دفاعًا عن بيئة الكورة: جورج العيناتي يواجه شركة السبع للترابة أمام القضاء 


2025-04-25    |   

دفاعًا عن بيئة الكورة: جورج العيناتي يواجه شركة السبع للترابة أمام القضاء 
جورج العيناتي في مؤتمر حول المقالع عقد في المفكرة القانونية في حزيران 2024

يحصل أن تلجأ شركة الترابة الوطنية (السبع)، التي أكّد مجلس شورى الدولة في أكثر من قرار أنّها تعمل خلافًا للقوانين اللبنانية لعدم حيازتها التراخيص القانونية، إلى القضاء ضدّ من تجرّأ على مواجهتها بكشف انتهاكاتها. هكذا، وجد جورج العيناتي، رئيس لجنة كفرحزير البيئية، نفسه يجرّ إلى القضاء من بلدته في قضاء الكورة إلى محاكم بيروت، بناءً على دعوى قدح وذمّ رفعتها “شركة السبع” ضدّه في أيار 2019، بعدما طالبها بـ “تسكير المقالع” التي تُدمر البيئة في الكورة

صباح الأربعاء في 23 نيسان 2025، وقف العيناتي أمام القاضية المنفردة الجزائية في بيروت نيبال محيو، في جلسة مرافعة أخيرة بعد مسار قضائي دام ست سنوات، ليُدلي بشهادته في ما يعتبره “دعوى افتراء” هدفها تضليل القضاء وتحويل النظر عن تحرّك قضائي بدأ منذ العام 2017 مع ناشطين بيئيين في الكورة ضدّ الشركة، أمام النيابتين البيئية والمالية عام 2017 ولاحقًا أمام مجلس شورى الدولة عام 2019، نظرًا إلى عمل المقالع من دون تراخيص وتلويث البيئة وتشويه المنطقة ما شكّل “إبادة بيئية” بحسب تعبيره. 

وقد طالب وكيله المحامي نزار صاغية بإبطال التعقّبات في حقّه مستعرضًا دوافع العيناتي للاعتراض على انتهاكات الشركة البيئية والصحية والمالية والقانونية ومدى تناسب تصريحاته مع حجم هذه الانتهاكات. وأعاد العيناتي تأكيده على تمسّكه بالأرض والدفاع عن أهل الكورة وصحّتهم وحقهم في البيئة والزراعة، بعدما استعرض الآثار العميقة التي تركتها المقالع على صحّة أهالي الكورة وعلى الزراعة في المنطقة. كذلك تقدّم وكيل الشركة المحامي طوني أبي نادر من مكتب المحامية ماري شبلي بمذكرة بمثابة مرافعة خطيّة، وقد حدّدت القاضية محيو تاريخ 30 حزيران المقبل موعدًا للنطق بالحكم.

ومن جلسة المرافعة في هذه القضية، يمكن الخروج باستنتاج واضح: الشركة التي ادّعت على جورج العيناتي بسبب تعابير قاسية استخدمها في رسالة علنيّة نشرها على صفحته في فيسبوك، وعبّر فيها عن قناعته الكاملة بكل كلمة كتبها، تُمارس عملها من دون تراخيص قانونية. هذا ما أكّدته شهادته أمام المحكمة، بالإضافة إلى ما عرضه وكيله المحامي صاغية الذي استند إلى قرارات صادرة عن مجلس شورى الدولة تؤكد عدم قانونية عمل الشركة.

تصريحات مدفوعة بالغضب من انتهاكات الشركة

تعود هذه القضية إلى أيّار 2019 حين شارك العيناتي في اعتصام في حي المجيدل في كفرحزير – الكورة، ووقف بعد الاعتصام مع عدد من المحتجّين على إحدى التلال المطلّة على مقلع الشركة بهدف تصويره. وأوضح العيناتي لـ “المفكرة” أنّه حينها حضر المقاول مارون نعمة، وطلب تزويده بالمطالب. فوجّه العيناتي رسالة مسجّلة مؤكدًا استمرار التحرّكات ضدّ الشركة والتحرّك القضائي إلى أن “تتسكّر المقالع”. واحتج في رسالته بكلمات نابعة من الغضب الذي يعتري أبناء الكورة إزاء الانتهاكات البيئية والصحيّة والقانونيّة التي تمارسها الشركة واصفًا الارتكابات بـ “جريمة العصر الموصوفة”. وقال إنّ الشركة تنشر الدمار البيئي، ووصف القيّمين عليها بـ “قاتلي الحياة بالكورة”، وطالبهم “الالتزام بالشروط فورًا أو يسكّروا المقالع”. وطالب حينها الشركة بإعادة تأهيل المقالع و”استعادة الأرض التي كانت تنتج ذهبًا فباتت تنتج السرطان”.  ولاحقًا، نشر العيناتي هذه الرسالة كما هي على صفحته على فيسبوك لتتحرّك الشركة ضدّه بدعوى قدح وذم. 

