حول برامج الأحزاب الانتخابية لمجلس نواب 2022 (2): أي تشخيص للأزمة؟


2022-05-10    |   

حول برامج الأحزاب الانتخابية لمجلس نواب 2022 (2): أي تشخيص للأزمة؟

تميّزت انتخابات 2022 بحصولها في ظل الانهيار أو ما يصطلح على تسميّته الأزمة متعدّدة الوجوه (مالية واقتصادية وسياسية ومصرفية). ورغم ذلك، فإن برامج أحزاب السلطة كافة وأيضا بعض برامج أحزاب المعارضة افتقرتْ تماما إلى “تشخيص المشكلة” أو “توصيف الواقع” أو أشارت إليها بشكل عرضي موجز. كما يُلحظ أنّ بعض هذه البرامج ركّزت في هذا الإطار على البعد السياسي للأزمة (أزمة الحكم) من دون بقيّة الأبعاد (الحقوقيّة- الاقتصاديّة-المجتمعيّة…)، أو اختزلتْ أيضا هذا البعد بأحد عوارضه أو أسبابه. وقد بدا هاما لنا أن نتناول هذه المسألة في معرض تقييمنا للبرامج المطروحة، حيث يكون التشخيص ممرا ضروريا للإقناع بواقعية الأهداف أو أهميتها في معالجة الأزمة (أو الأزمات).  

  1. تشخيص المشكلة/ الأزمة وأسبابها

في هذا المجال، أمكن تقسيم البرامج ضمن ثلاث فئات: فمنها التي لم تتضمن أي تشخيص لأسباب الأزمة، ومنها التي رأت أن الأزمة تتلخّص بأحد أطراف الحكم، ومنها التي رأت أنّ الأزمة أزمة نظام لا أزمة أداء.

  • البرامج التي لم تتضمن أي تشخيص لأسباب الأزمة

تميّزت أوراق “الكتلة” و”أمل” و”مدينتي” بغياب المقدّمة. بدأت كل من الأوراق الثلاث فوراً بعرض التزاماتها أمام المرشحين، من دون أن تطرح توصيفاً للأزمة المجتمعيّة ولا للأزمة السياسيّة ومن دون أن تخوض في أسبابها.

ورقة “حزب الله” اختارت وصف الواقع على أنه “تردي الوضع النقدي والمالي والاقتصادي، وكذلك الوضع المعيشي والصځي، وانهيار سعر العملة الوطنية، واتساع دائرة الفقر، وتقلص فرص العمل، إلى جانب استمرار مخاطر العدوان والتهديدات والأطماع الصهيونية، خصوصا ما يرتبط بالثروة النفطية” من دون الغوص في الأسباب التي قادت إليه (أي إلى هذا الواقع). وقد اكتفت بذلك لتسرع من ثم إلى تحديد الحلول (الالتزامات) تحت عناوين تبدأ بكلمة “النهوض”. وإذا أردنا تبسيط منهجيّة وضع البرنامج، فإنّنا نُدرك أنها قامت على توصيف للواقع على أنه واقع انهيار لتحدد أهدافها التي هي السعي إلى النهوض. يضاف إلى ذلك أن برنامج الحزب حدد هدفين لخوض الانتخابات: الأول، حماية المقاومة وتضحيات شعبها. والثاني، المساهمة في بناء الدولة العادلة والقادرة. وتجدر هنا الإشارة إلى أن هذا البناء يجب أن يبقى وفق البرنامج تحت سقف ما أسماه “الخيارات والثوابت الوطنيّة” والاستقرار السياسي، من دون أن توضح الورقة ما يعنيه ذلك على مستوى الممارسة السياسية.

  • البرامج التي رأت أنّ الأزمة تتلخّص بأحد أطراف الحكم

من أهمّ البرامج التي شخّصت أسباب الأزمة على أنها تتّصل بأحد أطراف الحكم، من دون أن يكون للنظام السيّاسي أيّ صلة بها، برامج القوات اللبنانية والكتائب والتقدمي الاشتراكي.

أوضح البرامج في هذا المجال، برنامج “القوات” التي سردتْ في مقدّمتها تحت عنوان “الإشكاليات الأساسية المطلوب مواجهتها ديمقراطياً عبر الانتخابات النيابية” سلسلة من الخيارات أمكن تلخيصها بثلاثة: الخيار بين “السلاح الشرعي والسلاح غير الشرعي” والخيار بين “دولة همزة الوصل بين الغرب والشرق ودولة أحاديّة التوجه وحصراً نحو إيران”، والخيار بين دولة عصرية ودولة منظومة فساد. ثمّ انتقلت في عنوان فرعي ل “الإشكالية” لتتحدّث عن “هيمنة حزب الله على الدولة” موضحةً “أشكال هذه الهيمنة”، في موازاة تغييب سائر المشاكل الاجتماعية والاقتصاديّة والحقوقيّة والأمنيّة أو حتّى إشكالات نظام الحكم. وعليه، بدتْ القوات وكأنها تختزل أسباب الأزمة ب “هيمنة حزب الله” ومسعاه لفرض نظام توتاليتاري والمساهمة في انهيار الاقتصاد الليبرالي الحرّ وهروب رؤوس الأموال وتعريض لبنان لحروب مدمرة. انطلاقا من ذلك، فإن أي مشكلة اجتماعية أخرى لم تذكر في هذا البرنامج إلا عرضا.

عليّه لم تشكّل “الأزمة” ببعدها المالي والنقدي هاجساً في ورقة “القوات”، ولا شكلت الأزمة في بعدها المعيشي هاجساً. وكان تخصيص العنوان الفرعي (“هيمنة حزب الله”) في المقدمة دليلاً على أنّ الهاجس الأساسي هو مواجهة ومخاصمة “حزب الله”. ولم تلحظ المقدّمة المطوّلة أي إشارة إلى المصارف ودورها في الأزمة. ولم تلحظْ المقدمّة أيّ إشارة إلى عقدة توزيع الخسائر. ونفهم من عرض القوّات أنّه إذا ما حلّت مشاكل “التهريب”، و”السلاح”، و”تغطية الفساد” من جانب أحد أطراف السلطة، فذلك كافٍ للإجابة على هواجس الناس وحاجات المجتمع في المرحلة المقبلة.

في الاتجاه نفسه ذهبتْ “الكتائب”. فلم توضح فكرة “إفلاس الدولة وانهيار النظام”، إنما وصفت بشكل مختزل مسببات الأزمة التي يعيش فيها لبنان معتبرة أنها نتيجة “المحاصصة والفساد والسلاح والتعطيل الممنهج للمؤسسات الدستورية”. واقتصرت المقدمة على طرح عوارض المشكلة في بعدها السياسي والتي تمثلت في “إجهاض وحدة اللبنانيين في انتفاضة تشرين الأول 2019” وقمع التحركات الداخليّة والمبادرات الدوليّة، والتي قامت بها “المنظومة السياسية ومن خلفها حزب الله وأدواته المؤسساتية الشرعية”. وقد اعتبرت “الكتائب” أن الانتخابات النيابية “فرصةً لاستكمال المواجهة” من أجل استعادة السيادة والمحاسبة وتطوير النظامين السياسي والاقتصادي وطرح إصلاحات ترسّخ خيار اللبنانيين في الوحدة والمساواة، لتنتقل من ثم إلى تفصيل عناوين برنامجها. و”الكتائب” بدورها، بدّت الحديث عن قمع التحركات وحملات شيطنة المعارضة والمماطلة في الإستحقاقات الدستوريّة على هواجس أخرى. فلم تأتي الكتائب في مقدمتها على ذكر المصارف ومسألة توزيع الخسائر، بل التقت في تشخيها للمشكلة (أي الأزمة) مع برنامج القوات اللبنانية.

