حوار مع الباحث جلال حرشاوي: “لا وجود لمسار لتعويض الدبيبة”


2024-08-22    |   

حوار مع الباحث جلال حرشاوي: “لا وجود لمسار لتعويض الدبيبة”

يمر المشهد السياسي الليبي بعديد التطورات الهامة. وفي هذا الإطار تستضيف المفكرة القانونية الباحث جلال الحرشاوي لشرح جملة من أبعاد هذا الملف وتأثيراته على المنطقة عموما.

جلال حرشاوي هو باحث جزائري متخصص في الشؤون الليبية، عمل في معهد كلينغنديل في لاهاي وفي المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود بسويسرا. لديه عديد الأبحاث والمقالات المنشورة حول المسائل المتعلقة بالأمن والتحولات السياسية في ليبيا منذ 2011.

المفكرة القانونية: في 13 أوت الماضي، أعلن البرلمان الليبي إنهاء ولاية حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة والمجلس الرئاسي. أية تبعات سياسية لهذا القرار، وهل هناك من دور خارجي قد دفع نحو اتخاذه؟

جلال حرشاوي: بداية، من المهمّ الإشارة إلى أن البرلمان يتعامل بطريقة فيها الكثير من المغالطة، حيث لا يمكن له أن يسحب الثقة من حكومة الدبيبة لأن مثل هذا الأمر قد حدث سابقا في سبتمبر 2021. ومن منظور البرلمان نفسه، فإن حكومة الدبيبة لم تعد موجودة منذ زمن طويل وتحديدا منذ مارس 2022 عندما منح الثقة لما يُعرف بحكومة الاستقرار الوطني، التي يترأسها حاليا أسامة حماد وكذلك لم يعترف البرلمان أبدا بالمجلس الرئاسي في طرابلس. لذلك لا يُمكن القول بأنه توقف عن الاعتراف بالمجلس الرئاسي الذي تمّ تنصيبه كنتيجة لمفاوضات الصخيرات في ديسمبر 2015. كان هذا الإعلان من قبل البرلمان خطوة تهدف إلى إضعاف الدبيبة. وفي رد على سؤالك حول الدور الأجنبي، قد يكون هناك دور مصري في هذا الحدث، حيث تسعى القاهرة دائما إلى إضعاف الدبيبة. والهدف من ذلك هو خلق حالة من عدم الاستقرار في طرابلس تحديدا. وهنا من المهم الإشارة إلى أن محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير مقرب جدا من البرلمان الليبي. لذا إن كنا ننتظر تصعيدا من البرلمان الليبي تجاه الدبيبة، فينبغي أن ننتظر تصعيدا مماثلا من الصديق الكبير، الذي يمكن له إيقاف صرف ميزانيات الوزارات في طرابلس، وهو شكل من أشكال المناورة، وبخلاف ذلك لا يمكن توقع الشيء الكثير من قرار البرلمان.

المفكرة: يشهد الجنوب الغربي الليبي عديد التحركات العسكرية والأمنية ومن بينها مؤخرا الحديث عن نية القوات الموالية لخليفة حفتر التوجه نحو غدامس، كيف يمكن أن تؤثر هذه التحركات على التوازنات السياسية والعسكرية الهشة في ليبيا؟

حرشاوي: في البداية ينبغي الاعتراف بأن هذه التحركات مهمة ويجب متابعتها ومراقبتها جيدا، ولكن من المهم كذلك عدم القيام بمقارنة مع ما حصل في أبريل 2019 (أي هجوم قوات حفتر على طرابلس) حيث أن فترة 2019 لم تشهد تواجدا لقوات حلف الناتو ، كما هو الحال اليوم مع الانتشار العسكري التركي تحت مظلة الناتو. وهذا لا يعني قطعا أن هذه التحركات لن تؤدي إلى شيء، ولكن لا ينبغي الخلط بين ما حدث في أفريل 2019 وما يحصل حاليا. فمن الممكن مثلا إعلان بعض القوات من الزنتان (الموالية لوزير الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي) التوجه نحو غدامس، إلا أن هذا لن يحدث دون اتفاق بين تركيا وحفتر، وهو أمر لا يمكن استبعاده في الوقت الحالي. فالأولوية المطلقة للأتراك منذ أكثر من عام هي اغتنام الفرص الاقتصادية في الشرق الليبي. ولذا تهتم تركيا كثيرا اليوم باستمالة حفتر، وتسعى بشكل حثيث إلى إقامة قنصلية في مدينة بنغازي وإبرام صفقات بناء في المنطقة الشرقية الليبية وتركيز جهودها الاقتصادية هناك. وقد شهدنا منذ أسابيع مثلا، زيارة بلقاسم حفتر نجل خليفة حفتر إلى أنقرة. لذا من الممكن أن تكون تركيا قد قررت غض الطرف عن مثل هذه التحركات، كما يمكن أيضا ألا يكون هناك أفق منظور للتحركات تجاه غدامس، لأن تركيا بكل بساطة تشكل قوة رادعة حيال ذلك. 

ومن المفارقات هنا أن الجزائر (القريبة من غدامس والساعية إلى تفعيل المعبر الحدودي هناك) لن تكون هي الرادعة حيال ذلك، وإنما تركيا، وهي التي ستتمكن من صد هذه العملية أو السماح بها. وتوقع هذا الأمر لا ينبني على معطيات علمية صحيحة ولكن ينبغي مراقبة التطورات. فالتحرك نحو غدامس يمكن أن يدرّ بعض المكاسب التكتيكية على بعض الفاعلين، مثل اللواء 444 قتال (وهو تشكيل مسلح مدعوم من قبل تركيا ومسؤول عن الأمن في العاصمة طرابلس).

 لذا يجب الانتباه إلى مثل هذه التحرّكات من دون الاندفاع إلى تصوّر إمكانية حدوث هجوم واسع اليوم على طرابلس. ويمكنني إضافة بعد آخر لهذه التحركات، يخص الجنوب الغربي الليبي بشكل عام وليس مدينة غدامس فقط. ففي الحدود الجزائرية- الليبية، تتزايد عناصر التوتر في صفوف الطوارق، بعد أيام فقط من معركة تينزاواتين التي قتلت فيها قوات الطوارق الإنفصالية من أزواد (منطقة الطوارق الواقعة في شمال مالي وشمال وغرب النيجر) ثمانين روسيا من قوات فاغنر في شمال مالي في يوليو 2024. وهو ما أحدث نوعا من البارانويا لدى حفتر تجاه جنوده من الطوارق، لأن الكثيرين من هؤلاء قد خير بعد المجزرة ضد الروس إعلان انشقاقه من القوات الموالية لحفتر وانضم لبني قومه في منطقة الساحل. وعلى إثر ذلك اتخذ الروس قرارا بدعم سيطرة حليفهم حفتر في الجنوب الغربي لليبيا. لذا لا ينبغي أن ننسى حين نستقرئ تحركات حفتر البعد المتعلق بالطوارق الليبيين، الذين بانشقاقهم مكّنوا من تدعيم مقاومة إقليم أزواد تجاه التحالف القائم بين الروس وحكومة باماكو.

المفكرة: يقوم المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نولاند بمجموعة من المباحثات مؤخرا، ومن بينها زيارة إلى تونس، هل هناك من آفاق سياسية لهذه التحركات الديبلوماسية؟

حرشاوي: يمكن الحديث عن نقطتين أساسا في ما يتعلق بالموقف الأمريكي. أولهما الدعم الأمريكي لمحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، جزء هام وجدي من التوترات الحاصلة في طرابلس اليوم قائم بين الصديق الكبير ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة وحلفائه من القوى المسلحة. وفي الواقع فإن كلا الطرفين لديه حلفاءه من الميليشيات المسلحة. وفي هذا النزاع بين الطرفين، أعلن الأمريكيون بشكل صريح مساندتهم للصديق الكبير. لكن هل يعني هذا أن هناك محاولة لإيجاد صلح بين الطرفين؟ قطعا لا. هل يوجد مسار سياسي مطروح لتعويض الدبيبة؟ في الحقيقة لا يوجد ذلك. هل قام الأمريكيون والغربيون بجهد بناء تجاه ذلك؟ كلا. لذا هناك فرصة نحو تدهور مباشر للوضع، ولكن ينبغي عدم المبالغة في تقدير الجهود الدبلوماسية الأمريكية والأممية أو غيرها حيال ذلك، فلا يوجد أيّ طرف قد قام بمساهمة بناءة وجدية نحو حل سياسي.

المفكرة: وفي ما يخص التواجد الروسي؟

حرشاوي: نعم كان هناك توسّع مهمّ في الوجود العسكري الروسي خلال أبريل 2024، لكنه شهد تراجعا بسبب التركيز الروسي مؤخرا على الوضع في أوكرانيا والحادث الخطير الذي تعرضت له روسيا في مالي (معركة تينزاواتين المذكورة سابقا). لذا يمكن اعتبار أن الأولوية الروسية الحالية هي إعادة بناء قوتها في مالي، التي تعرضت للضرر. فما شهدناه هو إرسال شاحنات عسكرية روسية إلى ليبيا في شهر أبريل التي توقفت مؤقتا ثم عادت منذ فترة. لكن هل هذا يعني أن الروس يجهزون لهجوم ضد طرابلس؟ شخصيا لا أعتقد أن هناك هجوما يُجهز له الآن من الخارج تجاه طرابلس، سواء من الروس أو من قبل عائلة حفتر. فالخطر الحقيقي اليوم يتمثل في تنامي الانقسامات الموجودة في العاصمة (بين التشكيلات العسكرية هناك)، وإذا كان هناك من حرب ستقوم في طرابلس، فإن قوات حفتر ستحاول الاستفادة منها. ولكن أستبعد مع ذلك إمكانية حدوث أي هجوم من الخارج تجاه طرابلس مشابه لما حدث في أفريل 2019. ولكن ينبغي الإقرار بأن الروس متواجدون بقوة على الساحة الليبية، وهناك فرصة كبيرة لمزيد تعزيز تواجدهم هناك.

المفكرة: كما أشرتم سابقا، يشهد مصرف ليبيا المركزي في الآونة الأخيرة عديد التجاذبات بين القوى السياسية في ليبيا وسط خلاف معلن بين محافظ المصرف الصديق الكبير ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، الرجلين القويين في العاصمة طرابلس، فما هي الأسباب وراء ذلك؟

حرشاوي: هذا الثنائي كان يجمعه تفاهم في البداية، ثم بدأ هذا التفاهم في التراجع قبل أن يتحوّل الوضع إلى حالة من القطيعة، في أكتوبر 2023. ويمكن تلخيص مسار العلاقة بالشكل التالي، حيث تصرف الصديق الكبير عبر مرحلتين: الأولى إثر إعلانه عن حالة عجز بأكثر من 10 مليار دولار من العملة الصعبة في 2023، وهو ما يعني أن النفقات بالعملة الصعبة التي صرفتها الدولة الليبية تتجاوز مداخليلها بأكثر من عشرة مليار دولار. وبالتأكيد فإن الدبيبة ليس المسؤول الوحيد عن هذا العجز، بل ليس حتى المسؤول الرئيسي عنه. إذ أن المتسبّب الأبرز في استنزاف الخزينة هو عائلة حفتر. لكن في المقابل، فإن الدبيبة يدعم هذا النسق من الاستنزاف الذي يتسبب فيه آل حفتر كما يسعى إلى الحصول على المال لصالح مشاريعه، ولتمويل التشكيلات المسلحة المتحالفة معه وللإنفاق على الليبيين (أي تسديد الأجور وتمويل الخدمات العمومية). وإزاء هذا الوضع، الذي لا يمكن أن يكون مستداما، كان على محافظ المصرف المركزي التصريح بما أسلفت ذكره، أي إلى تواجد أمرين خطيرين: الأول هو أن هناك إسرافا خطيرا وغير مقبول في الإنفاق من قبل عائلة حفتر، والثاني أن الدبيبة الذي ينفق بشكل أقل من الطرف السابق يسعى إلى نسق مشابه من المصاريف. غير أن محافظ المصرف المركزي في مرحلة لاحقة لم يصرح بذلك تماما، بل العكس، إذ حمل المسؤولية تماما للدبيبة في المقام الأول ثم أشار إلى أن هناك بعض المشاكل في الشرق دون ذكر أسماء أو الدخول في التفاصيل. لذا اتخذ الصديق الكبير خيارا سياسيا بالأساس: فقد كان مخيرا بين مواجهة حفتر، الطرف المسيطر على الشرق الليبي بأكمله أو معاداة طرف يسيطر بشكل غير تام على طرابلس. وبالتالي فقد توجه الكبير منذ أكتوبر 2023، نحو خيار سياسيوي لمواجهة عدو واحد هو الدبيبة. ثم تفاقم الخلاف أكثر إثر ذلك ولم يعد الدبيبة يتلقى ما يكفي من الموارد المالية في حين تمتعت عائلة حفتر بنصيب الأسد من الموازنة. وقد شاعت روايات منذ مارس الماضي حول محاصرة بعض القوات في طرابلس للمصرف المركزي، ولكن لا أتوقع وجود تهديدات جدية.

المفكرة: ختاما، كيف تقيم العلاقات الثنائية حاليا بين تونس وليبيا خصوصا بعد أزمة معبر رأس جدير؟

حرشاوي: بداية، ينبغي الإقرار بأن العلاقات بين حكومة الدبيبة ونظام قيس سعيد قد تحسنت. فتونس قد تأثرت اقتصاديا بإغلاق معبر رأس جدير ولكن حكومة الدبيبة ووزير الداخلية عماد الطرابلسي خاصة، قاما بجهود كبيرة خلال الأزمة التي دامت أكثر من تسعين يوما للتقرب من الجانب التونسي. واليوم يعود المعبر للعمل، تحت سيطرة حكومة الدبيبة، بعد أن  كان سابقا تحت سيطرة مدينة زوارة. يشكل هذا التحول  أحد الأسباب في تحسن العلاقات الثنائية، بعد أن تدهورت في الصائفة الماضية عقب طرد السلطات التونسية للمهاجرين غير النظاميين في اتجاه الحدود الليبية بضغط إيطالي (على إثر التوقيع على مذكرة التفاهم بين تونس والاتحاد الأوروبي). فروما والاتحاد الأوروبي يريدان من الدبيبة وسعيد الآن التنسيق بشأن الهجرة غير النظامية. لذا كان الأمر بمثابة الهدية التي قدمتها حكومة الدبيبة للسلطات في تونس، وهو أمر منطقي لأن الدبيبة يشعر بمزيد من العزلة دوليا، وهو ما دفعه إلى القيام بعديد الخطوات مثل فتح معبر رأس جدير. وأود الإشارة  هنا إلى أمر رمزي، وهو أن عماد الطرابلسي في خطاب إعادة فتح معبر رأس جدير قد أشار كذلك إلى معبر غدامس مع الجزائر، وهو شيء على غاية من الأهمية ويعني أن حكومة الدبيبة لن تتخلى عن السيطرة على مدينة غدامس. وبالتالي نلاحظ تقدما في العلاقات بين النظام في تونس وحكومة الدبيبة التي تسيطر على المجال المجاور لها، في حين لا توجد علاقات واضحة لتونس مع الجهة  المسيطرة على الشرق الليبي، أي عائلة حفتر اساسا.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، ليبيا



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني