حملة لا رجوع: الأحزاب تسقط مسار العدالة الانتقالية من برامجها الانتخابية


2019-10-03    |   

حملة لا رجوع: الأحزاب تسقط مسار العدالة الانتقالية من برامجها الانتخابية

وسط احتدام الصراعات السياسية تزامنا مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية واستئناف الحملات الانتخابية للدورة الثانية من السباق نحو قصر الرئاسة في قرطاج، انطلقت يوم الثلاثاء 01 أكتوبر 2019 الحملة الوطنيّة “لا رجوع” التّي تهدف إلى متابعة مسار العدالة الإنتقالية ودعم جهود الفاعلين فيه للقطع مع ممارسات الماضي وضمان عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم الاقتصادية التي عرفتها البلاد سابقا. ويضع هذا المشروع الذّي جاء كثمرة تعاون ثلاثيّ بين كلّ من منظمة البوصلة، محامون بلا حدود، والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ثلاثة أهداف رئيسيّة للحملة تتمحور حول:

– توعية المواطن التونسي بأهمية المطالبة باعتماد ضمانات عدم تكرار انتهاكات الماضي.

– إعادة العدالة الانتقالية إلى جدول أعمال الأطراف السياسية كاستحقاق دستوري وقانوني ومطلب  ثوري.

– رصد ومتابعة الإطار المؤسساتي لمسار العدالة الانتقالية ما بعد هيئة الحقيقة والكرامة.

وقد تطلّبت بلورة هذه الحملة الوطنيّة وإطلاق إعداد جملة من الدراسات والإحصائيّات التّي انطلق تجميعها بداية من شهر أوت 2019، عبر شركة مختصّة تولّت سبر آراء المواطنين والمواطنات حول رؤيتهم للعدالة الإنتقالية. إضافة إلى محاور أخرى تتعلّق بوضعيّة حقوق الإنسان, الإفلات من العقاب, كشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات وأخيرا، عن مدى ثقتهم في مؤسّسات الدولة. وقد بلغ عدد المستجوبين 1000 وهي عيّنة تمثيليّة شملت مختلف الشرائح العمريّة والفئات الإجتماعيّة على امتداد المجال الترابي التونسي.

ملخّص النتائج التّي تمّ الإعلان عنها خلال الندوة الصحفيّة كشفت أنّ 82.7% من التونسيين المستجوبين يرون أنه من الضروري الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان في ظلّ النظام السابق، بل ويذهب 70.8% منهم إلى التأكيد على أن العنف لا يزال متواصلا في مراكز الشرطة. هذا وعبر 76% ممن شملهم سبر الآراء عن عدم ثقتهم في نواب الشعب في حين لم تتجاوز نسبة من يثقون في المؤسسة الأمنية 58.7%. وفيما يخص علاقة التونسيين بالإعلام والانتخابات، أوضحت الأرقام، أن 57.7% من المستجوَبين يرون أن معيار انتخاب رئيس الدولة هو النزاهة والثقة واحترام القانون في ما اعتبر 66.5% منهم أن أهداف العدالة الانتقالية يجب أن تتواجد في برامج السياسيين الذين يرغبون في الوصول إلى الحكم بعد انتخابات 2019. على صعيد هذا الملّف بالذات، شدّد 83.8% من التونسيّين الذّين تمّ سؤالهم، على ضرورة إصلاح مؤسسات الدولة لضمان عدم تكرار انتهاكات حقوق الإنسان، فيما اعتبر 70.1% منهم أن تحقيق المصالحة الوطنية يجب أن يخضع لقواعد وشروط كشف الحقيقة ومحاسبة مرتكبي الجرائم. أمّا بالنسبة لملف الفساد، فكان 93.9% من التونسيين مقتنعين بأن الفساد يؤثر سلبا على الاقتصاد بينما وجّه 60.2% منهم أصابع الإتهام إلى الإدارات العمومية بصفة عامة باعتبارها أكثر القطاعات التي يعشّش فيها الفساد.