وأكدّ العيناتي أمام المحكمة أنّ الشركة افترت عليه بزعمها “أنّي حضرت إلى أحد عقاراتها والتقيت بالمقاول مارون نعمه وأطلقت بصوت عال الشتائم والتهم والتهديدات في حقها وفي حق أحد مدرائها”. ولهذا السبب، طلب العيناتي من المحكمة استدعاء “مارون نعمه للتأكد من أنّه هو من حضر إلينا وبعيدًا عن عقارات الشركة المدعية وهو من طلب منّا كتابة وتسجيل مطالبنا وليس نحن من طلب ذلك كما تزعم هذه الشركة”.

وشرح العيناتي لـ “المفكرة” خلفيات هذا الحراك الذي ينشط فيه الأهالي الكورة، مشيرًا إلى أنّ “أبناء كفرحزير يُقتلون أربع مرات: أوّلًا، حين يشهدون أرضهم تنهار تحت جنازير الجرافات؛ ثانيًا، حين يزورون سهلهم الذي تحوّل إلى مقلع للتراب الأحمر، وتكوّنت فيه برك ساهمت في انتشار مرض “عين الطاووس الفطري”، ما أدى إلى القضاء على ما تبقى من غابة الزيتون في الكورة. ثالثًا، حين تُمحى موارد الحياة، فاقتلعوا أشجار الزيتون التراثية، وانقرضت زراعات التين واللوز والعنب. ورابعًا، حين تنهش أجسادهم الأمراض، نتيجة الانبعاثات السامة الناجمة عن تفتيت الصخور الكلسية الغنية بالكبريت والمعادن الثقيلة، وحرقها بالفحم البترولي قرب منازلهم وآبارهم الجوفية”. 

مخالفات بيئية وصحية ومالية وقانونية

وأمام القاضية محيو، استعرض جورج العيناتي ومحاميه صاغية سلسلة من المخالفات القانونية والبيئية التي ترتكبها شركة الترابة الوطنية، والتي يدفع ثمنها أهالي القرى المحيطة بمقالعها. 

وشدّد العيناتي على أنّ ادّعاء الشركة التزامها بأصول حماية البيئة والصحة العامة هو “تزوير فاضح للواقع”، مؤكدًا أنّ شركة الترابة الوطنية وزميلتها “هولسيم” ترتكبان مخالفات جسيمة للقوانين اللبنانية والدولية، وتتحمّلان مسؤولية ما وصفه بـ “مجزرة إبادة جماعية”، أودت بحياة عدد كبير من الضحايا نتيجة إصابتهم بالسرطان وأمراض القلب والربو وأمراض أخرى. وأوضح أنّ السبب يعود إلى الانبعاثات السامة الناتجة عن “إطلاق كميات ضخمة من الغازات والغبار المجهري، بالإضافة إلى مواد خطرة مثل الديوكسين، الزئبق، الفيوران، ورماد الفحم البترولي المتطاير، وهو مادّة حُظر استخدامها في مصانع الإسمنت في الأردن منذ عام 2004”. كما أشار إلى “قيام الشركتين بتخزين مادتي الكلينكر والفحم البترولي بشكل مكشوف فوق بيوتهم وفوق المياه الجوفية في منطقة الجرادي، التي يعتمد عليها نصف سكان الكورة كمصدر أساسي لمياه الشرب”.

واعتبر أنّ الدعوى المقامة ضدّه ليست سوى “دعوى افتراء” تضمّنت مغالطات وتزويرًا للحقائق والوقائع بهدف تضليل القضاء اللبناني، وتحويل الأنظار عن التحرّكات القضائية، ولا سيّما الإخبارات التي تقدّم بها عام 2017 إلى النيابتين البيئية والمالية، إثر “مخالفة الشركة وزميلتها هولسيم لمعظم القوانين اللبنانية والدولية”، والتي أدّت حينها إلى استدعاء أصحاب الشركتين للتحقيق، وادّعاء النيابتين عليهما بارتكاب جرائم بيئية وصحية ومالية. وتصدّى العيناتي لادّعاء الشركة حيازتها التراخيص اللازمة من الجهات المختصة، مطالبًا إيّاها بتقديم المستندات التي تخوّلها حفر المقالع المدمّرة داخل حرم كنيسة مار تقلا، وبمحاذاة منازل حي المجيدل، ضمن أراضي البناء 20/40 في كفرحزير. وتساءل: “كيف لشركة أن تعتدي على أجمل أراضي لبنان، ثمّ تدّعي زورًا على أبناء الأرض الذين يدافعون عن اخضرار الكورة ولبنان وكرامة أهله؟” 

من جهته، أشار المحامي صاغية إلى أربعة قرارات صادرة عن مجلس شورى الدولة، أبطل بموجبها قرارات حكومية كانت قد منحت مهلًا إدارية لشركات الترابة، لمخالفتها أحكام المرسوم 8803/2002. وأوضح صاغية أنّ هذه القرارات تؤكّد أنّ “جميع المقالع والكسّارات التي تُستثمر حاليًا، تُدار بصورة مخالفة للقانون”. وبحسب مرافعة صاغية فإنّ الشركة كبّدت الدولة أضرارًا بيئية جسيمة، قُدّرت بحوالي 4 مليارات دولار، بحسب تقرير صادر عن وزارة البيئة بالتعاون مع وكالة التنمية التابعة للأمم المتحدة، وذلك استنادًا إلى مسح نفّذه الجيش اللبناني على المقالع المنتشرة في لبنان بصورة مخالفة للقانون.

تصريحات العيناتي تتناسب مع حجم مخالفات الشركة

طلب صاغية إبطال التعقّبات في حق موكّله لعدم توافر عناصر الذم والقدح في التصريح موضوع الدعوى، مؤكدًا أنّ ما ورد فيه “يتعلّق بقضية عامة تتمثل في استثمار مقالع بصورة غير قانونية، بما يسبّبه ذلك من أضرار بيئية وصحية جسيمة، بالإضافة إلى مسّ بحقوق الخزينة العامة”. ولفت إلى أنّ دوافع العيناتي نبيلة، تقوم على “الدفاع عن المجتمع والأرض والبيئة والناس، من دون أي مصلحة شخصية”. وفي ما يتعلّق بتقييم العبارات موضوع الدعوى، شدّد صاغية على أنّه لا يمكن النظر إليها بمعزل عن حجم الأفعال المرتكبة من قبل الجهة المدعية، بل “يجب، على العكس، أن يُقيّم الكلام على ضوء جسامة الجريمة المرتكبة وآثارها على المنطقة بأكملها”. وأكّد أن ثبوت “الدافع النبيل” لدى المدعى عليه من شأنه أن ينفي كليًا وجود أي نيّة جرمية، بل يعزّز أهمية ما قام به في سبيل الدفاع عن أرضه ومجتمعه، في ظل تواطؤ السلطات العامة مع الجهة المعتدية.

وشدّد صاغية على أنّ مضمون التصريح يعكس تمسّكًا بالقانون وبالحقوق البيئية، ويمثّل “مناشدة للسلطة القضائية لوقف الاعتداءات، ومسعى لإعادة الانتظام العام بعد سنوات طويلة من الفساد والانتهاكات الجسيمة”. وعلى الرغم من حدة التصريح، أكّد أنّه بقي متناسبًا مع حجم المخالفات المرتكبة من قبل الشركة، التي تقوم باستثمار مقالع خلافًا للقانون في منطقة يحظر فيها هذا النوع من النشاط، ما يُعدّ جريمة بموجب المرسوم 8803/2002.

بناءً على ما تقدّم، طلب صاغية من المحكمة إعلان عدم اختصاصها للنظر في هذه الدعوى، نظرًا إلى أنّ موقع الشركة في الكورة ولا يوجد ما يبرّر إقامة الدعوى أمام محكمة في بيروت. واستطرادًا، طلب إبطال التعقّبات بحق العيناتي لعدم توافر عناصر الجرم، وردّ طلب التعويض لعدم قانونيته. كما دعا إلى إحالة الملف إلى النيابة العامة من أجل الادعاء على الشركة المدعية، بعد ثبوت ارتكابها أفعالًا جرمية. 

ومن جهته أكدّ العيناتي أنّه باسمه وباسم الجمعيّات البيئية التي يمثلها يحتفظون بحق الادعاء على شركة الترابة، وطالب أن تدفع الشركة مبلغ مليار دولار تعويضًا عن تشويه البيئة في كفرحزير تدفع لأسر شهداء مجزرة السرطان وأمراض القلب والمصابين بهذه الأمراض في القرى المحيطة بها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكم إدارية ، محاكم جزائية ، قرارات قضائية ، لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني