باشر المرصد المدني لاستقلال القضاء وشفافيته في لبنان (المنشأ بمبادرة من المفكرة القانونية) تحرير تقرير فصلي دوريّ للاضاءة على أبرز المستجدات القضائية. وقد نظمت تقاريره من زوايا عدة: زاوية التنظيم القضائي، وزاوية الأعمال القضائية، فضلا عن مبادرات التقاضي الاستراتيجي أي اللجوء الى القضاء لتحقيق غاية حقوقية استراتيجية معينة (تكريس قاعدة معينة أو وقف ممارسة مخالفة للقانون أو لحق أساسي..). وتنشر المفكرة القانونية تباعا خمسة من هذه التقارير تشمل الفترة الممتدة من شباط 2014 حتى تموز 2015.
وهذا التقرير يشكل التقرير الثاني للمرصد وهو يشمل الفترة الممتدة من 1-5-2014 حتى 30-7-2014.
وهو ينقسم الى أقسام ثلاثة، الأول نتناول فيه الاجراءات المتصلة بتنظيم القضاء والثاني نتناول فيه الأعمال القضائية قبلما نتناول الحراك داخل القضاء أو حوله أو من خلاله.
القسم الأول: في تنظيم القضاء:
في هذا الصدد، طرحت المفكرة عددا من المسائل الأساسية، أهمها على الاطلاق مسألة أمانة سر مجلس القضاء الأعلى.
الأول، أمانة سر مجلس القضاء الأعلى: تعزيز العلاقات الهرمية داخل القضاء:
في 1-5-2014، نشر في الجريدة الرسمية مرسوم بإنشاء أمانة سر لمجلس القضاء الأعلى. وكان النص الأساسي لهذا المرسوم قد صيغ في عهد وزير العدل السابق شكيب قرطباوي وانتظر تعيين حكومة جديدة لإقراره. والسؤال يطرح إذ ذاك عن كيفية تقييم هذه التجربة الجديدة. ففي مبدئها، تبدو الخطوة إيجابية لتمكين مجلس القضاءالأعلى المكوّن من قضاة عاملين من القيام بالمهام المناطة بهم قانوناً، وفي مقدمها اعداد مشروع التشكيلات القضائية. إلا أن قراءة متأنية للمرسوم تظهر أنه آل، ليس الى تمكين المجلس من أداء هذه المهام، بل بالدرجة الأولى الى استخدام إنشاء أمانة سر كمناسبة لابتداع مهام جديدة تخرج مبدئيا عن اختصاص المجلس مع تعزيز مكانة رئيسه بشكل خاص. ومن شأن ذلك بالطبع أن يولّد مخاوف إزاء تعزيز الهرمية في التنظيم القضائي، مع ما يستتبع ذلك من مخاطر على صعيد الاستقلالية الداخلية للقضاة أي استقلاليتهم إزاء المؤسسات القضائية الناظمة لأعمالهم.
توسيع لمهام القضاء الأعلى تحت غطاء انشاء أمانة سر له
المهام المناطة بأمانة السر والتي عددها المرسوم "على سبيل المثال وليس الحصر"، تبقى غير واضحة. بل يظهر أن غالبها يهدف كما سبق بيانه الى منح مجلس القضاء الأعلى صلاحيات جديدة تخرج عن صلاحياته المحددة قانوناً. فلم ترد في المرسوم أي إشارة ولو من باب رفع العتب الى استقلالية القضاء التي يشكل ضمانها سبب وجود المجلس، أو الى وجوب متابعة الأمانة التدخلات الحاصلة في شؤون القضاء تمهديا لرفعها اليه. كما لم ترد أي إشارة الى مساهمة الأمانة بوضع مقترحات قوانين أو ما شابه مننصوص تنظيمية، بهدف تطوير العمل القضائي.
وفي ما إذا كان يمكن نظرياً ربط بعض مهام الأمانة بالصلاحيات المناطة بالمجلس قانوناً، كأن تستخدم تقاريرها الدورية عن أعمال القضاء في اعداد مشروع المناقلات القضائية، إلا أن المرسوم لا يربط بين أي منها صراحة. فلا يحدد مثلا كيفية استخدام هذه التقارير في مشروع المناقلات. فكأنما للمجلس أن يأخذ أو يرد منها ما يشاء من دون أن يكون مقيداً بأي معايير موضوعية فيهذا المجال. وبنتيجة ذلك، تؤدي هذه المهمة عملياً الى تعزيز سلطة المجلس وحضوره الدائم في المحاكم من دون أن يولي تقييم القضاة هؤلاء أي حق من جرائه.
