دعاوى وقف تسليح إسرائيل: أداء المحاكم الغربية لا يتناسب ومستوى الإبادة


2024-12-31    |   

دعاوى وقف تسليح إسرائيل: أداء المحاكم الغربية لا يتناسب ومستوى الإبادة
رسم رائد شرف

في مقابل النشاط الذي شهدته المحاكم الدولية في العام الأخير، والذي اتخذ موقفًا مضادًّا نسبيًّا بوجه جرائم إسرائيل ضدّ الفلسطينيين لا سيما في قطاع غزة رغم فشله في وقفها، بقي أداء المحاكم الوطنية في أكثر من دولة غربية متواضعًا وخجولًا في حماية الفلسطنيين. فقد شهدت هذه المحاكم محاولات لاستصدار قرارات قضائية تُساهم في التخفيف من الجماح الإباديّ لإسرائيل، وذلك من خلال تقديم دعاوى قضائية من قبل منظمات حقوقية وفلسطينيين تطلب وقف رخص تصدير الأسلحة إلى إسرائيل. وتشكّل هذه الرخص إحدى أهم الوسائل الجرمية التي تعتمد عليها إسرائيل للاستمرار بمشروعها القائم على الإبادة الجماعية. وفي حين استجابت بعض المحاكم لهذه الطلبات، رفضتها أخرى، بينما لم يزل بعضها عالقًا لم يبتّ به حتى الآن، بالرغم من استمرار المذبحة في غزة وامتدادها إلى لبنان الذي كان بدوره ساحة لجرائم الحرب الإسرائيلية.

وبالرغم من إعلان بعض الدول الغربية (مثل إيطاليا وبلجيكا وأسبانيا) وقف تصدير الأسلحة لإسرائيل بسبب ارتكاباتِها بحق الفلسطينيين في غزة، إلّا أنّ هذه العدوى بقيت عصيّة على الانتشار في دول أخرى لم تزل حتى الآن رافضة وقف الإسهام في الإبادة، وبقي قضاؤها عاجزًا حتى اللحظة عن اتخاذ قرارات حاسمة بهذا الشأن. 

وأكثر ما يدعو للريبة من غلبة منطق القوة على منطق الحق والقانون في مقاربة العلاقة مع إسرائيل، هو أنّ الأدوات القانونية التي وفّرتها المحاكم الدولية، والتي من المفروض أن تنعكس على صعيد السياسات الوطنية وتسهّل عمل المحاكم الوطنية، لم تسهم في صدور قرارات سريعة ومستجيبة إيجابًا للدعاوى. فقد أقرّت محكمة العدل الدولية باحتمالية تعرّض الفلسطينيين في غزة للإبادة الجماعية في الدعوى التي تقدّمت بها جنوب أفريقيا، وهو ما يفرض على جميع الدول أن تتخذ الإجراءات المناسبة لمنع إسرائيل وردعها عن ارتكاب الأعمال الإبادية استنادًا لاتفاقية الإبادة الجماعية. كما أعلنت في رأيها الاستشاري عدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو ما يفرض على جميع الدول أن تمتنع عن تقديم المساعدة والدعم لاستمرار الاحتلال وأن تضمن احترام إسرائيل للقانون الدولي الإنساني.  أمّا إصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحقّ نتنياهو وغالانت، فإنه يشكّل قرينة على وجود شبهات قانونية جديّة بارتكاب قادة إسرائيل جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، لا سيما من خلال استخدام التجويع كوسيلة حرب. وكان قرار صادر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد دعا جميع الدول إلى وقف بيع الأسلحة لإسرائيل، إلى جانب العديد من المواقف والمطالب المشابهة التي صدرت عن مراجع أممية ودولية مختلفة. 

وفي متابعة لما عرضته المفكرة في السابق حول الحراك القانوني الهادف إلى وقف تسليح إسرائيل في المحاكم الوطنية حول العالم، نستعرض في ما يلي أبرز المستجدات المتعلقة بهذه الدعاوى القضائية، ونضيف إليها ما طرأ من دعاوى بذات الموضوع في الأشهر السابقة، وذلك في كلّ من الولايات المتحدة الأميركية وهولندا وبريطانيا وكندا والدنمارك وألمانيا وفرنسا.

الولايات المتحدة الأميركية

في الولايات المتحدة، المصدّر الأكبر للأسلحة لإسرائيل، حيث بلغت قيمة المساعدات العسكرية المقدمّة لها 17.9 مليار دولار في السنة الأولى من الحرب فقط، تواجه وزارة الخارجية دعوى قضائية من فلسطينيين وأميركيين من أصل فلسطينيّ تقدّموا بها في 17/12/2024 بدعم من منظمة “الديمقراطية الآن للعالم العربي”. تتهم الدعوى الوزارة بتجاوز قانون “ليهي” الذي يمنع تقديم الدعم العسكري لأي قوات متورطة في انتهاكات لحقوق الإنسان، وتطلب التدخل القضائي لإجبار الولايات المتحدة على تطبيق هذا القانون وامتثال الإدارة له.

وقد سبق أن تقدمت منظمات حقوقية وأفراد فلسطينيون بدعوى أخرى أمام المحكمة الفدرالية في مقاطعة أوكلاند في ولاية كاليفورنيا، ضد الرئيس الأميركي جو بايدن ومسؤولون أميركيون بهدف إلى تحميلهم المسؤولية القانونية عن فشلهم في منع الإبادة الجماعية التي يقترفها الإسرائيليون في حق الشعب الفلسطيني. كما طلب المدعون من المحكمة إصدار قرار أولي يتضمن منع نقل أي مساعدة عسكرية إلى إسرائيل، إلا أنها لم تستجب. ورغم إصدار المحكمة قرارها برد الدعوى لعدم الاختصاص، باعتبارها تطرح مسائل سياسية غير قابلة لتكون موضوع تقاضٍ، أشارت في الوقت نفسه إلى احتمال ارتقاء السلوك الإسرائيلي إلى مستوى ارتكاب إبادة جماعية، وناشدت المسؤولين الأميركيين دراسة نتائج دعمهم الثابت للحصار العسكري ضد الفلسطينيين في غزة. بالمقابل، تقدّم المدّعون باستئناف، بيد أنّ محكمة الاستئناف رفضت الطعن بناء على نفس أسباب محكمة البداية، ثم رفضت طلبًا بإعادة النظر بالدعوى.

هولندا

تستمرّ الدعوى التي قدّمتها ثلاث منظّمات حقوقية هولندية هي “أوكسفام نوفيب” و”حركة السلام” (PAX) و”منتدى الحقوق“ ضدّ الدولة الهولندية لإلزامها بوقف تصدير أيّة قطع لطائرات F35 تكون وجهتها النهائية إسرائيل. فبعد أن أصدرت المحكمة الابتدائية في لاهاي قرارها في 15/12/2023 بردّ الدعوى، فسخت محكمة الاستئناف القرار رافضة حجج الدولة وآمرة إياها بوقف تصدير هذه القطع إلى إسرائيل، بعد تثبتها من وجود خطر محتمل باستخدام طائرات F35 لارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني. فما كان من الدولة الهولندية إلا أن طعنت بقرار الاستئناف أمام المحكمة العليا رغم إعلانها الالتزام به.

وفي 29/11/2024، طلب المحامي العام من المحكمة العليا التصديق على قرار محكمة الاستئناف في لاهاي الذي يلزم الدولة الهولندية بالتوقّف عن تصدير قطع لطائرات F35  إلى إسرائيل. وأعلنت المحكمة في بيان أن قرارها بشأن الطعن سيصدر قريبًا دون أن تحدد لذلك موعدًا معينًا.

بالمقابل، رفضت محكمة هولندية في 13/12/2024 طلبًا تقدّمت به 10 منظمات غير حكومية مناصرة للفلسطينيين، يهدف إلى وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل ووقف التعامل التجاري مع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وشدّدت المحكمة على أن للدولة بعض الحرية في تحديد سياساتها الخارجية ولا يجب على المحاكم أن تتسرّع للتدخل في هذا الشأن.

بريطانيا

لم يمنع إصدار المحكمة العليا في المملكة المتحدة قرارًا برد دعوى وقف تسليح إسرائيل، مؤسسة الحق وائتلاف Global Legal Action Network من إعادة الكرّة، والطلب مجدّدًا من المحكمة إصدار قرارٍ معاكس لقرارها السابق مع استمرار المذبحة في غزة، وبعد ظهور أدلة تثبت تواطؤ الحكومة البريطانية في قتل إسرائيل لعمال إغاثة بريطانيين في غزة يعملون في المطبخ المركزي العالمي في نيسان الماضي. فقد تبيّن لهم استخدام مسيّرة ذات قطع مصمّمة ومنتجة في بريطانيا في الهجوم عليهم. وعليه، وجدت حكومة المملكة المتحدة نفسها مجدّدًا مدعى عليها أمام المحكمة  العليا، لتقرّ أمامها بأن إسرائيل لا تمتثل للقانون الدولي الإنساني. وبالرغم من أن الحكومة البريطانية علّقت 30 من أصل 350 رخصة تصدير في أيلول الماضي، إلا أنّها استثنت من ذلك مكونات طائرات F35 الحربية، ما دفع المؤسستين الحقوقيتين إلى الطلب من المحكمة أن يشمل قرار التعليق جميع الرخص. وينتظر من المحكمة أن تبتّ في القضية في 13 كانون الثاني المقبل.

كندا

لم تزل الدعوى التي قدّمها عدد من محامي حقوق الإنسان لإلزام الحكومة الكندية بوقف رخص تصدير المعدّات والتكنولوجيا العسكريّة التي تكون وجهتها إسرائيل، في طور الإجراءات التي تسبق القرار النهائي الذي لم يصدر بعد. ورغم أن وزيرة الخارجية الكندية قالت أنّ حكومتها أوقفت 30 رخصة لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل وبأنها تبيع المعدّات العسكرية “غير القاتلة” لإسرائيل، ونفت أن تكون قد صدّرت إليها برامج أسلحة كاملة، إلّا أن منتقديها اعتبروا ذلك أمراً مخادعًا وغير كافٍ. فعلى الرغم من كونها ليست من كبار مصدّري الأسلحة لإسرائيل، إلا أن الحكومة الكندية استمرت في تصدير عدد كبير من الأسلحة إلى إسرائيل واستخدمت أطرافًا ثالثة كالولايات المتحدة الأميركية لإتمام ذلك. وكانت 4 شركات أسلحة كندية قد طلبت التدخل في الدعوى المقامة ضد الحكومة، مع مطالبة المحكمة بإصدار أوامر للحفاظ على سرية تفاصيل تصاريح التصدير الخاصة بها. ولم يصدر أي قرار نهائي في الدعوى حتى اليوم.

الدنمارك

قدّمت 4 منظمات حقوقية، هي منظمة “العفو الدولية” بالدنمارك، وفرع “أوكسفام” بكوبنهاجن، ومنظمة “أكشن إيد دنمارك”، ومؤسسة “الحق” الفلسطينية لحقوق الإنسان، دعوى قضائية ضدّ وزارة الخارجية والشرطة الوطنية في الدنمارك لفشلهما في الامتثال لالتزامات الدنمارك بموجب القانون المحلي والدولي التي تمنع تصدير الأسلحة لإسرائيل. في حين صرّح وزير الخارجية الدنماركي بأن حكومته وإن كانت مستمرة في تزويد إسرائيل بقطع لطائرات F35 الحربية، إلا أنها “غير مذنبة” في قضية مبيعات الأسلحة غير القانونية لإسرائيل. وحاول محامي الحكومة الدنماركية نزع الصفة والمصلحة عن المنظمات التي قدمت الدعوى معتبرًا أنّها غير متأثرة بشكل ملموس أو فردي بالحرب الإسرائيلية، وبالتالي لا حق قانوني لهم بإقامة الدعوى أمام المحاكم الوطنية، فيما ردّت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية في الدنمارك أنها تستغرب بشدة محاولات الحكومة الدنماركية لمنع المحكمة من النظر في الدعوى، التي تتعارض مع الدولة الخاضعة لحكم القانون. وبالرغم من الطبيعة العاجلة للدعوى، إلا أنّه لم يبت فيها حتى الآن، وتشير التقارير إلى أن البت فيها قد يستغرق سنوات، نظرُا لطبيعة الإجراءات القضائية في الدنمارك.

ألمانيا

واجهت الحكومة الألمانية، إحدى أكبر مصدّري السلاح إلى إسرائيل، تحدّيات قضائية متعلّقة بتصديرها الأسلحة وقطعها إلى إسرائيل. إذ سبق أن تقدّم خمسة فلسطينيين مقيمين في غزة بدعوى في برلين يطالبونها فيها بوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل باعتبار ذلك يساهم في خرق القانون الدولي الإنساني. هذه الضغوط القانونية دفعت الحكومة الألمانية لإعادة تقييم سياساتها المتعلقة بصادرات الأسلحة، إذ أشارت التقارير أنّ ألمانيا توقّفت عن إصدار تصاريح تصدير جديدة للأسلحة الحربية إلى إسرائيل منذ أيلول الماضي. ومع ذلك، لم يصدر أي إعلان رسمي من الحكومة الألمانية عن تعليق كامل لهذه الصادرات. وبدلًا من ذلك، شددّت على حاجة الحصول على ضمانات من إسرائيل بأن الأسلحة الألمانية لن تستخدم ضد أهداف مدنية. وبالرغم من استمرار الإجراءات القانونية للدعوى التي أقامها فلسطينيو غزة، والتي لم يصدر فيها أي قرار باتّ حتى الآن، إلا أن محكمة برلين سبق أن رفضت طلبًا عاجلاً لوقف صادرات الأسلحة لإسرائيل بحجة أن المدعين لم يقدموا أدلة كافية على توافر خطر وشيك في استخدامها لارتكاب انتهاكات للقانون الدولي الإنساني. 

ولا تزال ألمانيا تواجه الادعاء الذي تقدّمت به نيكاراغوا أمام محكمة العدل الدولية، وتطلب فيه إلزام ألمانيا بوقف تصدير المعدات العسكرية والأسلحة الحربية لإسرائيل.

فرنسا

في باريس، تقدّمت في نيسان الماضي منظمات غير حكومية بدعوى ضدّ الحكومة الفرنسية لوقف تصدير الأسلحة لإسرائيل. وأكدت هذه المنظمات أن هذه الصادرات قد تسهم في ارتكاب انتهاكات جسيمة ضد السكان المدنيين خصوصًا في غزة. إلا أن المحكمة الإدارية في باريس ردّت الدعوى مركّزة على عدم اختصاصها بالنظر في القضايا المتعلقة بالسيادة الوطنية والسياسية الخارجية. وكذلك فعلت محكمة الاستئناف في باريس التي صدّقت قرار المحكمة الإدارية الابتدائية. وعلى نفس الخط، رُدّت دعاوى أخرى بنفس الموضوع تقدّمت بها منظمات واتحادات أخرى. 

كما رفض رئيس الوزراء الفرنسي تزويد المنظمات بالمعلومات المتعلقة بتراخيص التصدير بعد تقديم طلب للوصول إلى المعلومات إليه. كما امتنعت فرنسا عن التصويت على قرار مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الذي دعا إلى وقف بيع الأسلحة إلى إسرائيل. ورغم إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنّ فرنسا لا تسلّم أسلحة إلى إسرائيل، إلا أنّ وسائل إعلام فرنسية تؤكّد تسليمها العديد من المعدّات العسكرية والذخائر، وقد تجاوز قيمتها 30 مليون يورو في العام 2023. لذا، تستمر منظمات حقوق الإنسان في الضغط من أجل فرض رقابة على هذه الصادرات وتعليقها بشكل كامل.

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكم إدارية ، منظمات دولية ، مقالات ، فلسطين ، جريمة الإبادة الجماعية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني