
منذ نشطت "المفكرة" في مجال القضاء، تميز عملها بأمرين: الأول، العمل على إرساء مبادئ استقلالية القضاء وثقافته في مواجهة انتشار ثقافة التدخل في القضاء، والثاني، التنبيه الى مخاطر الهرمية القضائية التي غالباً ما تجعل المؤسسات القضائية ومنها مجلس القضاء الأعلى، أداة جد فعالة للتدخل في القضاء في حين أنها وُجدت أصلاً بهدف ضمان استقلاليته. وأفردت المفكرة مقالات طويلة للدفاع ليس فقط عن استقلالية القضاء إزاء الطبقة السياسية (أي الاستقلالية الخارجية)، بل أيضاً، وبالقدر نفسه، للدفاع عن استقلالية القضاة إزاء كبار القضاة (أي الاستقلالية الداخلية). وقد تجلى عملها مؤخراً من خلال الدعوى التي تقدمت بها أمام مجلس شورى الدولة للطعن بمرسوم إنشاء أمانة سر مجلس القضاء الأعلى، والتي رأت فيها أداة تتهدد حقيقة الاستقلالية الداخلية للقضاء. ولا تزال هذه الدعوى عالقة. ولعل أخطر ما في هذا النوع من التدخلات هو أنه يحصل ضمن كواليس القضاء ونادراً ما يترك أثراً، وأن القاضي لا يجد عند حصوله أي حماية ما دام يتأتى عن الأشخاص الذين أنيط بهم هم مهمة حمايته.
اليوم، إذ تنشر "المفكرة" المحضر المشار اليه أعلاه من منطلق واجبها بإعلام الرأي العام، فهي تؤكد أن هدفها الوحيد من ذلك هو أداء واجبها الوطني والإنساني في تكريس استقلالية القضاء فعلياً والانتصار لأي قاض يتعرض لانتهاك في هذا المجال.
بقي أن نذكر أن قانون العقوبات اللبناني يعاقب التدخل في القضاء في المادتين 357 و358 (صرف النفوذ من قبل محام وعقوبته الحبس ومنع من ممارسة مهنة المحاماة مدى الحياة) منه تحت وصف "صرف النفوذ" وأيضاً في المادة 419 تحت وصف "استعطاف القاضي".
رسم رائد شرف
نشر في العدد العشرين من مجلة المفكرة القانونية
متوفر من خلال: