويصبح من الأصح إذ ذاك تسميتها نيابة عامة "إمتيازية" وليس نيابة عامة تمييزية.
وأشار صاغية الى أنه "من الملاحظ في الفترة الأخيرة مضاعفة الحماسة لدى السياسيين والنافذين في تقديم الادعاءات القضائية ضد الصحافيين لهذا السبب أو ذاك وتراهم يفضلون إسكات الصحافة من خلال القضاء على الرد بالمنطق وبالأدلة على الاتهامات أو الانتقادات التي قد تساق ضدهم. وهذا الميل لدى هؤلاء انما يؤشر الى نقص في الروح الديمقراطية ولا بد أن ينعكس سلبا على مستوى الحريات العامة".
واعتبر صاغية" أنه من واجب هذه الجهات أن تدافع عن نفسها وتروي ما تراه صحيحا من خلال ما تملكه من منابر كثيرة. وبذلك تكون قد دافعت عن نفسها ضمن مبادئ إحترام الرأي العام وحرية التعبير في آن".