أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في مايو 2015 دراسة تحت عنوان "في عرف من". وتناقش الدراسة التي حررها اسحق إبراهيم، مسؤول برنامج حرية الدين والمعتقد، والباحث في المبادرة، دور المجالس العرفية في النزاعات الطائفية، وفيما كانت تصلح لدعم الاندماج الاجتماعيّ أم أنها تؤدي على العكس من ذلك تماما الى تعميق الانقسام على أسس طائفية. وتركز الدراسة على الفترة من يناير 2011 حتى الآن باعتبارها الفترة التي شهدت تحولات دستورية وسياسية وثقافية عميقة. كذلك اتسمت بتعثر واضح في عمل أجهزة فرض القانون والأمن مما أدى في أحيان إلى عجزها عن القيام بمهامها الموكولة إليها دستوريًّا وقانونيًّا.
تبدأ الدراسة باستعراض سريع للنمط المهيمن على العلاقة بين أجهزة الدولة ومجتمع الأقباط خلال حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك والوقوف على أهم مشكلاته التي استمرت بعده. ثم تستعرض الدراسة أنماط النزاعات الطائفية بشكل عام وتصنفها في ستة أنماط رئيسية. ثم تتجه الدراسة إلى تحليل كمي وكيفي لعمل المجالس العرفية، لتقدم في نهاية المطاف قراءة حقوقية لمخرجات هذه المجالس في ضوء أحكام الدستور والقانون والاتفاقيات الحقوقية الدولية التي صدقت عليها الحكومات المصرية المتعاقبة.
وسوف نستعرض تباعا في هذا المقال أهم المعلومات التي عرضتها الدراسة.
1-أنظمة حكم متغيرة والتوترات الطائفية واحدة
يوضح الباحث انه برغم تغير انظمة الحكم في مصر منذ 2011 وحتى الآن، فان التوترات الطائفية لم تتأثر وبقيت على حالها. وفي سبيل ذلك، يسرد الكاتب أهم التوترات الطائفية التي حدثت في مصر قبل ثورة 25 يناير 2011، وما بعدها.
الفترة السابقة على ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١:
توضح الدراسة أن مصر شهدت وقائع عديدة للتوتر والعنف الطائفي خلال السنوات الأخيرة لحكم الرئيس السابق حسني مبارك ويستعين الباحث بتقاريرحقوقية خاصة تلك الصادرة عن المبادرة المصرية في عام 2010، والتي تدلل على اتساع رقعة هذا العنف الجغرافية وتصاعد وتيرته، ، وغياب الإرادة السياسية لوضع حد لأنماط العنف.
وتحلل الدراسة أحداث العنف الطائفي خلال هذه الفترة بشكل عام لتحديد العلاقة التي تشكلت بين الدولة ومجتمع الأقباط في عهد مبارك على النحو التالي:
أولًا: غذت النخب الأمنية والسياسية الحاكمة فكرة «البديل الإسلامي»، بمعنى أن أَّي قدر من الانفتاح السياسي سيؤدي عمليًّا إلى تحول مصر إلى دولة دينية.
ثانيًا: تعامل النخب الأمنية والسياسية، ومؤسسة الرئاسة مع الأقباط كرعايا تمثلهم الكنيسة، وليس كمواطنين لهم الحقوق وعليهم الواجبات كافة.
ثالثا: إنكار وجود توترات طائفية بين الأقباط والمسلمين أو التقليل من شأنها.
ثم تنتقل الدراسة لعرض الأمور بعد 25 يناير 2011.
ما بعد ٢٥ يناير ٢٠١١:
حسب الدراسة، خلال الأيام الأولى لمظاهرات 25 يناير 2011، تراجعت الانتماءات الدينية قليلاّ وتصدر المشهد مطالب ديمقراطية عامة. ولكن وفي موازاة ذلك، تصاعدت أحداث العنف الطائفي بشكل ملحوظ.
ووصلت ذروة العنف الطائفي إلى قمتها خلال الفترة من 14 إلى 17-8-2013، حيث تعرض ما يزيد على ١٠٠ كنيسة ومنشأة دينية مسيحية للاعتداء.
وقد ارجعت الدراسة تصاعد التوتر الطائفي في هذه الفترة للأسباب التالية:
1- عدم قيام الأجهزة الأمنية بدورها في التدخل السريع في أثناء اندلاع أحداث العنف الطائفي بما يعرف بالفراغ الأمني.
2-ممارسة الأقباط في بعض القرى حقهم في إجراء تعديلات أو ترميم كنائسهم دون الحصول على تصاريح من الجهات الرسمية. وهو الأمر الذي نتج عنه اعتراض كثير من المسلمين في تلك القرى.
3- استغلال العديد من التشكيلات الإجرامية حالة الفراغ الأمني للسطو على ممتلكات وأراضي العديد من الأقباط، وفرض اتاوات عليهم في بعض الحالات .
4-خطابات التيارات الإسلامية التي انخرطت حديثًا في العملية السياسية، بعد استفتاء مارس ٢٠١١. وهي الخطابات التي اتسمت برفع شعارات طائفية والقيام باحتجاجات ذات طابع طائفي صريح.
ثم تنتقل الدراسة الى عرض أنماط الممارسات التي تؤدي الى حوادث طائفية.
كل الطرق تؤدي إلى الطائفية:
تقسم الدراسة إجمالا الممارسات الطائفية في ستة أنماط رئيسية:
الصلاة الممنوعة: ويشمل هذا النمط أحداث العنف الطائفي على خلفية ممارسة الشعائر الدينية كمنع افتتاح كنيسة جديدة، أو منع الصلاة في كنيسة قائمة، أو منع أعمال ترميم كنيسة أو مبنى خدمي قائم. و ذلك بالرغم من أن ممارسة الشعائر الدينية من الحقوق المنصوص عليها دستورياّ. ويشير الباحث أن السلطات التنفيذية والأمنية تتعامل مع موضوع إنشاء وترميم الكنائس على أنه قرار أمني. وهي بذلك لا تمتثل لحكم القضاء الاداري الصادر بتاريخ 26-2-2013 الذي أكد على أن ترميم وإعادة بناء الكنائس لا يحتاج الى موافقة خاصة، بل يكفي فقط موافقة الجهات المسؤولة عن أعمال البناء والانشاء بالادارة الهندسية بالمحافظات، حسب الدراسة.
علاقات عاطفية و جنسية بين مختلفى الديانة:في هذا النوع من أحداث العنف، عادة ً ما تبدأ الوقائع بعلاقات رضائية لكن سرعان ما يتم بفعل الضغط الاجتماعي تصوير هذه العلاقات كأنها اعتداء من أبناء دين على أبناء الدين الآخر. ومن ثم تتداخل فيها أطراف لمساندة كل طائفة.
التعبير عن الرأى فى المسائل الدينية:و هنا يوجد نوعان من الممارسات التي تؤدي إلى العنف الطائفي، النوع الأول يرتبط بما يعرف بقضايا «ازدراء الأديان» وبلغت 48 حالة ملاحقة أهلية وقضائية منذ يناير 2011 حتى نهاية 2013، حسب المبادرة المصرية. والنوع الثانى يتعلق بحالات "التحول الديني" أى تحول الأشخاص من الإسلام إلى المسيحية أو العكس.
المشاجرات الأهلية:وهي المشاجرات التي تبدأ بمشاجرة عادية أو نزاع على ملكية أرض أو أمور أخرى، ولكنها تتحول لأسباب عديدة إلى نزاع طائفي.
العنف السياسى:هذا النمط مرتبط بالوضع السياسي وتورط اللاعبين السياسيين في تفجير التوترات وتحويلها إلى نزاع طائفي. وقد تزايد هذا النمط بعد ثورة 25 يناير حيث تصاعد دور الجماعات والأحزاب الإسلامية.
استضعاف الأقباط:النمط الأخير، وهو ما يرتبط بكثير من الحوادث التي وقعت بعد 25 يناير لأسباب لها علاقة باستضعاف الأقباط وعدم قيام أجهزة الأمن بدورها في حماية أمن المواطنين وممتلكاتهم، إذ انتشرت ظاهرة خطف مواطنين أقباط وطلب مبالغ مالية للإفراج عنهم.
وبعد عرض وضع النزاعات الطائفية، وأنماط الممارسات الطائفية، يتبادر الى الأذهان طرق حل هذه النزاعات. وهنا يركز الباحث على القضاء العرفي كشكل من أشكال حل الخلافات، كما سنوضح فيما يلي.
القضاء العرفى فى التوترات الطائفية: سياسة دولة أم بدائل مجتمع؟
عرّفت الدراسة القضاء العرفي "كأحد أشكال حل الخلافات، الذي نجد جذوره تاريخًيّا في مراحل ما قبل الدولة الحديثة ونظامها القضائي والقانوني معتمدًا على وجود بعض القواعد العرفية التي تراكمت عبر الزمن بحيث شكلت عرفاّ اكتسب قوة إلزامية و تكون مهمته التصدي للنزاعات التي تقع بين أشخاص أو عائلات أو أسر أو العاملين بحرفة معينة".
وهو ما يعني اختيار طرفي الخصومة مكانًا محايدًا و المحكمين والأطراف المحايدة والمرجحة. ثم يسرد كل طرف وقائع المشكلة واسبابها حسب رؤيته ويقدم أدلته، دون أن يقاطعه الآخر. ثم يختلي المحكمون بأنفسهم ويقومون بحساب الأخطاء لكل طرف و تقديرها ويخرجون للإعلان عن الحكم، مع تحرير محضر بالصلح يتضمن كل التفاصيل، مع وضع شروط جزائية على الطرفين في حالة الرجوع عن الصلح.
وركزت الدراسة على صعيد مصر كونه يشهد أكبر عدد من الأحداث الطائفية. ويقسم الباحث صعيد مصر من حيث الأحداث الطائفية إلى قطاعين، الأول من محافظة الجيزة شمالًاوحتى المنيا جنوبًا، وهو الجزء الذي لا يشهد انعقاد مجالس عرفية مشكلة بشكل رسمي، ولكن يوجد محكمون معروفون يتدخلون في حالة حدوث أحداث طائفية. والثاني يبدأ من محافظة أسيوط حتى أسوان و به لجان بتشكيل ثابت معروفة للجهات الرسمية. وتجدر الاشارة، أنه، حسب الدراسة، لا يوجد قانون مكتوب يحكم عمل الجلسات العرفية ويحد من سلطتها التقديرية بخصوص الأحكام الصادرة عنها، ولكن توجد بعض الأعراف التي تقوم بهذا الدور.
وعن عدد الجلسات العرفية منذ 25-1-2011 وحتى نهاية 2014، تمكن الباحث من رصد 45 حادثة اعتداء طائفي تم التعامل معها عن طريق الجلسات العرفية. ذلك رغم وقوع ما يزيد عن 150 حالة اعتداء طائفي منذ 25-1-2011 وحتى منتصف 2013. كما لم تتضمن القائمة الأعمال التي أعقبت فض اعتصامي الرابعة والنهضة من نهب وحرق للكنائس، والمباني الدينية وممتلكات الأقباط.
وشهدت محافظة المنيا العدد الأكبر من الجلسات العرفية الناتجة عن أحداث طائفية (15 حالة بنسبة 33.3%)، وهو ما اعتبره الباحث دليلاً على أجواء التوتر الطائفي السائدة فيها. كما جاءت ممارسة الشعائر الدينية في المركز الأول بين الأسباب التي أدت الى جلسات عرفية (نسبة 31%).
أما عن نتائج هذه الجلسات، فقد تراوحت بين منع الصلاة في كنيسة أو وقف ترميمها أو وقف استكمال بنائها أو منع مصلين من الخارج بالصلاة بها. بالإضافة الى فرض غرامات مالية لتعويض المتضررين، وقرارات بتهجير عائلات. و تذكر الدراسة أنه في بعض الأحيان تصدر الجلسات قرارات تخص أطراف المشكلة الأساسية ولكن فى البعض الآخر تنتهي القرارات الى فرض عقاب جماعى لكل أقباط المنطقة.وعن أسباب قبول المتضررين بهذه الجلسات، التي قد تكون مجحفة بحقهم في حالات كثيرة، أوضحت الدراسة وجود عدة أسباب لذلك. فحسب الباحث، هذه الاسباب تتضمن نمط العلاقات الاجتماعية السائد في الريف المصري والمناطق العشوائية التى تحكمها تقاليد وعادات خاصة تختلف عن المدن تؤدى إلى تجاوز نطاق المشكلة الفرد والأسرة إلى العائلة والطائفة الدينية. بالاضافة إلى ضعف مؤسسات الدولة وعجزها عن القيام بوظيفتها في حماية السلم الاجتماعي وحياة وممتلكات المواطنين. علاوة على تراجع ثقة المواطن في كفاءة منظومة العدالة وفي حيادية الأجهزة الأمنية. ذلك غير أن بعض المشاكل تكون بسيطة في الضرر المادى لكنها تحمل ضررًا نفسيّا وانتهاكًا لكرامة الإنسانية، وفي هذه الحالة قد يكون الصلح العرفى أكثر ملاءمة لجبر هذا الضرر.
ولكن، ماذا عن الدولة، ألا تنتفض ضد الانتقاص من هيبتها والتعدي على دولة القانون؟ يوضح الكاتب في الفقرة التالية كيفية دعم الدولة للعرف على حساب القانون.
أدوار الفاعلين: دعم العرف على حساب القانون
يتطرق الباحث في هذا الجزء الى أن دور بعض الأجهزة يساعد على مساندة العرف بدلاّ من مواجهته بالقانون.
الأجهزة الأمنية:
يشرح الباحث أن قوات الأمن تصل متأخرة دائما الى مواقع الاعتداءات، ولا تتدخل فور قدومها. واذا تدخلت، قد تفشل في الحد من تفاقم تلك الاعتداءات. ويضيف ان الأجهزة الأمنية لم تقم بإلقاء القبض على المعتدين سواء أثناء الاعتداءات أو في ظل وجود قوات الأمن أو فيما بعد بناء على طلب النيابة العامة بعد تقديم بلاغات ضدهم.
أما فيما يخص الجلسات العرفية، فيوضح الباحث أن الأجهزة الأمنية ساهمت في استمرار انعقاد تلك الجلسات وذلك من خلال مشاركتها الشرفية في بعض الجلسات، ومشاركتها في صنع قرارات الجلسة في جلسات أخرى، بالإضافة الى السماح بعقد بعض الجلسات في مقر قسم الشرطة ومديرية الأمن.
النيابة العامة:
بالرغم من أن النيابة العامة هي سلطة التحقيق والمسؤولة عن مباشرة الدعوى الجنائية سواء بتحريكها أو رفعها أو مباشرتها أمام القضاء، إلا أن الباحث يوضح انه في أغلب وقائع الاعتداءات على ممتلكات الأقباط لم تتم إحالة المتهمين إلى المحاكمة.
فالنيابة العامة، حسب الدراسة، خالفت قانون الاجراءات الجنائية، وقامت بتعطيل دعاوى جنائية عن طريق الاعتماد على التصالح العرفي، في حالات لم
ينص عليها القانون.
المؤسسات الدينية:
وفقا للدراسة، فان منظمي العديد من الجلسات العرفية يحرصون على وجود تمثيل من القيادات الدينية، خصوصًا قيادات من الأزهر والكنيسة. وذلك لتهدئة الأجواء بين المواطنين بعد التوصل إلى الصلح العرفي، من خلال الخطاب الديني في المساجد والكنائس، للدعوة إلى التسامح والتعايش ونبذ العنف. ولكن، يوضح الباحث ان الكنيسة رفضت الحضور فى بعض الحالات، مما أدى الى فشل التهدئة. بينما في حالات أخرى نجح تدخل رجال الدين في السيطرة على حالة التوتر الطائفي.
القضاء العرفي: انتهاك الحقوق
ينتقل الباحث من ثمّ الى بيان كيفية إنتهاك القضاء العرفي لحقوق أطراف النزاع. وهو يوضح أن الجلسات العرفية قد تحولت إلى نوع من القضاء العرفي الخالي من قواعد ثابتة متعارف عليها. و ذلك يعد انتهاكاّ لمبدأ أن "لا عقوبة إلا بنص قانونى".
ويفصل الباحث في تلك الفقرة الانتهاكات التي تحدث خلال الجلسات العرفية على النحو التالي:
قضاء تمييزي لا مساواتي:
من خلال متابعة الباحث لطريقة اختيار أعضاء الجلسات العرفية والقرارات الصادرة عنها ونتائج الجلسات، يستنتج وجود ميزان للنفوذ والميل إلى جانب الطرف الأقوى على حساب الجانب الأضعف. بالاضافة الى ذلك، فان أجهزة الدولة مارست ضغوطًا على هذا الجانب الأضعف للقبول بجلسات الصلح العرفي على حساب آليات التقاضي الطبيعية. ففي بعض الحوادث، تمّ تهديدهم بإمكانية تعرضهم لمزيد من الاعتداءات في حال رفضهم الدخول في الصلح العرفي أو تمّ الضغط عليهم من أطراف فاعلة في المجتمع المحلي للقبول بنتائج الصلح.
على سبيل المثال، فى جلسة ناتجة عن اشتباكات أدت إلى إصابة 15 مسيحيا وتعرض ممتلكات 43 مواطنا للضرر، قررت الجلسة عدم تعويض الأقباط وإجبارهم على التنازل عن المحاضر المحررة ضد المعتدين. وهذا دليل على القرارات التي تتخذ في صالح الجانب مما يفسر عدم عدالة هذه القرارات لانعدام المساواة بين الطرفين.
قضاء العقاب الجماعي:
رغم النص صراحة في المادة 95 من الدستور على شخصية العقوبة، فان الدراسة تدلل على انتهاك هذا الحق عدة مرات من جانب محاكم الجلسات العرفية. فقد فرضت هذه الجلسات، وفقا للباحث، عدة انواع من العقاب الجماعي. على سبيل المثال، يذكر الباحث التهجير كنوع من العقاب الجماعي حيث يطول أسرا بأكملها، حتى ان لم يكن كل أفرادها متورطين في النزاع، مما يعني ان الانتماء للعائلة هو فقط معيار العقاب.
قضاء الدرجة الواحدة وتعدد العقوبة:
عكس المعمول به في القضاء الطبيعي من اللجوء الى محكمة أعلى لمراجعة الحكم، اذا تضرر منه أحد الأطراف، فان هذا المبدأ غير معمول به في الجلسات العرفية، كما يوضح الباحث. وهو ما يعني، وفقا للباحث، إخلالا بمبدأ هام من مبادئ المحاكمة العادلة. ففي الجلسات العرفية، لا مجال لاستئناف الحكم. فهو ملزم بقوة لكل من شارك في الجلسة. وعادة، المتضرر من القرار لا يلجأ الى القضاء بسبب ما قد يترتب من آثار سلبية عليه وعلى أسرته. ويبين الباحث أمرا خطيرا، وهو انه في حالة كان البادئ بالاعتداء مسيحيا، فانه يتم استكمال الاجراءات القانونية ضده مع فرض العقوبات العرفية عليه، ملمحا ان الامر لا يكون كذلك اذا كان المعتدي مسلما.
قضاء العدوان على الحقوق الدستورية:
يوضح الباحث في هذه الفقرة، النصوص والمبادئ الدستورية التي تخالفها قرارات الجلسات العرفية. فقرار التهجير، على سبيل المثال، مخالف لنص المادة 63 التي تحظر التهجير القسري. ذلك بالاضافة الى انتهاك حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية وحرية الرأي والتعبير، عن طريق الحكم بوقف عمليات البناء والترميم لبعض الكنائس، وتغيير رجال دين مسيحيين لاعتراض مسلمي القرية عليهم، بالاضافة الى منع المسيحيين من خارج القرية من الصلاة في الكنيسة المتواجدة داخلها.
الخلاصة:
في خلاصة الدراسة، يوضح الباحث انه لا يمانع وجود آليات اجتماعية على النطاقين المحلي والقومي للمساعدة في تطويق النزاعات والاعتداءات الطائفية. فقد لعبت في بعض الحالات دورا لتهدئة الاحتقان الطائفي، ولكنها فقدت على مدار الزمن دورها الأصلي. فوفقا للباحث، الجلسات العرفية تحولت الى نظام قضائي يصارع القضاء الرسمي، وبوابة للهروب من تنفيذ القانون، بالاضافة الى تعاملها بصورة سطحية مع مظاهر واسباب النزاعات الطائفية. كما ان بعض الأحكام جاءت جائرة وغير معتادة وتمثل انتهاكات للحقوق الدستورية. لذلك يطالب الباحث أن تبقى هذه الأشكال متجاورة مع وسائل التدخلات القانونية التي يتمتع بها المواطنون. كما يحمل الدولة مسؤولية تطبيق الوسائل القانونية وضمان توفرها، وحماية من يلجأ إليها من أى عدوان على حقوقه الأخرى.