نجد مقاربة مشابهة للأزمة في ورقة “التقدّمي”، الذي تحدّث في مطلع ورقته عن ” أزمة نظام سياسي وتدخلات خارجية وارتهانات محلية”، أدّتْ إلى فقدان لبنان سيادته، وأنتجتْ “انهياراً اقتصادياً ومعيشياً غير مسبوق”. إذ تكتفي الورقة بالحديث عن انهيار اقتصادي من دون ذكر المصارف ومسألة توزيع الخسائر. أمّا أزمة الإجتماعي والصحّي، فبدتْ منفصلة عن سياق الأزمة، إذ تشير الورقة إلى استمرار النضال إلى جانب “الفئات المهمشة وذوي الدخل المحدود، والعمال والفلاحين والفقراء والأكثر حاجة”، ووضعت هذا الأمر في سياق التمسك بمبادئ وتراث “التقدمي”.

وتنتقل الورقة فوراً إلى طرح الغاية من وراء تشكيل اللقاء الديمقراطيّ وهي “تحقيق الأهداف الكبرى في السيادة الوطنية وقدرة لبنان على العودة إلى الحضن العربيّ”. ثم تضيف إليها تحت عنوان منفصل هدف تحقيق العدالة الانسانيّة. وتوضح أنّ ذلك يكون “عبر المشاركة الديمقراطية في السلطة، واحترام قرار الشعب الذي هو مصدر السلطات”. وتكتفي بذلك، لتنتقل إلى سرد ما يؤمن به “اللقاء الديمقراطي” ويسعى إلى تحقيقه. ويوحي لنا مضمون هذا التشخيص أنّه لا جديد طرحته الأزمة يوجب التعامل معه، وكل ما طرحته الورقة في المقابل هو السير على مبادئ وتراث الحزب.

  • البرامج التي رأت أن الأزمة أزمة نظام  

هنا، نلقى برامج ترى أن أسباب الأزمة تتجاوز أطرافا بعينهم لتشكل أزمة نظام.

وأكثر ما يفاجئك هنا أن هذه البرامج لا تقتصر على برامج قوى من خارج الحكم (الحزب الشيوعي وممفد) اعتادت على انتقاد ممارسات هذا النظام، إنما تشمل أيضا شريكا اساسيا فيه وهو “الوطني الحر” الذي عزا في برنامجه مشكلة نظام الحكم إلى “النظام الطائفي (الذي) لن يوفّر أغلبية للحكم لأي طرف أو مكوّن”. وتحدث البرنامج عن تداعيات هذه المشكلة (السبب) “على الحياة المشتركة والاستقرار”، وآثارها المدمرة على المواطنين، وما أصاب الدولة من فساد بنيوي وشلل تبعه انهيار وتحلّل. ومن الواضح أن الهدف من هذا التشخيص هو تبرير فشل التيار الوطني في تحقيقه برنامجه السابق، في استعادة لذريعته الأساسية ومفادها أنه أراد الإصلاح لكن لم يستطع بفعل عدم تمتعه بغالبية كافية. ويتعزز هذا الأمر بتشديد البرنامج على الفساد البنيوي والذي يتبدى كأنه ذريعة لتبرير مسؤولية “الوطني الحر” أو دوره في تكريس المحاصصة السياسية في الصفقات والتوظيف وتعميقها تحت غطاء “حماية حقوق المسيحيين”. انطلاقا من ذلك، أعلن الوطني الحر التزامه بأربعة أمور وهي مكافحة الفساد وإصلاح الدولة، وحماية حقوق المودعين، وتحقيق العدالة في انفجار المرفأ، والحدّ من الهجرة، وذلك من خلال استكمال تنفيذ بنود “وثيقة الوفاق الوطني” بالتحوّل إلى الدولة المدنيّة واللامركزيّة الموسعة كحلول لمشكلة نظام الحكم. كما تحدّث “الوطني الحر” عن تصميمه لطرح حلول جذرية للأزمة، دون أن يوضح ما هي الأزمة، دون أن يأتي بالتالي على ذكر المصارف وتوزيع عقدة الخسائر (في مرحلة تشخيص المشكلة على الأقل). ورغم جذرية هذا التشخيص، فإن خطة العمل التي اقترحها “الوطني الحر” أتتْ متوافقة مع موقعه في النظام نفسه الذي يعارضه، إذ طالب بالتوافق على نظام جديد “قابل للحياة”.

ومقابل هذا التشخيص التبريريّ، تجدر الإشارة إلى برنامجيْ “الشيوعي” وممفد. 

فمن جهة أولى، وصف “الشيوعي” المشكلة بأن لبنان “يعاني … من أزمة متعددة الأبعاد على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة”، ورأت أنّ “الأزمة النقدية والمالية جزءا من أزمة اقتصادية أشدّ عمقاً وشمولاً”، ذكرت أبرز عواملها (طغيان الأنشطة الريعية، انهيار البنى التحتية، وغياب التقدم التكنولوجي والابتكار، والتفاوت الكبير في توزّع الدخل والثروة، وارتفاع كلفة المعيشة). من بعدها أشارت للسبب (“استثمار المنظومة الحاكمة للانقسامات الطائفية وما تنتجه من شلل دستوري”)، والحل (“تغيير عميق وإصلاحات جذرية… تؤسس لبناء دولة ديمقراطية علمانية واقتصاد يلبي طموحات الشباب والمتعلمين والنساء والطبقة العاملة والفئات المتوسطة”). ثمّ عدت ولخّصت مشكلة الإقتصاد مجدداً بأنه “اقتصاد تسيطر عليه الاحتكارات والمصارف والرساميل الكبرى المستظلّة بنظام سياسي مذهبي تحاصصي متخلف ورجعي لا يليق بلبنان القرن الواحد والعشرين “. ولم تكتفِ الورقة بفقرة واحدة لعرض المشكلة بل أسهبت بشرحها تحت عنوان “سمات المرحلة الحالية”، وربطته كذلك بالمتغيرات العالميّة. لتنتقل من ثمّ إلى خارطة الطريق انطلاقاً من “انتفاضة أكتوبر”، ما يمكن اختصاره ب “تغيير موازين القوى لإجراء التغيير المطلوب والتحوّل إلى ثورة ديمقراطية تتطلّع إلى نزع الهيمنة المزدوجة لرأس المال والأحزاب الطائفية”، على حد تعبير الورقة. وبغض النظر عن المضمون الأيديولوجي فقد بدا التشخيص متطورا من الناحية المنهجية، وتم استتباعه بإعلان خارطة عمل وخطوات مستندة إلى خيارات واضحة ومعطيات وأرقام.

ورقة “ممفد” تميّزت بدورها بوجود حبكة فهم متشعبة ومترابطة منهجياً. فبدأت بوصف الانتخابات نفسها على أنها “محاولة من زعماء الطوائف لإثبات قوة ولتجديد شرعية تجاه الخارج بينما يسعى أصحاب المصارف إلى شطب خسائرهم أكثر وأكثر من خلال توزيعها على المجتمع”. وقد اعتمدتْ منهجية مختلفة عن بقية الأوراق في تفنيدها للمواضيع وصياغتها. فقد وصفت المشكلة بأنها حصيلة “خمسين سنة من الضياع والعنف والتهجير”، وكانت تحت عناوين متعددة (مشروع حكم – الخسائر والمسار التصحيحي- الحكومة الانتقالية … الدولة المدنية – التغطية الصحية الشاملة… العلاقات مع الخارج) تشخص وتعيد صياغة الإشكاليات المطروحة، ثم تقدّم الخيارات السياسيّة التي اعتمدتها أو تبنتها أطراف السلطة ثم تطرح خياراتها السياسية البديلة وما يمكن أن تؤدي إليه من تغييرات على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي.

وإذ انتهى برنامج “الشيوعي: للدعوى لتغيير جذري للمظام، أتى عنوان الحلّ في برنامج “ممفد” تحت عنوان “القطيعة” مع النظام.

انشر المقال

متوفر من خلال:

البرلمان ، أحزاب سياسية ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني