تنطلق اليوم الخميس 25 جويلية، الموافق لعيد الجمهورية في تونس، حملة “الحرية لكل النساء دون استثناء” التي أطلقتها الديناميكية النسوية، وتتواصل إلى غاية يوم 13 أوت المتزامن مع العيد الوطني للمرأة، تتويجًا لجملة من الأنشطة التي تسعى الديناميكية إلى تنظيمها رفعًا للمظلمة المُسلَّطة على النساء المعتقَلات والملاحَقات في قضايا سياسية وقضايا رأي.
الديناميكية النسوية هي ائتلاف جمعياتي تكوّن في أوت 2022، يضمّ عددًا من الجمعيات المهتمّة بقضايا النساء، وتعرف الديناميكية نفسها في صفحتها الرسمية على موقع فايسبوك بأنها “حركة نسوية تعدّدية متكوّنة من مجموعة الجمعيات النسوية ذوات مقاربات نسوية متنوّعة، ونشأتها فَرضها واقع سياسي مُتغيّر متّسم بهيمنة قوى شعبوية-محافظة”. نظّمَت الديناميكية ندوة صحفيّة يوم الأربعاء 24 جويلية للإعلان عن بداية حملتها، في ظلّ وضع سياسي طبعته الإيقافات والملاحقات ضد النساء. “النساء تُعاقَبن مرّتين، في الفضاء الرقمي وعلى مستوى القضاء، وهناك سياسات ممنهَجة لتكميم أفواه النساء”، وفق ما جاء في مداخلة سارة بن سعيد، المديرة التنفيذية لجمعية أصوات نساء. فيمَا ذكرَت فتحيّة السعيدي عن الديناميكية أنّ هذه الحملة تندرج في إطار الدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية وحق النساء في الفعل المدني والسياسي والنقابي والإفراج عن المعتقلاَت، مؤكّدةً أنّ هذه المقاربة لا تستثني أحدًا، وأن لا تمييز فيها بين النساء لا على أساس اللون أو العرق أو الانتماء السياسي. في هذا السياق قالت السعيدي: “نحن نطالب بالحرية لكل النساء. هناك ظلم كبير تحت نظام شعبوي يسعى إلى قتل الفعل السياسي وتهميش الأجسام الوسيطة. النظام بدأ يتدرج من القمع إلى الاستبداد الذي من الممكن أن يصل إلى الفاشية”.
يبدو أنّ المنظمات النسوية توصّلت، ولو بشكل جزئي، إلى نقطة مشتركة تتعلّق بالدفاع عن النساء سواءً كنّ “إسلاميّات” أو “تقدّميّات” وفق التصنيف المتداول في الفضاء السياسي. “الحركة النسوية خاضت نقاشات عميقة وكان هناك اختلاف في وجهات النظر والمقاربات، ولكن مبادئ النسوية هي الدفاع عن النساء بجميع مشاربهن السياسية واختلافاتهنّ”، تَقول سارة بن سعيد للمفكرة القانونية، مضيفةً أنّ “ما جمع النسويات هو الدفاع عن جميع النساء دون استثناء. هؤلاء النساء هنّ ضحايا مشاركتهن في الفضاء العامّ والشأن العامّ. أن تكوني امرأة وتشاركين في الشأن العام يجعلك عُرضة للملاحقات والتتبّعات ونحن كنسويات مشاركات في الفضاء العام وبالإمكان أن نكون ضحايا التتبعات فقط لمجرد تعبيرنا عن آرائنا أو نقدنا للسياسات العامة”. هذا الموقف يتقاطع مع ما ذكرته فتحية السعيدي حين قالت خلال الندوة “كلّنا مهدّدَات والمرسوم 54 سيف مُسلَّط على كلّ النّشطاء. الحياة السياسية تصحّرت، في ظلّ وضع اليد على الإعلام العمومي وترهيب المؤسسات الإعلامية وغياب البرامج السياسية الجادّة. مناخ الحرية أصبح ينحسر تدريجيًّا في فترة انتخابيّة يُفتَرض فيها احترام حقّ الاختلاف”.
من جانبها، عبّرَت نبيلة حمزة عن الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات عن استيائها من سلب حرية النساء، واعتبرته استهدافًا خاصًّا لهنّ على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، و”انتكاسة واضحة” للمكاسب التي تحقّقت خلال العشرية الفارطة، حيث كانت تمثيليّة النساء في المجالس البلديّة تُقدَّر بـ47% مع تولّي أكثر من عشرين امرأة منصب رئيسة بلديّة، في ظل اشتراط التناصف الأفقي والعمودي في القائمات الانتخابية المترشحة، وهو مبدأ تمّ التخلّي عنه مع مراسيم الرئيس سعيّد الانتخابية. وتُضيف ممثّلة جمعية النساء الديمقراطيات أنّ رئيسات البلديات مُلاحَقات، إما في ملفّات فارغة أو بسبب المرسوم 54: “هذه الهرسلة هي تقزيم للنساء وإرجاعهنّ إلى المربّع الأول الّذي أُريد لهنّ أن يكنّ فيه ونسف كلّ نموذج للمرأة الناجحة”، تقول نبيلة حمزة، لتضيف: “كلّنا متّفقون أننا أمام مشهد غير مسبوق، ولأول مرة نشهد وجود عشر نساء قابعات في السجن. هذا وضع استثنائي”.
في الوقت الّذي ارتفع فيه سقف مطالب الجمعيات والمنظمات النسوية إلى المطالبة بالمساواة التامة والكاملة في الميراث وفي الأجور بين المرأة والرجل وتولّي مناصب أخذ قرار في الدّولة والإدارة، أصبحت مطالب الحريّة هي الأساس، وهو ما حثّ الحركة النسوية على تجميع أكبر عدد من الجمعيات والانفتاح على النساء الناشطات في الأحزاب لإعادة التفكير في نقاط الالتقاء التي قد تجمعهنّ، وهو أمر يشبه السّير فوق رمال متحرّكة. تقول سارة بن سعيد عن جمعية أصوات نساء في تصريح للمفكرة في هذا الخصوص: “عقَدنا اجتماعات مع الأحزاب الديمقراطية، ومن الضروري البحث عن الأشياء التي تجمعنا، مثل المشاركة في الشأن السياسي ومناخ الخوف المسيطر الذي يَمنع النساء من الانخراط في الجمعيات، إلى جانب الظروف الاقتصادية والاجتماعية. إذ بإمكان النساء لعب دور كبير في الجمعيات النسوية والأحزاب السياسية للضغط على الأجندا السياسية للأحزاب، حتّى تكون مشاركَة النساء في الفضاء العام أولوية في الحوارات السياسية وإحياء العمل النسوي، بخاصة في ظل وجود تراجع على حقوق النساء اللائي يشعرن بالتهديد على خلفية تدوينة أو نقد وضعية تعيشها المرأة من نقل أو غلاء أسعار”.
مثّلت الندوة مناسبة لدعوة بعض النساء المعنيات بالتضييقات، مثل آمال العلوي الرئيسة السابقة لبلديّة طبرقة، أو شقيقة المحامية والإعلامية سنية الدهماني التي تحدّثت عن ظروف الاعتقال غير الإنسانيّة وعن “قتل مظاهر الأنوثة” في السجن، حيث تُمنع السجينات من ارتداء أزياء صيفيّة خفيفة بحلول فصل الصّيف.
كانت الندوة مناسبة للتعريف بالحملة المتعلّقة بالإفراج عن كلّ النساء دون استثناء، في انتظار تفعيل هذا الشعار وسماع أصوات كلّ النساء عوض الاكتفاء بالحديث عنهنّ.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.