وما يثير التحفظ إثارةً أكبر هي المادة الرابعة من المرسوم التي أولت أمانة السر"متابعة أوضاع القضاة الاجتماعية وشؤونهم الخاصة بناءً على طلبهم وبتكليف من المجلس". فما المقصود من ذلك؟ وهل للمجلس أن يميز بين القضاة أو أن يمنح بعضهم استثناءات معينة على أساس أوضاعهم الخاصة؟ وألا يُخشى أن تفتح هذه العبارة المجال أمام تحوّل المجلس الى ما يشبه النقابة أو الجمعية الأخوية؟
ومن المهام اللافتة أيضاً "تنظيم حضور ممثلي السلطة القضائية البروتوكولي في المناسبات الرسمية والمؤتمرات والندوات وإجراء الترتيبات اللازمة تنفيذاً لقرارات المجلس". وما نفهمه من هذا النص هو حرص واضعي المرسوم على أن نضمن كرسياً متقدماً لرئيس مجلس القضاء أو شروطاً معينة لحضوره في مناسبات وطنية أو اجتماعية معينة، ما قد يحوّل أمانة سر المجلس الى ما يشبه سكرتيريا تشريفات. وما يزيد الأمر قابلية للنقد أن المرسوم يسلّم بالخطأ الشائع الآيل الى اعتبار مجلس القضاء الأعلى ممثلا للسلطة القضائية، وذلك خلافا للمادة 20 من الدستور التي تعرّف السلطة القضائية على أنها سلطة كل قاض في محكمته من دون أن يكون لها أي ممثل بذاته. وبالطبع، التسليم بهذا الخطأ الشائع ليس مسألة نظرية وحسب، بل هو يؤدي الى تصوير أي تعزيز لمكانة مجلس القضاء الأعلى أو صلاحيته كتعزيز للسلطة القضائية، فيما تحجب المقتضيات الأساسية لتعزيز هذه السلطة والتي تقوم أساسا على ضمان القضاة إزاء أي تدخل في أعمالهم، سواء حصل من خارج القضاء أو من داخله.
فضلاً عن ذلك، وبعدما أناط المرسوم بأمانة السر القيام بدور مكتب الإعلام، كلفها ب"متابعة وسائل الإعلام". ولا بد من التساؤل هنا بشأن المقصود بـ"متابعة وسائل الإعلام"، فكأنما المجلس يحرص على التقصي عن كل ما يُقال عن القضاء، على نحو يعيد الى الأذهان ما تقوم به دوائر التوجيه لدى الأجهزة الأمنية. ومن ناحية ثانية، نسجل بقلق الضوابط التي وضعها المرسوم لتفاعل أمانة السر مع وسائل الإعلام، لجهة تزويدها بالمعطيات والبيانات، وهي على التوالي: سرية التحقيق وهيبة القضاء، وحرية الإعلام. فمع فهمنا الكامل لضرورة تنظيم حق الرد للقضاة ضماناً للشفافية ولحرية الإعلام، فمن شأن إعادة استخدام مفهوم "هيبة القضاء" ووضعه في ترتيب سابق لحرية الإعلام أن يفتح الباب أمام تأويلات واسعة قوامها إغلاق باب الحرية والشفافية باسم الهيبة، وتحويل المجلس الى مدافع عن سمعة القضاء بمعزل عن الحقائق. وهذا ما عكسه بأية حال البيان الصادر في 31-1-2014 عن المكتب الإعلامي للمجلس والذي رفض فيه أن يتم تناول قرار قضائي "خارج أطر المراجعة المكرّسة قانوناً في وقت لا يزال فيه القرار خاضعاً لطرق المراجعة"، أو أن يتم استعمال الإعلام"وسيلة ضغط للتشويش على حسن سير العمل القضائي". وما يزيد من مخاطر ذلك، هي الإشارة الى صلاحية المجلس بوضع الأسس والمبادئ الناظمة لعمل الأمانة في المجال الإعلامي من دون أي ضوابط.
إعادة النظر في هيكلية التنظيم القضائي:
أما من حيث الجوانب التنظيمية لعمل أمانة السر، فالأمور هنا أيضاً لاتقل قابلية للنقد. فرغم ترؤس الأمانة من قبل أحد أعضاء المجلس وفتح مجال تعيين ثلاثة قضاة عاملين فيها، يتحول المرسوم الى مناسبة واضحة لتكريس سلطة رئيس مجلس القضاء الأعلى وتمييزه بصلاحيات خاصة أبرزها أن أمانة السر تخضع لرقابته واشرافه وأن بامكانه تكليفها بما يشاء من ضمن المهام التي تدخل في حدود دورها، علما أن المرسوم عدد هذه المهام "على سبيل المثال وليس الحصر".
وبالطبع، يتعارض هذا التوجه مع روح قانون تنظيم القضاء العدلي الذي أناط الصلاحيات الأساسية لمجلسالقضاء الأعلى مجتمعا. ومن اللافت في هذا الاطار أن يكون اسم رئاسة المجلس قد ورد سبع مرات في المرسوم المكون من خمس مواد فقط. وعليه، تحصد هذه الرئاسة من هذا المرسوم قوة مزدوجة بحيث تتعزز صلاحياتها بتمثيل المجلس منفردة بعدما تم توسيع دائرة المهام المناطة بهذا المجلس.
وما يزيد الهرمية قوة هو توسيع مهام أمانة السر لتشمل صلاحيات يفترض أن تمارسها مؤسسات قضائية أخرى. فما معنى أن يناط بها التحضير الإداري لمباريات الدخول الى القضاء بما يتعارض مع تفعيل دور معهدالدروس القضائية؟ كما يضاف الى ذلك أسئلة جدية حول مدى تجاوز أمانة السر، بخصوص إعداد تقارير دورية عن أعمال القضاء، لصلاحيات هيئة التفتيش القضائي. وتعكس هذه المواد بالواقع توجها متزايدا نحو تعزيز مركزية القرارات في الشأن القضائي.
وفي الاتجاه نفسه، نقرأ إمكانية تعيين قضاة لا يتعدى عددهم الثلاثة في أمانة السر، وذلك بمرسوم يصدر بناء على اقتراح وزير العدل وبعد موافقة مجلس القضاء الأعلى. وهذه المادة تخالف بشكل واضح المادة 52 من قانون تنظيم القضاءالعدلي التي تحظر تكليف أي قاض بمهمة بالاضافة إلى وظيفته الاصلية الا في الحالات التي نص عليها القانون، وذلك ضمانا لاستقلاليته ومنعا لأي شكل من اشكال الترغيب. وما يزيد من حجم المخالفة، هو التمييز الحاصل لمصلحة القضاة المعينين للعمل فيأمانة السر. فبخلاف حال أقرانهم المنتدبين للعمل في وزارة العدل والذين يفقدون حقهم بتعويض إضافي (قدره 20% من الراتب) في حال توليهم مناصب قضائية، يستحق التعويض الإضافي لأعضاء أمانة السر في جميع الحالات. وهذا ما أعاد مرسوم التشكيلات القضائيةالصادر في 24-6-2014 التذكير به إمعاناً في التمييز الذي يصعب إيجاد مبرر له.
ختاما، تجدر الإشارة الى الأهمية الاستثنائية المعطاة لسرية أعمال أمانة السر وعلاقتها بالمجلس. فعلى أعضاء أمانة السر، ومنهم قضاة، أن يحافظوا على سرية المعلومات، تحت طائلة وقوعهم تحت حكم المادة 579 من قانون العقوبات اللبناني التي تعاقب بالحبس حتى سنة وبغرامة. وتشمل السرية المطلوب الحفاظ عليها جميع أعمال أمانة السر لا بعض المواضيع الحساسة. والواقع أننا لا نجد مثيلاً لهذه المادة في أي مكان آخر في قانون تنظيم القضاء العدلي، لا بخصوص مداولات المحاكم، ولا بخصوص مداولات مجلس القضاء الأعلى نفسه. ومن اللافت أصلا أن يعد أي افشاء لأي سر من قبل أي من العاملين في أمانة السر جرما بمعزل عن مدى اكتمال العناصر الجرمية المنصوص عليها في المادة القانونية المشار اليها ومنها أن يحصل الافشاء من دون سبب شرعي أو أن يتم استخدامه لمنفعة خاصة أو لمنفعة شخص آخر. وما يزيد الاستغراب حدة هو أن جرم الافشاء يكفّ عن كونه كذلك، في حال ورود اذن خطي من المجلس بتحليله. وانطلاقا من ذلك، يظهر أن واضعي النص لم يجدوا أي تناقض بين التشدد في فرض موجب التكتم على أعضاء أمانة السر الى حد تجريمه وتحرير المجلس بالمقابل من أي موجب أو ضابط في هذا الشأن، حتى ولو أدى ذلك الى المس بكرامات القضاة. ففي الأمر الأول ما يضمن سلطة المجلس على أمانته المحكومة بالتكتم، وفي الأمر الثاني ما يعزز سلطته على جميع القضاة.
