خلال الأشهر الماضية، ثار جدلٌ كبير بشأن التغطية الإعلامية للأعمال الحربية الحاصلة على أرض لبنان، ولا سيما الأعمال التي تشكل جرائم حرب ظاهرة. وعليه، نرى ضرورةً في التوقّف عند التغطية الإعلاميّة لتلك الفترة، ليس بهدف المساءلة، ولكن بهدف استخلاص العبر للمستقبل. ولهذه الغاية، أُعدّت هذه الوثيقة النظريّة التي تأتي ضمن مجموعة من الوثائق حول الإعلام والحرب (المحرّر).
يتناول هذا المقال وهو الثاني في سلسلة من عشر مقالات، دور الإعلام في توثيق الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، مع التركيز على أهداف التوثيق والمعلومات المهمة للتوثيق والمعايير الضرورية من أجل تحقيق ذلك[1]. وعلى الرغم من أنّ التوثيق يحمّل الإعلام مسؤولية كبيرة، خصوصًا في ظلّ محدودية الإمكانيات المادية والتقنية والمخاطر التي تهدّد سلامة الصحافيين، فإنّه يُشكّل في الواقع الوسيلة الأكثر فعالية لمحاسبة مرتكبي الجرائم وردع الحروب وتعزيز التضامن الاجتماعي وعقلنة الخطاب العام في فترة ما بعد النزاع.
أوّلًا- أهمّية توثيق الانتهاكات:
1- المحاسبة:
يشكّل توثيق الحرب أداة أساسية لمساءلة مرتكبي الانتهاكات ومحاسبتهم أمام القضاء المحلّي أو الدولي، ممّا يُسهم في منع الإفلات من العقاب[2] وتحقيق العدالة للضحايا وفتح المجال أمامهم للحصول على التعويض وفق قواعد القانون الدولي[3]. نذكر على سبيل المثال محاكمات نورمبرغ (1945-1946)، وطوكيو (1946-1948)، والمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة (1993-2017)، والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا (1994-2015)، والدعاوى أمام محكمة العدل الدولية[4] والمحكمة الجنائية الدولية[5] وغيرها من المحاكم واللجان المحلية[6]. وقد تمكّنت تلك المحاكم من إرساء مبدأ محاسبة القادة السياسيين والعسكريين على الجرائم التي يرتكبونها أثناء الحروب والنزاعات المسلّحة، رغم عجزها عن تحقيق العدالة لجميع الضحايا ورغم استمرار الإفلات من العقاب في جرائم وحروب مروّعة[7]. فالقرارات الدولية المتّصلة بالمحاسبة تبقى محمّلة بالاعتبارات والمصالح السياسية، إلّا أنّ التوثيق يؤمّن الأدلة الضرورية من أجل الضغط السياسي والقانوني، بخاصّة أنّ المواد الصحافية الموثِّقة للجرائم يمكن اعتبارها أدلّة مقبولة أمام المحاكم الدولية وأنّ المحاكم استدعتْ مرارًا الصحافيين من أجل الإدلاء بإفاداتهم أمامها[8]. في المقابل، يقلّص غياب التوثيق فرصة المحاسبة، وذلك لعدم توفر الأدلة الكافية التي تثبت الانتهاكات
2- احترام كرامة الضحايا:
يُسهم توثيق الحرب في إبراز معاناة الضحايا وعائلاتهم والكشف عن مصائرهم وإحياء ذكراهم وتكريمهم من خلال وصف الانتهاكات التي تعرّضوا لها وإعطائها التوصيف القانوني الصحيح وتحسيس المجتمع على الظلم الذي أصابهم، بخاصّة أنّ المساءلة القضائية غالبًا ما تكون غير متوفّرة أو ممكنة. يعدّ هذا الأمر ضروريًا إلى حدّ اعتباره شكلًا من أشكال جبر الضرر في القانون الدولي[9]. كذلك يسهم التوثيق أحيانًا في ضمان حق الأسر في معرفة مصير ذويها[10].
3- الذاكرة الجماعية:
يؤدّي توثيق الحرب دورًا حاسمًا في تكوين الذاكرة الجماعية، أي كيف يتذكّر المجتمع الحرب، بتعقيداتها وأحداثها المؤلمة، وكيف يفسّرها ويفهمها وينقلها إلى الأجيال التالية. وهذا الأمر يعدّ أساسيًا، بخاصّة أنّ جرائم الإبادة والجرائم ضدّ الإنسانية غالبًا ما تهدف إلى طمس ذاكرة الشعوب ومحوها والقضاء على أيّ إمكانية لاسترداد أو إثبات ما كانت الحال عليه في السابق، وليس فقط نيل مكاسب سياسية أو عسكرية. هذا مع الإقرار بأهمّية التعدّدية في مصادر التوثيق من أجل ضمان الموضوعية والتوازن والوصول إلى رؤية متكاملة وشاملة للأحداث، ما يُسهم، قدر الإمكان، في بناء ذاكرة جماعية عادلة وغير منحازة.
4- ضمان حقّ الضحايا وعائلاتهم والمجتمع ككل في معرفة الحقيقة:
الحقيقة هي أساس الكرامة المتأصّلة للإنسان[11]. وقد تطوّر مضمون الحق في معرفة الحقيقة في السنوات الأخيرة حتى بات يشمل الحقّ في معرفة الأسباب التي أدّت إلى إيذاء الأشخاص والظروف المتّصلة بالانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وهويّة مرتكبي تلك الانتهاكات ونتائج التحقيق، ومصير وأماكن وجود الضحايا في حالات الوفاة والفقدان والاختفاء القسري. وعليه، يتّصل ذلك الحق بشكل وثيق بالحق في الوصول إلى المعلومات وحقوق أخرى، مثل الحقّ في التعويض وعدم التعرّض للتعذيب وسوء المعاملة والحق في الحماية القانونية والقضائية، إلّا أنّه حق أساسي مستقلّ وغير قابل للتصرّف أو الانتقاص. وقد حدّدت الأمم المتحدة 24 آذار يومًا دوليًا للحقّ في معرفة الحقيقة فيما يتعلّق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان واحترام كرامة الضحايا[12].
5- استخدام المعلومات من أجل مساعدة فرق الإنقاذ والإغاثة:
تستخدم فرق الإنقاذ والإغاثة المحلّية والدولية المعلومات الصحافية من أجل تحديد أولويات التدخّل في الأماكن المتضرّرة، وضمان وصول المساعدات إلى الأماكن التي هي في أمسّ الحاجة إليها. كذلك تُستخدم تلك المعلومات في تقييم الأولويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وكيفية دمجها في خطة إعادة الإعمار.
6- الحدّ من تكرار الجرائم: من شأن توثيق الحرب وتداعياتها ردع مرتكبي الانتهاكات عن مواصلتها أو تبريرها أو التباهي بها.
7- التوثيق هو الوسيلة شبه الوحيدة لتقييم النظام العالمي ومدى التزامه بقواعد حقوق الإنسان، ومدى فعاليّة المنظمات الدولية في تطبيق هذه القواعد.
ثانيًا – المعلومات المهمّة للتسجيل والتصنيف:
بداية، نسجّل ثلاث ملاحظات:
الأولى أنّ الصحافيين في مناطق الحروب والنزاعات المسلّحة هم شهود على التاريخ، ويمكن أن يسهم عملهم في بناء العدالة وتعزيز حقوق الإنسان على المدى الطويل. تبعًا لذلك، يجب عليهم إدراك أهمية توثيق أي قدر من المعلومات بمعزل عن مدى شموليتها.
الثانية هي أنّ توثيق الوقائع يبقى ضروريًا، حتى في الحالات التي لا يتمكّن فيها الصحافيون من تحديد ما إذا كانت هذه الأفعال ترقى إلى جرائم حرب أو انتهاكات جسيمة للقانون الدولي. بل على العكس، من الأفضل أن يتجنّب الصحافيون التصنيف القانوني للأفعال التي يوثّقونها، وترك تلك المهمة للخبراء القانونيين والمحاكم المختصّة. وهذا لا يُقلّل من قيمة النتائج التي يتوصّل إليها الصحافيون، بل يعزّز مصداقيّتها ويُبدّد أي مزاعم بالتحيّز. في المقابل، إنّ عدم قدرة الصحافيين على تصنيف الأفعال لا تعني عدم قدرتهم على توثيق المؤشرات على وقوع جرائم حرب أو انتهاكات جسيمة، كما لا يعني تبرير الأفعال، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، أو التخفيف من خطورتها، لأنّ ذلك يؤثر على توجّهات الرأي العام، ويُضعف بالتالي الضغط المطلوب لتحقيق المساءلة والمحاسبة. فضلًا عن ذلك، يجب على الصحافيين الحرص على التواصل مع الخبراء القانونيين وإبراز آرائهم أمام الرأي العام، بهدف حثّه على التعامل مع الوقائع من منظور قانوني وإنساني، بعيدًا عن التأطير السياسي التقليدي.
أمّا الملاحظة الثالثة فهي أنّ الحروب غالبًا ما تتضمّن أفعالًا بشعة وغير أخلاقية تسبّب معاناة إنسانية كبيرة. إلّا أنّ تلك الأفعال قد لا ترقى جميعها إلى مستوى الجرائم أو الانتهاكات الصريحة لقوانين الحرب. فبعض الأفعال، على الرغم من قسوتها أو آثارها المدمّرة، قد تقع في إطار الأعمال التي يسمح بها القانون الدولي الإنساني أو التي لا تنتهك المعايير القانونية بشكل مباشر. من هنا، تأتي أهمية التمييز بين الأفعال غير الأخلاقية أو المهنية التي قد تثير الغضب والرفض والجرائم المنصوص عليها في القوانين الدولية التي يجب المساءلة القضائية بشأنها، ما يتطلّب دورًا دقيقًا من الصحافيين والخبراء القانونيين لفهم السياق وتحديد التصنيف المناسب لكلّ فعل.
1- معلومات مهمّة في التوثيق:
يشمل التوثيق تسجيل مجموعة من المعلومات التي قد تساعد على فهم الأحداث وتوصيفها، ومنها: وقت الهجوم ومكانه ونوعه والمواقع المستهدفة (منشآت مدنية أو عسكرية، منشآت محميّة بموجب القانون الدولي الإنساني) ونوع السلاح المستخدم (محظور أو مشروط) والخسائر البشرية وأسماء الضحايا (الهجوم على مدنيين أو عسكريين، الفئات المحمية بموجب القانون الدولي الإنساني) وطبيعة الاستهداف (هجوم عشوائي أو استهداف مباشر) والأضرار المادية (تدمير المنازل والبنية التحتية والمرافق العامة) والأضرار البيئية وسياق الهجوم (الأوضاع قبل الهجوم، إنذار السكان والمدة الفاصلة بين الإنذار والهجوم) وآثار الهجوم (النزوح والنقص في المواد الغذائية والطبية والآثار النفسية والاجتماعية) والشهود والمعلومات المحتملة بشأن الفرقة العسكرية التي شنّت الهجوم والحجج التي تمّ استخدامها من أجل تبرير الهجوم والممارسات التي تشكل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان كالقتل والاعتقال والتعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية والاختفاء القسري والعنف الجنسي أو الجندري. تجدر الإشارة أخيرًا إلى أنّ توثيق الحرب لا يقتصر على المعطيات المتعلقة بدقائق الهجوم العسكري وتداعياته، بل قد يشمل أيضًا قضايا الفساد وإساءة استخدام السلطة والتلاعب بالمعلومات واختراق الخصوصية، وغير ذلك من الممارسات التي تزيد من معاناة الناس وتفاقم الأوضاع الإنسانية أثناء الحروب والنزاعات المسلّحة[13].
