خطّة طوارئ وطنية ليست كذلك (2): تقييم “خطة الطوارئ” على ضوء التوجهات العامّة

،
2024-10-10    |   

خطّة طوارئ وطنية ليست كذلك (2): تقييم “خطة الطوارئ” على ضوء التوجهات العامّة

نحاول في هذا القسم، تقييم خطة الطوارئ التي وضعتها الحكومة اللبنانية في 31 تشرين الأول 2023 على ضوء التوجهات العامّة التي سبق تفصيلها في مقال سابق. فبداية، يتجلّى من قراءة سريعة لهذه الخطة التي تتألف من 28 صفحة من “السلايدات”، إضافة إلى 7 صفحات من الخرائط، أنها عمليّا رؤوس أقلام وعناوين عريضة لخطط لم توضع بعد وتبقى في إطار التمنيات والتوصيات. وإذ أكّد وزير البيئة ناصر ياسين -وهو المنسق الحكومي في وضع الخطة- في اتصال مع المفكرة القانونية على صدور نسخة محدّثة عن خطة الطوارئ، فإننا لم نتمكن من الحصول عليها رغم طلبات متكررة. 

وقبل المضي في تقييم الخطة، يجدر لفت النظر إلى أننا نستعين لهذه الغاية بوثيقتين: الأولى، التوجيهات التي نصّ عليها دليل الجهوزية في حالات الطوارئ الصادر عن الفيدرالية الدولية لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر (2021)، والثانية، المعايير الدنيا التي نصّ عليها الدليل الصادر في 1997 عن اسفير (Sphere Project)، والتي شاركت في اعدادها جهات عدةّ منها منظمة كير الدولية، كاريتاس الدولية، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، التحالف الدولي لإنقاذ الطفولة، الاتحاد اللوثري العالمي، أوكسفام، المجلس العالمي للكنائس، منظمة أطباء بلا حدود.

1-من وضع الخطة؟

السؤال الأول الذي نطرحه هنا من وضع الخطة التي أقرتها الحكومة في 31 تشرين الأوّل 2023، أي في غضون أقلّ من أسبوعين من بدء العدوان الإسرائيلي الوحشيّ على غزّة وخطر توسع العدوان إلى لبنان. نفهم منها أن الحكومة قد كلّفت وزير البيئة ياسين بوضع الخطّة بالتنسيق مع اللجنة الوطنية لتنسيق مواجهة مخاطر الكوارث والأزمات الوطنية، وهي لجنة غير دائمة أنشئت بموجب القرار 43/2023 ضمن رئاسة مجلس الوزراء ويرأسها اللواء الركن محمد المصطفى. كما أوردت الخطة أنه تمّ التنسيق لوضعها مع الوزارات والمنظمات الدولية ذات الصلة لمتابعة تنفيذها تحت مظلة مكتب منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة. كما تمّت مناقشة الخطة بعد وضعها مع اللجان النيابيّة المشتركة في جلسة انعقدت في 6/11/2023, وقد وثقت “المفكرة القانونية” في مقال النقاشات البرلمانية التي دارت في هذه الجلسة ومواقف الجهات المعنيّة منها والتي تمثلت بشكل خاص إلى كونها مجرد رؤوس أقلام خالية من خطوات عملية واضحة. ولكن رغم الملاحظات التي أبداها النواب، لم يتم إدخال أي تعديل على الخطة. 

وعليه يسجل في هذا المجال أن الخطة تمت على مستوى حكومي وبالتنسيق مع لجنة غير دائمة لا تتمتع بأيّ اختصاص قانوني، بمعزل عما تفرضه التوجهات العامة من تشاركية ولا مركزية. كما يلحظ أنه تم تهميش دور الجهازين المختصين في الحماية المدنية، وهما الهيئة الوطنية للإغاثة والدفاع المدني. وليس أدل على ذلك من أن الدفاع المدني ورد ذكره في الخطة ليس كشريك أساسي في وضع الخطة ولا في تنفيذها إنما فقط كأحد المرافق العامّة التي يتوجب ضمان استمراريته، وتحديدا لجهة ضمان المحروقات اللازمة لتشغيل سياراته. 

ولئن كلفت الخطة وزارات عدة إعداد خطط في القطاعات التي تتبع لها، فإن معديها لم يبذلوا أي جهد لمتابعة أعمال الوزارات في هذا الخصوص والتنسيق فيما بينها وصولا إلى تضمين خططها ضمن خطة وطنية موحدة ومتكاملة. 

أخيرا يلحظ أن معدّي الخطة هم أنفسهم الذين يتولون حاليا تنفيذها مما يؤدي إلى تضارب مصالح ويحدّ من الشفافية والمساءلة. 

2-ما هي المخاطر التي تهدف إلى ضمان الحماية المدنية منها؟

في هذا المجال، تهدف الخطّة بحسب ما ورد فيها “إلى حماية اللبنانيين واللبنانيات من تداعيات عدوان إسرائيلي واسع، وإلى تأمين مستلزماتهم وإغاثتهم في حال حصول تهجير قسريّ واسع من ديارهم إلى أماكن أكثر أمانا في لبنان”. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ معدّي الخطّة إنّما كانوا على بيّنة عند وضعها من السياق التدميريّ الذي أخذته الحرب في غزة (وبخاصة ما تخلّلها من حصار شامل وقصف للمستشفيات وتهجير لمناطق بأكملها وقصف لقوافل المساعدات الإنسانية)، فضلا عما تختزنه الذاكرة اللبنانية من أحداث تدمير وتهجير نتيجة حرب تموز 2006. وهذا الأمر إنما يعني أنه كان بحوزة معدّي الخطة وقائع معلومة تسمح لهم بتوقع ما قد ينتج عن الحرب من مخاطر في حال حصولها.   

من هذه الزاوية، بدت الخطّة وكأنها عمدتْ إلى تحجيم المخاطر المتوقّعة منطقيّا في حال حصول حرب، على نحو انعكس طبعا على تقديرها للاحتياجات وتاليا على تحديد الموارد التي يجدر تأمينها لتلبيتها. وليس أدلّ على ذلك من توقع المخاطر بالمقايسة مع ما حصل في حرب تموز 2006 سواء لجهة تحديد مدة الطوارئ (45 يوما) أو المنطقة الجغرافية المهددة بالتهجير أو العدد المتوقع للمهجرين (مليون نسمة).  

وعليه، تكون الخطة فشلت في إجراء تقييم واقعي للمخاطر، بما يتعارض مع إلزامية التخطيط وشموليته. فأيّ نقص في ترقّب المخاطر يجرّد الدولة من وسائل مواجهتها وينعكس دون ريب سلبا على جهوزية أعمال الحماية والإنقاذ والإغاثة. 

3- ما هي المصالح والحقوق التي يقتضي التحسّب لحمايتها؟ 

ورد في الخطّة أنها تتحسّب بشكل خاص لدعم 3 فئات من اللبنانيين: النازحون إلى مراكز الإيواء، النازحون إلى شقق ومنازل، والمجتمع اللبناني المضيف. كما تتحسب الخطة لدعم 3 فئات أخرى غير لبنانيّة: اللاجئون الفلسطينيون، النازحون السوريون والعمال الأجانب، علمًا أنّها اعتبرت أن دعم هذه الفئات يتمّ بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة المختصّة. بالمقابل، لم تلحظ الخطة بشكل واضح حماية المرافق العامة أو ضمان التموين بالمواد الأساسية تحسّبا للحصار ومنع استيرادها، وإن وردت بعض التدابير عرضا ضمنها، مثل الحديث عن تخزين المحروقات لدى شركات خاصة وفق ما سنعود إليه.  

وعليه، تسجل الملاحظات الآتية: 

-إن الخطة لم تعرّف المقصود من المجتمع اللبناني المضيف ولا الهدف من دعمه. فهل يقصد به البلديات التي قد يزداد على عاتقها عبء الخدمات العامة؟ هل يقصد بها المؤسسات الخاصة أو الأشخاص الذين قد يؤمنون مراكز إيواء للمهجرين قسرا؟ وما هو الدعم الذي يتم توفيره وما هي شروط استفادتهم منه؟ 

-إن الخطة حمّلت المنظمات الدولية أعباء دعم جميع الفئات من غير اللبنانيّين. وفيما يفهم تحميلها مسؤولية دعم الأشخاص الذين تدخل حمايتهم ضمن اختصاصها، فإنه لا يفهم بالمقابل الاعتماد على المنظمات الدولية لتوفير دعم لفئات أخرى. وهذه هي حالة السوريين غير المسجلين لدى منظمة الأمم المتحدة للاجئين أو حالة العمال الأجانب، والذين لا يتوفر أي سبب للتمييز ضدهم أو إبقائهم خارج الحماية. 

-إن الخطة لم تلحظ ضمن الفئات المستهدفة جرحى الحرب أو العالقين في مبانيهم المدمرة أو العالقين في قراهم من دون وجود أي وسائل للإخلاء. 

-إن الخطة لم تلحظ قط إعادة العودة بعد انتهاء الحرب، وبخاصة في حال حصول تدمير كبير للقرى والمباني،  

-إن الخطّة انبنتْ على دعم الأفراد فيما بقي دعم المرافق العامة وضمان التموين مسائل عارضة فيها. وهذا الأمر يتعارض مع المبادئ العامّة للتخطيط والتي توجب وضع خطط مركزيّة ضمانًا لاستمرارية العمل في المرافق العامة، والتموين. وقد أدّت المعالجة العرضية لهذه الأمور إلى نقص في تقدير الاحتياجات والتخطيط الجيد لتلبيتها. ومن أهمّ الأمثلة على ذلك ما ورد في الخطة لجهة تخزين القمح حيث جاء وجوب “تقييم مخزون القمح في لبنان ووضع خطة لتأمين مخزون يكفي لمدة لا تقل عن 3 أشهر” من دون أن يعرف إذا وضعت أي خطة لاحقة في هذا الشأن من قبل الوزارات المعنية وإذا تمّ تأمين المخزون وتحديدا أين تم تخزينه بعد تفجير إهراءات مرفأ بيروت. ومن الأمثلة أيضا ما ورد لجهة الفيول والمحروقات حيث جاء أن وزارة الطاقة تعمل على خلق احتياطي لدى الشركات المستوردة للبترول يكفي حاجات القطاعات الحيوية لمدة 45 يوم، من دون أن تحدد شروط التعاقد مع هذه الشركات منعا لأي تعسف من قبلها. أمّا بالنسبة للكهرباء، فقد ورد في الخطّة أن كميات الفيول الموجودة حاليا تكفي لتأمين الكهرباء لحوالي 30 يوما وهي تتجدد دوريا طالما النقل البحري متاح. ويستفاد من ذلك أن الخطة هنا تقتصر على مدة 30 يوما فقط أي ما يقل عن التوقعات الأكثر تفاؤلا. 

أما لجهة ضمان استمرارية المرافق الصحية، فقد أعلنت الخطة “تقييم ومراقبة وضع القطاع الصحي في لبنان وتحديد المخزون والاحتياجات الطبية والصحية لضمان استمرارية القطاع”، عدا عن تجهيز “مستشفيات ميدانية وزيادة جهوزية بنوك الدم”. وعليه، تكون الخطة اكتفت هنا في التأكيد على وجوب وضع خطط من قبل الوزارات المعنية، من دون أن تشمل أيا منها أو أن تضمه لاحقا بعد تحديثها. 

-أخيرا، إن الخطة خلتْ من أيّ تدابير احتياطية في حال حصل إغلاق مطار بيروت. فقد اكتفت الخطة بذكر “تأمين استمرارية عمل مطار رفيق الحريري” واستمرارية عمل المرافئ العاملة على امتداد الشاطئ اللبناني. ويلحظ هنا أن الخطة بدتْ بمثابة تأكيد على استمرارية عمل هذه المرافق من دون اتخاذ أي خطوة لضمان ذلك، أو العمل على فتح موانئ أو مطارات بديلة (مطار قليعات مثلا).  

4- في تقدير الاحتياجات

قليلة جدا هي بيانات الخطة عن الاحتياجات في حال حصول الحرب. فجلّ ما ورد فيها هو الاستناد إلى حركة التهجير الحاصلة في 2006 واحتياجاتهم ومدة تهجيرهم. إذ بحسب الخطّة، يتوقع كما سبق بيانه أن يصل عدد المهجرين إلى مليون شخص ولفترة تمتدّ على 45 يوم وأن 20% سيحتاجون لمراكز إيواء جماعية تستوعبهم، ولتأمين المستلزمات الإنسانية في مراكز الإيواء. وقد عكست الخطة هنا كسلا وقلة دراية عند معدّيها: فعدا عن أنّها لم تأخذ بعين الاعتبار إمكانية توسيع العدوان، فإنها أهملت أيضا التطورات التي حصلت في سورية منذ 2011 والأزمة المالية التي ضربت كلا من لبنان وسورية. أكثر من ذلك، وبمعزل عن صحة التقديرات لجهة احتياج 200 ألف مواطن لأماكن إيواء، فإن الخطة خلت من أي تقدير لاحتياجات هؤلاء، لجهة ضمان شروط للمنامة والإقامة تحفظ كرامتهم الإنسانية. أقل ما يدل على ذلك هو خلو الخطة من أي عدد ولو تقريبي للفرشات أو الأغطية المطلوبة. أما بالنسبة إلى الخدمات الأخرى كالخدمات الصحية وتوفير الغذاء، فقد اكتفت الخطة بتكليف وزارت بإعداد خطط في هذا الخصوص، من دون أن يتم تحديث الخطة على أساسها لاحقا.    

كما لم يردْ في الخطة أيّ ذكر لاحتياجات تجهيز مراكز الدفاع المدني في المناطق التي قد تطالها الحرب لتمكينه من القيام بدوره في الإسعاف والإنقاذ. كما لم يرد أي ذكر لمعدات وتجهيزات الإنقاذ الواجب توفيرها لرفع الأنقاض رغم ما شهدناه من تدمير واسع للمباني في غزة، وهذا ما ترك أثرا هاما تبعا للغارات في البقاع.   

أما كل ما يتصل بالاحتياجات العامة مثل تأمين متطلبات القطاعات الحيويّة كالمستشفيات والأفران والاتصالات ووسائل النقل أو ضمان التموين بالمواد الأساسية (القمح والأدوية والمحروقات)، فقد تم تكليف الوزارات المعنية بإعداد خطط بشأنها من دون أن يستتبع ذلك أي تنسيق أو تحديث للخطة العامة. ولعل الإجراء الوحيد الذي تضمنته الخطة في هذا الخصوص هو كما سبق بيانه أن “تعمل وزارة الطاقة على خلق احتياطي لدى الشركات المستوردة للبترول يكفي حاجات القطاعات الحيوية ل 45 يوما” ولكن هنا أيضا من دون توضيح كمية المحروقات اللازمة لهذه الغاية أو طبيعة العلاقة التعاقدية مع هذه الشركات.  

5-ضمان توفير موارد لتأمين الاحتياجات 

بالإضافة إلى الثغرات المبينة في الخطة لجهة تحديد المخاطر والحقوق المراد حمايتها والاحتياجات، تخلو الخطة من أيّ إجراء لتوفير الموارد الضرورية لتنفيذها. وهذا ما نتبينه من الأمور الآتية: 

أوّلا: بخصوص الموارد الماليّة اللازمة لتنفيذ الخطة: 

حددت الخطّة مصدرين أساسيين لتمويل الحاجات التي تضمنتها: أولهما من خزينة الدولة عبر فتح اعتمادات للأمور الملحة، وثانيها الهيات عبر المنظمات الدولة التي باشرت بنقل بعض الإيرادات الموجودة من برنامج إلى آخر وخصوصا في قطاعات الصحة والغذاء والمياه. 

وهنا يُسجل أمران: الأول خلو موازنة 2024 من أيّ اعتماد في هذا الخصوص خلافا لما ورد في الخطة، علما أن الحكومة لم تقمْ بأي خطوة لتعديل هذه الموازنة أو فتح اعتماد جديد لضمان تنفيذها. وعليه، بقي تكليف وزارة المالية في هذا الخصوص مجرّد تمنّ لا أثر له بعد. وهذا ما دفع عددًا من النوّاب والمعنيين، إلى وصف الخطة عند وضعها في أواخر العام الماضي على أنّها “غير واقعيّة” نظرا لانعدام قدرة الدولة على تمويل الخطّة التي لم تُحدّد كلفتها، وإن قّدرت بحوالي 400 مليون دولار حينذاك. هذا وقد نقلت وقتها مصادر عن نائب مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري أنّ لا تمويل للخطّة من دون إقرار قانون يسمح بذلك، علما أن هذا القانون لم يصدر أبدا.

أما الهبات فقد بقيت عامّة من دون حتّى تسمية الدّول أو المنظمات الدولية المانحة ولا الموارد التي حصل لبنان على وعود منها بتوفيرها في حال حصول الحرب ولا الاحتياجات التي تغطيها. ويؤمل أن يتم تاليا تحديث الخطة اليوم وقد باشر لبنان تلقي هبات من دول ومنظمات على نحو يبين ما تغطيه هذه الهبات وأيضا المجالات التي تبقى بحاجة إلى موارد من أجل تغطيتها. 

ثانيا: ضمان الموارد البشرية اللازمة لتنفيذ الخطة

نصّت الخطّة على تعزيز جهوزيّة 10 قطاعات ذات صلة بالأمور الإنسانيّة لحالة طوارئ “متعدّدة الجوانب”، ويُشرف على كلّ قطاع وزارة مختصّة بالتنسيق والتعاون مع وزارات داعمة والمنظمات الدولية المختصّة به. وتشمل هذه القطاعات وفق الخطة المياه والإصحاح والنظافة بإشراف وزارة الطاقة والمياه، الإيواء والمساعدات الإنسانيّة والحماية والأمن الغذائي بإشراف وزارة الشؤون الإجتماعيّة، التنظيم اللوجستي بإشراف وزارة الأشغال العامة، الاستقرار الاجتماعي بإشراف وزارة الداخلية، الصحة والخدمات الصحية بإشراف وزارة الصحة، والتربية بإشراف وزير التربيّة. بالمقابل، هنا أيضا، لا نجد أي إشارة إلى المديرية العامة للدفاع المدني أو أجهزة الدفاع المدني التابعة للبلديات أو اتحادات البلديات، رغم دورها الحيوي في هذا المجال. كما أنه لا نجد أي تقدير لعدد الموظفين الذين سيتم إشراكهم في تنفيذ الخطة في هذه المجالات. 

من جهة أخرى، نصّت الخطة على إعداد قاعدة بيانات مفصلة بكل الهيئات العامة والجمعيات والمنظمات الأهلية في كل المناطق اللبنانية وتصنيفها وفق توزعها الجغرافي ونوع الخدمات التي يمكن أن تقدّمها. كما تولت وزارة الإعلام وفق الخطة المساهمة في تفعيل الأعمال التطوعيّة وتوجيه النداءات الإنسانية إلى الجمعيات والبلديات والمنظمات الدولية، وحثها على المشاركة في عمليات الإغاثة وتقديم المساعدات ورصد جهوزيتها في هذا الإطار. 

وعدا عن أن الخطة لم تحدد الجهة المسؤولة عن إعداد قاعدة البيانات، فإنه يسجل أنها خلت من أي برنامج لتدريب الأشخاص الراغبين بالتطوع للمشاركة في أعمال الإنقاذ والمساعدة الاجتماعية. ويشار هنا إلى أن مرسوم الدفاع المدني الصادر في 1961 كان يسمح بتدريب إطفائيين اختياريين وتدريب أطباء ومراقبين صحيين وممرضين وإعدادهم للمساهمة في نشاط الدفاع المدني وتدريب متطوعين للعمل في مراكز الإسعافات الأولية وتعميم التدريب على فرق الإسعافات الأولية في الصليب الأحمر والجمعيات وتعميم التدريب على الدفاع المدني في المدارس الخاصة والرسمية والنوادي الكشفية والرياضية والشبابية ووجوب تقديم موظفي مختلف الوزارات للتدريب على الدفاع المدني. هذا مع العلم أيضا أن المرسوم نفسه نصّ على وجوب تنظيم دورات سريعة لتدريب المواطنين في المدن والملحقات وتنظيمهم في أقسام الدفاع المدني في حالة الحرب. إلا أن شيئا من هذا لم تلحظه الخطة.

فضلا عن ذلك، خلتْ الخطة من تحديد شروط إعلان أهليّة الجمعيات بالقيام بأعمال الإنقاذ والمساعدة والشروط التي يقتضي توفرها لديها أو الالتزام بها. ومن أبرزها، توفر التخصص والموارد البشرية المدرّبة لديها، فضلا عن الالتزام بشرعة أخلاقيات معينة وتحديدا شرعة سلوكيات المنظمات العاملة في مجال الإغاثة والتي كانت بادرتْ الى وضعها ستّ جمعيات عالمية كبرى مع الصليب الأحمر والهلال الأحمر والتزمتْ بها مذاك مئات المنظمات الدولية. ومن المهمّ بمكان هنا التذكير بأهمّ بنود هذه الشّرعة وفي مقدّمتها “(1) أن الالتزام الانسانيّ يأتي أولا، ومن هنا وجوب الحؤول دون أي مظهر يوحي بوجود غايات حزبية أو سياسية؛ و(2) منح المساعدة على أساس الحاجة من دون أي تمييز؛ و(3) حيادية أعمال الإغاثة إزاء أي معتقد أو موقف سياسي أو ديني؛ و(4) الامتناع عن التصرف كأدوات لأعمال سياسة حكومات أجنبية؛ و(5) احترام الثقافة والتقاليد؛ و(6) العمل على إشراك المستفيدين من أعمال الإغاثة في إدارتها، مما يسهم في إنجاح هذه الأعمال واستمراريتها فضلا عن إنجاح برامج إعادة التأهيل؛ و(7) الخضوع للمساءلة والمحاسبة من قبل المستفيدين من المساعدات وأيضا من قبل الجهات المانحة؛ و(8) إظهار “نديّة” الضحايا كشريك في أعمال الإغاثة بما يراعي كرامتهم الانسانية ويضيئ على ما لديهم من طاقات وقدرة على الصمود، وليس فقط على ما يعانون منه من مخاوف ووهن على نحو يظهرهم كأشياء يعتمرها اليأس (hopeless objects). 

وبفعل هذه الثغرة، تتواتر المعلومات اليوم على انخراط قوى سياسيّة حزبيّة في أعمال استقبال النازحين تحت شعارات حزبية مما يتناقض جذريا مع هذه السلوكيات ويهدّد بحصول تمييز واستغلال سياسيّ لأعمال التضامن والإغاثة. 

ثالثا، ممارسة السلطة العامة لتوفير احتياجات الخطة  

فضلا عمّا تقدم، خلتْ الخطة تماما من أيّ إشارة إلى وجوب إعلان حالة التأهب الكلّي أو الجزئيّ أو التعبئة العامّة أو الطوارئ، على نحو يخول الدّولة من ممارسة السلطة العامة في تأمين الموارد التي قد تحتاج إليها في أعمال الإنقاذ والإسعاف والمساعدة. ولإدراك أهميّة الثغرة هنا، نذكّر بالصلاحيات التي بإمكان مجلس الوزراء اتخاذها في حالة التأهب الكلي أو الجزئي أو التعبئة العامة وفق قانون الدفاع الوطني وهي تحديدا (1) فرض الرقابة على مصادر الطاقة وتنظيم توزيعها، (2) فرض الرقابة على المواد الأولية والإنتاج الصناعي والمواد التموينية وتنظيم استيرادها وخزنها وتصديرها وتوزيعها، و(3) تنظيم ومراقبة النقل والانتقال والمواصلات والاتصالات و(4) مصادرة الأشخاص والأموال وفرض الخدمات على الأشخاص المعنويين والحقيقيين. وإنه من المفيد منح الحكومة هذه الصلاحيات من أجل ضمان اشتراك القطاع الخاص في عملية التضامن والتعاضد الوطنيين، بالتفاوض أو ضمن خطة ملزمة، كأن تضع المدارس الخاصة فضاءاتها في تصرف التعليم الرسمي لأبناء المهجّرين، أو أن تتم مصادرة المحروقات في مخازن الشركات الخاصة أو القمح لدى المطاحن وفق الأصول المحددة قانونا… إلخ.  

في الاتجاه نفسه، يمنح قانون المصادرة الصادر في 20 تشرين الأول 2003 وزير الدفاع بمصادرة أو تملك الأموال المنقولة أو العقارات كما سمح لمجلس الوزراء مصادرة المحروقات ووسائل النقل واليد العاملة الضرورية لذلك والأفران ومحطات إنتاج وتوزيع الكهرباء والمستشفيات ومصالح المياه والاتصالات وجميع المواد الغذائية. إلا أن تطبيق القانون لا يجوز هنا أيضا إلا في حال إعلان الطوارئ وهو أمر لم تتضمن الخطة أي توجّه بشأنه. 

خلاصة: 

رغم طول الوقت الذي استغرقته حرب غزة وما حملته من مخاطر توسع للعدوان إلى لبنان، لم تنجح الحكومة في التخطيط بنجاح تحسبا للحرب، مما يجعلنا مرة أخرى فريسة للارتجال والترقيع. يؤمل أن تستدرك الجهات الحكومية النقص الحاصل في اتجاه تحديث الخطة وتحيينها، الآن وقد بات جزء كبير من الشعب اللبناني معنيا بما قد تحتويه. فلنراقب.    

للاطلاع على خطة الطوارىء الوطنية

انشر المقال



متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، العدوان الإسرائيلي 2024



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني