“
يتنقّل وليد عيّاش بين السيارات على مهل تارةً، ويتسمّر في مكانه تارة أخرى، حاملاً صندوقاً لجمع التبرّعات لدعم خيمة إعتصام حلبا عبر شراء عبوات مياه ودفع أجرة أجهزة الصوت، وتأمين الطعام للثوار الذين يلازمون الخيمة ليلاً نهاراً.
يواصل وليد، الثائر الغاضب، العاطل عن العمل، مسعاه لجمع التبرّعات على الرغم من الإهانات والشتائم والتجريح الذي يتعرّض له من معارضين للثورة. ويقول لـ”المفكرة”: “أنا في الشارع من الليلة الأولى للثورة، أسرعت إلى ساحة حلبا وبقيت إلى يومنا هذا وأنا مستمر إلى أن يصير لدينا دولة تحترم حقوقنا”.
و”خيمة إعتصام حلبا” كما أراد روّادها تسميتها، هي خيمة بسيطة الصنع، تبعد عن الساحة بضعة أمتار. وفي إحدى زواياها علقت المطالب من “إسقاط النظام الطائفي” و”استعادة الأموال المنهوبة” و”إسقاط حكم المصارف”.
يؤكّد غيّاث صبحي، وهو ناشط إجتماعي، بأنّ خيمة اعتصام حلبا ليست حكراً على أهالي حلبا بل تجمع الثوار من كل القرى المجاورة أي من الشقدوف، ووادي خالد، والدورة، وكوشا. وعن نشاطات الخيمة يقول بأنّهم خصصوا ثلاثة أيام في الأسبوع للحلقات الحوارية والثقافية يستضيفون خبراء إقتصاديين وحقوقيين وأساتذة جامعين يناقشون الأوضاع الراهنة في البلد. ويؤكد غيّاث بأن: “صبرنا نفذ مما أوصلتنا إليه السلطة السياسية، ودفعنا ثمناً كبيراً إلى درجة لم يبق اليوم ما ندفعه، فلم نجد أمامنا سوى الانضمام إلى الثورة”.
بالفعل، لم تتأخر عكار في الاستجابة إلى العصيان المدني، وقطع الطرقات، وهو ما يؤكده غيث حمود الذي يقول لـ”المفكرة”: “نعمل بجد كل يوم لتسكير المؤسسات الرسمية في المنطقة، مثل الدائرة المالية، ومصلحة المياه، وأمانة السجل العقاري والمساحة، وأجيرو…”. ويشير إلى: أنّ “الحركة الطلّابية شريك أساسي في ثورتنا، ومشاركتهم كثيفة وملفتة، ينطلقون من المدارس والثانويات وصولاً إلى الساحة معبرين عن غضبهم وحاجتهم لأن يكون لهم جامعة في المنطقة”. ويقول غيث: “أعداد الثائرين في حلبا إرتفعت مع إرتفاع الاسعار، فلم يعد بمقدور العكاري أن يتحمّل أعباء الحال التي أوصلتنا إليه السلطة”. ومع تدهور الأوضاع “هناك خطوات تصعيدية من قبل الثوار المتواجدين في ساحة حلبا في الأيام المقبلة كي يتم الاستجابة لنا ولمطالبنا”.
حلبا هي مركز محافظة عكار، وهي مقصد القرى المحيطة لتوفّر الخدمات فيها على كافة أشكالها، سواء للتبضع أو الطبابة أو خدمات أخرى. كما تتميّز بوجود عدد من المصارف، وفيها مركز الضمان الاجتماعي ومستوصف حلبا العسكري إضافة إلى مستشفى اليوسف الطبي ومستشفى عكار. ويقصدها أيضاً سكان القرى المرتفعة عن سطع البحر للاستئجار والسكن فيها نظراً إلى موقعها الاستراتيجي وتوفّر كل ما يحتاجونه.
ما يدفع ثوار حلبا إلى الاستمرار هو تردّي الأوضاع الاقتصادية واتساع رقعة الفقر فيها وفي القرى والبلدات المجاورة. فكما تأثرت مختلف المناطق في لبنان أيضاً بالأوضاع الاقتصادية، تأثرت حلبا. فتقلّصت الحركة في السوق مع تراجع القدرة الشرائية، فقلّ رواد المتاجر، والمقاهي، وحتى حركة المواصلات صارت ضئيلة إثر الإضرابات وقطع الطرقات التي كانت تحدث في المنطقة.
يتحدث وليد أكومي، بألم ودهشة عن كم الحالات التي يصادفها يومياً لأشخاص من دون أي دخل، فيقول: “منذ أيام قصدت الخيمة سيدة وكانت في حالة غضب بسبب رفض إحدى مستشفيات المنطقة إخراج إبنتها إلّا مقابل مبلغ من المال لا تملكه. فاستنجدت بالثوار الذين ضغطو على المستشفى لإخراجها بقوّة الإصرار”. ويضيف: “صارت هذه الخيمة مقصداً أيضاً لعدد من الفقراء الذين لا حولة لهم ولا قوّة فيتم مساعدتهم من خلال جمع تبرعات من الأشخاص الموجودين في الخيمة ومساعدة من هم بحاجة قدر المستطاع”. ويتابع وليد بأنه يمضي عشرين ساعة وما فوق في خيمة الإعتصام من دون ملل أو كلل، مؤكداً أنّ “لا رجوع عن ثورتنا إلّا عند تحقيق مطالبنا”.
بشارة فرفور، تقريباً لا يغيب عن الساحة أيضاً، كما يقول رفاقه الثوار. يجلس على كرسيه المدولب مبتسماً وينقّل نظره من شخص إلى آخر. هو من أهالي شيخ طابا، يقول لـ”المفكرة”: “أن من حاملي بطاقة المعوّق التي يفترض أن تخوّلني الحصول على خدمات حسب وضعي ولكن سوء الأوضاع الاقتصادية طال أيضاً المؤسسات التي تدعم المعوّق، فالسلطة لم تترك لنا شيئاً سلبتنا كل شيء حتى كرامتنا”. ويضيف: “لم يردعني حتى المطر عن القدوم إلى الساحة، وأنا باقٍ هنا حتى أتمتع بحياة طبيعية وأحصل على حقوقي كما في البلدان التي تصون حياة المعوّق”.
من نشاطات الثوار أنّهم يراقبون إرتفاع الأسعار في المنطقة، فيشكّلون مجموعات شباب يقومون بزيارات ميدانية مفاجئة لمحلّات المواد الغذائية للتحقق من الأسعار، ويدعون الناس إلى مقاطعة المحلات التي تتلاعب بالأسعار.
وبالطبع لا يخلو الأمر من المضايقات، فحلبا تضم العديد من الأحزاب والتوجّهات السياسية وبالتالي تعرّض الناشطون في حلبا لحملات مضادّة من قبل أشخاص معارضين للثورة. إلّا أنّهم وحرصاً منهم على المحافظة على سلمية الثورة واجهوا المضايقات وحتى التعدّيات بهدوء ورباطة جأش.
“