ختان الإناث في مصر: القانون يشدد والقضاء يوقف التنفيذ


2017-01-19    |   

ختان الإناث في مصر: القانون يشدد والقضاء يوقف التنفيذ

أصدرت محكمة جنايات السويس فى شهر ديسمبر 2016 حكماً بالحبس سنة وغرامة خمسة آلاف جنيه على طبيبة أجرت عملية ختان لفتاة أفضت إلى وفاتها. كما قضت المحكمة ذاتها بحبس طبيب التخدير ووالدة المجني عليها لمدة سنة مع إيقاف التنفيذ وغرامة خمسة آلاف جنيه. وحكمت على الممرضة بالحبس خمس سنوات غيابياً.

أولاً: وقائع القضية

ترجع وقائع القضية إلى شهر مايو 2016، حيث قامت طبيبة في إحدى المستشفيات الخاصة بمدينة السويس بإجراء عملية ختان للطالبة ميار محمد (17 عاماً) أفضت إلى وفاتها. وجهت النيابة الإتهام إلى الطبيبة التي أجرت العملية وطبيب التخدير (مفرج عنه بكفالة مالية) ووالدة المجنى عليها (محبوسة على ذمة القضية) والممرضة التي شاركت في إجراء العملية (هاربة) بالقتل الخطأ وإحداث جرح عمدي أفضى إلى وفاة الفتاة عن طريق إجراء عملية ختان إناث بالمخالفة للقانون (مادتان.242 مكررا و236 من قانون العقوبات المصرى). كما أصدر محافظ السويس بتاريخ 26 مايو 2016 قراراً بغلق المستشفى الذي أجريت فيه العملية بالمخالفة لقانون العقوبات الذي يجرم إحداث جرح عمدي، ويشدد العقاب على كل من أحدث الجرح المعاقب عليه عن طريق إجراء ختان لأنثى.

وبعد هذه الواقعة، ارتفعت الأصوات مطالبة بتشديد عقاب ختان الإناث ليكون جناية. وهو ما استجاب له البرلمان بعد مناقشات عاصفة، طالب خلالها أحد نوابه في عبارات فجة بعدم تجريم ختان البنات. وقد وافق مجلس النواب على مشروع القانون في شهر أغسطس، وأصدر رئيس الجمهورية القانون المشدد للعقاب في شهر سبتمبر 2016.

جدير بالذكر أنه سبق لمحكمة إستئناف المنصورة في يناير 2015 أن قضت بإدانة طبيب والحكم عليه بالحبس لمدة سنتين بتهمة القتل الخطأ وتهمة إحداث جرح عمداً عن طريق ختان الأنثى، وثلاثة أشهر وغلق العيادة عن تهمة إجراء الختان، والحبس لمدة ثلاثة أشهر مع وقف تنفيذ العقوبة لوالد الطفلة سهير الباتع التي توفيت إثر عملية ختان أجريت لها في شهر يونيه 2013. وفي مارس 2016، حكم بالحبس ستة أشهر على طبيب أدين في عملية ختان أدت إلى إصابة الطفلة بنزيف حاد تسبب في وفاتها.

ثانياً: الموقف التشريعي من ختان الإناث

يجرم قانون العقوبات المصري منذ عام 1883 كل صور المساس بالسلامة البدنية للإنسان، سواء تمثل ذلك في صورة ضرب أو جرح أو إعطاء مواد ضارة. ولما صدر قانون العقوبات الحالي سنة 1937 ظل تجريم هذه الأفعال قائماً، وأضيفت إليه ظروفٌ مشددة مثل إفضاء الاعتداء إلى مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً أو إلى عاهة مستديمة يستحيل برؤها أو تفضي إلى الموت.

وعلى الرغم من أن الختان يشكل جرحاً يفضي، وفقا لرأى أهل الاختصاص، إلى عاهة مستديمة، وأحياناً قد يفضي إلى وفاة المجني عليها، إلا أن القضاء كان يعتبر واقعة وفاة الطفلة إثر عملية ختان جنحة قتل خطأ، لعدم وجود النص الصريح الذي يحظر ختان الإناث بسبب اختلاف آراء فقهاء الإسلام في جوازه أو عدم جوازه من وجهة النظر الدينية.

وفي سنة 1996، توفيت طفلتان أثناء إجراء عملية ختان لهما، فصدر قرار وزير الصحة رقم 261 لسنة 1996 بحظر إجراء عمليات الختان للإناث بجميع وحدات وزارة الصحة إلا في الحالات المرضية، وحظر إجراء عملية الختان بمعرفة غير الأطباء باعتبار ذلك جريمة طبقاً لقانون مزاولة مهنة الطبّ. وكان هذا القرار معيباً في صياغته لأنه، بطريقة ضمنية، اعتبر الختان من الأعمال الطبية المشروعة للأطباء دون غيرهم. ومع ذلك طعن البعض على هذا القرار أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، التي قضت بإلغاء قرار الحظر، لكن المحكمة الإدارية العليا ألغت حكم محكمة القضاء الإداري، مؤيدة بذلك قرار وزير الصحة بحظر الختان على غير الأطباء.

وفي سنة 2007 توفيت الطفلة بدور (13 سنة) أثناء عملية ختان في مدينة المنيا بجنوب مصر، فأصدر وزير الصحة قراراً جديداً برقم 271 لسنة 2007 يحظر على العاملين بالقطاع الطبي إجراء عملية الختان في أي مؤسسة صحية أو عيادة خاصة وكافة الأماكن الأخرى بما فيها مسكن المجنى عليها. ونصّ القرار على تطبيق العقوبات التأديبية والجنائية المنصوص عليها في قانون العقوبات على من يمارسون الختان.

وعند تعديل قانون الطفل بالقانون رقم 126 لسنة 2008، أُضيف نصّ المادة 242 مكرراً إلى قانون العقوبات ليشدد العقاب على الجرح العمدي إذا حدث عن “طريق إجراء ختان لأنثى”. وقد أخذنا على هذا النص في حينه أنه لم يتضمن تجريماً مباشراً لختان الفتيات بوصفه جريمة فى ذاته، وإنما اعتبره ظرفا مشددا لعقاب جريمة أخرى هي جريمة إحداث جرح عمداً. كما أنه أجاز الختان في حالة الضرورة طبقاً للمادة 61 من قانون العقوبات، وهو ما يفتح الباب للتحايل على النص بإدّعاء أن الختان كان ضرورياً لوقاية الأنثى من خطر جسيم على النفس، والضرورات تبيح المحظورات. كما أن النصّ المستحدث خيّر القاضي بين الحبس مدة لا تقلّ عن ثلاثة أشهر ولا تجاوز سنتين أو الغرامة من ألف إلى خمسة آلاف جنيه. وأخيراً، لم يشدّد النص الجديد عقاب العاملين بالقطاع الطبي إذا قاموا بعملية ختان أنثى. لكل ذلك، فإنّ النص الجديد جعل موقف المتهم أفضل مما كان عليه في غياب النص، لأن واقعة الختان الذي يؤدي إلى الوفاة كانت تشكل في صحيح القانون جناية جرح عمد أفضى إلى وفاة المجني عليها، وعقوبتها السجن المشدد من ثلاث إلى سبع سنوات، ويزاد حدها الأدنى بمقدار المثل إذا كانت المجني عليها طفلة دون الثامنة عشرة من عمرها. وقد قيل عن هذا النص في حينه أن الحكومة المصرية أصدرته كنوع من إبراء الذمة فقط أمام المجتمع الدولي[1].

وفي أثناء حكم الإخوان المسلمين، استغلّ ختان الإناث في الدعاية الانتخابية من قبل الإخوان والسلفيين، حيث أعلن حزب الحرية والعدالة في عام 2012 عن إجراء ختان الفتاة بمقابل رمزي هو 25 جنيه مصري  (دولار وربع) في محافظات صعيد مصر. وجرى تعليق لافتات بالشوارع لتشجيع المواطنين على ختان بناتهم.

لكن الدعوات المنادية بتشديد عقاب ختان الإناث لم تتوقف أثناء وبعد انتهاء فترة حكم الإخوان المسلمين، سواء من المنظمات الحقوقية أو من المجلس القومي لحقوق الإنسان. وبعد انعقاد جلسات مجلس النواب، تعالت صيحات المنظمات الحقوقية النسوية مطالبة مجلس النواب بتجريم ختان الإناث وتشديد العقاب عليه وتحويله من جنحة عقوبتها مخففة إلى جناية. وعلى الرغم من معارضة بعض النواب المطالبين بعدم التجريم للختان، كانت وفاة فتاة السويس في مايو 2016 نتيجة الختان بمثابة الشرارة التي أعادت الموضوع إلى واجهة الإهتمام الشعبي الذي استجابت له الحكومة، فتقدمت فى شهر أغسطس 2016 بمشروع قانون تغليظ عقوبات ختان الإناث، وافق عليه البرلمان، ليصدر رئيس الدولة القانون رقم 78 لسنة 2016 في شهر سبتمبر.

يحتوي القانون الجديد على مادتين هامتين

المادة الأولى، استبدلت بنص المادة 242 مكرراً من قانون العقوبات، نصا جديدا يعاقب بالسجن من خمس إلى سبع سنين من يقوم بإجراء عملية ختان الأنثى. وتكون العقوبة السجن المشدد إذا نشأ عن هذا الفعل عاهة مستديمة أو أفضى إلى الموت، وذلك كله مع مراعاة حكم المادة 61 من قانون العقوبات الخاصة بحالة الضرورة كمانع مسؤولية. كذلك عرف هذا النص المقصود بختان الأنثى المعاقب عليه بأنه: “كل إزالة لجزء أو كل لعضو تناسلي للأنثى بدون مبرر طبي”.

أما المادة الثانية فقد أضافت إلى قانون العقوبات نصا مستحدثا لأول مرة هو نص المادة 242 مكررا (أ)، التي تعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات من يصطحب الأنثى لإجراء عملية ختان إذا تمّ. ويطال هذا النصّ بالتجريم الأب أو الأم أو القريب الذى يقتاد الفتاة إلى من يقوم بعملية الختان. ونضيف إلى هذا أن قانون الطفل ينصّ على زيادة الحد الأدنى لعقوبة أي جريمة بمقدار المثل إذا وقعت من بالغ على طفل، وهو من لم يجاوز عمره ثماني عشرة سنة ميلادية.

ثالثاً: موقف القضاء من تجريم الختان

نشير بداية إلى أن ختان الإناث يشكل أشد أشكال العنف ضد المرأة والفتاة. وتخضع للختان حوالي 90% من فتيات مصر المسلمات والمسيحيات. وعلى الرغم من اتخاذ الفعاليات الدينية مواقف مناهضة صراحة لختان الإناث، سواء في ذلك القيادات الدينية الإسلامية أو المسيحية، إلا أنه لا يزال البعض يحاول إسناد هذه الممارسة العنيفة في حق المرأة إلى الإسلام، ليجد دعماً وتبريراً لمن يقومون بهذا السلوك من الأطباء وغيرهم، ولإكسابها شرعية زائفة وقبولاً لدى عامة الناس. ولا يعير هؤلاء اهتماماً لواقع أن ختان النساء عادة منتشرة في دول افريقية أخرى، فيما تغيب بشكل تام عن دول ذات تقاليد إسلامية مثل المملكة العربية السعودية ودول الخليج. كما أنه لا يعقل أن يكون غير المسلمين في مصر من الأقباط يمارسون سلوكاً عنيفاً فى حق الفتيات إتباعاً للإسلام.

ولا يزال بعض الأطباء يرون في ختان الإناث سلوكاً مشروعاً، على الرغم من تحذير نقابة الأطباء المصرية بمخالفة هذا الفعل للواجبات المهنية للطبيب وللقانون والأخلاقيات المهنية، وقيامها بتوقيع الجزاءات التأديبية على من تثبت إدانته من الأطباء. وهي جزاءات تبدأ من الإنذار والوقف عن ممارسة المهنة وإلغاء الترخيص أو شطب القيد في سجلات النقابة، بالإضافة إلى الغلق الإداري لعيادات الأطباء الذين يمارسون الختان.

ومع ذلك لا يزال ختان الإناث يمارس على نحو واسع خصوصاً في الأوساط الشعبية وجنوب مصر والمناطق الريفية. ويعتبر المجلس القومي لحقوق الإنسان أن ختان الإناث يعدّ من أبرز أساليب العنف ضد المرأة، ويعتبره انتقاصاً لكرامة المرأة وإنسانيتها. ويرى المجلس أنه على الرغم من الجهود المبذولة للحد من تلك الظاهرة، إلا أنه لا توجد مؤشرات توضح انخفاضها عن السنوات الماضية. وتواجه مصر في المحافل الدولية لحقوق الإنسان ملاحظات عديدة عند عرض تقاريرها الدورية عن حقوق المرأة في مصر، سواء من المجتمع المدني المصري أو المنظمات الدولية أو وفود الدول الأخرى.

وفي هذا الإطار يبرز دور القانون الجنائي باعتباره قانوناً يؤدي دوراً اجتماعياً لا يمكن تجاهله في حماية المرأة من كل صور العنف التي تمارس ضدها. صحيح أنّ ارتباط الختان بمفاهيم خاطئة مثل الطهارة والعفة والإلتزام بالأخلاق الحميدة والقيم الدينية من شأنه أن يلقي ظلالاً من الشك حول جدوى التجريم القانوني، وهو ما يصعب مهمة الداعين إلى الإصلاح والمدافعين عن حقوق المرأة فى مصر، مهما بلغت شدة العقوبات المقررة في حق من يمارسون الختان وأسرة المجني عليها. ومن المسلم به كذلك أن قانون العقوبات ليس هو العصا السحرية القادرة على لجم كل ظاهرة إجرامية، فالقانون لا يستطيع وحده تغيير السلوكيات الخاطئة، لأنه لا يغير العادات والتقاليد بالعقوبة.

لكن يظل الردع العام هدفاً للعقوبة يمكن للتهديد به أن يصرف بعض الأشخاص عن التفكير في ممارسة هذه العادة الخاطئة. كما أن الردع الخاص بالنسبة لمن أقدم على هذا السلوك مرة يغلب أن يتحقق عن طريق الحكم بالعقوبة المنصوص عليها قانوناً وضمان تنفيذها. وبدهي أنه إذا أمن المخالفون شر العقوبة، ووجدوا الأحكام القضائية في الحالات القليلة التي تعرض على المحاكم تصدر بالبراءة أو بوقف تنفيذ العقوبة، فإن دور القضاء لن يكون فعالاً في مواجهة ظاهرة ختان الإناث.

صحيح أن القاضي الجنائي يحكم وفقاً لاقتناعه الشخصي، لكنه لا ينبغي أن يحكم متأثراً بقناعاته الذاتية ومعتقداته الخاصة. فالقاضي يطبّق القانون الذي يجرّم السلوك، ولو كان هو شخصياً لا يرى في هذا السلوك ما يستوجب العقاب أو أن القانون بتجريمه لسلوك ما قد جانب الصواب. فالقاضي يحكم بالقانون ويطبّقه ولا يحاكم القانون الواجب التطبيق على الواقعة المعروضة عليه. فإذا ثبت ارتكاب المتهم للسلوك المنسوب إليه ثبوتاً يقينياً بأدلة لا يتطرق إليها أدنى شك، وجبت الإدانة والحكم بالعقوبة المنصوص عليها، ولو كان القاضي يعتبر الختان للأنثى فرضاً دينياً أو التزاماً اجتماعياً لا يمكن تجاهله، أو كان يرى العقوبة المقررة غير متناسبة مع الفعل المرتكب. ويتطلب ذلك عقد دورات تدريبية لقضاة المحاكم الجنائية لتوعيتهم بأشكال العنف التي تمارس ضد المرأة وواجبهم في التصدي لها، عن طريق تطبيق النصوص التي تعاقب على أشكال العنف بالشدة اللازمة لصرف الأفراد عن القيام بالسلوكيات العنيفة التي تهدر الحقوق الإنسانية للمرأة، وليكون التطبيق للنصوص الجنائية التي تحمي المرأة من صور العنف أكثر فعالية.

وليس من شأن التزام القاضى بنص التجريم حرمانه من السلطة التقديرية المقررة له بنص المادة 17 من قانون العقوبات المصري فى مواد الجنايات، ومن وسائلها وقف تنفيذ العقوبة فى الحدود المقررة بنص المادة 55 عقوبات، والذى تعتبره المحكمة الدستورية العليا من أهم وسائل التفريد العقابي التى لا يجوز حرمان القاضى منها فى أي جريمة. لكن مساهمة القضاء فى مكافحة هذه الظاهرة الإجرامية تقتضى من القضاة الجنائيين عدم الإسراف فى اللجوء إلى وقف تنفيذ العقاب حين تثبت الإدانة ثبوتا يقينيا، وعندما تكون مخالفة القانون الذى يحظر السلوك قد أفضت إلى وفاة المجنى عليها. وقد لاحظنا من الأحكام القليلة التى عرضناها فى صدر المقال أن الأمر لا يصل إلى المحاكم إلا عند موت الضحية نتيجة الختان أو مضاعفاته، لذلك فندرة الأحكام لاترجع إلى قلة جرائم ختان البنات، وإنما سببها زيادة حجم الإجرام الخفي.

نشر هذا المقال في العدد 7 من مجلة المفكرة القانونية في تونس


[1] فتوح الشاذلي ، الحقوق الإنسانية للمرأة ،  الطبعة الأولى دار الجامعة الجديدة ، الإسكندرية 2010 ص.303؛ الطبعة الثانية 2016 ص.34 حيث ناشد الكاتب المشرع تصحيح النقائص المذكورة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، مصر ، مجلة تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني