ينحصر دور الدولة في مجال النقل المشترك في لبنان اليوم في “إصدار رخص القيادة وبيع اللوحات العموميّة وتحديد التعرفة”. وحتى تحديد التعرفة انتزعه اتحاد نقابات السائقين وعمّال النقل منها مع استمرار أزمة انخفاض سعر صرف الليرة، بعد أن عجزت وزارة الأشغال العامّة والنقل خلال عامّين من الأزمة في إصدار أي مرسوم تعرفة لبدل النقل. ولا تزال كلّ مركبة نقل مشترك في لبنان تغنّي على ليلاها، فلا السائقون ولا الركّاب ولا الدولة يعلمون ما هي التكلفة الحقيقية للتنقّل في لبنان. وكما عجزت وزارة الأشغال العامّة والنقل على مدى أكثر من ثلاثين عاماً عن تنفيذ خطّة نقل مشترك تغني المقيمين عن “الشمشطة” على الطرقات، أخفقت مؤخراً في تسيير 10 باصات هي جزء من 50 باصاً قدّمتها فرنسا للبنان، بعدما بقيت 6 أشهر تهيّئ لهذا المشروع، حيث لم تسر الباصات العشرة لأكثر من 33 يوماً.
كلّ ذلك ليس سوى نتيجة فشل أو تعمّد الفشل المتراكم منذ التسعينيّات في مجال النقل المشترك، حيث عملت السلطات على مدى أكثر من ثلاثين عاماً على دفع المقيمين إلى استخدام السيارات الخاصّة في تنقلاتهم بدلاً من تهيئة نظام نقل فعّال ومستدام وتشجيعهم على استخدام خدمة النقل المشترك. ومؤخرًا مع استفحال الأزمة الاقتصادية، أصبحت السيارات الخاصّة عبئاً لا تتحملّه سوى قلّة من الناس مع ارتفاع كلفة البنزين والصيانة في ظلّ غياب نقل مشترك منظّم ومتكامل ومنخفض التكلفة. ويستخدم السكّان النقل المتوفّر مرتفع التكلفة الذي يُديره مواطنون من دون تدخّل تنظيمي من الدولة. والخوض في هذا النقاش يأخذنا إلى نتيجة واحدة، هي أنّ الفشل وراءه شبكة مصالح لا تجد في النقل المشترك مربحاً لها.
ليس هذا التقديم سوى نبذة بسيطة عن تعاطي الدولة مع موضوع النقل المشترك في لبنان والذي عمل على توصيفه الباحث في مجال النقل في جامعة ليون – فرنسا والحائز على دكتوراه في التنظيم المدني د. علي الزين الذي قابلته “المفكرة القانونيّة” وأجرت معه حوارًا خرجت منه بتوصيف دقيق لأزمة النقل بدءاً من أسباب فشل القطاع، وشبكة المصالح المستفيدة من الفشل والتي تقف أيضًا وراءه. ويُشرّح الزين أساليب عرقلة السلطات السياسية لأي خطّة جديّة ترعى وجود نقل مشترك فعّال ومستدام وصولاً إلى تذليل العقبات ورسم معالم النقل المشترك الذي نحتاج إليه.
ما هو النقل المشترك – وماذا عن الحالة اللبنانية؟
ينطلق الزين في حديثه من التركيز على المصطلحات الهامّة لفتح النقاش حول “النقل المشترك” بقوله “عندما نقول نظام النقل، نقصد كل ما يتعلّق بالنقل من طرقات وإسفلت ونظام سير وعادات تنقّل وأوقات تنقّل وغيرها من الأمور ذات الصلة، وبالتالي فالنقل العام المشترك هو أحد ضلوع نظام النقل. والنقل المشترك موجود في لبنان كخدمة إنما غائب تنظيميًا”.
ويوضح الزين أنّ “النقل المشترك هو خدمة خاسرة، لا تؤمّن أرباحًا، وغالبًا تقوم الدول بدعمه. فإذا احتسبنا الكلفة التشغيلية للنقل العام بالمقارنة مع الإيرادات يظهر أنّ الكلفة التشغيلية دائمًا أعلى. ولكن بطبيعة الحال، فإنّ أرباح النقل تأتي على المدى الأبعد لأنّ وجوده يخدم كافة القطاعات ويخفّض استهلاك المحروقات من خلال خفض الاعتماد على السيارات الخاصّة بالإضافة إلى الحفاظ على الكتلة النقدية من العملات الصعبة في الداخل”. ويُضيف: “بشكل عام تدعم الدول بطاقة النقل لكل مواطن، حيث تدفع جزءًا منها وذلك بهدف تحفيز المواطن على استخدام النقل المشترك ومنحه سببًا للتخلّي عن سيارته”.
عادة ما ينشأ النقل المشترك سواء من خلال توكيل الدولة الخدمة لشركات القطاع الخاص أو من خلال الدولة بحد ذاتها حين تنشئ إدارة وتوظف سائقين عموميين لتأمين خدمة النقل. أمّا في الحالة اللبنانية فخدمة النقل يقدّمها أفراد أو شركات، ولا سلطة للدولة على النقل المشترك سوى في تحديد التعرفة، ومنح رخصة القيادة وبيع اللوحات العموميّة. ويوجد في لبنان حوالي 53 ألف مركبة متنوّعة من باصات وفانات وتاكسي ومركبات غير مرخّصة (مثل السيارات الخصوصيّة) تقدم خدمة النقل، وهي “غير منظّمة، وتقدّم الخدمة بشكل عشوائي بمنأى عن أي سياسات تنظيمية تشرف عليها الدولة، ويكون مالك وسيلة النقل هو سيّد نفسه، ويسير وفقاً لقواعده الخاصّة لا وفقاً للحاجة”، بحسب الزين.
ويلفت الزين إلى أنّ “معظم الدول نجحت في تأمين خدمة النقل المشترك عبر الشراكة مع القطاع الخاص، حيث تؤمّن الدولة الآليّات وتوكل القطاع الخاص تسييرها. أمّا الدولة اللبنانيّة فتركت المواطن والسائق يتصادمان بينما توقف هي تتفرّج”.
أسباب عرقلة خطط النقل
يُعدّد الزين الأسباب التي تقف وراء غياب نظام النقل في لبنان ومعه النقل المشترك المستدام، تبدأ من غياب القرار السياسي وبالتالي غياب التخطيط مرورًا بشبكة المصالح المستفيدة من غياب نظام النقل التي يعتبر عناصرها غالبًا من صنّاع القرار في الدولة، وصولًا إلى تقديم خدمة للنظام الطائفي لتعزيز استمراريّته.
شبكة المصالح:
يمكن فهم عناصر شبكة المصالح من خلال الحلقة التالية:
تقرّر الحكومة إنشاء طرقات وجسور وفتح أوتوسترادات فينتفع متعهّد الطريق ومعه المضاربون العقاريون الذين يستفيدون من تهجير السكّان ذوي الدخل المحدود من مناطقهم إلى مناطق في أطراف المدينة، فيستغلّ هذه الحالة المصرف الذي يبدأ بتشجيع الناس على أخذ قروض لشراء سيارة ومساكن فينتفع المصرف ومعه مستوردو السيارات والمحروقات. وهؤلاء جميعًا يشكّلون شبكة المصالح الرئيسية. هناك شبكة مصالح ثانوية تضمّ مستوردي قطع الغيار وأصحاب معارض السيارات المستعملة، من ثم الميكانيكي، ومالك شركة الباركميتر ومواقف السيارات، كما بورة كسر السيارات. وهي حلقة تدور فيها هذه الأطراف وتحافظ على ديمومتها طالما النقل المشترك غائب.
ويشير الزين إلى وجود مصرفيين ومتعهدين ومستوردي سيارات من بين أعضاء البرلمان اللبناني أو الحكومة، وهؤلاء لا مصلحة لهم في وجود نقل عام مشترك.
غياب القرار السياسي والتخطيط
شهدت فترة ما بعد الحرب اللبنانية أكلافًا هائلة أنفقتها الدولة على توسعة الطرقات وشق طرقات جديدة وبناء جسور فيما لم تُنفّذ أي مشروع للنقل المشترك. ومن ناحية ثانية، “تُوضح التجارب توجّه صنّاع القرار دائماً نحو الأسهل والأسرع. ففي مشروع إعادة الإعمار، كان الخيار الأكثر ربحًا للسلطة هو ترميم الطرقات وإنشاء الأوتوسترادات وتسهيل شراء السيارات والسماح للأفراد الانتقال بسياراتهم وذلك تعزيزًا للتنفيعات السريعة بدلًا من الذهاب إلى خطّة نقل تحتاج إلى أكثر من عشر سنوات لتنفيذها وهنا “التنفيعات” أصعب”، يشرح الزين.
ولو وجد القرار السياسي، فإنّ البيانات الديمغرافية غائبة وهي عقبة أساسية أمام تنفيذ أي خطّة نقل. إذ ينبغي قبل وضع أي خطّة تنفيذ استبيان حول عادات تنقل السكّان القصيرة والبعيدة، اليومية، والمقيّدة، الملزمة والميزانية كما سماع مطالبهم ورؤيتهم لأي مشروع نقل، وكيفيّة تغيّر هذه العادات بعد الأزمة الاقتصاديّة. ويوضح الزين أنّ فهم تنقّلات السكّان يمنح الدولة فكرة عن كيفيّة رسم خطوط الباصات، بدلًا من رسم خطوط بشكل اعتباطي أو لأسباب لا تمتّ إلى التخطيط بصلة مثلما حصل مع الخطوط التي سارت فيها الباصات الفرنسية لـ 33 يوماً. إذ تمّ اختيارها لتجنّب المشاكل مع السائقين العموميين لا سنداً لدراسة توضح أنّ هذه الخطوط أفضل من غيرها.
كذلك لا يوجد معطيات لدى الوزارة عن خطوط النقل التابعة للشركات الخاصّة، كما لا تعلم كلفة التنقّل التي يتكبّدها المواطن ولا بيانات لديها عن الطرقات في لبنان أيضًا. وجرت العادة أن تُصدر الوزارة مرسومًا لتحديد تعرفة النقل. لكن منذ نحو عامين، لم يصدرْ أيّ مرسوم فيما ترك الركّاب يتناحرون مع السائقين العموميين في غياب تعرفة ثابتة للنقل.
تعزيز النظام الطائفي
وغياب النقل المشترك يخدم النظام الطائفي فهو يعزز التفرقة بين المقيمين كلّ في “منطقته”. أمّا “النقل المشترك الرسمي فلا حواجز أمامه للدخول إلى المناطق، وفي النقل المشترك يلتقي الأفراد من خلفيات مختلفة وطبقات اجتماعية مختلفة. أي أنّ النقل المشترك جامع ويتجاوز الفرز الطائفي، وهو مثل المساحات العامّة التي تتعمد السلطات إغلاقها أمام المواطنين”. ويُشدّد على أنّ “التقاء المقيمين مع بعضهم البعض في الأماكن العامّة يكسر الحواجز التي تبنيها السلطة الطائفية، فبالتالي، النقل المشترك يقضي على فكرة الخوف من الآخر”.
فرص ضائعة لإنشاء نقل عام
يعتبر الزين أنّ لبنان أضاع فرصًا عدّة منذ انتهاء الحرب إلى اليوم، عدد من هذه الفرص هي دراسات تقنيّة كانت جاهزة للتنفيذ لكنّها تعرقلت بفعل غياب القرار السياسي. لكنّ الفرصة الأهم برأيه هي الأزمة الاقتصادية التي كانت لتتحوّل إلى فرصة لو وجد القرار السياسي.
يعدّد الزين أبرز الدراسات التي نفذت في مجال النقل المشترك والتي لم تطبّق جميعها، بدءًا من العام 1995 حين صدرت دراسة لإنشاء خط مترو في بيروت وخطّ للباصات، وحددت لها كلفة بقيمة 2.5 مليار دولار أميركي. ولم تنفذ هذه الخطّة على خلفيات طبقية مع العلم أنّ السبب المعلن هو سبب مادي. فحينها فضّلت الدولة عدم تحويل وسط بيروت إلى منطقة مشتركة طبقيًا وحصرها بطبقة معيّنة.
وفي العام 2004، بدأ النقاش حول الباصات السريعة BRT وتم تخصيص 50 مليار ليرة لشراء 250 حافلة لبيروت. وفي العام 2011، صدرت دراسة باصات عن وزارة الأشغال العامّة في عهد الوزير الأسبق غازي العريضي. لكنّها تعرقلت بفعل الخلافات السياسية بين رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة والعريضي. وبحسب الزين هي خطة جاهزة ويمكن تنفيذها في أي وقت.
ولاحقًا في العام 2012، نفذت شركة “إيجيس” بتمويل من البنك الأوروبي للتثمير دراسة لقطار بين بيروت وطرابلس بكلفة بلغت نحو 3 مليارات دولار للركاب والبضائع، ووضعت الدراسة مع كافة ملحقاتها وكان المطلوب تنفيذها فقط وهي قابلة للتنفيذ في أي وقت. وفي العام 2017، عاد الحديث عن الـ BRT مع دراسات نفذها البنك الدولي (القرض أُخذ رسميًا في 2019)، وهي عبارة عن خطّ باصات سريعة، دُرست لتنفيذها من بيروت إلى طبرجا ولاحقاً وصلها بطرابلس. وخصص لها 295 مليون دولار من البنك الدولي وتوقف هذا القرض وجرى الحديث عن احتمال تحويل المبلغ إلى البطاقة التمويلية.
الأزمة الاقتصادية: أهم الفرص الضائعة
يعتبر الزين أنّ الدولة خلال الأزمة الاقتصادية أضاعت فرصة إنشاء مشروع نقل مشترك مستدام ويوضح أنه في البداية لم تدعم المحروقات بل غطّت كلفة فارق العملة للتسهيل على الشركات المستوردة للمحروقات الدفع بالدولار. وبهذه الحالة قالت الدولة للمواطن: “لا حل سوى أن تستمر باستخدام سيارتك”. وهذا التصرّف برأيه “جهل وخبث” في الوقت نفسه، فـ “الدعم يجب أن يكون عبر تغطية كلفة وصول الخدمة للمواطن وليس دعم فارق سعر الدولار لتوفير الأرباح على الشركات كما حصل في لبنان”.
ويعتبر الزين أنّه “تم تبديد الأموال (على الدعم) ومعها الفرصة للبدء بخطّة نقل مشترك ومستدام”. فخلال الأزمة، اصطدم المواطنون بأزمة انقطاع المحروقات ما دفعهم إلى التفكير بأهميّة وجود نقل مشترك يُغنيهم عن تحكّم شركات استيراد المحروقات بتنقلّاتهم. فبحسب الزين إنّ “الاعتماد على السيارة الخاصّة في لبنان مفرط، وفي الحالات الطبيعية من الصعب إقناع المقيمين باستخدام النقل المشترك. لذا الأزمة كانت فرصة لجذب اهتمام الناس إلى النقل المشترك”. ومن جهة أخرى “كانت الأزمة الاقتصاديّة فرصة لجذب التمويل الخارجي والهبات، لأنّ طلب المساعدة خلال الأزمة تجعل فرص الحصول عليها أعلى”. وينتقد الزين قبول وزارة الأشغال العامّة بالباصات الفرنسية بينما كان بإمكانها الطلب من فرنسا مساعدتها في وضع حجر الأساس لتنفيذ خطّة نقل مشترك في لبنان، وإجراء استبيان لفهم أنماط تنقّل الناس. ففشل عمل الباصات الفرنسيّة كان مثالًا على افتقار الوزارة إلى الرؤية بعيدة المدى والتخطيط وليس فقط إلى القدرة على تشغيلها.
أي نظام نقل نُريد؟
يُشدد علي الزين على أنّ “أي طرح لحل مشكلة النقل المشترك في لبنان يحتاج إلى قرار سياسي، وبخاصّة أنّ لبنان لطالما اعتمد على الخارج لتنفيذ المشاريع، لذلك على الدولة اليوم أن تسوّق للقرار السياسي الجدّي حتّى ترغب الدول بتقديم المساعدة لنا”. ويُضيف: “علينا أن نبدأ بالسؤال عن أي نظام نقل نريد؟ وأن نتعلّم من إخفاقاتنا لا أن نراكم الخطأ كما حصل مع الباصات الفرنسية”.
كيف نعرف أي نظام نقل نحتاج؟ يجيب الزين مكرّرًا ضرورة إجراء استبيان حول أنماط تنقلات السكّان ووضع خطّة قابلة للتنفيذ. والاستبيان لا يُكلّف المال الكثير، وبالإمكان تنفيذه في فترة قصيرة. ويُعطي مثالاً عن العاصمة السنغالية التي أجرت استبياناً بمساعدة خبراء فرنسيين لم تتخط كلفته نصف مليون دولار وبدأت نتائج المسح بالصدور بعد ستّة أشهر.
ومن الضروري أن يكون لدينا هيئة ناظمة للنقل، هدفها تنفيذ الخطّة والإشراف على القطاع وتضمّ ممثلين عن كلّ الوزارات والجهات المعنية. ويشدّد على ضرورة أن تدرك الدولة أنّ وجود نقل مشترك ليس كافياً لاستخدامه، فعادة تقوم الدول بترغيب المقيمين في استخدامه عبر تخفيض سعر البطاقة كما إغلاق الطرقات في وجه السيارات الخاصّة.
أمّا من ناحيّة الضغوطات التي تُمارس من قبل نقابات النقل البري، يوضح أنّه “لو أرادت الدولة تنظيم النقل المشترك، فبإمكانها تنفيذ الأمر من دون الإضرار بمصالح الشركات الخاصّة والأفراد الّذين يقدمون خدمة النقل المشترك. إذ بإمكان الدولة وضع خطط تنظيمية مع القطاع الخاص حيث يُكمّل القطاع العام الخاص في هذا المجال”.
وبخصوص شبكة المصالح التي تعرقل تطوير نظام النقل في لبنان، فيشير الزين إلى أنّها “موجودة في جميع الأنظمة الرأسمالية، ومع اقتناعنا بضرورة إلغاء وجودها، إلّا أنّ هناك دولًا حافظت عليها وفي الوقت نفسه حافظت على مصالح المجتمع. ويُعطي مثالاً عن فرنسا التي أعفت شركة توتال من الضرائب وفي الوقت عينه قدّمت خدمة نقل مشترك فعّالة. أمّا في لبنان فالسلطات تنظر إلى الأمر من عين واحدة حيث غلّبت شبكة المصالح على حساب حرمان المجتمع من مصالحه”.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.