ترشحت القاضية التونسية لميس الطرابلسي للانتخابات البلدية على رأس قائمة ائتلاف أحزاب الجبهة الشعبية في بلدية قرمبالية. أكد اختيارها المجاهرة بانتمائها الفكري الجريء أنها تحمل فكرا غير معهود في الوسط القضائي قد يكون مرده أنها وقبل أن تلتحق بالقضاء كانت من الشباب الطلابي الذي صنع حراك الثورة. وفي محاولة من المفكرة القانونية الإضاءة على هذه التجربة الرائدة، التقت لميس الطرابلسي لتسألها عن ترشحها وتصورها لعلاقة القاضي بالسياسية فكان هذا الحوار (المحرر).
المفكرة: سبق وأن ترشح قاضيان تونسيان لاستحقاق الانتخابات الرئاسية. كما ترشح قضاة آخرون لعضوية مجلس نواب الشعب التونسي وها أنت اليوم تترشحين لخوض الانتخابات البلدية. هل يمكن أن تفسري لنا دوافع إقبال القضاة على الشأن العام؟
لميس: لا يمكنني أن أتحدث عن دوافع غيري في الترشح للانتخابات. ولكن وفيما يتعلق بي، فإني وقبل أن أكون قاضية، أنا من متساكني منطقة قرمبالية بما يجعلني معنية في حياتي اليومية بما لحق مرفق البلدية بها من تعطل وما شابه من فساد. وإذ أترشح للانتخابات البلدية، فأنا أدافع عن حقي وحق مواطني جهتي في حياة حضرية تليق بنا. كما أني كقاضية مدينة لأهلي ومنطقتي بفضل بناء شخصيتي وتنمية معارفي بما يلزمني وضع خبرتي في خدمتهم. وأقدر هنا أن وجود قاضية بالمجلس البلدية رسالة طمأنة فيما تعلق بحسن تطبيق القانون والتزام معايير النزاهة.
المفكرة: خاض القضاة الذين ترشحوا قبلك الانتخابات العامة كمستقلين. أنت خرجت عن هذا التقليد واخترت أن تشاركي في الانتخابات البلدية كرئيسة لقائمة الائتلاف الحزبي الجبهة الشعبية. ألا يعد ما بادرت إليه تحزبا يتعارض مع القانون الحاكم لوظيفتك؟
لميس: من المهم أن أذكر أني لا أنتمي لأي حزب سياسي بما ينفي عني ما ذكرت من تهمة تحزب. كما من المهم الإشارة إلى أنّ القانون الانتخابي الذي اعترف بحق القضاة في الترشح لعضوية المجالس البلدية لم يضع من قيد على ذلك إلا عدم ترشحهم في الدوائر التي يعملون بها بما يكون معه ترشحي في قائمة حزبية أمراً مطابقاً للقانون في كل جوانبه.
المفكرة: هل يعني هذا أنك تترشحين كمستقلة في قائمة حزبية؟
لميس: من المؤكد أني أترشح كمستقلة. لكن وجب علي هنا أن أذكر أني ترشحت في قائمة أعتقد في برنامجها الانتخابي.
المفكرة: برنامج قائمتك هو برنامج "الائتلاف الحزبي الجبهة الشعبية" بما يعني أنه برنامج سياسي.
لميس: كل برنامج انتخابي هو برنامج سياسي بالضرورة. فحتى برامج القائمات المستقلة هي برامج تقوم في منطلقاتها على موقف سياسي من الأحزاب القائمة وتبحث عن تصور بديل لها سواء على مستوى البرامج أو الأشخاص.
المفكرة: ألا يتعارض الانتماء لموقف سياسي مع واجب الحياد المحمول على القاضي؟
لميس: حسب رأيي، لا يتعارض الاعتراف للقاضي بحقه في أن يكون له موقف سياسي مع واجب الحياد الذي يحمله له عمله. لأن الحياد المطلوب يتعلق بالعمل القضائي لاعتبارين على الأقل:
أولهما: أنه لا يجب أن يتحول حياد القاضي إلى قيد يفرض عليه العيش على هامش المجتمع،
وثانيهما: أن كشف القاضي لموقفه السياسي علنا يعزز شفافية عمله بما يخدم حياده.
المفكرة: كيف يخدم إعلان القاضي لموقفه السياسي حياده؟
لميس: حسبما أعتقد، القاضي الذي يجاهر بموقفه السياسي يحمي حياد العمل القضائي: فبامكان من يتابع عمله أن يكشف انحرافه متى استعمل خدمة لميوله السياسية. في الجهة المقابلة وكما تؤكد التجربة، فإن ادّعاء الحياد السياسي للقاضي يستعمل عادة للتغطية عن ولاءات سياسية قائمة وغير معلنة تفسد القضاء، بما تخلقه من علاقات مصلحية سرية بين القاضي والسياسي.
المفكرة: هل نفهم من خطابك أنك تدافعين عن تطوير الحقوق السياسية للقضاة؟
لميس: هذا مؤكد. القاضي مواطن. وبما أنه مواطن، فمن حقه أن يكون له موقف سياسي. والقاضي مثقف بما يفرض عليه أن يضطلع بدور سياسي في مجتمعه. أعتقد أننا في تونس بعد الثورة، حققنا خطوات هامة في إطار إرساء الحقوق السياسية لكل المواطنين بمن فيهم القضاة. ويجب أن نواصل هذه المسيرة بالنضال من أجل تطوير الحقوق. ويمكن أن أدّعي أن ترشحي للانتخابات يخدم هذه القضية، لكونه يكشف للقضاة عن حقهم في ممارسة حق سياسي يجيزه لهم القانون ولا تمنعه عنهم إلا تقاليد موروثة لا تلائم روح المجتمع الديمقراطي.
المفكرة: كيف تفاعل مجتمع القضاة مع خطوتك؟
لميس: لا أنكر أن عددا من القضاة فاجأتهم خطوتي وانتقدوا ترشحي. لكن في المقابل ومن خلال ما لمسته من زملائي، لاحظت ترحيبا كبيرا بترشحي وبما يؤسس له من تطوير للنقاش العام حول حقوق القضاة السياسية.
المفكرة: خلال حملتك الانتخابية لابد أنك تواصلت مع مواطني جهتك. كيف كان موقفهم من ترشحك كقاضية؟
لميس: من الأشياء التي سرتني كثيرا خلال حملتي الانتخابية ما لمسته من ترحيب بترشحي من المواطنين الذين لم يخفوا سعادتهم بترشح قاضية للبلدية، لما يعلمون من التزام القضاة بحسن تطبيق القانون.
المفكرة: هل تظنين أن تجربة ترشحك للانتخابات في قائمة حزبية حدث سيؤسس لتطور في المشهد القضائي؟
لميس: أنا بداية التحقت بالقضاء حبا في قضاء الجمهورية الثانية. وهو قضاء يجب أن يكون جريئا ومنخرطا في سياق الثورة. وأتمنى أن أكون من بين القضاة الذين يؤسسون له. وأرجو في هذا الإطار أن يتولى زملائي وهياكل القضاء البناء على خطوتي في اتجاه ينهي التصوّر المنافق لحياد القاضي ويؤسس لقضاء يحمي حقيقة الحقوق والحريات.
كلمة الختام
أدعو كل زملائي للدفاع عن حقهم في مواطنة كاملة من خلال ممارسة ما يعطيهم القانون من حقوق والعمل على اكتساب حقوق جديدة. كما أدعو عموم المواطنين للانتصار للقضاة في معركتهم هذه التي ستنتهي ببناء القاضي الحامي لحقوقهم.