أصدرت الدائرة المدنية عدد 21 بالمحكمة الابتدائية بتونس بتاريخ 26-5-2014 حكمها في القضية عدد41369 التي رفعها بتاريخ 20-1-2014 المكلف العام بنزاعات الدولة في حق الكاتب العام للحكومة لطلب حل الرابطة الوطنية لحماية الثورة "ر.و.ح.الثورة". قضى الحكم الابتدائي الدرجة بثبوت مخالفة الرابطة الوطنية لحماية الثورة للأحكام القانونية المنظمة لتكوين الجمعيات وصرح تبعا لذلك بحلها وحل سائر فروعها وتعيين مصفّ قضائي لإتمام إجراءات تصفية مكاسبها المنقولة وغير المنقولة تحت رقابة قضائية والإذن بالتنفيذ الوقتي بدون التفات للاستئناف. وكانت هذه الجمعية (الرابطة) قد تأسسست مباشرة بعد ثورة 14 جانفي 2011 وكان لقيادات الاتحاد العام التونسي للشغل والناشطين اليساريين دور في انشائها وقيادة تحركاتها باعتصامي القصبة 1 والقصبة 2 والتي رفعت رابطات حماية الثورة خلالها شعارات ثورية فرضت انشاء المجلس الوطني التأسيسي. غير ان ذات الجمعية غيرت لونها السياسي سريعا وباتت في مواجهة معلنة مع القوى التي أسستها.
وقد جاء الحكم لينهي جولة من الجدل حول رابطات حماية الثورة، والتي شكل أسلوب التعامل معها موضوع خلاف حاد بالساحة السياسية التونسية. فقد اعتبرها جزء من الطيف السياسي روح الثورة وأداة تحمي مسارها من الثورة المضادة، فيما اعتبرها الجزء المقابل ذراعا مليشياويا لأحزاب المؤتمر من اجل الجمهورية وحركة وفاء وحركة النهضة وانتهوا الى التصريح بأن الدور الذي تقوم به هذه الجمعيات لا يتعدى تصفية الخصوم السياسيين للأحزاب التي تقف وراءها. وقد ذكى الخلاف حول رابطات حماية الثورة الازمة السياسية التي عرفتها تونس مطلع سنة 2013 اذ تمسكت المعارضة في حينها بتحميل هذه الرابطات مسؤولية افساد اجتماعاتها بالجهات، واعتبرت أن استمرار وجودها يهدد البناء الديمقراطي، كما اتهمت الاحزاب الحاكمة باستعمالها لفرض دكتاتوريتها. بالمقابل، استماتت الاحزاب التي كانت تحكم في الدفاع عن الرابطات بدعوى انها جمعيات تنشر ثقافة الثورة ومبادئها. وقد انتهى الحوار الوطني الذي عقد برعاية رئاسة الجمهورية التونسية في بيانه الختامي المؤرخ في 16-5-2013 الى تحقيق حل وسط بين الفرقاء فتم التنازل عن فكرة الحل الاداري للرابطات حماية الثورة لتعارضه مع قانون الجمعيات، ووتم الاتفاق على تكليف الحكومة باتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة لطلب تتبع الرابطات قضائيا لغاية حلها. وذات الموقف تمسك به الحوار الوطني الذي عقد تاليا برعاية الاتحاد العام التونسي للشغل بتاريخ 21-5-2013 الذي انتهى المشاركون فيه الى التوافق على ضرورة التعجيل بفتح تحقيق في شأن ما يسمى برابطاتحماية الثورة واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد ما تشكل منها على غير الصيغ القانونية.
تولى الكاتب العام للحكومة بداية سنة 2014 نشر قضية حل رابطات حماية الثورة وفق ما توافقت عليه الطبقة السياسية وجمعيات المجتمع المدني التي رعت الحوار الوطني. وعدت مبادرة الحكومة التي تولدت عن الحوار الوطني رفع الدعوى القضائية تنفيذا لبنود التوافق الوطني التي التزمت بها. واصدرت مع قرب نهاية السنة القضائية المحكمة حكما يستجيب لطلب حل رابطات حماية الثورة. وبمجرد صدور الحكم القضائي، عاد الخلاف حول الرابطات ليغزو المشهد العام ولكن بأقل حدة وتحول القضاء الى موضع تجاذب بمناسبته. فقد ادانت رابطات حماية الثورة الحكم القضائي واكدت انها ستتولى الطعن فيه وعبر المتحدثون باسمها عن استيائهم منه بعد ان اعتبروا ان المحكمة التي اصدرته كانت مجرد واجهة لتصفية جمعيتهم التي قررت سلفا. وفي موازاة ذلك، اكتفت حركة النهضة بالتعبير عن استغرابها من تضمن الحكم الاذن بالتنفيذ العاجل واعتبرت ذلك مستهجنا فيما بدا تلميحا منها لعدم موضوعية الحكم القضائي. وفي مقابل ذلك، اعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل اكبر منظمة نقابية تونسية والطرف الرئيسي الراعي للحوار الوطني على لسان الناطق الرسمي باسمه السيد سامي الطاهري أن "القرار القضائي خطوة ايجابية لمزيد تصفية الأجواء السياسية". وفي ذات الاتجاه اعتبر الحزب الجمهوري في بيان له قرار حل الرابطة قرارا "ينصف كل القوى الديمقراطية في تونس باعتبارها تهدد للسلم الاجتماعي في تونس".
انتهت المحكمة في حكمها الابتدائي الى بيان قناعتها بمخالفة رابطات حماية الثورة للقانون وقضت بحلها وتوصلت الى وجوب التنفيذ العاجل للحل لتعلق الامر بالنظام العام بما يعطي لحكمها اهمية كبرى. وبرزت اهمية الحكم القضائي في سرعة تفاعل السياسيين مع منطوقه. وقسم الحكم الآراء حوله كما قسمت رابطات حماية الثورة المواقف حولها.
وبالنظر لاهمية الحكم القضائي الذي تولى الاعتماد في سنداته على المواثيق الدولية وحاول ارساء تعريفات لمبدأ حرية تكوين الجمعيات واهمية القرار الذي انتهى اليه، فان المفكرة القانونية تنشر لائحة الحكم كاملة لتمكن قراءها من الاطلاع على القرار القضائي وسنداته.
الصورة منقولة عن موقع elbashayeronline.com
متوفر من خلال: