يعدّ حامد (اسم مستعار) رزمة من آلاف الليرات السورية يحملها بين كفّيه الصغيرتين، يرفع رأسه ويقول للرجل الذي ناوله المال للتوّ “أنا بعرف إنه بيطلع لي مصاري أكتر من هيك بالـ 10 دولارات”. لا يأبه الرجل لكلام حامد، ينظر إليه باستخفاف ويطلب منه أن ينتظر شابًا سيأتي على درّاجته النارية ليقلّه إلى ضفة النهر الجنوبي الكبير في عكار، حيث الحدود اللبنانية السورية.
لا يملك ابن الـ 19 عامًا أوراقًا نظامية في لبنان، لذا عليه أن يدخل سوريا، وتحديدًا قريته في محافظة حمص تهريبًا، ليكون رقمًا بين 2000 سوري وسورية من نساء وشبّان ورجال وأطفال يقطعون الحدود يوميًا من الجهتين بطريقة غير نظامية بين لبنان وسوريا، 85% من بينهم يأتون من سوريا، وفق ما أكد أحد المهرّبين “المخضرمين” لـ “المفكرة”، “ع المعابر لي أنا بشتغل عليها مع مساعديني بيمرق باليوم نحو 700 شخص، 600 من سوريا و100 من لبنان”.
يبذل حامد جهدًا كبيرًا ليبدو قويًا أمام المهرّب الذي باشر استغلاله من سعر صرف الدولار. يعبر الحدود وحيدًا، ويحاول أن يُلمّ بمخاطر ما يفعل بحذر، فيسأل عن تفاصيل رحلته التي أخبره ابن بلدته عن بعض ما قد تشهده “مرة تخانق المهربين مع بعضهم وتبادلوا ضرب القنابل على الحدود بس رفيقي ما صار له شي”، يقول لـ “المفكرة”. يقصد حامد سوريا لكي يؤجّل خدمة العلم، بانتظار أن تنجح مساعي عائلته في تسفيره إلى أوروبا.
ليس التنقّل بطريقة غير نظامية عبر الحدود اللبنانية السورية نزهة، ولا هو عبور آمن ينتهي فقط بدفع مبالغ يتراوح بين 30 و150 دولارًا للشخص من الجهتين (وفق ما أكّده مهرّبون ومواطنون سوريون لـ “المفكرة”) بل هو أقرب إلى مخاطرة تنتهي أحيانًا ليس فقط بخطف رهائن من العابرين مقابل فدية تتراوح بين 5 آلاف و20 ألف دولار (حسب الحال المادية لعائلة المخطوف) وباعتداءات جنسية على بعض النساء السوريات، أو دفعهنّ إلى تقديم خدمة جنسية مقابل التهريب، وكذلك سلب العابرين مقتنياتهم الثمينة ومصاغًا للنساء، بل أيضًا بالقتل خلال مواجهات تحصل بين المهرّبين المتنافسين الغارقين في مشاكل مالية مستمرّة بين بعضهم البعض. ويحصل أيضًا أن يشي المهرّبون أنفسهم للأجهزة الأمنية بمجموعة أشخاص يهرّبونهم بعد الطلب إليهم البقاء في مكان محدد سواء في مستودع أو في الطبيعة في محاولة للالتفاف على حواجز الجيش سيرًا، فتقبض عليهم القوى الأمنية وتضعهم على الحدود السورية، فيعاود المهرّبون استغلالهم لتهريبهم ثانية، أو بالاتفاق مع مهرّبين آخرين، مقابل مبالغ إضافية. والتنقل تهريبًا بدأ بوتيرة قوية مع قرارات الدولة اللبنانية في 2016 التي تشدّدت في شروط دخول السوريين إلى لبنان، وبلغ ذروته في 2018 مع نشاط مراكب الهجرة غير النظامية انطلاقًا من بحر لبنان. كلّ ذلك رصدته “المفكرة” من المعاينة الميدانية وشهادات مهرّبين وعابري حدود سوريين وأشخاص يساهمون في حلّ الخلافات الناجمة عن التهريب، وشهود على ما يحصل.
خلافات المهرّبين تودي بحياة عابري الحدود
وقعت آخر حوادث القتل قبل أشهر قليلة خلال نقل أحد المهرّبين 82 شخصًا من سوريا إلى لبنان إثر إطلاق نار على “بيك آب” كان يقلّهم وقتلت فيه امرأة سورية (21 عامًا). ويروي شاهد عيان لـ “المفكرة” أنّه لدى وصول الـ “بيك آب” وفيه الركاب إلى بلدة المونّسة في جبل أكروم، وتحديدًا بعد قطع منطقة الرويمة الفاصلة بين جرود الهرمل وعكار، لحقت به عصابة تشليح قوامها شبّان مسلّحون في حافلة صغيرة (فان)، ترافقها سيارة جيب بلا نمرة. حاولت العصابة وقف الـ “بيك آب” ولكن سائقه ناوَرهم ولم يتوقف. فأطلق أفراد العصابة النار عليه وأصابوا امرأة في رأسها وأردُوها على الفور في حضن والدتها. وتبيّن أنّ المهاجمين والمهرّبين هم من أكبر عشيرتين في وادي خالد. رمى سائق الـ “بيك آب” جثة المرأة السورية في أحد الأحراج وأكمل سيره نحو الوادي. وقد أصيبت في الحادث امرأة أخرى في يدها. انتهى الإشكال بتصالح العشيرتين، ودفع المعتدين 5000 دولار بدل تصليح الـ “بيك آب”، ولم ترفع عائلة المرأة السورية دعوى قضائية ولم تستلم جثتها التي دُفنت في أحد مقابر الوادي، وما زال مرتكبو الجرم في السجن، ولكن سَجنهم لن يطول في ظل تصالح العشيرتين وعدم وجود دعوى حق شخصي.
وتُبيّن الوقائع أنّ ما يحصل خلال التهريب الحدودي هو حلقة أولى في مخاطر يعيشها عدد لا يستهان به من السوريين ضمن سلسلة تشكّل مراحل الهجرة غير النظامية نحو أوروبا، تبدأ كلفتها من 6400 دولار للوصول إلى إيطاليا عبر ليبيا، و8000 دولار إلى ألمانيا، وهذا لا يعني أنّ 2000 شخص يتنقّلون يوميًا على الحدود يخططون جميعهم للهجرة. فالتهريب وحده كما يحصل اليوم، بغضّ النظر عن الهدف منه بالنسبة للضحايا، يمكن اعتباره إتجارًا بالأشخاص نظرًا لتطابق ممارسات بعض المهرّبين مع أركان جريمة الإتجار بالأشخاص، وعلى رأسها الخداع والاستغلال والإخفاء القسري. يذكر أنّ القانون اللبناني 164/2011 يعرّف جريمة الإتجار بالأشخاص بأنّها “اجتذاب شخص أو نقله أو استقباله أو احتجازه أو إيجاد مأوى له بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها، أو الاختطاف أو الخداع، أو استغلال السلطة أو استغلال حالة الضعف، أو إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا، أو استعمال هذه الوسائل على من له سلطة على شخص آخر بهدف استغلاله أو تسهيل استغلاله من الغير، ولا يُعتدّ بموافقة المجني عليه في حال استعمال أي من الوسائل المبينة”.
شيخ صلح شاهد على 30 حالة خطف سوريين في السنوات الـ 3 الأخيرة
وبالنسبة للخطف، يؤكد الشيخ أحمد أحد أعضاء لجنة الصلح التي عملت على حلّ إشكال المونّسة الذي ذهبت ضحيته الشابة السورية، حدوث الخطف بكثرة “أنا لحالي حلّيت أكثر من 30 إشكالًا يتعلق بدفع فدية مالية تراوح بين 5000 و20 ألف دولار، بس منقدر كتير أوقات نخفّض المبلغ، وأحيانًا بالمَونة، ممكن نخلّص مخطوف من دون دفع المال إذا كان لنا سلطة على الخاطف، أو نعرف أقارب له يؤثرون عليه”، يؤكد لـ “المفكرة”. وعلمت “المفكرة” أنّ بعض وجهاء المنطقة الحدودية يتدخّلون لحلّ هذه الجرائم بناء على طلب عائلات المخطوفين ويتوسّطون للإفراج عنهم، ومن بينهم الشيخ أحمد الشيخ، والشيخ هنا لقب عشائري يطلق على وجهاء العشائر في وادي خالد، وليس رجل دين. وينفي الشيخ أن يكون مهرّبو الأشخاص من وادي خالد يمارسون الخطف “يمكن شي واحد منهم بيعرف أنه أحد الأشخاص ممن يريدون دخول لبنان من سوريا أو العكس وضعه المادي جيد، فيخبر أحد المهرّبين بذلك، فيقوم الأخير بخطفه ويمنح الأول (أي من أرشده إلى العابر الميسور) إكرامية عندما يقبض الفدية”، يضيف.
ويؤكد الشيخ حصول خلافات حديثة (إشكالَان) ترتبط بتهريب الأشخاص بين أشخاص ينتمون إلى إحدى كبرى عشائر الوادي، ولكن من جُبّين مختلفين في العشيرة، أدّت إلى سقوط قتيلين من الجبّ نفسه في إشكالين متعاقبين، ونتج عنها ترحيل بعض “البيوت” عن الوادي (أي عدد من العائلات) التي كان أفراد منها متواجدين خلال حصول الإشكال وأنّ لجنة الصلح تمكّنت من التوسّط لحصر الاتهام بعدد من الأشخاص (نحو 13 شخصًا). واضطرّت عشيرة المتّهمين بالتورّط في القتل إلى شقّ طريق خاص بها يربط أماكن تواجدها ببعضها البعض من دون المرور بمناطق الجب الآخر تجنّبًا لإراقة دم إضافي، فيما يتجنّب المتقاتلون من الجبّين التواجد في الأمكنة العامة نفسها لدى تجولهم.
مهرّب ثانٍ يؤكّد لـ “المفكرة” حصول خطف للأشخاص على الضفّتين السورية واللبنانية بهدف طلب الفدية التي تحدّث عنها الشيخ، وأنّ الخطف يحصل من مهرّبين سوريين ولبنانيين. وأشار أيضًا إلى تعرّض الأشخاص السوريين للتشليح من الجهتين السورية واللبنانية أيضًا “بيقشّطوهم شو معهم مصاري أو دهب أو أي أشياء أخرى لها قيمة مادية”. وهذا ما أكّدته سيدة سورية التقتها “المفكرة” على الحدود، وقالت إنّ ابنها وفّر من عمله لمدة عام 750 دولارًا اشترى فيها مصاغًا لعروسه، وأنّ أحد المهرّبين أقنعه أنّه سيتعرّض للتشليح على الضفة السورية، طالبًا منه أن يترك المصاغ معه ليعيده إلى أهله في لبنان وهكذا حصل: “بس ما شفنا الدهب ولا المهرّب”، تقول بحزن.
اعتداءات جنسية
ينفي الشيخ نفسه أن يكون قد ساهم في تحرير نساء خطفن على يد مهرّبين وتعرّضن للاعتداء الجنسي “لا عندهم شهامة ما عرفت باعتداءات، كنت أسأل النساء المحرّرات دائمًا إن تعرّضن لذلك وكنّ ينفين”. ولكن رجل صلح آخر يؤكد لـ “المفكرة” أنّه توسّط لتحرير شابة سورية من خاطفيها بعد دفع فدية 5000 دولار ليتبيّن بعدها أنّه تم الاعتداء عليها جنسيًا. ويروي الرجل: “خُطفت هذه الفتاة وهي مراهقة فيما كانت تتزوّج بالمراسلة، أي أنّ أمّ الشاب السوري قصدت سوريا وخطبتها لابنها الهارب من خدمة العلم، وعُقد قرانهما عبر الإنترنت. عمد المهرّب إلى خطف العروس وطلب فدية وتبيّن بعد تحريرها أنّها تعرّضت للاغتصاب، ممّا سبّب جلطة دماغية لوالد العريس أدّت إلى وفاته، فيما امتنع زوجها عن استقبالها”.
كلام رجل الصلح لا ينفيه مهرّب آخر ولكنّه يرفض وصفه بالاغتصاب أو الاعتداء “في رغبة من الطرفين، هي بتعرّض حالها أوقات”. وعند سؤاله كيف تفعل ذلك برضاها وهي أسيرة الخاطف أو تحت رحمة المهرّب؟ يقول: “بعض النسوان ما بيكون معهن مصاري وبيعرضو علاقة جنسية مقابل التهريب، بس بيكون برضاهن”. وعندما نسأله إن حصل هذا الأمر معه، يضحك خجلًا ويجيب “أكتر من عشر مرات، إنتو ما بتعرفو شو عم يصير ع الحدود”.
من هم عابرو الحدود تهريبًا؟
جزء كبير من مغادري سوريا تهريبًا يصبُون إلى الهجرة نحو أوروبا. يتحدّث مهرّب ثالث عن هؤلاء لـ “المفكرة”، معتبرًا أنّ منظّمي رحلات الهجرة غير النظامية طوّروا أساليب عملهم بعد حوادث الغرق المتكرّرة لمراكب الهجرة المبحرة من الشواطئ اللبنانية، وعدم وجود مراكب آمنة صالحة للهجرة في لبنان من جهة، وبسبب توقّف الرحلات البحرية حاليًا بسبب الطقس العاصف والتيارات البحرية الخطيرة. وعليه، تحوّل النشاط نحو ليبيا، إضافة إلى تركيا طبعًا. يدفع السوريون الراغبون في الهجرة إلى أوروبا كلفة التهريب إلى لبنان (مع مخاطره) وفي لبنان يقبض منهم المهرّب 1200 دولارًا ثمن تأشيرة الدخول إلى ليبيا، ومن ليبيا تكلّف الرحلة البحرية إلى إيطاليا 4600 دولار. أما إذا كانت وجهة المهاجر غير النظامي ألمانيا، وغالبية السوريين يرغبون في الوصول إلى ألمانيا، فعليه أن يدفع 8000 دولار، مؤكدًا أنّ المهاجر غير النظامي يغادر لبنان في هذه الحالة عبر المطار بعد حصوله على التأشيرة، أي بطريقة نظامية “وفيزة ليبيا سهلة”.
إضافة إلى المهاجرين، هناك الهاربون من خدمة العلم في سوريا، أو لأسباب أمنية، وهناك العائدون لتأجيل خدمة العلم أيضًا، ويضاف إليهم المقيمون في لبنان ولكنهم يعودون إلى سوريا لزيارة عائلاتهم ولأنّهم لا يملكون إقامات نظامية للتنقل عبر الحدود، أو لا يريدون دفع 100 دولار على الحدود السورية للسماح لهم بالدخول. واستجدّت مؤخرًا فئتان من عابري الحدود تهريبًا عمادهما الذين شملتهم العودة الطوعية وما زالوا مسجلين لدى الأمم المتحدة ويعودون لقبض مستحقاتهم شهريًا، وكذلك العائلات التي شرّدها زلزال 6 شباط 2023 وأصبحت بلا مأوى وأفرادها “جوعانين وعريانين وبردانين” كما يصفهم المهرّب نفسه.
حلقة لا تنتهي من المستفيدين من التهريب
بين مكالمة هاتفية وأخرى، وكلّها لترتيب استكمال عملية تهريب زبائنه الكثر، يقول أحد المهرّبين لـ “المفكرة” “الناس على المعابر متل النمل، بتقولي ما ضلّ حدا بسوريا، كأنّه في مظاهرة على الحدود”. تبدأ حلقة المستفيدين من التهريب من السماسرة الذين يشكلون صلة الوصل بين الراغبين بقطع الحدود من الجهتين تهريبًا، وبين المهرّبين. وهؤلاء موجودون في بيروت ومناطق لبنانية أخرى، وكذلك على الجانب السوري. مع المهرّبين الرئيسيين الذين ينظّمون كامل العميلة، ويفوق عددهم المئات على الحدود، يشتغل مع كل مهرّب نحو خمسة إلى عشرة أشخاص من صغار المهرّبين الذين يُكلّفون بمهمات محددة من حيث المساحة ومرحلة التهريب “مثلًا إلى الحدود السورية اللبنانية من سوريا حيث يثبّت المهرّبون جسورًا هي عبارة عن سلالم خشبية أو من حبال فقط تربط ضفتي النهر الجنوبي الكبير، ومهرّب من الحدود إلى نقطة التلاقي، وآخر يقطع بالهاربين حواجز الجيش إلى العبودية أو القبيات أو غيرها من البلدات المحيطة بالحدود، ورابع ينقلهم إلى ما بعد منطقة العبدة. ويعتبر اتصال هذا الشخص عندما يقول “مشي الحال” أن عملية التهريب قد نجحت. يقابل هؤلاء في لبنان مثلهم على الضفة السورية، وهناك مستفيدون من أمن الحدود على الجهتين “اليوم العسكري كمان جوعان مش بس الناس العادية، عم ناكل ونطعميه”.
مع المهرّبين ورجال أمن الحدود الذين يعيل كلّ منهم عائلة واحدة على الأقل، هناك أصحاب الأرض على الضفتين “هودي بياخدوا ع الراس ما قيمته نحو 20 ألف ليرة لبنانية ويومية الواحد منهم لا تقلّ عن 14 مليون ليرة لبنانية “يعني ما بيعمل شي بس بيعدّ روس وبيقبض، لا بيزرع ولا بيتعب ولا بيخاطر بس بيقبض”، ورصدت “المفكرة” أحدهم يجلس على صخرة في أرضه على ضفة النهر الكبير بانتظار دفعة من العابرين تهريبًا، وبالقرب منه خمسة فتية، هم الحمّالون الذين يشتغلون في مساعدة الأشخاص بحمل أمتعتهم أو أطفالهم مقابل إكرامية. وكذلك الأمر مع أصحاب المستودعات أو المحلات الكبيرة التي يجمعون فيها عابري الحدود، وهؤلاء (أصحاب المستودعات) يقبضون 50 ألف ليرة لبنانية عن كل “راس” ريثما يُنقلون إلى الأماكن التي يقصدونها.
مع هؤلاء يأتي أصحاب الدراجات النارية وجلّهم من الشبّان الذين كانوا عاطلين عن العمل وصاروا منتجين اليوم، وعددهم بالمئات على الجانبين، وتبلغ أجرة النقل على الدراجة النارية 500 ألف من ضفة النهر الكبير إلى ما بعد حاجز الجيش في شدرا، كونه يعبر في دروب ترابية وسط مخاطرة أمنية، ولا تقلّ يومية صاحب الدرّاجة الذي يعمل مع أكثر من مهرّب عن 10 ملايين ليرة يوميًا. وهناك أكثر من مئة “فان” يعمل على خط النقل الخاص بالتهريب، مئة على كلّ من الضفتين على الأقل. ومعهم أصحاب المحلات من مطاعم (سناك) ودكاكين والأهم صرّافين. وهناك أيضًا محلات تصليح الفانات والدواليب وتغيير الزيت والكهربجي، كلّها محلات عاينتها “المفكرة” في نقاط نشاط التهريب، وفيها حركة اقتصادية ناشطة. يضاف إلى كلّ هؤلاء مزّورو الأوراق لمن لا يملكونها من السوريين “في ناس بتأمّن لي الإقامة بعشرة دولار”، يقول المهرّب، فيما يبيعها للسوريين ممّن لا يملكون أوراقًا بـ 20 دولارًا، وفق ما يقول، وهو ما نفاه شاب سوري مؤكدًا أنّ ثمن الأوراق المزوّرة لا يقلّ عن 100 دولار.
من مكالمة هاتفية إلى أخرى، يبدو المهرّبون في نقاط التهريب ونشاطه مرتاحين غير متوجّسين في حركتهم. هناك تسمع مكالمات هاتفية تتعلّق بالتهريب: هنا مهرّب يناقش مهرّبًا آخر بصوت عالٍ مسألة خطفه لشخص سوري، وهناك مهرّب يسائل صاحب “فان” عن صحة ادعاء شاب سوري بأنّه سلبه ماله، فيما يوصي آخر، فتاةً سورية بسؤال سائق “فان” عن كلمة السر قبل أن تصعد معه لينقلها إلى الحدود “انتبهي تأكدي إنّه هو، أحسن ما حدا يخطفك”…
نعم نحن في لبنان، في زمن الانهيار فعليًا، انهيار كل شيء.