“
يشغل حمادة أبو نجمة حاليا منصب مدير منظمة بيت العمال وأمين عام وزارة العمل الأردنية سابقاً. وهو من أبرز الأشخاص المتابعين لمسألة الإتجار بالبشر في الأردن، من حيث إطاره التنظيمي وإطاره التطبيقي على حدّ سواء. وعليه، رأت المفكرة أهمية كبيرة في الاستماع إليه، فكان هذا اللقاء (المحرر).
المفكرة: برأيك، ما هي أبرز ثغرات قانون منع الإتجار بالبشر؟
أبو نجمة: من خلال التطبيق العملي لأحكام القانون منذ صدوره عام 2009 ولغاية الآن تبين للمختصين والجهات العاملة على تنفيذ أحكامه خاصة القضاة والمدعين العامين والأجهزة الأمنية ومفتشي العمل عدد من الثغرات التي تشكل إعاقة حقيقية لتحقيق الغاية من وجوده. وقد تمت دراسة أحكام هذا القانون ومراجعتها من جهات رسمية ومنظمات مدنية وحقوقية انتهت إلى وضع عددا من التوصيات بهدف تطويره. ولكن ولغاية الآن، لم يجرِ أي تعديل على هذا القانون رغم مضي ما يقرب من ثماني سنوات على تطبيقه.
فالقصور في تعريف جريمة الإتجار بالبشر في المادة الثالثة من القانون يعدّ أحد أهم العوائق أمام تحقيق الأهداف والمبادئ التي نصت عليها الإتفاقيات والمعاهدات التي صادق عليها الأردن وبشكل خاص بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالبشر. فقد تضمن بعض العبارات التي لم يتم توضيح معناها ومفهومها مثل عبارة “العمل القسري” و”الاسترقاق” و”السخرة” و”العمل قسرا”. كما أن هناك بعض الأفعال التي كان يجب أن يتضمنها التعريف ولم ترد فيه مثل “الممارسات الشبيهة بالرق” خاصة وأن حالات الإستغلال التي وردت في التعريف كانت على سبيل الحصر وليس على سبيل المثال، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان تطبيق القانون على حالات قد تدخل في مفهوم الإتجار بالبشر بطبيعتها ووفق المعايير الدولية بهذا الخصوص. إلا أن القانون لم يعترف بها نتيجة صياغة التعريف بهذا الشكل، كل ذلك أدى إلى أن يتوجه القضاء في كثير من الحالات إلى تكييف الحالات والأفعال المعروضة عليه بأوصاف قانونية أخرى وردت بشكل خاص في قانون العقوبات كجرائم منفصلة عن جريمة الإتجار بالبشر كونها أكثر وضوحا في تعريفها وعناصرها.
ومن الأمور التي غفل عنها القانون أنه لم يضع تعريفا للضحية والمتضرر، ولم يجرم فعل الإشتراك بجريمة الإتجار بالبشر والشروع فيها ولم يشمل هذه الأفعال بالعقوبات التي وردت فيه، ولم ينص على تدابير حمائية للشهود والضحايا بشكل خاص، ولا يعالج حالة استخدام الأطفال في إنتاج المواد الإباحية، كما لم ينص على عقوبات خاصة في حالة وفاة الضحية نتيجة الإتجار بها، ولم يرد فيه أي نص حول الإجراءات الواجب اتخاذها من السلطات المختصة للتعرف على الضحايا بسرعة ودقة وضرورة تأهيل الموظفين المعنيين بذلك على خصوصية جريمة الإتجار بالبشر وخصوصية وضع ضحاياها والتعاون لهذه الغاية مع المنظمات غير الحكومية. كما لم ينص القانون على أي نوع من أنواع التعويض لضحايا الإتجار بالبشر وقد ترك الأمر للقواعد العامة وفق أحكام أصول المحاكمات الجزائية الذي يتطلب من المتضرر الإدعاء بالحق الشخصي للمطالبة بالتعويض وما يتطلبه ذلك من إجراءات وبينات.
أما بخصوص المساعدة القانونية والإجراءات القضائية، لا ينص القانون على التزام السلطات المعنية أن تتولى توفير المعلومات عن الإجراءات القضائية والإدارية لضحايا الإتجاربالبشر إذا احتاجوا إلى ذلك، ولا إلى تأمين المساعدة القانونية لهم خاصة أن المساعدة القانونية التي نصت عليها المادة 208 من قانون أصول المحاكمات الجزائية المتمثلة بتوكيل محام على نفقة الخزينة هي فقط في حالات الجرائم المعاقب عليها بالإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة، وهي تشمل المتهم فقط ولا تشمل الضحية، ولم يرد فيه أي نص يوجب أن تكون المحاكمة سرية لخصوصية موضوع الإتجار بالبشر. ويبدو أنه ترك الأمر لتقدير القاضي عملا بأحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية الذي أكد على علنية المحاكمة إلا إذا رأت المحكمة أن تكون سرية مراعاة للنظام العام أو محافظة على الآداب.
أما بخصوص ضحايا الإتجار بالبشر من الأطفال فلم يوجب القانون إبقاء هوية الضحية الطفل سرية، ولم ينص على أن يكون لهم وضع خاصّ. فكانت نصوصه شاملة لكل الضحايا بالغين وأطفالا.
المفكرة: هل وجدت الاتفاقية الدولية الخاصة بمناهضة جريمة الإتجار بالبشر انفاذا في الاردن بمجرد صياغة قانون حتى لو كان هناك ملاحظات عليه؟
أبو نجمة: من المؤكد أن مجرد صدور القانون يعتبر إنجازا هاما قرب الأردن كثيرا من تطبيق المعاهدات الدولية ذات العلاقة، وساهم بشكل فعال في تشكيل الأجهزة ووضع الآليات اللازمة لتحقيق ذلك، وبشكل خاص تشكيل اللجنة الوطنية بموجب أحكام المادة (5) من القانون تتولى مهام رسم السياسة العامة ومراجعة التشريعات ذات العلاقة بمنع الإتجار بالبشر، وتقديم المقترحات والتوصيات اللازمة بشأنها، ووضع الخطط والإشراف على تنفيذها، والتنسيق بين الجهات الرسمية وغير الرسمية المعنية.
وكذلك تم إعداد الإستراتيجية الوطنية لمنع الإتجار بالبشر بالتعاون بين الشركاء أصحاب العلاقة وإطار عمل لمكافحة الإتجاربالبشر للفترة 2010-2012 وضمت أربعة محاور هي: الوقاية، والملاحقة القضائية، والحماية، وتعزيز الشفافية وبناء الشراكات على كافة الأصعدة، وهي تتطلب حاليا المراجعة والتطوير.
إضافة إلى إنشاء وحدة مكافحة الإتجار بالبشر في العام 2013، بناءً على مذكرة تفاهم بين مديرية الأمن العام ووزارة العمل، لغايات تنفيذ قانون منع الإتجار بالبشر، وتهدف إلى مباشرة الإجراءات القانونية المتعلقة بمكافحة جريمة الإتجار بالبشر وتعقبها وضبط مرتكبيها وتقديمهم الى الجهات القضائية المختصة.
المفكرة: ما هي الإشكالات المتصلة بحماية حقوق ضحايا الجريمة العابرة للوطنية (الإتجار بالبشر)؟
أبو نجمة: الأردن ما یزال يعتبر وفق التقارير الدولية دولة عبور للإتجار بالبشر والعمل القسري، وما زالت الحاجة ماسة للعمل على إبرام اتفاقيات تعاون ثنائية ومتعددة الأطراف لتبادل المعلومات والخبرات عن المجني عليهم (الضحايا) والمتضررين في جرائم الإتجار بالبشر ومقترفي هذا النوع من الجرائم والتعاون في هذا المجال، وتطوير آليات إحالة وطنية مشتركة مع بلاد الأصل وبلاد العبور وبلاد الوجهة، وضمان إعادة اندماج الضحايا وتنظيم عودتهم الآمنة لبلدانهم.
فرغم أن الأردن قد حقق نجاحا في تبادل المعلومات والممارسات الفضلى في مجال الإتجار بالبشر مع منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الانتربول) وشرطة الشراكة الأوروبية المتوسطية، حيث أكد تقرير الاتحاد الأوروبي حول تطبيق سياسة الجوار بأن قدرات التحقيق والتحليل لدى مديرية الأمن العام تتوافق مع الاتحاد الأوروبي والمعايير الدولية، إلا أن العديد من الجهات الوطنية المعنية تعتبر بأن الوصول إلى التعاون الدولي الفعال في هذا المجال ما زال صعب المنال، وما زالت التشريعات والإجراءات المعمول بها عاجزة عن وقف الإستغلال للعمالة في الدول المرسلة ومن داخل المملكة، ورغم التعاون مع سفارات الدول المرسلة للعمالة، إلا أن هذا التعاون لا يرقى إلى مستوى تبادل المعلومات والربط الالكتروني خاصة بين وزارة العمل وسفارات هذه الدول، ورغم المساعي التي تمت لتأسيس مبادرة للتعاون مع الدول العربية بهدف تطوير اتفاقيات واستراتيجيات عربية موحدة لمنع الإتجاربالبشر إلا أنها لم تحظ بتطبيق حقيقي.
المفكرة: هل هناك إنصاف لضحايا الإتجار بالبشر؟ وما شكل الإنصاف والتعويض الذي يفترض؟ وكيف ترى الأردن من ذلك؟
أبو نجمة: تتمثل أهم العقبات أمام الإنصاف الحقيقي لضحايا الإتجاربالبشر في عدم توفر آليات واضحة وميسرة ومشجعة لوصول الضحايا إلى السلطات والجهات المختصة وتقديم الشكوى أو إقامة الدعوى، حيث يحجم الضحايا عن تقديم الشكوى لعدم معرفتهم بالجهات والكيفية التي تقدم فيها، وأحيانا لعدم الثقة بفعالية إجراءاتها وخوفا من ردة فعل الجاني، خاصة في ظل عدم وجود أحكام تشريعية تحدد بوضوح الإجراءات الواجب اتخاذها من السلطات المختصة للتعرف على الضحايا بسرعة ودقة، وفي ظل الإجراءات المتبعة بخصوص العمال الذين يقيمون الدعوى والتي تعرضهم للتسفير نتيجة إلغاء تصريح عملهم وإقامتهم.
كما يشكل عدم وجود نص بفرض تعويض خاص لضحايا الإتجار بالبشر صعوبة كبيرة في وصول الضحية إلى حقوقها وإنصافها. فقد ترك المشرع الأمر للقواعد العامة وفق أحكام أصول المحاكمات الجزائية الذي يتطلب من المتضرر الإدعاء بالحق الشخصي للمطالبة بالتعويض وما يتطلبه ذلك من إجراءات وبينات.
وتعتبر فكرة إنشاء صندوق خاص لتعويض الضحايا رائدة وفعالة فيما لو تم تنفيذها، خاصة وأن تمويله سيكون من المبالغ والأصول التي يتم تحصيلها من الجناة في جرائم الإتجار بالبشر وفق ما تنص عليه أحكام قانون منع الإتجار بالبشر. ولكن ذلك لا ينفي أيضا أهمية تعديل القانون بوضع نص صريح يفرض تعويضا عادلا للضحية وإجراءات تحديده مقداره وكيفية تحصيله، وكذلك تحديد آليات ميسرة لتقديم الشكاوى والوصول للجهات المختصة، ومنع تسفير الضحية ومنحها الوقت الكافي للتعافي ومتابعة حقوقها ومتابعة الإجراءات القانونية والإدارية المتعلقة بذلك.
مكافحة جريمة الإتجار بالبشر يضّعفها نصوص القانون
- نشر هذا المقال في عدد | 56 | تموز 2018، من مجلة المفكرة القانونية. لقراءة العدد انقر/ي على الرابط ادناه:
هل حقا نريد ردع الإتجار بالبشر؟ هل حقا نريد حماية ضحاياه؟
“