كما أعدّ القائمون على المشروع لتفكيك البرامج الانتخابية للأحزاب التي قدمت قوائم في جميع الدوائر الانتخابية وتحديد مدى التزامها وانخراطها في مسار العدالة الانتقالية في مفهومها الشامل. وإرتكزت المصفوفة التحليليّة إلى خمسة معايير أساسيّة ترتبط بأهداف العدالة الإنتقاليّة ومبادئها ووفقا للتوصيات التي خلصت إليها هيئة الحقيقة والكرامة في تقريرها الختامي، وهي معرفة الحقيقة وجبر الضرر والحفاظ على الذاكرة الوطني ومكافحة الإفلات من العقاب وإصلاح المنظومة القضائية وإصلاح المنظومة الأمنية والحدّ من الفروقات الجهوية.

وقد أعرب الممثلون عن المنظمات الثلاث خلال المؤتمر الصحفي عن استهجانهم للتغييب شبه التام لمفاهيم العدالة الانتقالية في البرامج الانتخابية لمختلف الأحزاب السياسية باستثناء حزب التيار الديمقراطي الذي ضمّن العدالة الإنتقالية في برنامجه السياسي. حيث اعتبروا أن تجاهل مفهوم العدالة الإنتقالية وعدم اعتباره واحدا من أبرز المحاور الأساسية للبرامج الانتخابية مؤشر خطير، خصوصا وأن النواب الذين سيتم انتخابهم معنيون بوضع لجنة برلمانية مختصة لمتابعة البرنامج الحكومي الإصلاحي لاستكمال مسار العدالة الانتقالية في تونس وذلك وفق ما يؤكده الفصل 70 من القانون عدد 53/2013 المتعلق بالعدالة الانتقالية.

المجتمع المدني ينفض الغبار عن الملفّات التي تناستها الحملات الانتخابية

لم تكن حملة لا رجوع سوى حلقة جديدة من تحذيرات متتالية أطلقتها عدد من منظمات المجتمع المدني حول غياب عديد الاستحقاقات المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والقضايا البيئية والحريات الفردية، عن البرامج الانتخابية للمترشحين للانتخابات التشريعية. فقد أصدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بتاريخ 24 سبتمبر 2019، بيانا دعا من خلاله السلطة التشريعية القادمة والحكومة المنتظرة إلى إعلان حالة طوارئ بيئية في مواجهة أزمة حقيقية تواجه البلاد مستقبلا على صعيد ندرة المياه وتفاقم التلوث والتغييرات المناخية. مذكرا أن هذه القضايا الثلاث تعتبر حقوقا دستورية للمواطنين التونسيين وجزءا من منظومة الأمن الوطني وعاملا رئيسيا في ضمان الاستقرار الإجتماعي بالأخص وأن أكثر المتضررين من الكوارث البيئية أو أزمة العطش هم من الفئات الهشة ومحدودي الدخل.

من جهة أخرى، أصدرت الجمعيات الناشطة في إطار الائتلاف المدني من أجل الدفاع عن الحريات الفردية ومرصد الدفاع عن الحق في الاختلاف بيانا في 26 سبتمبر الفارط عبرت خلاله عن “أسفها الشديد من غياب المسائل المتعلقة بالحريات الفردية والمساواة من برامج عدد من المترشحين للانتخابات الرئاسية وكذلك في أغلب القائمات المتنافسة للانتخابات التشريعية”، معتبرة هذا التجاهل خطرا على الحقوق والحريات في تونس نتيجة عدم اهتمام النخبة السياسية بها. وقد دعا البيان الذ وقعته خمسون جمعية “جميع القائمات الحزبية والمستقلة والائتلافات الانتخابية إلى إدراج مواقفها من الحريات الفردية والمساواة بصفة صريحة وواضحة يتحملون من خلالها مواقفهم تجاه الناخبين”، كما طالبت وسائل الإعلام بتناول هذه القضايا ضمن الأسئلة المطروحة على ممثلي القائمات المترشحة و”ذلك من أجل تكوين معرفة أوسع لدى الناخبين بمواقفهم”.

تواتر تحركات المجتمع المدني ومحاولات كسر الخطاب النمطي السائد خلال الحملات الإنتخابية، يعكس جدية الهواجس من مستقبل القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان على الصعيد الفردي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في ظلّ انغماس مكونات المشهد السياسي في النقاشات السياسية البحتة وعودة الجدل الهووي واجترار الوعود الانتخابية الفضفاضة المتعلقة التي لم يتحقق منها شيء منذ انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 26 أكتوبر 2011.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، دستور وانتخابات ، حراكات اجتماعية ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني