خطاب تكليف رئيس حكومة الوحدة الوطنية: بواكير النظام الرئاسي؟


2016-08-08    |   

خطاب تكليف رئيس حكومة الوحدة الوطنية: بواكير النظام الرئاسي؟

انتهت جلسات الحوار التي قادتها رئاسة الجمهورية لتشكيل حكومة اصطلح على تسميتها بحكومة الوحدة الوطنية. وقد شارك في الحوار النقابات المهنية الأكثر نفوذا والأحزاب السياسية، وانتهى في 03-08-2016 إلى تكليف السيد يوسف الشاهد بتشكيل الحكومة التونسية الثانية في ظل دستور الجمهورية الثانية. استند قرار التكليف إلى قرار مجلس نواب الشعب التونسي بجلسة يوم 30-07-2016 برفض تجديد الثقة في حكومة السيد الحبيب الصيد. وإذ بدا في بعده الشكلي ملتزماً بنصّ الدستور، فإن النظر في البعد  السياسي لتدخّل رئيس الجمهورية في إدارة الشأن الحكومي يؤشر إلى تطوّر هام في النظام السياسي التونسي قد  تؤول مخارجه المحتملة الى الاطاحة بالدستور الذي استند إليه.

رئيس الجمهورية حرّ في اختيار رئيس الحكومة في حال حجب الثقة
أكد رئيس الجمهورية باجي قايد السبسي بمناسبة إعلانه الدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية أن حكومة الصيد فشلت الى حدّ ما في فرض سلطة القانون. كما حرص رئيس الجمهورية في صياغته لتصوره لتشكيل الحكومة البديلة على التأكيد على ضرورة مشاركة القوى النقابية الفاعلة في تشكيلها. وقد ربط بشكل واضح بين تشخيص الفشل وشروط النجاح في تجاوزه من جهة والأداء الحكومي والتحركات الاجتماعية والنقابية الاحتجاجية من جهة أخرى. وقد فرض قبول النقابات المهنية وأهم الأحزاب السياسية بالمشاركة في حوارات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية على الصيد التوجه لنواب الشعب ليطلب موقفهم من تجديد الثقة في حكومته. لم يكن مآل الحكومة التي فقدت الإسناد السياسي خافيا على رئيسها الذي حرص في اختياره هذا على تأكيد الطبيعة شبه البرلمانية للنظام السياسي التونسي. وقد أدى في المقابل رفض المجلس التشريعي تجديد الثقة في الحكومة لفتح المجال لأن يكون رئيس الجمهورية هو من يحدد المكلف بالتشكيل الحكومي بشكل يبرز الطابع شبه الرئاسي للنظام السياسي التونسي.
فالفصل 89 من الدستور التونسي يفرض على رئيس الجمهورية ان يسند في أجل أسبوع من الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات، لمرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي المتحصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب تكليفا بتكوين الحكومة. ويخضع الفصل 100 من الدستور سد الشغور في منصب رئاسة الحكومة في غير صورتي الاستقالة وسحب الثقة لذات القاعدة. وعملا بهاتين المادتين، تخضع الحكومة مبدئيا على مستوى رئاستها لنتائج الانتخابات التشريعية. بالمقابل، تسند الفصول 89  و98  و99 من الدستور حقّا لرئيس الجمهورية في اختيار الشخص الأقدر على تشكيل الحكومة في صور استقالة الحكومة أو سحب الثقة منها أو فشل من كلف بتشكيلها في المهمة المسندة له أو في نيل ثقة المجلس التشريعي. سمح الدستور في هذه الحالات لرئيس الجمهورية بانتقاء من يقترح لرئاسة الحكومة. وتلاءم الإختيار في لونه السياسي مع اختيارات الكتلة البرلمانية الأكبر بمجلس نواب الشعب أي كتلة حزب حركة النهضة التي لا تسعى للمنافسة على منصب رئاسة الجمهورية بعد الصعوبات التي واجهتها عند تسلمها الحكم خلال المرحلة الانتقالية.
بدا بالتالي اختيار رئيس الجمهورية لرئيس الحكومة المكلف دستوريا في سنده متجانسا في توجهاته مع اختيارات الأغلبية النيابية. إلا أن ممارسة رئيس الجمهورية لصلاحياته أشّر إلى تحوّل في النظام السياسي التونسي قد يعجل بالتنقيح الدستوري في اتجاه فرض النظام الرئاسي الذي لم يخف رئيس الجمهورية اعجابه به واعتقاده أنه الأكثر ملاءمة لتونس.

تكريس وحدة السلطة التنفيذية تحت أمرة رئيس الجمهورية؟
فرض رئيس الجمهورية على شركائه في مشاورات تشكيل الحكومة الوطنية شخصية من اختياره تداولت الأوساط الإعلامية أنها على علاقة قرابة دموية به. وأكد هذا الاختيار الذي لم يخضع لمشاورات سابقة توجه مؤسسة رئاسة الجمهورية للهيمنة على السلطة التنفيذية. ويؤدّي تدخّل رئيس الجمهورية في إنهاء مدة الحكومة الأولى وفي تحديد شخص رئيس الحكومة الثانية إلى تغليب كفة رئيس الجمهورية واستتباع رئاسة الوزراء، بعيداً عن التصور الدستوري للتوازن بين هاتين المؤسستين.
وتظهر مساندة حزب حركة النهضة التي كانت تمسكت عند صياغة الدستور بالنظام البرلماني لهذا المسار تطورا هاما قد يسهل لاحقا لرئيس الجمهورية اقتراح تعديل الدستور في اتجاه تأكيد النظام الرئاسي كنظام للحكم في الجمهورية الثانية.
وهذا الأمر إنما يؤكد القول بأن تشكيل الحكومة الثانية في الجمهورية الثانية وإن كان دستوريا في نصه، إلا أنه يصنع في مسار تحققه وفي النتائج المترتبة عنه سابقة دستورية تمس من تصور الدستور للسلطة التنفيذية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني