قدّمت المفكرة القانونية ومديرها التنفيذي المحامي نزار صاغية ضدّ شركة تلفزيون المر ش.م.ل وكلّا من الإعلاميين مارسيل غانم وجو معلوف شكوى مباشرة أمام محكمة المطبوعات على خلفية التعرّض غير المسبوق لهما ولعدد من المنظمات السياسيّّة والإعلاميّة والنقابيّة، فضلا عن التعرّض لعددٍ من نوّاب التغيير. نحاول هنا إطلاع الرأي العام على أهمّ ما تضمّنته هذه الشكوى.
أبعاد الشكوى
أوضحت المفكّرة في مستهل دعواها أبعادها. فهي لا ترمي فقط إلى معالجة تعدٍّ على كرامتها الشخصيّة أو كرامة مديرها، بل هي تهدف قبل كلّ شيء إلى مواجهة مخطّط تقودُه القناة للاستيلاء على الفضاء العام مع إقصاء أيّ صوتٍ معارض للمصالح التي تُدافع عنها، بل مع إلغائه بالكامل. وهو استيلاء يهمّها بالدرجة الأولى لفرض سرديّة جمعية المصارف بشأن الأزمة المالية والاقتصادية وتطلّعاتها، وهي سردية ما فتئت تستميت في الدفاع عنها في مواجهة كلّ من يعارضها، سواء كان قاضيا أو سياسيّا أو حقوقيّا أو إعلاميّا. لكنّه استيلاء يهدف أيضا إلى الهيمنة على الخطاب العامّ في مجالي الإصلاح الحكومي المنتظر والاستحقاقات الانتخابية القادمة. وهي تاليا دعوى تتجاوز بكثير حدود النزاع بين أطرافها، طالما أن من شأن الاستيلاء الذي تبتغيه القناة أن يقوّض النظام الديمقراطيّ في لبنان وأن يحرم جميع اللبنانيّين من حقّهم في الاطّلاع على التيارات الفكرية المتعدّدة وأن يجعلهم أكثر من أي وقت مضى ضحايا التعتيم والتضليل والهيمنة.
وقد رأت المفكرة أنه ليس أدلّ على خطورة المنحى الذي تسير فيه هذه القناة، من التهديد الذي تفوّه فيه أحد مقدّمي برامجها (جو معلوف) علنًا وجهارًا ومن دون أي حرج: “نهايتكم قريبة”، وذلك بعد بثّ مجموعة من التقارير والمعلومات الكاذبة والمضلّلة والتي صبّت كلّها في تصوير مجموعة واسعة من النوّاب والمؤسسات الإعلامية والحقوقية ومن بينها المفكرة القانونية ومديرها نزار صاغية وكأنهم يكوّنون عصابات أشرار (شبكة عنكبوتية) تبتغي تدمير الدولة واقتصادها ومصارفها تنفيذا لأجندات خارجية شيطانية. بمعنى أن القناة ورجالها عملوا باحترافية عالية على شيطنة المفكرة وسواها ممن يعارضون المصالح التي تدافع عنها إلى حدّ تجريد القيمين عليها والعاملين فيها من إنسانيتهم، فإذا تمّ ذلك انتقلوا بسرعة خيالية ومن دون تحفّظ إلى مستوى آخر من التخويف والتّرهيب والتهويل: التّهديد المباشر.
وعليه، رأت المفكرة أنه وتبعًا للخطورة الاستثنائيّة لهذه السلوكيّات والتي تهدّد بتحوّل وسائل الإعلام إلى أداة للتشبيح والترهيب وإلغاء الآخر وفي الغالب لمصلحة المتموّل والمعلن، فإنها تلجأ إلى محكمة المطبوعات بصفتها حامية للحقوق والحريات، مطالبة إياها بممارسة دورها في التصدي بقوة لهذه الانزلاقة صونا لحقوقها، ولكن أيضا وفي الآن نفسه منعا لتحوّل هذه الانزلاقة غير المسبوقة إلى ممارسة مقبولة. فلا بثّ الأخبار الملفّقة المخلة بالسلامة العامة مقبول ولا التّرهيب أو التّهويل أو التخويف أو التهديد مقبول ولا الشيطنة أو إلغاء الشخصية الفكرية لإعلاميين أو مدافعين حقوقيين وصولا إلى تجريدهم من إنسانيتهم مقبول، والتـأكيد على عدم مقبوليّة كلّ ما تقدّم هو حقيقة ما تهدف إليه دعواها التي أملت تسريع بتّها منعا لتفاقم الضرر والتعدي الذي ما يزال مستمرا ومتواصلا.
أخيراً، أكّدت المفكرة القانونية على أمرين من باب دحض الأكاذيب وقلب الحقائق الذي تنتهجه القناة:
الأول، إن تمويل المفكرة القانونية شفاف وغير مشروط ومدقق ومصرح عنه بالكامل للجهات الرسمية المختصة ومنشور على موقعها، وذلك منذ تأسيسها، معلنة عن استعدادها الكامل في تزويد المحكمة بأي معلومة تريدها في هذا الخصوص، وكذلك الأمر بشأن مداخيل مديرها التنفيذي المحامي نزار صاغية،
الثاني، أن تمويل القناة بالكامل يبقى سرّا من أسرار الدولة في مخالفة صريحة لأحكام قانون تنظيم المؤسسات الإعلامية. وليس أدلّ على ذلك من أنها لم تقدّم إلى وزارة الإعلام أيّ جردة استثمارية منذ عشر سنوات على الأقل، وذلك خلافا للمادة 42 من القانون رقم 328/1994 التي نصّت حرفيا أنّه على “على الشركة صاحبة الترخيص أن تقدّم كل ستة اشهر الى وزارة الاعلام حساب الاستثمار العائد للمؤسسة. لا يدخل في حساب الاستثمار إلا المبالغ أو الموارد التي تنتج عن ممارسة المؤسسة أنشطتها وفقا للمفهوم المهني والقانوني وعلى الوزارة المذكورة أن تتأكد مما ورد في الحساب كما عليها أن تتأكّد من موارد الإعلانات ومبيع الإنتاج الفني أو سواه عند الاقتضاء وذلك بجميع طرق التحقق بما في ذلك مراقبة سجلات الشركة صاحبة الترخيص وشركات الإعلانات..”. وهذا الأمر إنما يعني أن هذه الوسيلة التي تسمح لنفسها بإطلاق الاتهامات يمنة ويسرة مع علمها تمام العلم أنها كاذبة وملفقة، هي نفسها التي تبيح لنفسها التستر على ماليتها بشكل كامل تهربا من رقابة الدولة والرأي العام.
في الجرائم التي ادعت بها المفكرة ضد القناة وإعلامييها
على خلفية ما تقدم، ادعت المفكرة القانونية ومديرها التنفيذي بالجرائم الآتية:
في توفر عناصر جرم الذمّ:
في حملتها، نسبت القناة للمفكرة عددا كبيرا من الأمور تنال من شرفها وكرامتها، وهي:
- ارتكاب جرائم (تبييض أموال، عمالة، تكوين جمعية أشرار، ضرب الاقتصاد والنقد الوطنيين، الفساد …)، وكل ذلك من دون أي دليل بل على نحو يناقض الحقيقة قطعا،
- التشكيك في الاستقلالية، حيث أن هذه الصفة تشكل إحدى المزايا الأساسية لأي مؤسسة حقوقية أو إعلامية محترمة كما لأيّ محامٍ يجدر أن يوحي بالاحترام والثقة، وهذا ما يتحصل من الوقائع المشار إليها أعلاه حيث تم تصوير المفكرة على أنها بمثابة مرتزقة تخدم مصالح وأجندات من يمولها من دون أي استقلالية، كل ذلك بما يناقض الحقيقة قطعا،
- التخوين والطعن في الوطنية من خلال تصوير المفكرة وكأنها تنصاع لأجندات خارجية تعتمد سياسات تخريبية وتهدف إلى ضرب المؤسسات الوطنية المالية والاقتصادية والقضائية وتفكيك الدولة، وكأنها جزء من مشروع غربي غريب عن المجتمع ويناقض مصالحه. وقد ذهبت القناة إلى درجة اتهام المفكرة بغسل الأدمغة بحسب المصالح الخارجية و”بيع البلد عالبارد”، كل ذلك من دون أي دليل وعلى نحو يناقض الحقيقة قطعا،
- التشكيك والطعن في المصداقية التي هي إحدى المزايا الواجب توفرها لدى المفكرة لأداء مهامها الحقوقية. وقد برز ذلك بشكل خاص من خلال اتهمامها باستعمال شعار الإصلاح لاختراق مؤسسات الدولة وضربها ودعم كل ما يزعزع المؤسسات. وهذا ما عكسه قلب الصورة المنشورة من قبل المفكرة للتعبير عن ضرورة تحرير القضاء من قبضة السياسة، على نحو جعلها على العكس من ذلك صورة تظهر قبضة “المفكرة” الحمراء (لإيحاء بأنها يسارية) العاملة على تهديم الإصلاح،
- التشكيك في النزاهة المالية والنوايا غير الربحية، وهي أيضا من سمات الجمعيات الحقوقية، وذلك من خلال الإيحاء بأنها تتقاضى أموالا مشبوهة وطائلة من “كل الميلات” ليس لخدمة أهدافها وبناء مؤسستها إنما من أجل بناء فيلات وجمع الثروات، كل ذلك من دون أي دليل وعلى نحو يناقض الحقيقة قطعا، علمًا أنّ المفكرة تنشر ميزانيتها وتقارير التدقيق المالي السنوية للجمعية وتصرّح عنها للسلطات المعنية.
وتشكل كل هذه الأعمال نماذج صارخة عن سعي الجهة القناة للحطّ من قدر الجهة المفكرة والتشكيك في استقلاليتها ووطنيتها ومصداقيتها ونزاهتها المالية والنيل من شرفها وكرامتها أمام المجتمع.
جرم الخبر الكاذب وتعكير السلامة العامة
من البيّن أن القناة قد نشرت تواليا وبصورة متعمّدة أخبارا كاذبة بهدف الحطّ من قدر المفكرة، علما أنّ من شأن العديد من هذه الأخبار الكاذبة تعكير السلامة العامة. ويظهر ذلك خصوصا في الحالات الآتية:
- الزعم بأنّ المفكرة جنت لنفسها ملايين الدولارات وبنت “فيلات”، علما أنها قدرت المبالغ التي تلقتها المفكرة القانونية مع ميغافون ودرج ونقابة الصحافة البديلة السنة الأخيرة ب 32 مليون د.أ، وهو أمر كاذب قطعا،
- الحديث عن تلقيّ المفكرة الأموال عن طريق “شنط سوداء”،
- أنّ المفكرة تعمل مع المجموعات الأخرى على تفكيك مؤسّسات الدّولة ضمن شبكة عنكبوتية، ولها مخططات دولية أو أنها تنفذ أجندات خارجية،
إذ من البيّن أنّ هذه الأخبار الكاذبة التي بثّتها القناة خطيرة للغاية، وهي تهدف ليس فقط لتشويه سمعة المفكرة والنيل من مصداقيتها العلمية والقانونية والإعلامية، بل لترهيبها وتجريد المحامي صاغية ومجمل العاملين في المفكرة من إنسانيّتهم من خلال محاصرتهم بكل هذه النعوت مع ما يستتبعها من شيطنة وتخوين ومخاطر التعرض للعنف ولانتهاكات جسيمة من جراء ذلك.
في إعاقة ممارسة الحقوق المدنية من خلال الترهيب المعنوي
من البيّن أنّ جميع الأفعال المذكورة أعلاه تسعى للنّيل من المفكرة وتشويه سمعتها وترهيبها وترهيب العاملين فيها معنويا مجردة إياها من إمكانية التعبير عن رأيها ضمن بيئة آمنة تحترم الاختلاف وحرّية الرأي والتعبير، وهي من الحقوق المدنية المحميّة بموجب الدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية. وقد بلغت وسائل الإكراه أوجها مع تأكيد القناة أنها مستمرة في هجومها وتنكيلها بكرامات المنظمات المذكورة، وصولا إلى إطلاق الإعلامي معلوف تهديده بالقتل بقوله “نهايتكم قريبة”، وهو تهديد ينسجم بأية حال مع شيطنة المفكرة من ضمن شيطنة المنظمات كافة.
وإذ رأت المفكرة أن من شأن ممارسات كهذه أن تقمع شخصيتها الفكرية وأن تبث لدى العاملين فيها مشاعر الخوف والقلق والضعف الكفيلة بالحطّ من قدرهم وأن تقضي على إرادتهم في الدفاع عن أفكارهم، اعتبرت أن أفعال القناة تشكّل الجرم المنصوص عنه في المادة /329/ من قانون العقوبات التي تنصّ على أنّ:
“كل فعل من شأنه أن يعوق اللبناني عن ممارسة حقوقه أو واجباته المدنية يعاقب عليه بالحبس من شهر الى سنة، اذا اقترف بالتهديد والشدة او باي وسيلة اخرى من وسائل الإكراه الجسدي أو المعنوي.”
علما أن قانون العقوبات يشدد عقوبة هذه الجريمة في الحالة الحاضرة، في ظل ثبوت وجود خطّة مدبّرة لاستهداف المفكرة والمنظمات الأخرى وإقصائهم عن الحياة العامة.
كما رأت المفكرة القانونية أن أفعال القناة وإعلاميّيها تدخل ضمن تعريف جريمة التهويل (650 من قانون العقوبات).