في ظل مرسوم كهذا، وتحت غطاء تعزيز سلطات مجلس القضاء الأعلى ومكانة رئيسه، يسجل لبنان تراجعا واضحا في مجال استقلال القضاء.
كيف جابه المرصد القضائي مرسوم انشاء أمانة سر مجلس القضاء الأعلى؟
هنا أيضا تفردت المفكرة في التعليق على هذا المرسوم والتنبيه الى خطورته، وذلك من خلال مقال( ترجمته بالانجليزية) نشر في العدد الثامن عشر من مجلة المفكرة القانونية الصادر في أوائل تموز 2014.
ولكن المفكرة لم تكتف بهذا القدر، انما طعنتبالمرسوم أمام مجلس شورى الدولة، وذلك من خلال مديرها التنفيذي المحامي نزار صاغية.
ثانيا: خطاب مجلس القضاء الأعلى حول الانتاجية الكمية للقضاة: التذكير بأهمية التعليل:
في الجلسات التشريعية المنعقدة في نيسان وأيار 2014، وخصوصا الجلسات المخصصة لمناقشة سلسلة الرتب والرواتب وكيفية تمويلها، دعا عدد من النواب الطعن بشكل أو بآخر الى إعادة النظر في مستحقاتهم أو في الخدمات الاجتماعية الذين يستفيدون منها من خلال صندوق تعاضد القضاة، على خلفية النقص في انتاجيتهم. ولم تنقض أيام حتى عمد مجلس القضاء الأعلى الى اتخاذ خطوات وعقد لقاءات تهدف الى زيادة الإنتاجية الكمية للقضاة تحت شعار "القاضي المتميز"، من دون أي اعتبار للاصلاحات القضائية الأخرى.
وقد تجلى ذلك بشكل خاص من خلال لقاء خلوة عقده المجلس في يومي 23 و24-5-2014 مع كبار القضاة والهيئات الاستشارية في المحاكم للبحث في مفهوم القاضي المتميز والوقت الذي يقتضي أن تستغرقه الدعوى. كما تجلى من خلال لقاء ثان نظمه المجلس مع قضاة المحاكم الابتدائية في لبنان في 13-6-2014. وقد نقلت الوكالة الوطنية كلاما منسوبا لرئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد مفاده أن "التحدي الذي يواجهه القضاة هو كسب ثقة المواطن بعدليته. ولهذا السبب عمد المجلس إلى زيادة عدد القضاة المنفردين بشكل كبير بهدف إحداث فارق ملموس في سرعة بت الدعاوى".ونوه فهد بـ"جهود المجلس الرامية إلى تحديد معايير أداء التميز في المحاكم، ولا سيما "الوقت القضائي" الذي تتطلبه الدعوى عادة"، مطالباً القضاة "ببذل المزيد من التضحية في سبيل وصول المواطن اللبناني إلى عدالة أكثر سرعة باعتبارها من أحد حقوقه الأساسية". هذه العبارات المنشورة على صفحة الوكالة الوطنية تعبر على الأرجح عما أراد المكتب الإعلامي للمجلس توجيهه الى الرأي العام من مجمل وقائع ذلك اللقاء الذي تطرق فيه المجلس حسبما أفادنا به عدد كبير من القضاة الشبان الى وجوب اختزال التعليل تسريعا للأحكام.
وردا على هذا الخطاب الذي يركز على الانتاجية الكمية من دون أي تقييم نوعي للأحكام أو لاستقلالية القضاء، اعتمدت المفكرة مقاربة ذات أبعاد مزدوجة:
الأول، التذكير بأهمية تعليل الأحكام ووظائفها الاجتماعية. وقد استعادت المفكرة في هذا المجال جميع وظائف التعليل وفق المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان، كما انتقدت خطاب الانتاجية الكمية.
الثاني: وثقت المفكرة الخطاب النيابي بشأن انتاجية النواب للدلالة على كيفية مقاربتهم للقضاء بمعزل عن مبدأ فصل السلطات، وذلك في مقالة نشرت في العدد السابع عشر للمفكرة القانونية. ثم عادت المفكرة في العدد التاسع عشر لتتناول انتاجية المجلس النيابيمن باب اعادة الأمور الى نصابها. فيقرأ خطاب الانتاجية للنواب على أنه ممارسة شاذة ضد القضاء، وليس على أنه دليل اصلاح، طالما أن انتاجية النواب تبقى في أدنى مستوياتها رغم ارتفاع رواتبهم. وقد حظي هذا العدد بتغطية اعلامية لافتة(الدقيقة 10:55 – 11:33).
ثالثا: احالة عدد من القضايا الى المجلس العدلي مع تعيين قضاة من طوائف الضحايا: المجلس العدلي قضاء استثنائي أيضا
خلال هذه الفترة، أحالت الحكومة الجديدة عددا من الدعاوى الى المجلس العدلي، وتم تعيين محقق عدلي في هذه القضايا. وقد سجلت المفكرة أن الحكومة درجت على تعيين قاض ينتمي الى طائفة الضحية أو الى الطائفة الغالبة في المنطقة التي حصل فيها التفجير الارهابي سواء في طرابلس أو في الضاحية الجنوبية. وقد شكل هذا الأمر مناسبة للمفكرة لاعادة طرح جدليةالمحكمة الاستثنائية التي يمثلها المجلس العدلي.
القسم الثاني: أعمال القضاة:
من أهم الأحكام القضائية الصادرة في هذه الفترة، الأحكام الآتية:
1-القرارالصادر عن مجلس شورى الدولة في قضية المحامي أديب زخور: بعد سبع سنوات من الانتظار، صدر عن مجلس شورى الدولة في 1-4-2014 قرار نهائي في القضية التي رفعها المحامي أديب زخور ضد الدولة بعد قرار الأمن العام بمنعه من دخول مراكزه للدفاع عن موكليه الأجانب المحتجزين هناك. القرار صدر بإبطال تدابير الأمن العام تلك عملاً بمبادئ استقلالية المحامي والمحاكمة العادلة. لقد سعت المفكرة في مقالها(شورى الدولة في لبنان يدعو الاجهزة الامنية الى احترام استقلالية المحامي)الى اظهار ابعاد القرار الصادر وخاصة ان هذه الانتهاكات موضوع القرار يتعرض لها العديد من المحامين خلال ممارستهم مهنتهم مما يؤثر سلبا على حقوقهم و حقوق موكليهم.) النسخة الانجليزية للمقال)
2-القرار الصادر عن مجلس شورى الدولة في رد طلب وقف تنفيذ قراره بالزام الحكومة بتسليم ذوي المفقودين كامل ملف التحقيقات: وقد كانت المفكرة أول من رصد هذا القرار، الأمر الذي فتح الباب أمام اطلاق حملة: "زورونا في دوام الأهالي" لالزام الحكومة بتنفيذ قرار مجلس شورى الدولة.
3- الأحكام الصادرة في قضايا الادمان والآيلة الى تكريس مبدأ العلاج كبديل عن المعاقبة: مفعول الدومينوفي قضايا الادمان على المخدرات: فبعد 15عاماً من تعطيل مبدأ "العلاج كبديل من الملاحقة" و بالتالي إبقاء المنطق العقابي مهيمناً في العمل القضائي في قضايا الإدمان على المخدرات، اتى قرار محكمة التمييز الصادر في 3-10-2013 ليشكل منعطفا هاما في هذا المجال.وفي غضون أسبوع واحد، صدرت ثلاثة قرارات عن محاكم مختلفة في لبنان،اتبعت قرار محكمة التمييز و أقرت كلها مبدأ "العلاج كبديل من الملاحقة" في قضايا إدمان على المخدرات.
4-الحكم الصادر باعدام متهم بالقتل عمدا:
في 20-05-2014، باشرت جمعية عدل ورحمة من خلال محاميها العمل على الدفاع عن المتهمين بجرائم قتل عمد، في سعي الى اسقاط عقوبة الاعدام من خلال القضاء. وقد اختارت لهذه الغاية قضية أدانت فيها محكمة جنايات الجنوب شخصا سوريا بقتل مواطن لبناني عمدا في صيدا وحكمت عليه بالاعدام، وقد نُقض الحكم أمام محكمة التمييز وتقررت المرافعة بشأنه. كما اختارت الجمعية لهذه الغاية الاستعانة بنقيب محامي باريس. وقد غطى المرصد هذا الحدث من خلال عدد من المقالات نشرت في مجلة المفكرة القانونية وفي موقعها الالكتروني وهي على التوالي الآتية:
· المفكرة تنشر الحجج المبدئية للمرافعة الهادفة الى استبعاد عقوبة الإعدام في لبنان
· "مرافعة نموذجية ضد عقوبة الاعدام امام محكمة التمييز في بيروت"
· تقاض استراتيجي لبناني فرنسي ضد الإعدام: وسائل عمل جديدة أمام المحامي المناصر
· محكمة التمييز ترد طلب استبعاد عقوبة الإعدام بالأكثرية: هذه هي وظيفة العقوبة في لبنان
· " قراءة هادئة لقرار التمييز الصادر في 1-7-2014: محاولة أولى لإلغاء عقوبة الإعدام قضائياً"
· عقوبة الإعدام، لبنان دخل دائرة دولmoratorium، أي دور للقضاء في ذلك؟ وأي انعكاس لهذا الواقع على أعماله؟
كما تفردت المفكرة في التعليقعلى القرار الصادر عن محكمة التمييز بالأكثرية باعادة الحكم بعقوبة الاعدام وذلك في عددها رقم 19 الصادر في بداية تموز 2014. كما نشرت على موقعها الحكم والرأي المخالف للمستشارة غادة عون.
5-الحكم الصادر في قضية التغطية التلفزيونية لمباريات نهائي كأس العالم. وقد نشرت المفكرة مقالا بعنوان (قضية بث مباريات كأس العالم: الدولة تكون للجميع أو لا تكون)(الترجمة الى الانكليزية).
6-قضية اخضاع مثليين مجددا لفحوصات العار: في الشهر الأول من سنة 2014، أقدمت قوى الأمن الداخلي عند حوالي الساعة الثالثة من بعد الظهر، على مداهمة شقة أحد المواطنين اللبنانيين، وأوقفت خمسة أشخاص. اقتيدوا جميعاً الى مخفر المصيطبة، حيث تم توقيفهم لمدة ثلاثة أيام، خضعوا خلالها لتحقيقين قبل أن يُخلى سبيلهم .سعت المفكرة عبر المقالالذي نشرته في عددها الثامن عشر الى تصليط الضوء على تفاصيل هذه التحقيقات تبياناً لسوء الإجراءات المعتمدة، والتي تبدو غير متناسبة بشكل من الأشكال لا مع خطورة الجرم ولا مع تطور قيم المجتمع ولا حتى مع قانون الإجراءات الجزائية . (رابط النسخة الانجليزية)
القسم الثالث: حراك للقضاة، حراك حول القضاة، حراك من خلال القضاء
الأمر الأبرز هنا حصل من خلال التوقف عن العمل الذي قام به القضاة في 15-5-2014. كما يسجل تحرك ذوي المفقودين في مجال تنفيذ الحكم القاضي بضمان حقهم بالمعرفة. وأخيرا، يسجل اعتراض محامي النبطية عما اعتبروه خللا في التشكيلات القضائية في محكمة النبطية.
أولا، توقف القضاة عن العمل اعتراضا على تقصير العطلة القضائية:
هنا ايضا برز دور المرصد وذلك من خلال تفرده في نشرمقال بعنوان (للمرة الثانية خلال أقل من سنة، قضاة لبنان يبادلون الاعتداء بالحراك والمواجهة) تبينأحداث التوقف عن العمل الذي قام به عدد كبير من قضاة لبنان في حركة منسقة فيما بينهم بمعزل عن مجلس القضاء الأعلى في 15-5-2014. وقد جاء التحرك ، اعتراضا على طريقة تعامل المجلس النيابي مع الشؤون القضائية. وقد هدف التوقف عن العمل الى جبه قرارالهيئة العامة للمجلس النيابي بتقصير العطلة القضائية من شهرين الى شهر في جلستهاالمنعقدة في 14-5-2014. وسبب رفض القرار لا يقتصر على مآله وحسب، انما بالدرجةالأولى على طريقة اتخاذه من أعضاء السلطة التشريعية خلافا لقانون تنظيم القضاءالعدلي الذي يوجب تشاورا مسبقا مع أعضاء السلطة القضائية أو هيئاتها الرسمية)المادة 5). وقد نشر الخبر والتعليق على موقع المفكرة القانونية في 16-5-2014 وذلك تحت عنوان: "للمرة الثانية خلال أقل من سنة، قضاة لبنان يبادلون الاعتداء بالحراك والمواجهة". وهذا العنوان انما يؤشر الى المقاربة المعتمدة من المفكرة القانونية والتي تركز على جانب التحرك القضائي، وقدرة القضاة على التحرك جماعيا من أجل الدفاع عن مصالحهم المادية أو المعنوية.
وقد ابدى المرصد من خلال المقالة مستوى التجاوب مع هذا الاضراب وفق المناطق والدرجات والوظائف القضائية، مسجلا ثلاث ملاحظات:
الأولى،أنها لتحرك الثاني من نوعه في غضون أقل من سنة، بعد التحرك الحاصل في تشرين الأول 2013تبعا لاعتداء عناصر من الجيش اللبناني ضد القاضي بلال بدروالذي كانت المفكرة أضاءت عليه. وتماما كالتحرك الحاصل آنذاك، حصل التحرك بمبادرة عفوية من القضاة دون أن يكون موجها من المراجع القضائية الرسمية، واستمر رغم مواجهة هذه المراجع له. وفيما رفض مجلس القضاء الأعلى تحرك 2013 على خلفية رفضه لأي مواجهة مع مؤسسة الجيش،فان رفض المراجع القضائية لحراك 2014 نبع ليس عن اختلاف في وجهات النظر في رفض تقصير العطلة القضائية، انما عن فهم خاص لموجب التحفظ مفاده انكار حرية القضاة بالتعبير والتجمع. وبمعزل عن أسباب هذين التحركين، فان قيام القضاة بهما انما يؤشر الى حصول تحول جوهري في بيئة عملهم، قوامه تعزيز قدرتهم وجهوزيتهم على التجمع والتحرك إزاء الاعتداءات التي قد تطالهم. وما يعزز ذلك طبعا هو تزامن هذين الحراكين مع سعي عدد كبير ومتزايد من القضاة الى تأسيس جمعية وتاليا الى اعطاء تضامنهم طابعاتنظيميا وبنيويا. وقد يكون انخراط عدد هام منهم في مساعي انشاء جمعية للقضاة معطى أساسيا لفهم التفاوت الحاصل في مستويات التجاوب مع الدعوة للتوقف عن العمل وفق المناطق والدرجات والمناصب والتي سبق بيانها أعلاه، بحيث يكون مستوى تجاوب الفئات المختلفة أعلى بقدر ما يرتفع عدد أعضائها المنخرطين في مساعي انشاءالجمعية.
وقد نجح القضاة من هذا الحراك في التأثير على السلطات القضائية والحكومية، فصدر بيانات مؤيدة لمضمونه عن مجلس القضاء الأعلى ونقابتي المحامين عن وزارة العدل.
أما من حيث المضمون أي ماهية المطالب، فقد اعتمد المرصد هنا أيضا مقاربة مختلفة. فبعدما تساءل عن ماهيتها: هل هي نقابية ذات طابع فئوي، الأمر الذي يجعلها في تعارض محتمل مع مصالح الدولة كدولة، أم أنها تندرج ضمن رؤية معينة للصالح العام، مما يسمح باجتذاب تأييد الرأي العام والمواطنين لها في صراع تزيد أرجحية حصوله؟ واقترح المرصد في هذا الاطار أن يستعيد القضاة تقليدا قديما للحراكات الإصلاحية القضائية، مفادها ربط المطالب الخاصة للقضاة، بما فيها مطالب زيادة الرواتب أو تقديمات صندوق التعاضد، بما يعزز مشاعر القضاة بالطمأنينة والاستقلالية.
ثانيا، تحرك ذوي المفقودين لتنفيذ قرار مجلس شورى الدولة" ضمانا لاستقلال القضاء: حكمت المحكمة، نفذي يا دولة:
العنوان الثاني الذي ميز أعمال المرصد في هذا المجال هو استغلال مناسبة صدور قرار من مجلس شورى الدولة في قضية ذوي المفقودين لتعزيز التخاطب العام حول وجوب وضع ضمانات لارغام الدولة على تنفيذ قرارات المجلس. وقد تضاعف العمل على هذا الصعيد بعدما ردمجلس شورى الدولة طلب وقف تنفيذ القرار المقدم في اطار طلب اعادة المحاكمة في 11-6-2014 بعدما نفى وجود خطر أمني (يراجع التقرير الأول).
ولهذه الغاية، دعم المرصد من خلال المفكرة القانونية وشركائها جمعيات ذوي المفقودين في اطلاق حملة لتنفيذ القرار. وقد تم اطلاق حملة وطنية تحت عنوان: "زورونا في دوام الأهالي"، والذي رمى الى تنفيذ الحكم توصلا الى غايتين وضعتا على المستوى نفسه: "حق أهالي المفقودين" و"استقلالية القضاء". وقد تم الاعلان عنه على جميع شاشات التلفزة (نهاركم سعيد– (LBCIوالصحف (النهار, المفكرة القانونية(. وبات الشعار الأساسي لهذه الحملة: "حكمت المحكمة، نفذي يا دولة". وقد شكل ذلك مناسبة طبعا للمرصد لتعزيز الوعي الاجتماعي لأهمية استقلال القضاء وتجميع قوى المجتمع المدني لدعمه. ومن المعلوم أن هذه الحملة تكللت بالنجاح من خلال تسليم الأهالي الملف كاملا في 20-9-2014 وهذا ما سنعود اليه في التقرير الثالث الخاص بفترة أيلول.
ولتعزيز هذا التخاطب، بينت المفكرة خطورة المخالفة المتمثلة في تقاعس الدولة عن تنفيذ الأحكام الصادرة عن مجلس شورى الدولة، وذلك من خلال مقالبعنوان(5500 حكم في ذمة الدولة اللبنانية…) نشر في عددها السابععشر الصادر في 3-6-2014 .
كما دعمت المفكرة أهالي المفقودين في الوقت نفسه للمطالبة باقامة نصب حيفي قصر العدل في بيروت تخليدا لذكرى هذا الحكم وما تخلله من حيثيات تعلن حق المعرفة حقا طبيعيا.
ثالثا، تحرك محامي النبطية اعتراضا على ما اسموه خللا في التشكيلات القضائية في محكمة النبطية:
في أوائل تموز، عقدت أسرة المحامين في النبطية اجتماعا في قصر العدل واصدرت على أثرهبيانا طالبت فيه بتسوية عدد من الأمور التي "تنعكس سلبا على اداء العمل القضائيوحسن سير العدالة" تحت طائلة التوقف عن حضور جلسات المحاكم. وقد شرح ممثل نقابة المحامين لدى محاكم النبطية المحامي شوقي شريم للمفكرة القانونية أن سببالتحرك الأخير هو النقص الكبير في عدد القضاة. وقد خاب أمل المحامين من مرسومالتشكيلات القضائية الجزئية التي أمعنت في هذا الخلل، بدل أن تحله. ويشرح شريم أنالمحامين كانوا يطالبون برفع عدد القضاة المنفردين من 4 الى 6 لتلبية حاجاتالمحكمة، الا أن التشكيلات الاخيرة آلت على عكس ذلك تماما الى تخفيض عددهم من 4 الى2. وكان تم نقل القضاة المنفردين الأربعة للعمل في محاكم أخرى في محكمة استئنافالنبطية أو في البقاع، فيما تم تعيين قاضيين جديدين محلهم فقط[1]. ويخلص شريم الى ان هذا الامر يؤدي الى تأخير صدور الاحكاموزيادة ارهاق القضاة، مؤكدا ان التحرك جرى بالتنسيق مع نقابة المحامين في بيروت. ولدى سؤاله عن مراجعتهم للجهات المعنية، أكد شريم ان مجلس القضاء الاعلى كان وعدبانتداب 3 قضاة الا ان شيئا من هذا القبيل لم يحصل.
وكان المرصد المدني لضماناستقلالية وشفافية القضاء في لبنان قد رصد هذه الاشكالية لدى زيارته قصر عدلالنبطية قبل شهر واحد، حيث أكد عدد من المحامين معاناتهم منها واشاروا الى الاخلالبالمساواة ما بين المناطق بحيث جرى زيادة عدد القضاة المنفردين في مناطق معينة بمايفوق حاجتها بخلاف ما يحصل في محاكم النبطية.
ويعد هذا التحرك فريدا من نوعه، اذ أنه يعكس بدء تحرك المحامين للمطالبة بتحسين اداء المرفق القضائي ولا سيما فيما يتصل بتوزيع المهام القضائية (التشكيلات القضائية).