هل ستصل "شهرة" مكب بيت شباب كمصدر للنفايات التي اجتاحت شاطئ كسروان، خلال عاصفة 22 و23 كانون الثاني 2018، كما قال وزير البيئة طارق الخطيب يومها، إلى ما هو أخطر على صحة المواطنين في جزء من جبل لبنان وبيروت، وتحديدا المناطق التي تشرب من مصلحة مياه الضبية وبيروت؟
معطيات دفعت بناشطين بيئيين وحقوقيين عدة إلى مطالبة وزارة البيئة ومصلحة مياه بيروت والضبية التحقق من فرضية تلويث مكب بيت شباب لمياه بيروت وجبل لبنان، خصوصا وأن هذا المكب مصنّف في المرتبة التاسعة من بين 20 مكب ذات أولوية لإعادة التأهيل. وحصل التصنيف إثر مخطط أعده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول المكبات العشوائية في لبنان في العام 2011 وتم تحديثه في العام 2016، وشمل 941 مكباً عشوائياً في لبنان. علماً أن الوزير الخطيب قدم دعوى بتاريخ 25 كانون الثاني 2018 ضد رئيس بلدية بيت شباب الياس الأشقر بجرائم رمي عشوائي للنفايات وتلويث النهر وشاطئ البحر.
تقول المعطيات التي جمعتها "المفكرة القانونية" خلال متابعة الدعوى القضائية الرقم 159 التي رفعتها المحامية ميريام جبر، ضد بلدية بيت شباب، أن مؤسسة " ELARD"، وإثر تقرير أعدته عن المكب خصيصا لجبر استنادا لمخطط برنامج الأمم المتحدة التوجيهي المحدّث لإغلاق وإعادة تأهيل المكبات العشوائية في لبنان ، رجحت أن يكون مكب بيت شباب يلوّث مصادر المياه في المنطقة، كما نبعي"القشقوش" وجعيتا مع آبارها الجوفية.
وبما أن نبع جعيتا يعتبر من مصادر المياه التي تغذي جزءاً من جبل لبنان وبيروت، اتصلت "المفكرة" برئيس بلدية جعيتا وليد بارود الذي أكد أن "إدارة النبع هي من مسؤولية شركة "ماباس" المشغلة لمغارة جعيتا". وإذ يرفع بارود مسؤولية البلدية لجهة التحقق من أي تلوث محتمل على النبع، يلفت إلى أن عبّارة المياه الموجودة في جعيتا، والتي تصلها المياه من النبع، ملوثة منذ عقود بسبب اختلاط مياهها بالمجارير والأتربة وغيرها من الملوثات، لافتاً إلى أن هذه العبّارة تغذي منطقتي بيروت والضبيه.
في المقابل، أكد مصدر من مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان لـ "المفكرة" أن مياه محطة الضبيه تتغذى من مياه نبع جعيتا، ما يدل على احتماليّن لتلوث مياه الشفا، إن كان جراء التلوث من المكبات العشوائية أو العبّارة التي تحدث عنها بارود.
"شهرة" مكب بيت شباب
خرج مكب بيت شباب من عزلته على رأس وادي نهر الكلب إلى العلن مع التراشق السياسي الذي تلا تناقل صورة النائب سامي الجميل وهو يسير على أكوام النفايات التي غطت شاطئ كسروان، ليتهم مكبي برج حمود و"الكوستابرافا" بتسفير نفاياتها مع التيار البحري إلى حضن كسروان، مطالباً باستقالة وزير البيئة. وعليه، وتحديدا في اليوم الثاني لتصريح الجميل، أي في 23 كانون الثاني 2018، وصل وزير البيئة طارق الخطيب إلى مكب بيت شباب، ليصرّح أن نفاياته (نفايات مكب بيت شباب) تنزلق من أعلى الوادي إلى مجرى نهر الكلب الذي يصب في البحر في أول كسروان، وتحديدا عند جسر نهر الكلب. وعليه، وفق الخطيب، فإن مكب بيت شباب هو من فرش الشاطئ الكسرواني بالنفايات التي سار عليها الجميل. ولا يخفى على أحد أن رئيس بلدية بيت شباب المحسوب على نائب رئيس مجلس النواب السابق ميشال المرّ، مدعوم أيضا من حزب الكتائب، أي من الجميل.
بدوره، افترض مجلس الإنماء والإعمار أن تكون تلك النفايات وصلت إلى الشاطئ من المكبات العشوائية على مجرى نهر الكلب مستبعداً فرضية الجميل، بينما رجّحت مصادر بيئية أن تكون النفايات قد وصلت إلى كسروان من مكب برج حمود. لكن الخطيب عاد إلى تحميل المسؤولية في تصريح لـ
"المفكرة القانونية" لمكب بيت شباب وحده، مؤكداً أن النفايات عبرت المكب مروراً بنهر الكلب وصولاً إلى مصبه عند شاطئ كسروان.
نفايات على المشاعات العامة
يقع مكب بيت شباب على عقاريّن على حرم نهر الكلب في الوادي الفاصل بين المتن وكسروان، مسجليّن كمشاعات لأهالي بلدة بيت شباب. ويمكن الوصول إليه عبر طريق فرعي من البلدة مقفلة ببوابة تمنع عبور السيارات إلى المكان.
بعد البوابة تبدأ "النزهة" على الأقدام في منطقة حرجية منحدرة وسط تجمعات صغيرة من النفايات على جانبي الطريق، وأخرى مبعثرة بين الأشجار، يبدو بعضها جديداً. في منتصف الطريق يُصبح بالإمكان سماع صوت هدير مياه مجرى نهر الكلب، ثم تفوح روائح مختلطة ما بين روث البقر والنفايات، بسبب وجود مزرعة أبقار تملكها عائلات من أهالي بيت شباب إلى جانب المكب. ووفق أحد المالكين، يوجد نحو 120 رأس بقر في المزرعة. أما المكب فموجود على تربة منزلقة، حيث تتدهور النفايات من الأعلى وصلاً إلى أسفل الوادي، حيث مجرى نهر الكلب.
يقول رئيس بلدية بيت شباب الياس الأشقر لـ "المفكرة" أن البلدية استخدمت العقار لوضع النفايات بعد انتهاء العقد مع "سوكلين" في العام 2015 ولمدة سنة فقط، بناء على "تعليمات وزارة الداخلية يومها إلى محافظة جبل لبنان وقائمقامية المتن طلبت فيه أن يتم رفع النفايات عن الطرقات العامة ووضعها في أراض خالية بعيدة عن السكن ضمن النطاق البلدي تمهيداً لفرزها". ويعتبر الأشقر أنه لا يوجد في بيت شباب عقارآخر بالمواصفات المطلوبة، ويُصر على عدم تحميل البلدية مسؤولية تلويث المياه، مشيراً إلى أن فتح ملف المكب اليوم هو "بسبب الكيدية السياسية بين الكتائب والتيار الوطني الحر".
ويقول الأشقر "اعتقدنا أننا سنضع النفايات بشكل مؤقت على أن يتم إزالتها من قبل الجهات المعنية إلا أنه لم يأت أحد". وعن التناقض في قوله حول استخدام المكب لعام واحد فقط بينما يوجد في الوزارة شكاوى قديمة تعود إلى العام 2010؟ يرى الأشقر أن هناك "إفتراء علينا، فالكميونات دخلت المنطقة عندما قمنا بفتح الطريق للوصول إلى العقاريّن ولأجل إنشاء المزرعة، فقال البعض أننا نرمي الردميات والنفايات في المنطقة". في المقابل يؤكد مواطنون يقطنون على الطريق المؤدي إلى المكب لـ "المفكرة" التي جالت ميدانياً في المنطقة، أن الآليات المحملة بالنفايات إستمرت بتفريغ النفايات والردميات لغاية تاريخ 23 كانون الثاني حينما كشف وزير البيئة شخصياً على المكان. رداً على ذلك، يكرر الأشقر "أن الأمر غير صحيح ونحن إستعملنا المكب لنحو السنة فقط".
شكاوى بالجملة
من جهتها تنفي المحامية جبر (التي رفعت دعوى ضد البلدية بشأن المكب) ما جاء على لسان الأشقر لجهة استعمال المكب خلال أزمة النفايات فقط، عبر إبراز ما تملكه من أوراق تثبت الشكاوى التي تقدمت بها في تواريخ مختلفة قبل وبعد أزمة عام 2015، بهدف الإعتراض على الرمي العشوائي للنفايات في مناطق عدة من بيت شباب من بينها المكب عينه.
ووفق الوثائق، تقدمت جبر بشكوى أمام وزارة البيئة في العام 2010 وعند عدم اتخاذ أي اجراء، أعادت التذكير بها في العام 2013. ثم رفعت كتابا إلى القائمقام في 30 أيار 2012 توضح فيه وجود مكبات عشوائية عدة بعلم من البلدية حيث يتم إنزال النفايات عبر كميونات كبيرة تمر دون انقطاع على الطرقات العامة وتهدد السلامة العامة.
وخلال أزمة النفايات في العام 2015 قدمت جبر ملحقاً إلى الوزارة في 29 تموز 2015 حول دخول أكثر من ثلاثين شاحنة نفايات وردميات يومياً إلى المكب يتم تفريغها في الأحراج التي تحتوي على أشجار السنديان والصنوبر التي يفوق عمرها المائتي عام. كما أرسلت شكوى أخرى إلى محافظ جبل لبنان 14 تموز 2015.
لم تحصل جبر على أي جواب جدي من الوزارة إلا في العام 2017 عندما رفعت الوزارة الملف إلى النيابة العامة بإدعاء شخصي من جبر. فالشكوى التي تحمل الرقم 159 حولتها الوزارة إلى النيابة العامة البيئية بتاريخ 20 تشرين الثاني 2017 مرفقة بشكوى أخرى لأحد المواطنين في الموضوع نفسه. ويتبين من الشكوى أن الوزارة طلبت من وزارة الداخلية إقفال المكب مبدية توجهاً للقيام بدراسة الأثر البيئي على المكان، بعدما طلبت بلدية بيت شباب إقامة معمل لفرز النفايات على العقار نفسه. تفيد جبر أن " النائب العام الإستئنافي في جبل لبنان الناظرة في قضايا البيئة ايضاً القاضية غادة عون حولت الملف حينها إلى المفرزة القضائية لتقوم بالتحقيق". وإذ أن جبر لم تطّلع على التقرير القضائي تؤكد أنه لم "تتخذ أي خطوة جدية لإقفال المكب حينها". وتضيف، "لكن بعدما فُضح المكب أمام الإعلام لدى زيارة الوزير الخطيب المكب، قام لاحقاً بالادعاء على رئيس البلدية أمام النيابة العامة بجرائم رمي عشوائي للنفايات وتلويث النهر وشاطئ البحر". علماً أن الخطيب كان على علم بوجود المكب حيث أن الشكوى الأخيرة التي تقدمت بها جبر موجودة في الوزارة منذ تموز 2015. وتفيد جبر بأن القاضية عون ضمت دعواها إلى دعوى الخطيب بعدما ادعت على الأشقر بجرم تلويث مجرى النهر وحولت الملف إلى قاضي التحقيق في جبل لبنان نديم الناشف.
جبر أرفقت شكواها بتقرير عن مؤسسة ELARD تم إعداده خصيصاً للدعوى استناداً إلى المخطط الذي أعده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ويرجح التقرير تلوث مصادر المياه الجوفية وسطح المياه، فضلاً عن احتمال انتقال المياه المتدفقة من المكب إلى مياه نهر الكلب محملة بالعصارة الملوثة، بالإضافة إلى احتمال تلوث آبار جعيتا ونبع جعيتا ونبع قشقوش التابع لبلدة ساقية المسك، وهي وفقا للتقرير، مصادر لإمدادات المياه المحلية، أي أن أي تلوث سيكون له تأثيره على صحة السكان.
الأهالي: البلدية استقبلت نفايات البلدات المجاورة
يفضل الأهالي المعترضون على المكب عدم ذكر أسمائهم تجنباً ل"التصادم مع رئيس البلدية لما لديه من نفوذ في المنطقة" كما يقولون. فيما يتحدث آخرون عن شراء ولاءات بـ "الزفت الانتخابي".
يشهد أحد القاطنين على الطريق المؤدي إلى المكب على مرور عشرات الكميونات بشكل يومي منذ العام 2015 إلى تاريخ زيارة وزير البيئة المكان في 24 كانون الثاني 2018 . يقول "قبل العام 2015 شهدنا مرور نحو خمس كميونات بشكل يومي محملة بالردميات لتفريغها في المكب. أصبح الوضع لا يحتمل خلال أزمة 2015، حيث لم يهدأ مرور الكميونات ذهاباً وإياباً منذ الساعة السابعة صباحاً إلى السابعة مساءً". يقول إن "النقليات الكثيفة تثير الشك في احتمال استقطاب البلدية لنفايات من مناطق مجاورة ورميها في المكب". وقد بدا الرجل متأكداً من أن معظم هذه الكميونات تأتي من البلدات المجاورة لافتاً إلى أنه كان يشهد "بشكل يومي عبور بعضها من ساحل المتن لتصل إلى بيت شباب محملة بالردميات، أثناء عودته من عمله في المساء". كما يؤكد أنه "بين الساعة الثامنة والتاسعة مساءً كان يمر كميوناً آخر محملاً بالنفايات ومغطى بالردميات للتمويه متجهاً نحو المكب"، لافتاً إلى أننا "نتأكد من ذلك بسبب الرائحة المنبعثة منه". مواطن آخر يقول بأن الكميونات المحملة بالردميات كانت كثيفة، ما يستدعي التساؤل حول مصدرها، فلا يوجد مشاريع في البلدة توازي هذا الكم من الردميات.
مواطن آخر يعترض على استعمال المشاع لغاية إنشاء مكب ومزرعة أبقار، فيسأل "أليس المشاع لأهالي الضيعة؟، إذن بماذا تستفيد الأهالي من مزرعة تعود ملكيتها لعائلات أم من مكب يلوث الطبيعة والمياه؟".
من ناحية ثانية تلفت جبر إلى أنه "عندما تعاقدت بلديات المتن مع شركة "رامكو"، كانت بلدية بيت شباب هي آخر بلدية وافقت على الالتزام بالعقد، وأصر حينها الأشقر على التمسك بنقل النفايات من الشوارع الفرعية على مسؤولية البلدية". لذلك، ترجح جبر، وجود فساد في البلدية لناحية الإستفادة من الإبقاء على المكب العشوائي لغايات مادية إذا ما ثبتت شبهة استقطاب نفايات من البلديات المجاورة.
من جهته، يلفت مختار بيت شباب جوزيف العنيسي إلى أن الوزارات المعنية "تعلم بوجود مكب بيت شباب ولم تحرك ساكناً إلا بعدما أصبح الموضوع سياسياً، أي أنهم سمحوا بهذه الجريمة لسنوات". يضيف، "أنا أسكن في مكان بعيد عن المكب فلست بشاهد على ما يحصل". لذا فإن العنيسي، الذي يعرّف عن نفسه بالمستقل سياسياً، يقول أن في البلدة فريقان: مع رئيس البلدية، وضده. لذلك لا يجزم بالروايات التي تشير إلى دخول كميونات من البلديات المجاورة إلى المكب المذكور مرجحاً أن المواطنين يتكلمون بناء على مواقفهم السياسية. ويذهب إلى تبرير عدد الكميونات المرتفع هو أن "بيت شباب والشاوية والقنيطرة تحوي نحو 30 ألف نسمة"، لذلك يعتبر أن "كثافة الكميونات طبيعية حيث أنه أحياناً اضطرت البلدية إلى إدخال نحو الـ 20 شاحنة يومياً إلى المكب بسبب الكثافة السكانية"، وفقاً لتعبيره.
من جهته يُنكر رئيس البلدية الياس الأشقر كل ما قيل عن استقطابه لنفايات البلدات المجاورة، متهماً الجميع ب"الكذب والافتراء". ولدى سؤاله عن شاحنة النفايات التي دخلت إلى المكب خلال زيارة وزير البيئة للمكب، والتقطتها كاميرات وسائل الإعلام في حين أشار الوزير إلى دخولها محملة بالنفايات إلى المكب أثناء تواجده هناك معه (مع رئيس البلدية الياس الأشقر)، يقول أن "الشاحنة التي أشار إليها الوزير قد أرسلها أشخاص إشتكوا ضد البلدية، وذهب أبعد من ذلك، ليتهم جبر بالتعاون مع ما أسماهم بالـ "زعران" لإرسال شاحنة النفايات أثناء تواجد الوزير". من ناحيتها، لم تستغرب جبر ما قاله رئيس البلدية إذ تعتبر أنه شخص معروف ب"تلفيق الكلام". وردت على إتهاماته مكتفية بالقول إن "البلدية هي الوحيدة التي تملك مفاتيح البوابة الحديدية على مدخل المكب، فكيف لي أن أرسل شاحنة نفايات؟".