
تقدّمت عضوة مجلس نقابة محامي طرابلس المحامية باسكال أيوب أمس الأربعاء في 2 نيسان، بدعوى لإبطال قرار مجلس النقابة بقبول طلب انتساب وزير الاقتصاد السابق أمين سلام إليها. وقد قدّمت الدعوى أمام محكمة الاستئناف المدنية في الشمال الناظرة في القضايا النقابية.
وقد عرضت المحامية أيوب في دعواها أنّ سلام كان عضوًا منتسبًا إلى نقابة محامي بيروت بصفته محاميًا متدرّجًا فيها، وقد تمّ تعليق قيده عن جدول التدرّج بحكم تولّيه منصبه الوزاري. وإذ أعيد قيده بعد قبول استقالة الحكومة على جدول المتدرجين لدى نقابة المحامين في بيروت، فقد عاد وتقدّم لاحقًا بطلب شطبه منها وذلك في موازاة وضع اللجنة النيابية للاقتصاد يدها على شبهات فساد منسوبة إليه والتي وصلت إلى حدّ إصدار المدعي العام التمييزي جمال الحجار قرارًا في 20/3/2025 بمنعه من السفر. كما قدّم مباشرة بعد ذلك وفق ما جاء في الاستحضار، طلب الانتساب إلى نقابة محامي طرابلس في تاريخ 28/2/2025. وقد أخذ المجلس آنذاك موافقة مبدئية على الطلب على أن يستكمل نقل كامل ملف انتسابه وتدرّجه من نقابة محامي بيروت إلى نقابة محامي طرابلس. وإذ عادت المحامية أيوب لتستفسر عن الطلب ومآله بعدما انتشرت أخبار ملاحقة سلام قضائيًا، فوجئت بإعلامها بأنّه تمّ فعليًّا تنسيبه إلى النقابة (وليس نقل قيده من نقابة بيروت إلى نقابة طرابلس) مع رفض ديوان النقابة إطلاعها على ملفّ طلبه رغم أنها عضوة في مجلس النقابة.
وقد اعتبرت أيّوب في دعواها أنّ قبول انتسابه يشكّل مخالفة جسيمة طالما أنّ المجلس أعطى موافقة مبدئية على الطلب بعد إيهام أعضائه أنّ الطلب يرمي إلى نقل قيد سلام من بيروت إلى طرابلس، فيما أنّه في الواقع يرمي إلى قبوله في نقابة المحامين كمنتسب جديد، من دون إثبات توفّر شروط الانتساب (وأهمها إجراء فحص الانتساب). كما ذكّرت أيوب في استحضارها بأمر آخر بالغ الأهمية وهو أنّ من أهم شروط الانتساب إلى نقابة المحامين أن يكون طالب الانتساب من الأشخاص الذين يوحون بالثقة والاحترام في المجتمع، وهو أمر يستدعي التدقيق في حالة سلام على ضوء التّحقيقات الجارية بحقّه.
تستدعي هذه الدعوى تسجيل الملاحظات الآتية:
أوّلًا، إنّ الدعوى تعكس حالة اعتراضيّة داخل مجلس نقابة محامي طرابلس من أجل الحفاظ على الانتظام العام والروح المهنية فيها. ويؤمل أن تتمكّن محكمةُ استئناف طرابلس من ممارسة صلاحيّاتها القضائيّة في هذا المجال، وتحديدًا من تجاوز الممارسات التعطيلية للقضاء والتي باتت تمكّن أي متقاضٍ من تعطيل أيّ دعوى مقامة ضدّه عملًا بالمادة 751 من قانون أصول المحاكمات المدنية. وما يعمّق من هذه المخاوف هو أنّ النقابة لم تجد حرجًا في ممارسة هذه الطريق التعطيلية بما يخالف تمامًا آداب المهنة وأنّها تستمرّ في ممارسة هذه الطريق رغم الانتقادات التي وجهتها إليها “المفكّرة القانونيّة”.
ثانيًا، طبعًا، ليست المرّة الأولى التي يكتشف فيها الرأي العام إمكانية استغلال حصانة المُحامين كملاذ أو أداة للهروب من الملاحقة القضائيّة. فما يزال ماثلًا للذاكرة تمسّك الوزير السّابق يوسف فنيانوس بهذه الحصانة للهروب من الادّعاء الموجّه إليه في قضية تفجير المرفأ، رغم بداهة أنّ الأفعال المعزوّة إليه تتّصل بمهامّه الوزاريّة التي لا صلة لها بالمحاماة. لكن ما فعله سلام في هذه القضيّة إنّما يشكّل رسمًا كاريكاتوريًّا عن الاستخدام السيّئ لهذه الحصانة: فنحن لسنا أمام محامٍ يدعي أنّ الملاحقة ضدّه تتّصل بعمله، إنّما أمام شخص يبحث جاهدًا عن ملاذ للهروب من الملاحقة عن أعمال سابقة لانتسابه إلى المحاماة ولا تتصل بداهة بالمحاماة لا من قريب أو بعيد. بل هو شخص يفاضل بين بيروت وطرابلس من منطلق قدرته على التأثير على أيّ قرار قد تتّخذه هاتان النقابتَان بشأن طلب رفع الحصانة عنه. والأهمّ هو شخص يجد حلفاء داخل مجلس النقابة يخوّلونه القفز فوق شروط الانتساب والمهل المطلوبة لتحقيقها استباقًا للملاحقة، فضلًا عن تستّرهم عن ملفّ انتسابه. فكأنّما انتسابه إلى المحاماة بات وسيلة للتهرّب من ملاحقة قد تشكّل بحدّ ذاتها سببًا لردّ طلب انتسابه، لعدم توفّر شروطه. من هذه الزاوية، تكتسي هذه الدعوى أهمية فائقة يؤمل منها أن تعيد المعنى الحقيقي لحصانة المحاماة وأن تمنع إساءة استخدامها: فالحصانة إنّما هي في جوهرها ضمانة لاستقلاليّة المحامي في ممارسة حق الدفاع أمام المحاكم، وهي تاليًا تتناقض وأيضًا في جوهرها مع اعتبارها امتيازًا يُكتسب بهدف الهروب من المحاكمة.
ثالثًا وأخيرًا، يلحظ أنّ قرار النائب العام التمييزي جمال الحجّار بمنع سفر سلام إنّما يعني أنّه تجاوز المادة 70 من الدستور بشأن الإجراءات الخاصة بملاحقة الوزراء، وذلك عملًا باجتهاد الهيئة العامة لمحكمة التمييز (27/10/2000) والذي اعتبر أنّ استغلال السلطة من قبل الوزراء لتحقيق غايات شخصية يشكل تحويرًا للمهام الوزارية ولا يستفيد تاليًا من أيّ حماية دستورية. وهذا ما كانت دعت إليه “المفكرة” في تعليقها الأوّل على قضية سلام. وعلى ضوء ذلك، يصبح انتساب سلام إلى نقابة طرابلس أكثر فداحة، بحيث يظهر كأنّما ارتجاء لحصانة المحامي كتعويض عن سقوط حصانة الوزير. فلنراقب.
متوفر من خلال: