نشَر مُترشّحون محتمَلون للانتخابات الرئاسية المقبلة في تونس، مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، ندّدُوا فيها بحِرمانهم من الحصول على بطاقة السوابق العدلية (البطاقة عدد3). وكانت هيئة الانتخابات قد أضافت شرط استظهار المترشحين بالبطاقة المذكورة في قرارها المؤرخ في 4 جويلية 2024، الذي نَقَّحَت من خلاله قواعد وإجراءات الترشح للانتخابات الرئاسية.
تزامنا مع إغلاق باب الترشحات يوم 06 أوت الجاري، أعلنَ بعض المترشحين انسحابهم من المنافسة الانتخابية من بينهم نزار الشعري وكمال العكروت، وأشار آخرون إلى أنهم تقدّموا بملفات ترشحهم منقوصة من بطاقة السوابق العدلية، والاكتفاء بوَصل إيداع المطالب التي تقدموا بها لمصالح وزارة الداخلية.
قال أحمد النفاتي مدير الحملة الانتخابية للمترشّح المحتمَل للانتخابات الرئاسية عبد اللطيف المكّي للمفكرة القانونية: “منذ شهرَين قُمنَا بإيداع أربعة مطالب للبطاقة عدد 3 للمترشح المحتمل عبد اللطيف المكي، مطلبان ورقيّان لدى مركز الأمن، ومطلبان عن طريق الخدمة الإلكترونية عن بعد. ولكن إلى حدود إيداع ملف الترشح يوم الثلاثاء 06 أوت 2024 لم نتسلم البطاقة عدد 3، واضطررنا إلى إيداع الملف الذي يتضمن 14500 تزكية، بالاكتفاء بوصل طلب البطاقة عدد”.
وعَاد النفّاتي لشرح التعقيدات التي حَالت دون الحصول على بطاقة السوابق العدلية، قائلا: “قبل أكثر من أسبوع اتصَلَت مصالح وزارة الداخلية بالمترشّح عبد اللطيف المكي لتمكينه من البطاقة عدد3. ولكن الشرطة الفنية أعلمته بأن بطاقته جاهزة وعليه الاستظهار بشهادة نشر متعلقة بقضية جارية لم يصدر فيها حكم بات. وبعد تحصّل مُحاميه على شهادة النشر المطلوبة من وزارة العدل والاستظهار بها، تراجعوا وأعلموه مجددا أنهم في حاجة إلى استشارة أمنية وإن المصالح المركزية لوزارة الداخلية لم تُرسِل البطاقة عدد3”.
اعتبرَ مدير حملة المترشح المُحتمل عبد اللطيف المكي إن “هذا المسار يَصبّ في خانة الاستهداف السياسي للمترشحين الجديين، وستظل هذه القضايا المفتعلة نقطة سوداء في تاريخ المشهد الانتخابي في تونس”.
حجب البطاقة “عدد 3” منافٍ للأوامر والقرارات الإدارية
أمام الإدانة التي لقيَهَا قرار حجب بطاقة السوابق العدلية عن المترشحين، قالت وزارة الداخلية في بلاغ لها أنّ “كلّ من تقدّم بطلب في الحصول على بطاقة السوابق العدلية تم تمكينه منها، باستثناء من تعلّقت بهم قضايا جزائية أو كان محلّ تفتيش لفائدة العدالة والذين تمت دعوتهم إلى الاتصال بمختلف الوحدات الأمنية وتمكينهم من أعداد وتواريخ هذه القضايا قصد الإفادة بمآلاَتها ونتائجها، وذلك لتحيين سِجِلاّتهم العدلية المعتمدة أساسا في استخراج بطاقة السوابق العدلية، والتي لايُمكن من دونها إسداء هذه الخدمة”.
أوضَحَ القاضي الإداري السابق والناشط بالمجتمع المدني أحمد صواب للمفكرة القانونية أن حجب البطاقة عدد 3 مُنافيًا للأوامر والمناشير والقرارات الإدارية المعمول بها، مشيرا إلى نظام الاتصال والإرشاد الإداري “سِيكاد” الذي يُنظمه الأمر عدد 1880 لسنة 1993، والذي يُلزم الوزارات بضبط قائمة الخدمات الإدارية والإجراءات للحصول عليها، وعدم إخضاعها لإجراءات مغايرة، من ضمنها البطاقة عدد 3، التي يَنصّ قرار صادر عن وزارة الداخلية على أنّ مدة الحصول عليها لا تتجَاوَز 8 أيام بعد التقدّم بمطلب إلى مركز الشرطة أو الحرس الوطني مرجع النظر. ولم ينصّ هذا القرار في شروط الانتفاع بهذه الخدمة الأمنية على الاستظهار بشهائد نشر ومضامين أحكام مثلما طالبت بذلك مؤخرا مصالح وزارة الداخلية. كما ورد فيه بوضوح: “تَقوم إدارة الشرطة الفنية والعلمية أو المنطقة الجهوية للأمن الوطني بإعداد البطاقة وتسليمها للطالب”.
في السياق نفسه أشار أحمد صواب إلى دليل المواطن الخاص بنظام “سِيكَاد” الصادر في الرائد الرسمي عدد 55-56 بتاريخ 4 و8 جويلية 2016، والذي يؤكّد على آجال 8 أيام في إسناد بطاقة عدد 3، وإمكانية الحصول عليها عن طريق البريد السريع من خلال التقدّم بمطلب إلكتروني. ولم يُشِر دليل الانتفاع بالخدمة إلى وثائق إضافية من خارج المنصوص عليها في الدليل.
ذَكَّرَ مُحدثنا أيضا بقرار في مادة توقيف التنفيذ أصدرته المحكمة الإدارية، في 09 سبتمبر 2014، والذي أذنت فيه بتوقيف قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في الجانب المتعلق بوجوب الإدلاء ببطاقة السوابق العدلية. وقد علّلت المحكمة قرارها بـ”أن الإدلاء بنظير من بطاقة السوابق العدلية يبقى رهين سلطة الإدارة المختصة ويخرج بالتالي عن إرادة المترشّح، فإن إلزامه بإرفاق مطلب ترشحه للانتخابات الرئاسية بالبطاقة المذكورة قد يجعله في وضعية حرجة او مستحيلة”.
واعتبر صواب أن “إجراءات التضييق على البطاقة عدد 3 أصبح القصد السياسي منها مفضوحا، وتهدف إلى إقصاء مرشحين للانتخابات الرئاسية باستعمال أجهزة الدولة. وهذه الإجراءات تُبعدنا عن النظم القانونية الاستبدادية نحو النظم القانونية الفاشية”.
الحِرمَان من الترشّح مدَى الحياة
في ساعَة متأخّرة من مساء الاثنين 5 أوت 2024، وقبل يوم من غَلق باب الترشحات، أصدرَت الدّائرة الجناحية الصيفية بالمحكمة الابتدائية بتونس، أحكامًا بالسّجن تتراوح بين 8 أشهر وسَنة واحدة مع النفاذ العاجل في حق مترشحين محتمَلين للرئاسة، هذا بالإضافة إلى حرمانهم من الترشح مدى الحياة. وقد وجّهت لهم المحكمة تهمًا متعلقة بـ”افتعال التزكيات للانتخابات الرئاسية” و”تقديم عطايَا قصد التأثير على الناخب”.
قال العياشي الهمامي، مُحامي المترشح عبد اللطيف المكي، للمفكرة القانونية: “الدعوة أثارَتها النيابة العمومية آخر الأسبوع الفارط، وأحالَتها على فرقة الأبحاث الاقتصادية بالقرجاني. وعندما اتصَلت بنا الفرقة المذكورة كنا نعتقد أن الدعوى متعلقة بشبهات مالية، ولكن تبين أن الدعوى المثارة لها علاقة بالانتخابات والتزكيات. وهو ما جعلنا نستغرب لأن مثل هذه الدعاوى ليست من اختصاص فرقة الأبحاث الاقتصادية”.
وأضاف الهمامي: “تمَّ التحقيق مع عبد اللطيف المكي بناءً على شهادة أحد الأشخاص قال فيها إن المكي عَرضَ عليه بدلاً ماليا قيمته 100 د من أجل المساعدة في جمع التزكيات في مدينة سوسة. ولكن بعد المكافحة بينه وبين منوّبي تراجع بصفة مطلقة عن أقواله. وهو ما جعلنا نطمئن بداية الأمر إلى حفظ الملف والتهمة. ولكن تم تعيين جلسة يوم الاثنين 05 أوت، فطالبنا بتأجيلها لأننا لم نطلع على الملف ولا نعرف حتى طبيعة التهمة، وطالبنا بالإفراج عن الموقوفين في القضية. وهو ما وافقت عليه رئاسة الدائرة من خلال إقرار النظر في مطالب الإفراج والنظر في تحديد الجلسة القادمة. ولكن تفاجأنا كغيرنا بصدور تلك الأحكام عبر وسائل الإعلام”.
أشار العياشي الهمامي إلى أن التراجع عن قرار تأجيل الجلسة، والسرعة في اطّلاع المحكمة على الملف قبل اطلاع المحامين عليه، وقبلها سرعة إثارة الدعوى والإحالة على الفرقة الأمنية ثم وكالة الجهورية ثم الدائرة الجناحية، تُعتبر من الأمور النادرة في تاريخ القضاء التونسي.
وأضاف مُحدثنا بأن هذه الأحكام لا تُعتبَر باتة وقد قمنا باستئنافها، وهكذا فإنها لا تُعتبر شرطا إقصائيا للمترشجين في ظل عدم صدور حكم نهائي بالإدانة، وذلك وفقا لما نص عليه الفصل 161 من المرسوم عدد 55 لسنة 2022 المتعلق بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المُتعلق بالانتخابات والاستفتاء.
الاتّجاه نحو المحكمة الإدارية
من المنتظر أن تُعلِن هيئة الانتخابات يوم الأحد 11 أوت عن القائمة الأولية للمترشحين المقبولين لخوض الانتخابات الرئاسية. ومن المنتظر أيضا أن يتقدَّم العديد من المترشحين بطعون للمحكمة الإدارية، خصوصا أولئك الذين تم حرمانهم من الحصول على بطاقة السوابق العدلية.
في هذا السياق تقدّم حزب التيار الديمقراطي بدعوى في تجاوز السلطة -تحصلت المفكرة القانونية على نسخة منها- ضد هيئة الانتخابات للطعن في قرارها المتعلق بقواعد وإجراءات الترشح للانتخابات الرئاسية، مطالبا المحكمة الإدارية بإلغائه.
واعتبر نص الدعوى أن القرار المطعون فيه “مخالفا لقواعد الشرعية، متمثلة في الدستور والمعاهدات والقانون والمبادئ العامة والتراتيب ومشوبًا بغياب توفر الشروط القانوينة وبعيب الانحراف بالسلطة بما يبرر إلغاءه”.
كما أشار نص الدعوى إلى أن اقتضاء تقديم بطاقة السوابق العدلية من قبل هيئة الانتخابات تم إقراره في غياب أي موجب شرعي ومنطقي، واعتبره “مخالفا لقواعد الاختصاص، إذ تعمّدت الهيئة إدراج مقتضيات أكثر تضييقا من النصوص ذات المرتبة التشريعية من التي صدرت في سنتي 2022 و2023، حيث أنها لم تنص على إمكانية الاقتصار على الإدلاء بالوصل وجعلت من الشهادة الإدارية التي تمسكها وزارة الداخلية حاجزا حقيقيا أمام ممارسة حق الترشح”.