2- أبرز التساؤلات القانونية الضرورية من أجل تحفيز الرأي العام:
رغم أنّ الإجابة على التساؤلات التالية قد لا تكون شاملة أو قاطعة، إلّا أنّ مجرّد طرحها بشكل متواصل يسهم في تغطية الحرب وتوثيقها بدقّة ومسؤولية، ويعزز قدرة الصحافيين على الربط بين الانتهاكات والقوانين والمعايير الدولية. كما تساعد في فتح النقاش حول القضايا الرئيسية وتحفيز الرأي العام على التفكير من منظور أوسع يتجاوز الخلافات التقليدية أو الأحكام المسبقة. كذلك تسهم في توجيه الصحافة الاستقصائية نحو المواضيع الأكثر أهمية وعجلة:
هل ثمة مؤشّرات على عدم التمييز بين المدنيين والعسكريين[14] أو بين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية[15]؟ هل هناك أيّ مؤشرات على أنّ الهجوم عشوائي أيّ أنّه غير موجّه ضدّ هدف عسكري محدّد، أو استخدمت فيه طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن توجيهها إلى هدف عسكري محدّد، أو استخدمت فيه طريقة أو وسيلة قتال من شأنها أن تصيب أهدافًا عسكرية ومدنيين أو أعيانًا مدنية من دون تمييز[16]؟
هل هناك أيّ مؤشرات على أنّ الهجوم غير متناسب، أيّ أنّ الإصابات في صفوف المدنيين أو الخسائر في الأرواح أو الأضرار المدنية مفرطة مقارنة بالمكاسب العسكرية المتوقّعة من الهجوم[17]؟ إنّ مبدأ التناسب، رغم أهميّته لجهة حماية المدنيين وتخفيف الأضرار العرضية للعمليات العسكرية، ليس سهل التطبيق لأنّه يستدعي تقييم المكاسب العسكرية المتوقعة من هجوم معيّن، وتقييم الخسائر المدنية المحتملة المتوقعة، وتحديد ما إذا كانت تلك الخسائر مفرطة وفقًا للظروف السائدة وقت الهجوم.
- مدى مراعاة موجب اتخاذ التدابير الوقائية:
هل تمّ اتخاذ أيّة إجراءات وقائية من أجل تجنّب إصابة المدنيين أو الإضرار بالأعيان المدنية، ومن ضمنها اختيار وسائل وأساليب الحرب والتحقق من الأهداف والإنذار المسبق وإقامة الأهداف العسكرية خارج المناطق المكتظة بالسكان[18]؟
- مدى التعرّض للأشخاص والأعيان المحمية:
هل ثمة مؤشّرات على التعرّض للأفراد العاملين في المجال الطبي[19] أو الديني[20] أو الإغاثة[21] أو حفظ السلام[22] أو الصحافيين[23] أو حملة الإشارة المميزة[24] أو الأعيان المتّصلة بها[25] أو الممتلكات الثقافية[26] أو المرافق البيئية[27] أو الأماكن المجرّدة من وسائل الدفاع[28]؟ هل تمّ التعرّض لهم أثناء ممارستهم عملهم؟ هل ثمّة أدلّة بشأن اشتراك هؤلاء الأشخاص أو الأعيان في الأعمال العدائية، مما يحرمهم من الحماية المنصوص عليها دوليًا؟
- مدى استخدام الأسلحة وأساليب الحرب المحظورة[29]:
هل تمّ استخدام الأسلحة البيولوجية أو الكيميائية أو الرصاص المتفجّر أو غيرها من الأسلحة المحرّمة دوليًا؟ هل تمّ استخدام أساليب محظورة كالدروع البشرية أو تجويع المدنيين أو الغدر أو النهب؟ هل تمّ استهداف الأعيان أو المواد الأساسية لبقاء السكان المدنيين أو تدميرها أو نقلها أو تعطيلها؟ هل تمّ تعطيل مرور مواد الإغاثة الإنسانية للمدنيين المحتاجين إليها؟ هل تمّ استخدام وسائل وأساليب القتال التي من شأنها إحداث إصابات أو آلام لا مبرّر لها أو الأسلحة العشوائية أو السمّ أو الأسلحة السامّة؟
- مدى حماية المدنيين والأشخاص العاجزين عن القتال:
هل يُعامل المدنيون والأشخاص العاجزون عن القتال معاملة إنسانية[30]؟ هل تمّ رصد أي قتل[31] أو تعذيب أو معاملة قاسية أو لا إنسانية أو اعتداء على الكرامة الشخصية[32] أو عقوبات بدنية[33]؟ هل ثمّة مزاعم بشأن إجراء تجارب طبية أو علمية أو أي إجراء طبي آخر، لا تقتضيه الحالة الصحية للشخص المعني، ولا يتفق مع المعايير الطبية المرعية[34]؟ هل ثمّة مؤشرات على الاغتصاب أو أيّ شكل من أشكال العنف الجنسي[35] أو أخذ الرهائن[36] أو الاختفاء القسري[37] أو الحرمان التعسّفي من الحرية[38] أو إنزال العقوبات الجماعية[39] أو عدم احترام المعتقدات والشعائر الدينية[40]، أو عدم احترام جثث الموتى[41] أو عدم إعادة رفاتهم[42]؟ هل تمّ ترحيل أو نقل المدنيين قسرًا من خلال استخدام وسائل محظورة مثل ترويع السكان أو القيام بهجمات عشوائية[43] أو عدم السماح بعودتهم[44]؟ هل تمّ استخدام المدنيين كدروع بشرية[45]؟ هل تمّ البحث عن القتلى أو الجرحى وجمعهم وإجلائهم؟ هل من أدلّة على منع المنظمات الإنسانية وأفراد الخدمات الطبية من المساعدة في عمليات البحث والجمع أو تعريض أي شخص للمضايقة أو الإدانة بسبب ما قدمّه من رعاية للجرحى أو المرضى[46]؟
- المسؤولية عن الانتهاكات والمحاسبة[47]:
من المسؤول جزائيًا عن تنفيذ تلك الأفعال أو إصدار الأوامر أو التقصير في منع ارتكاب جرائم الحرب أو قمعها أو رفع تقارير عنه؟ كيف يمكن محاسبة الفاعلين محليًا أو دوليًا؟ هل هناك محاولات لإخفاء الأدلة أو عرقلة التحقيقات؟ ما هي الآليات المتوفّرة من أجل المطالبة بالتعويض الكامل عن الخسائر أو الأذى الذي تسبّبت به الانتهاكات؟
3- التصنيف القانوني:
كما أشرنا أعلاه، يعدّ التصنيف القانوني أمرًا معقّدًا ويحتاج إلى معرفة قانونية واسعة وإمكانية الاطلاع على مجموعة واسعة من الأدلة والقرائن، قد يكون من الصعب حتى على المحاكم الدولية الوصول إليها. إلّا أنّ التواصل مع خبراء قانونيين يبقى ضروريًا من أجل تفنيد التجاوزات المرتكبة أثناء الحروب واستخراج المؤشرات، في حال وجودها، على انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني أو توفّر أركان جرائم الحرب أو الجرائم ضدّ الإنسانية أو الإبادة الجماعية أو جرائم العدوان، وأيضًا المؤشرات على انتهاك القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ثالثًا- التحديات القانونية التي تواجه عملية التوثيق:
من التحديات التي تواجه التوثيق هي:
- عدم تطبيق الحماية القانونية للصحافيين: واستهدافهم بشكل مباشر لأسباب تتصل على الأرجح بمنعهم من القيام بدورهم في التغطية الإعلامية للجرائم والانتهاكات لحقوق الإنسان، وذلك على الرّغم من وجود قوانين واتفاقيات دولية تضمن حماية الصحافيين أثناء النزاعات المسلّحة وخارجها[48]، يظلّ تطبيقها محدودًا، ممّا يترك الصحافيين عرضة للاعتقال والقتل، دون أي ضمانات فعلية لسلامتهم أو حقوقهم.
- منع الصحافيين من ممارسة عملهم: وذلك بسبب قطع الطرقات و/أو عدم وجود ممرّات آمنة، ممّا يقيّد الوصول إلى المناطق التي تتعرّض للهجوم، وغالبًا ما تكون خطرة أو مغلقة أمام الصحافيين. وتستمرّ صعوبة الوصول إليها حتى بعد وقف إطلاق النار، بسبب استمرار بعض العمليات العسكرية أو وجود ألغام أو قنابل غير منفجرة[49]. ههذا فضلًا عن ردود الفعل الشعبية و/أو الحزبية تجاه مواقف أو أداء بعض الوسائل الإعلامية، مما يعرّض الصحافيين العاملين لديها، ليس فقط للانتهاكات الناجمة عن تلك الردود، وإنما أيضًا لمزيد من الصعوبات أثناء التغطية أو التوثيق[50].
- عدم صحّة المعلومات: قد تكون المعلومات الأوّلية غير دقيقة بسبب التباين في المعلومات المتّصلة بالخبر نفسه. وقد يكون ذلك ناتجًا عن الاختلاف في وجهات النظر أو الآراء أو التصوّرات المسبقة أو النقص في التوثيق المستقلّ أو النقص في الشفافية لدى أطراف النزاع.
- عدم القدرة على تمييز المؤشّرات على الانتهاكات: قد لا يتمتّع الصحافيون بالتدريب القانوني اللازم الذي يخوّلهم تحديد ما إذا كانت أفعال معيّنة تمثّل جرائم حرب أو انتهاكات جسيمة، وهذا أمر بديهي كما ذكرنا أعلاه. إلّا أنّه قد يشكّل عقبة أمام التوثيق في الحالات التي لا يكون فيها لدى الصحافي أيّ إلمام بالقوانين الدولية وبأهداف التوثيق، وتاليًا لا يكون فيها قادرًا على معرفة ما إذا كانت تلك الأفعال تقدّم مؤشّرات يجب توثيقها تمهيدًا للتدقيق فيها وتحليلها من قبل الخبراء القانونيين والمحاكم المختصّة وتقييم ما إذا كانت تلك المؤشّرات أدلة على وقوع جرائم حرب أو غيرها من الجرائم المعاقب عليها في القانون الدولي.
- صعوبات متّصلة بحماية المعلومات في مواجهة الانتهاكات الرقمية.
- صعوبات متّصلة بضمان سلامة الشهود والمصادر.
- مواجهة الدعاوى القضائية التي قد تطرأ بسبب التوثيق[51].
رابعًا- المعايير الواجب مراعاتها، بما يكفل استخدام المعلومات في تحقيق العدالة والمساءلة:
يستدعي توثيق الحرب توافر معايير مهنية وأخلاقية وتقنية عدّة من أجل ضمان مستوى مقبول من الدقة والمصداقية في جمع المعلومات وتحليلها، ومن أجل تعزيز إمكانية قبولها أمام المحاكم الدولية. نكتفي أدناه بالإشارة إليها من زاوية قانونية من دون أن ندخل في تفاصيل التوثيق ومراحله التقنية والميدانية.
1- المعايير المتّصلة بجمع الأدلة:
- التنسيق مع الجهات المختصّة للوصول إلى مواقع الأدلّة والتصوير الميداني عند الاقتضاء. ومع ذلك، قد يتعرّض بعض الصحافيين للمضايقات أو حتى الاعتداء بسبب تواجدهم في أماكن معيّنة. في هذه الحالات، يجب الابتعاد فورًا من أجل سلامتهم الشخصية.
- عدم التلاعب بالمعلومات وإضافة استنتاجات غير مؤكّدة، سواء عن قصد أو غير قصد، وعدم قبول الأدلة من مصادر يُخشى أن تتلاعب بالمعلومات لأهداف سياسية أو عسكرية.
- الابتعاد عن التوثيق خدمة لدعاية عسكرية أو سياسية لأي جهة، بخاصّة إذا كان من شأن ذلك أن يشكّل دعاية للحرب وتحريضًا عليها بمفهوم الفقرة 1 من المادة 20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية[52].
- توثيق وجهات نظر مختلفة دون الانحياز التامّ أو الإلغاء التامّ لأي طرف. من البديهي أنْ يستحيل تحقيق الموضوعية المطلقة عمليًا بسبب البروباغندا السياسية وتأثير أصحاب النفوذ على الوسائل الإعلامية والآراء الشخصية للصحافيين. إلّا أنّ ذلك لا يتعارض مع السعي لتحقيق الموضوعية النسبية من أجل ضمان تغطية عادلة ومتوازنة تعكس مختلف وجهات النظر وتقلّل من التحيز بقدر الإمكان.
- السرعة في التوثيق من أجل حفظ الأدلة قبل ضياعها، لا سيّما الأدلة الرقمية التي يمكن أن تختفي خلال ثوان، وتقديم معلومات أوّلية موثوقة قبل انتشار الشائعات أو الأخبار الخاطئة وضمان مصداقية الشهود قبل أن ينسوا أو تتشوّه ذاكرتهم.
- عدم القيام بأيّ عمل من شأنه التأثير أو الضغط على الشاهد أو الضحية أو أي مصدر للأدلة، بهدف إقناعهم بإجراء المقابلة أو الإجابة على أسئلة محدّدة أو أيّ أمر آخر يتعلق بإفادتهم، مع ضمان أن تكون مشاركتهم طوعية بالكامل، ومن دون أيّ نوع من الإكراه أو التلاعب.
- عدم تقديم أيّ شكل من أشكال المكافأة مقابل المعلومات.
- عدم الحصول على أدلة بواسطة انتهاك حقوق الإنسان لأنّ ذلك قد يثير الشك في مصداقية الأدلة ونزاهة الإجراءات[53].
- السعي للوصول إلى وثائق رسمية مثل أوامر العمليات والتقارير الطبية والسجلات الحكومية.
- عدم إهمال المعلومات المتعلّقة بالفساد واستغلال النفوذ وانتهاكات حقوق الإنسان على الصعيد الداخلي، بحجّة التركيز على النزاع المسلّح فقط، إذ إنّ هذه القضايا تسهم في تفاقم الأوضاع الإنسانية وتعكس جوانب مهمّة من تداعيات الحرب.
2- المعايير المتّصلة بالتحقّق من صحّة الأدلة:
- التأكّد من أنّ التوثيق لا يستند إلى آراء متحيّزة وتصوّرات مسبقة، لأنّ من شأن ذلك التأثير بشكل غير مباشر على الأدلة التي يتم جمعها، وتاليًا يمسّ بمصداقية التوثيق ونزاهته.
- التأكّد من مدى مصداقية المصادر وصحة المعلومات التي قدّموها، فلا يكفي نقل الخبر عن وسيلة إعلامية أخرى لإعفاء الصحافي من مسؤولية نشر أخبار كاذبة.
- مقارنة المعلومات بين مصادر متعدّدة للحصول على خبر أكثر دقة وشمولية.
- التأكّد من أنّ الأدلة ترتبط بشكل مباشر بالانتهاكات أو الجرائم موضوع التوثيق.
- التأكّد من أنّ الأدلة ليست ناتجة عن أحداث فردية فقط، بل تعكس نمطًا متكرّرًا أو ممنهجًا يمكن أن يثبت وجود انتهاكات واسعة النطاق أو سياسة محدّدة. يجب أن يكون التركيز على جمع أدلة تبرز السياق العام والظروف المحيطة وتسلسل الأحداث والعوامل المؤثرة.
- تحليل الصور والفيديوهات باستخدام أحدث التقنيات لإثبات صحّة الموقع والتوقيت.
3- المعايير المتّصلة بالحفاظ على الأدلة:
- تصوير أو حفظ الأدلة المادية كآثار الدمار أو الذخائر المستخدمة.
- استخدام أنظمة رقمية مؤمّنة لتخزين الوثائق وحمايتها من التلف أو السرقة.
- الاحتفاظ بنسخ عدّة من الأدلّة وتخزينها في مواقع مختلفة لضمان استعادتها في حال حدوث أي عطل تقني أو انتهاك رقمي.
- استخدام أحدث التقنيات المتوفّرة مثل التصوير بالفيديو والصور والتسجيلات الصوتية والخرائط من أجل الحفاظ على الأدلة وتعزيز قوّتها ومصداقيتها.
4- المعايير المتّصلة بحماية الشهود ومصادر الأدلة:
- عدم الكشف عن هوية الشهود أو المصادر إذا كان من شأن ذلك أن يهدّد سلامتهم.
- توثيق الأحداث بطريقة تحترم حقوق الضحايا والشهود وكرامتهم الإنسانية، مع تجنّب تصوير ونشر صور مروّعة أو غير لائقة وأي إساءة أو تحريض أو ما من شأنه تعريضهم لأيّ خطر إضافي. هنا أيضًا يجوز اعتماد مبدأ التناسب بين ضرورة التوثيق وأهمّيته من جهة، والضرر الذي يمكن أن يسبّبه هذا التوثيق، من جهة أخرى.
- إبداء التعاطف ومراعاة الحساسيات الثقافية والاجتماعية والظروف المؤلمة أثناء التعامل مع الشهود أو الضحايا.
- الحصول على موافقة الشخص على الإدلاء بإفادته و/أو التسجيل بالصوت والصورة و/أو إطلاع الرأي العام أو أيّ سلطة قضائية على مضمونها.
- التنبّه لإمكانية تفتيش الحواسيب والهواتف من قبل الأجهزة الأمنية والرقابة على الاتصالات، بخاصّة أنّ المعلومات المستخرجة قد تتعدى أحيانًا المعلومات التي يستدعيها التحقيق.
5- المعايير المتّصلة بتصنيف الأدلة:
- الاستناد إلى الإطار القانوني الدولي، بما في ذلك اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان، من أجل فهم القواعد الدولية أثناء النزاعات المسلّحة والتمييز بين أنواع الجرائم مثل جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية والإبادة الجماعية وجرائم العدوان.
- تحديد القوانين الدولية التي تطبّق على أطراف النزاع وصلاحية المحاكم الدولية أو المحلية للنظر في الانتهاكات المرتكبة أثناء الحرب.
- عدم التسرّع في إطلاق الأحكام القانونية، والعمل عوضًا عن ذلك على تعزيز الأدلة والفرضيات تمهيدًا لنشرها أمام الرأي العام.
- من الضروري الفصل بين الاعتبارات السياسية والقواعد القانونية لدى التعامل مع قضايا الحرب. من الأمثلة على ذلك الاغتيالات السياسية لشخصيّات لا تتولّى أيّ مسؤوليات عسكرية، التي لا يمكن تبريرها أو تصنيفها كممارسات سياسية مشروعة، بل تُعد انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني[54].
- الاستعانة بخبراء قانونيين ومنظمات دولية لتقييم ما إذا كانت الأفعال ترقى إلى انتهاكات جسيمة أو جرائم حرب.
- العمل مع المنظمات الحقوقية من أجل تحليل الأدلة واستخدامها في إجراءات أو شكاوى قانونية.
6- المعايير المتّصلة بنشر الأدلة:
- التحقّق من أنّ النشر لا يسبّب المزيد من الأذى أو التهديد للضحايا أو عائلاتهم والشهود أو الأشخاص الذين تدخّلوا لمساعدة الضحية أو لمنع وقوع المزيد من الانتهاكات.
- الصحافي ليس ملزمًا بنشر جميع الأدلة التي يملكها، ومن الجائز أن يتحفّظ عن نشر بعضها إذا كان ذلك يعرّضه، أو أحد أفراد عائلته، أو أحد مصادره، أو أحد الشهود للخطر.
- الصحافي ليس ملزمًا بالنشر، بخاصّة إذا رأى أنّ ذلك يعزّز احتمالات الفتنة أو التحريض على ارتكاب الجرائم أو تبرير الانتهاكات.
- الصحافي غير ملزم بالنشر أمام الرأي العام، ففي بعض الأحيان قد يكون من الأنسب التعاون مع المنظمات الحقوقية لحفظ الأدلة وضمان استخدامها بشكل فعّال في الإجراءات أو الشكاوى القانونية، من دون تعريض الأشخاص المعنيين للخطر.
- نشر الأدلة بأسلوب إنساني يراعي الكرامة الإنسانية للأشخاص المعنيين ويبتعد عن أسلوب الإثارة أو استغلال المأساة لجذب الانتباه أو تحقيق مكاسب إعلامية أو إثارة الفتنة.
سادسًا- التوصيات:
1- التوصيات الخاصّة بمؤسّسات الدولة:
- تأمين الحماية للصحافيين الراغبين في التوثيق من خلال اتخاذ إجراءات عدّة عالجناها في مكان آخر، ومنها التنسيق مع الجهات الدولية من أجل توفير ضمانات الحماية للصحافيين أثناء أداء مهامهم في مناطق النزاع.
- الإسهام في التوثيق من خلال أجهزتها الأمنية والإعلامية.
- توفير التدريب لعناصر الأجهزة الأمنية على كيفية جمع وتوثيق الأدلة.
- التعاون مع المنظمات الحقوقية من أجل استشراف أفضل الممارسات في التوثيق وتبادل نتائج التحقيق معها إذا لم يكن في ذلك خطر على سرّية التحقيق أو الناس المعنيّة به.
- نشر التقارير الأمنية أمام الرأي العام إذا لم يكن في ذلك خطر على الشهود أو الضحايا.
- تطوير إطار قانوني يضمن حقوق الأفراد في جمع وتوثيق الأدلة المتّصلة بانتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وحماية المصادر والشهود وحماية المعلومات.
2- توصيات للنقابات والمنظمات المعنيّة:
- حثّ الصحافيين على التوثيق وفق القانون الدولي الإنساني والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
- تدريب الصحافيين حول الانتهاكات والممارسات غير القانونية المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان وأيضًا آليات التوثيق المهني والآليات والتوصيات، بما يتماشى مع المعايير المهنية والأخلاقية وأحدث التقنيات المتوفّرة.
- تقديم الدعم، عند الاقتضاء، للصحافيين العاملين في مناطق النزاع لتغطية احتياجاتهم الأساسية وضمان سلامتهم.
- وضع قواعد معيّنة للتعامل مع الأخطار الميدانية وإجراءات الإخلاء عند الطوارئ.
- وضع قواعد لتوثيق الحقائق بمهنيّة من دون تحيّز أو تلاعب والتعامل مع الشهود والضحايا على نحو يحترم خصوصيّتهم وكرامتهم.
- تأمين التواصل والتنسيق بين السلطات العامّة والمؤسّسات الإعلامية.
- وضع قواعد بشأن حماية الشهود والمصادر، بما يضمن عدم تعرّضهم للضغوط من قبل الصحافيين سواء بشكل مقصود أو غير مقصود، أو للانتقام من قبل أطراف النزاع.
- التأكيد على أهمية التوثيق في تحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الجرائم، وحثّ الرأي العام على مساعدة الجهات التي تقوم بالتوثيق.
- إنشاء قاعدة بيانات تتضمّن الجرائم والانتهاكات التي تمّ توثيقها من قبل الصحافيين و/أو المنظمات غير الحكومية و/أو الأجهزة الأمنية ونشرها أمام الرأي العام، وتنظيمها بشكل يسمح بالرجوع إليها بسهولة.
- التعاون مع وسائل إعلام دولية لنقل الانتهاكات للرأي العام الأجنبي.
- حثّ السلطات العامّة على احترام حقوق الصحافيين وضمان حرّيتهم في التوثيق.
3- توصيات لوسائل الإعلام:
- الإقرار بأهمية التوثيق ووضعه ضمن أولويات التحرير وتوفير الإمكانيات اللازمة لذلك.
- تدريب الصحافيين على آليات التوثيق المهني للحرب.
- توفير معدّات الحماية الشخصية للصحافيين العاملين في المناطق الخطرة.
- تأمين المعدات اللازمة للتصوير والتوثيق، مع أدوات لحماية البيانات والمعلومات.
- الامتناع عن نشر مواد قد تؤثر على مجريات التحقيقات أو تشكّل خطرًا على الشهود والضحايا.
- التعاون مع خبراء قانونيين ومنظمات حقوقية من أجل توثيق الانتهاكات وفق معايير قانونية والتأكّد من أنّ الأدلة قابلة للاستخدام أمام المحاكم الدولية عند الاقتضاء.
- التعاون مع وسائل إعلام دولية لنقل الوقائع والانتهاكات على نطاق أوسع.
- الحرص على إبراز الجانب الإنساني للضحايا عوضًا عن الإشارة إليهم كأرقام أو إحصائيات.
4- توصيات للصحافيين:
- الاستعداد المسبق من خلال الاطّلاع على خلفية النزاع والأطراف الفاعلة والقوانين الدولية المتعلّقة بالحرب والإلمام بالمصطلحات المرتبطة بالقانون الدوليّ الإنسانيّ وحقوق الإنسان وحقوق الصحافيين في مناطق النزاع ومفهوم المشاركة في الأعمال العدائية الذي قد تبرّر استهدافهم وحرمانهم من الحماية الدولية للمدنيين.
- وضع خطة العمل وفق موضوع المهمّة: هدف المشروع ومدى تحقيقه للمصلحة العامّة، الموارد المتوفّرة، العوامل الخارجية مثل الوضع الأمني، المصادر، الجهات التي يمكن التعاون معها، التقنيات التي يمكن استخدامها، كيفية الوصول إلى مناطق النزاع أو المناطق المشمولة بالتحقيق، التوقيت، المدة اللازمة، أصول إجراء المقابلات على نحو يحفظ الحقوق، كيفية حماية الضحايا والشهود والمصادر والمعلومات التي يحصل عليها، كيفية التحقّق من صحّة المعلومات وتجنّب التضليل الإعلامي وخطاب الكراهية وضمان الخصوصية، على أن نتوسّع في تلك المسائل في المقالات اللاحقة. هذا فضلًا عن الخطوات اللازمة من أجل حماية نفسه جسديًا ونفسيًا.
- ترتيب الأولويات في التوثيق بالتنسيق مع الوسيلة الإعلامية التي يعمل لديها ووفق الموارد المتوفّرة: الهجمات على المدنيين، الكشف عن هوية المجرمين ومسؤوليّتهم عن جرائم الحرب، البحث عن المفقودين، التحقّق من الأسلحة المستخدمة…
- إشراك الضحايا وعائلاتهم والسكان المعنيين مباشرة بالحرب في التوثيق.
- احترام المعايير المهنية والأخلاقية والرقمية المشار إليها أعلاه.
[1] نستند في هذا المقال بشكل أساسي إلى نظام روما الأساسي، القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات للمحكمة الجنائية الدولية، قواعد بيانات القانون الدولي الإنساني، توثيق الجرائم الدولية وانتهاكات حقوق الإنسان لأغراض المساءلة الجنائية: مبادئ توجيهية لمنظمات المجتمع المدني، دليل المراسل للتحقيق في جرائم الحرب، المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في الانتصاف والجبر لضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي.
[2] قرار الجمعية العامة رقم 68/165 (2013)الآيل إلى الإقرار بأهمية احترام وضمان الحق في معرفة الحقيقة من أجل المساهمة في وضع حد للإفلات من العقاب وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها.
[3] المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في الانتصاف والجبر لضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي، المقرر الخاص المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة والجبر وضمانات عدم التكرار.
[4] من الأمثلة على ذلك جنوب افريقيا ضد إسرائيل وغامبيا ضد ميانمار وأوكرانيا ضد الإتحاد الروسي بشأن تطبيق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، كندا وهولندا ضد الجمهورية العربية السورية بشأن تطبيق اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، نيكاراغوا ضد ألمانيا بشأن الانتهاكات لالتزامات دولية معينة فيما يتعلق بالأرض الفلسطينية المحتلة، تقرير محكمة العدل الدولية، من 1/8/2023 إلى 31/7/2024.
[5] تنظر المحكمة حاليا في حالات عدة في أوغندا والسودان وكينيا وفلسطين وأوكرانيا وأفغانستان وغيرها، الحالات أمام المحكمة الجنائية الدولية.
[6] المحكمة الخاصة بسيراليون، الدوائر الاستثنائية في محاكم كمبوديا، فضلا عن الدعاوى أمام محاكم محلية: لجنة محلفين أمريكية تمنح 42 مليون دولار لـ 3 عراقيين ضحايا أبو غريب، هيومان رايتس ووتش، 14/11/2024. وأيضا بعثات تقصي الحقائق مثل البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان (2023)، البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا (2020)، لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلّة، بما في ذلك القدس الشرقية، وإسرائيل (2021).
[7] من الأمثلة على ذلك: قرار الامم المتحدة حول اليمن يحول دون إجراء تحقيق دولي في جرائم الحرب، منظمة العفو الدولية، 2/10/2015، ليبيا: الإفلات من العقاب ونقص التعويضات الكافية عن الجرائم ضد الإنسانية في ترهونة يطيلان أمد المعاناة، منظمة العفو الدولية، 26/11/2024، العراق: خمس سنوات على تظاهرات تشرين، ولا يزال الإفلات من العقاب هو سيد الموقف، منظمة العفو الدولية، 30/9/2024.
[8] The First Draft of History: Journalists- Witnesses Before the Hague Tribunal, Boro Kontić, Nedim Sejdinović, Elvira Jukić Mujkić, Anida Sokol, Selma Zulić Šiljak and Dragan Golubović, Media and Civil Society Development Foundation Mediacentar, 2022.
[9] المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في الانتصاف والجبر لضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي.
[10] المادتان 32 و33 من البروتوكول الأول الإضافي.
[11] تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، دراسة عن الحق في معرفة الحقيقة ، 2006.
[12] قرار الجمعية العامة رقم 65/196 (2010).
[13] قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2675 (1970) بشأن المبادئ الأساسية لحماية السكان المدنيين في النزاعات المسلحة، الذي نص على أن حقوق الإنسان الأساسية تسري بشكل كامل في النزاعات المسلحة.
[14] القاعدة 1 من بيانات القانون الدولي الإنساني، وتوابعها.
[15] القاعدة 7 من بيانات القانون الدولي الإنساني، وتوابعها.
[16] القاعدة 11 من بيانات القانون الدولي الإنساني، وتوابعها.
[17] القاعدة 14 من بيانات القانون الدولي الإنساني.
[18] القاعدة 15 من بيانات القانون الدولي الإنساني، وتوابعها.
[19] القاعدة 25 من بيانات القانون الدولي الإنساني.
[20] القاعدة 27 من بيانات القانون الدولي الإنساني.
[21] القاعدة 31 من بيانات القانون الدولي الإنساني.
[22] القاعدة 33 من بيانات القانون الدولي الإنساني.
[23] القاعدة 34 من بيانات القانون الدولي الإنساني.
[24] القاعدة 30 من بيانات القانون الدولي الإنساني.
[25] القاعدة 28 من بيانات القانون الدولي الإنساني، القاعدة 29 من بيانات القانون الدولي الإنساني، القاعدة 32 من بيانات القانون الدولي الإنساني، القاعدة 35 من بيانات القانون الدولي الإنساني.
[26] القاعدة 38 من بيانات القانون الدولي الإنساني، وتوابعها.
[27] القاعدة 43 من قواعد بيانات القانون الدولي الإنساني، وتوابعها، التي تنص على أنه: أ- لا يجوز الهجوم على أي جزء من البيئة الطبيعية ما لم يكن هدفًا عسكريًا. ب- يحظر تدمير أي جزء من البيئة الطبيعية إلّا في الحالات التي تستلزمها الضرورة العسكرية القهرية. ج- يحظر الهجوم على هدف عسكري قد يتوقع منه التسبب بأضرار عارضة للبيئة ويكون مفرطاً في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة. ويرد تطبيق مبدأ التمييز على البيئة الطبيعية في “الإرشادات بشأن حماية البيئة زمن النزاعات المسلحة. وقد دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة جميع الدول لنشر هذه الإرشادات بشكل واسع والنظر جديًا بإمكانية إدماجها في كتيّبات الدليل العسكري الخاصة بها وبالتعليمات الأخرى الموجهة إلى أفرادها العسكريين. كذلك نصت القاعدة 45 على حظر استخدام أساليب أو وسائل للقتال يُقصد بها أو يُتوقع منها أن تسبّب أضرارًا بالغة، واسعة الانتشار وطويلة الأمد بالبيئة الطبيعية، وعدم استخدام تدمير البيئة الطبيعية كسلاح.
[28] القاعدة 37 من بيانات القانون الدولي الإنساني.
[29] القاعدة 70 من بيانات القانون الدولي الإنساني، وتوابعها.
[30] القاعدة 87 من بيانات القانون الدولي الإنساني.
[31] القاعدة 89 من بيانات القانون الدولي الإنساني.
[32] القاعدة 90 من قواعد بيانات القانون الدولي الإنساني.
[33] القاعدة 91 من بيانات القانون الدولي الإنساني.
[34] القاعدة 92 من قواعد بيانات القانون الدولي الإنساني.
[35] القاعدة 93 من قواعد بيانات القانون الدولي الإنساني.
[36] القاعدة 96 من قواعد بيانات القانون الدولي الإنساني.
[37] القاعدة 98 من بيانات القانون الدولي الإنساني.
[38] القاعدة 99 من بيانات القانون الدولي الإنساني.
[39] القاعدة 103 من بيانات القانون الدولي الإنساني.
[40] القاعدة 104 من بيانات القانون الدولي الإنساني.
[41] القاعدة 115 من بيانات القانون الدولي الإنساني.
[42] القاعدة 114 من بيانات القانون الدولي الإنساني.
[43] القاعدة 129 من بيانات القانون الدولي الإنساني.
[44] المادة 132 من بيانات القانون الدولي الإنساني.
[45] القاعدة 97 من قواعد بيانات القانون الدولي الإنساني.
[46] القاعدة 109 من قواعد بيانات القانون الدولي الإنساني التي تنطبق على جميع الجرحى والمرضى والغرقى، من دون أيّ تمييز مجحف (انظر القاعدة 88). وهذا يعني أنها تنطبق على الجرحى والمرضى والغرقى، بغضّ النظر عن الطرف الذي ينتمون إليه، وفي ما إذا شاركوا في العمليات العدائية بصورة مباشرة أم لا.
[47] القاعدة 149 من بيانات القانون الدولي الإنساني، وتوابعها.
[48] إسرائيل قتلت عصام عبدالله: خلاصة تحقيقات 4 مؤسّسات حقوقية وإعلامية، إخبار عن جرائم حرب رقم 9: استهداف صحافيين في حاصبيا، عام على الاغتيال: فرح في البال، خلال ستة أشهر فقط، قُتل أكثر من 100 صحافي في قطاع غزة المغلق: أين هو المجتمع الدولي؟
[49] الجيش الإسرائيلي يستهدف الصحافيين بالرصاص الحيّ في الخيام ويُصيب مصوّراً ومراسلاً، سكايز، 28/11/2024.
[50] عنصران من حزب الله يمنعان طاقم قناة العربية من التغطية في بعلبك ويُصادران معدّات البثّ، سكايز، 28/11/2024، عناصر من حزب الله يعتدون على الصحافي داوود رمال في بلدته الدوير، سكايز، 30/11/2024.
[51] المباحث الجنائية تستدعي الصحافي فراس حاطوم والإعلامية نانسي السبع بسبب تحقيق، سكايز، 20/11/2024.
[52] رأى التعليق العام رقم 11 الخاص بالمادة 20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية أن الدعاية للحرب هي الدعاية التي تهدد بعمل عدواني أو بخرق للسلم الذي يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة. ولا يدخل ضمن ذلك الدعوة إلى الحق السيادي في الدفاع عن النفس أو حق الشعوب في تقرير المصير والاستقلال.
[53] المادة 69 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
[54] الحرب لا تبرّر الاغتيالات السياسية، نور كلزي، المفكرة القانونية، 8/11/2024.