“حكومة الخط الثوري” تتبخر بعد فشل المشاورات في تونس: دعوات لتشكيل حكومة كفاءات مستقلة


2019-12-26    |   

“حكومة الخط الثوري” تتبخر بعد فشل المشاورات في تونس: دعوات لتشكيل حكومة كفاءات مستقلة

بعد شهر ونصف تقريبا من المشاورات مع عشرات الشخصيات وممثلي الأحزاب، وصل مسار المفاوضات حول تشكيل الحكومة التي سيترأسها الحبيب الجملي إلى طريق مسدودة مع حزبي حركة الشعب والتيار الديمقراطي إضافة إلى حزب تحيا تونس. ليعلن الجملي مساء يوم 23 ديسمبر الجاري عن نيته إنهاء المفاوضات والمضي نحو تشكيل حكومة "كفاءات مستقلة" عن الأحزاب. إعلان تزامن مع فشل الاجتماع الذي دعا إليه رئيس الجمهورية قيس سعيد ممثلي الأحزاب المذكورة وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي بسبب رفض هذا الأخير مواصلة المفاوضات. هذا المنعرج الجديد، سيشكل نقطة بداية تشكل ملامح أزمة سياسية جديدة ومواجهة حتمية بين معسكر رئيس الحكومة المدعوم من حركة النهضة والأحزاب المنسحبة من المفاوضات والتي ستدور رحاها تحت قبة مجلس نواب الشعب عند طرح التشكيلة المرتقبة لنيل الثقة.

 

انقضت حوالي ثلثي المدة ولم يتبقّ إلا ثلاثة أسابيع كمهلة لرئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي، ليصحب حكومته ويتجه نحو قبة باردو طالبا نيل ثقة نواب الشعب. ولكن إلى الآن لا يزال المشهد قاتما تحوم حوله ضبابية كبيرة، حول طبيعة هذه الحكومة. فالمشاورات التي انطلقت منذ خمسة أسابيع والتي جمعت على طاولة النقاش أطرافا مختلفة وهي حركة النهضة وحزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب وائتلاف الكرامة وتحيا تونس، لم تفرز أي نتيجة مرجوة بعد تعثرها في أكثر من مرة وانقطاعها وانسحاب كل من التيار الديمقراطي وحركة الشعب لما اعتبروه عدم جدية في التفاوض. أخذ ورد واقتراب انتهاء الآجال الدستورية لتشكيل الفريق الحكومي، جعل رئيس الحكومة المكلف يعقد ندوة صحفية مساء يوم 23 ديسمبر بعد لقائه برئيس الجمهورية قيس سعيد وأثناء إجراء هذا الأخير للقاء مع الأحزاب المعنية بالمشاركة في تشكيل الحكومة، ليعلن خلالها أنه سيقوم بتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة يستبعد منها كل الأحزاب السياسية وسيكون مقياسه الوحيد في اختيار المرشحين الكفاءة والنزاهة والقدرة على التسيير.

 

الحبيب الجملي يقاطع جميع الأحزاب ويتجه إلى "الكفاءات المستقلة"

فاجأ قرار رئيس الحكومة المكلف، الحبيب الجملي، أغلب المتابعين للمشهد السياسي في تونس لظنهم أن اللقاء الذي يجريه رئيس الجمهورية قيس سعيد مع ممثلي الأحزاب السياسية والذي تزامن مع هذه الندوة، سيكون بادرة حل للأزمة. في هذا السياق، اعتبر النائب عن حركة الشعب، بدر الدين القمودي في تصريح خص به "المفكرة" أن حركة الشعب لم تتفاجأ من مضمون الندوة الصحفية التي قام بها رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي. بل إن ما قام به كان متوقعا، إذ أن سيناريو المباحثات التي قام بها طيلة شهر تقريبا مع حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب كان الغرض منها أساسا، هو إشراك هذه القوى الحزبية الوازنة إشراكا شكليا، ويبقى رئيس الحكومة هو المهيمن وذلك تحت عنوان أنه سيخصص 15 حقيبة وزارية لشخصيات مستقلة ولكن في الحقيقة لن يكونوا مستقلين، بل كانت نيته تخصيص 15 حقيبة وزارية لحركة النهضة. ليضيف أن الحديث اليوم عن حكومة كفاءات هدفه تضليل الرأي العام وإيهام الجميع بعدم وجود أي تحالف مع حزب قلب تونس، حيث سيتم تعيين شخصيات غير معروفة تابعة لحزب قلب تونس تحت يافطة حكومة الكفاءات، وهو ما سيجعلها في نهاية الأمر حكومة سياسية تعكس تحالف حركة النهضة بقلب تونس وائتلاف الكرامة وبعض المستقلين. إن ما يحصل منذ مدة هو مسلسل هدفه مغالطة الرأي العام، وقد قامت حركة النهضة في البداية بعقد سلسلة من المشاورات لتوهم الجميع أنها تريد التحالف مع مختلف القوى السياسية ولكنهم رفضوا ذلك المقترح.

تمحورت معظم الاتهامات التي طالت حركة النهضة عموما في شخص رئيسها ورئيس مجلس النواب راشد الغنوشي بأنه يقف خلف تعطل مسار المشاورات وأن ما يحصل كله يعتبر سيناريو أراد زعيم الحركة الوصول إليه لكن القيادية بحركة النهضة محرزية العبيدي، أكدت عند اتصال المفكرة القانونية بها على الاستقلالية التامة لرئيس الحكومة المكلف واعتبرت أن ما قاله في الندوة التي أجراها يوم 23 ديسمبر دليل على أنه ممسك بزمام الأمور واعتبرت أنه بالعودة إلى تصريحات رؤساء الحكومة المكلفين منذ حمادي الجبالي أي منذ سنة 2011 فإن ما صرح به الحبيب الجملي يعتبر تقريبا أقوى خطاب سياسي قيل، فبالرغم من أن عددا من قيادات وقواعد حركة النهضة ممتعضة من فكرة حكومة الكفاءات المستقلة، إلا أن الجملي تماهى تماما في قراره هذا مع نبض المواطنين الذي يتجه نحو رفض المناورات المتكررة للأحزاب. لقد رتب كلامه وأفكاره ورؤيته حسب أصداء ما يصله من أراء الناس.

الندوة الصحفية لرئيس الحكومة المكلف وقراره بالمضي نحو تشكيل حكومة كفاءات وطنية لم يلق إعجاب مختلف أطياف الطبقة السياسية. فلئن عبرت حركة النهضة عن إعجابها بما أقدم عليه الحبيب الجملي فإن التيار الديمقراطي وحركة الشعب قد أعلنا عن رفضهما لهذه المبادرة، لا سيما أنها تزامنت مع لقاء رئيس الجمهورية بممثلي الأحزاب التي كان من المتوقع مساهمتها في تشكيل الحكومة وهم محمد عبو عن حزب التيار الديمقراطي وزهير المغزاوي عن حركة الشعب وراشد الغنوشي عن حركة النهضة ويوسف الشاهد عن تحيا تونس. اجتماع علقت عليه الكثير من الآمال لإيجاد أرضية مشتركة للتفاهم، إلا أنه انتهى في أقل من نصف ساعة بعدما تشبث رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بعدم العودة إلى المشاورات. موقف تماهى مع قرار الجملي في الندوة الصحفية، والذي لم يكلف نفسه عناء انتظار مخرجات هذه الجلسة.

وقد اعتبر الكاتب والصحفي زياد الهاني عند اتصال "المفكرة" به أن ما أقدم عليه المكلف بتشكيل الحكومة الحبيب الجملي من خلال مسارعته لعقد ندوة صحفية عاجلة مباشرة بعد اجتماعه برئيس الجمهورية قيس سعيد وفي نفس الوقت الذي انطلق فيه اجتماع هام ثان بين الرئيس قيس سعيد والأطراف الأربعة التي كان يفترض منها تشكيل حكومة التغيير، لمحاولة إخراج مسار تشكيل هذه الحكومة من المأزق، يمثل أولا إهانة لرئيس الدولة، كما أنه قطع الطريق على مبادرته. لذلك لم يكن لتلك الخطوة أي موجب. لقد كان من الممكن الانتظار ولو لفترة زمنية قصيرة لتبين مآل مبادرة رئيس الجمهورية. ثانيا وللأسف فإن الموقف الذي اتخذه المكلف بتشكيل الحكومة بقطع الطريق على مبادرة رئيس الدولة والإعلان على تشكيل ما سماه حكومة كفاءات مستقلة، لا يعتبر موقفا خاصا بالسيد الحبيب الجملي بقدر ما هو رجع صدى لقرار رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الذي أعلن خلال اجتماعه مع رئيس الجمهورية رفقة الأطراف الأخرى.

 

 

 

مسار متعثر منذ البداية والكل يتهم الكل

انطلقت مشاورات تشكيل الحكومة منذ تكليف السيد الحبيب الجملي بتاريخ 15 نوفمبر 2019 لتتخذ مسارا اتسم بالتذبذب والتشنج بين مختلف الأطياف السياسية المشاركة. وقد بدأ رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع أكبر عدد ممكن من الأحزاب والشخصيات الوطنية وذلك لجعل حكومته ذات قاعدة سياسية صلبة وحزام برلماني واسع، ليستقر الأمر في النهاية على اختيار الخماسي المكون من حركة النهضة والتيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس وائتلاف الكرامة ليكونوا ممثلين في هذه الحكومة المنتظرة. اختيار كلف الجملي الكثير من الوقت الضائع لغياب أرضية للتفاهم بين هذه الأطراف، حيث أعلن حزبا التيار الديمقراطي وحركة الشعب في مناسبتين عن انسحابهما من هذه المشاورات، الأولى كانت يوم 6 ديسمبر 2019، ليصرح رئيس حزب التيار الديمقراطي محمد عبو خلال ندوة صحفية عقدها في ذات التاريخ، أن نواب التيار الديمقراطي بالبرلمان لن يصوتوا لحكومة الحبيب الجملي، وأن حزبه غير معني بالمشاركة في تشكيل حكومة الحبيب الجملي، مؤكدا على أن باب المشاركة في الحكومة الجديدة قد أغلق نهائيا. بدوره أعلن الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، أن الحزب قرر تعليق المشاركة في المشاورات حول تشكيل الحكومة المرتقبة، وذلك بسبب عدم تجاوب رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملى مع مقترحات الحركة.

أما الانسحاب الثاني فكان يوم 22 ديسمبر 2019 بإصدار التيار الديمقراطي بيانا أوضح فيه أن قراره عدم المشاركة في الحكومة المقبلة يستند أساسا على أن التصور العام لا يرتقي إلى مستوى التحديات المطروحة على البلاد، وأعلن في الإطار نفسه الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي خلال نقطة إعلامية، أن الحركة لن تصوت لصالح الحكومة، وتطالب بتكوين حكومة سياسية وببرنامج واضح ودقيق.

رد حركة النهضة لم يتأخر، إذ سارعت لعقد نقطة إعلامية يوم 23 ديسمبر حملت خلاله التيار الديمقراطي مسئولية فشل المشاورات نظرا لاتباعه سياسة المماطلة وخرق التفاهمات متعللا بعدم انعقاد مكتبه السياسي. واعتبرت الحركة في نفس الندوة أنه لا يوجد فشل في مسار تشكيل الحكومة ولكن الأمر يتعلق بإضاعة الوقت، في إشارة إلى أن حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب يقومون بتضييع الوقت على التونسيين.

 وردا على اتهامات حركة النهضة اعتبر عضو المكتب السياسي للتيار الديمقراطي غسان الشقراني في تصريحه للمفكرة القانونية أنه عندما تم تقديم عرض جدي وواضح ومكتوب من قبل عضو حركة النهضة السيد عماد الحمامي إلى التيار الديمقراطي انعقد المكتب السياسي في مساء نفس اليوم، فيما عدا ذلك لا داعي لانعقاد المكتب السياسي في ظل غياب عروض جدية.

وفي نفس السياق اعتبر النائب عن حزب التيار الديمقراطي الأسعد الحجلاوي في تصريحه ل "المفكرة" أن مقترحات التيار كانت واضحة منذ البداية فقد صرحنا أن برنامج الإصلاح ومقاومة الفساد يبنى على العدل والإصلاح الإداري والداخلية، لذلك طالبنا بهذه الوزارات الثلاث، وتم الاتفاق فيم بعد على أن يكون وزير الداخلية شخصية مستقلة ومشهودا لها بالكفاءة والاستقلالية، لكن حركة النهضة كانت ترفض أن يتدخل التيار الديمقراطي في اقتراح أسماء أو الاعتراض على أسماء أخرى يتم تعيينها. وأضاف الشقراني أن الأسماء التي تم اقتراحها كشخصيات مستقلة من بينها أسماء محسوبة على حركة النهضة وأخرى محسوبة على قلب تونس، مثل سفيان السليطي الذي تم اقتراحه كوزير داخلية وهو قريب من حركة النهضة، واعتبر أن ما يمنع التيار فعليا للمشاركة في الحكومة هو عامل الثقة المهتز مع حركة النهضة والذي انعدم عندما تراجع الحبيب الجملي في وعده حتى بخصوص وزارة العدل، تماما كما فعلت حركة النهضة التي قدمت عرضا وتراجعت فيه وهذا ما يطرح إشكالية الثقة.

أما حركة الشعب فلم تعترض على توزيع الحقائب الوزارية بل كان شاغلها مختلفا تماما وهو ما وضحه بدر الدين القمودي للمفكرة القانونية، مطالبنا ليست لها أية صلة مباشرة بتوزيع الحقائب بل كانت مرتكزة على البرنامج الحكومي في مجمله، الذي ينبغي أن يتوفر فيه الحد الأدنى من الضمانات لتغيير منوال التنمية من ناحية ومن ناحية ثانية تقديم تصور بديل بخرج البلاد من الأزمة وهذا ما يتطلب توفر إجراءات تخص استقلالية البنك المركزي وإجراءات متعلقة بمراجعة مشروع الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي في علاقة بالبحث عن أسواق تاريخية جديدة، إضافة إلى مراجعة صيغ التصرف في الثروات الطبيعية، هذه الملفات الكبرى حاول السيد رئيس الحكومة المكلف التهرب منها، فالقضية هنا إذن ليست قضية حقائب.

في المقابل علقت القيادية في حركة النهضة محرزية العبيدي بالقول أن التيار الديمقراطي يقر بأن حركة النهضة قد استجابت لمطالبه ولكنه برفض المشاركة تتحول المسألة إلى تعجيز. وأما طلبات حركة الشعب فلم تكن طلبات آنية إنما كانت مطولة تتطلب وقتا وتدقيقا وفتح ملفات والحيز الزمني لا يكفي لذلك فهي أيضا تعجيزية، واعتبرت أن المشاورات كانت متسمة بالعبثية.

 

ما هي السيناريوهات المحتملة أمام حكومة الحبيب الجملي؟

لم يتبق لرئيس الحكومة المكلف بتشكيل الحكومة إلا ثلاثة أسابيع لجمع "الكفاءات الوطنية المستقلة" واقتراح حقائب وزارية عليهم وتشكيل الحكومة بصفة نهائية ليقف يوم الأربعاء 15 جانفي 2020 أمام مجلس نواب الشعب ويستعرض خطة حكومته ولينال على الأقل ثقة نصف النواب زائد واحد أي 109 نائب في فريقه المنتظر. مهمة تبدو صعبة في ظل غياب حزام برلماني لهذه الحكومة، يصوت لصالحها ويدعمها خلال الأزمات ويجسد تطلعاتها وأهدافها على المستوى التشريعي. إذ لم يعرب عن استحسانه لمبادرة رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي إلى حد الآن سوى طرفان أساسيان هما حزب حركة النهضة وحزب قلب تونس، حيث صرح عضو المكتب التنفيذي لحزب قلب تونس أسامة الخليفي يوم 23 ديسمبر أن الحل الأنسب لتسيير دواليب البلاد هو الاتجاه نحو حكومة الكفاءات. ولكن مجموع كتل هذين الحزبين في مجلس النواب مجتمعة يعادل 92 نائبا. حول هذه النقطة، يوضح بدر الدين القمودي النائب عن حركة الشعب في تصريحه للمفكرة القانونية أن الحبيب الجملي يراهن على حلفائه الذي دعموه وهم قلب تونس والنهضة وائتلاف الكرامة وبعض المستقلين. في هذه الحالة يمكنه تمرير الحكومة لكنها ستكون حكومة ضعيفة، واعتبر أن حركة النهضة كانت متأكدة أنه بالتحالف مع قلب تونس ستسير الأمور بطريقة أفضل، وهذا السيناريو تم تجسيده في انتخابات رئيس مجلس النواب ونائبه. في المقابل اعتبرت القيادية بحركة النهضة محرزية العبيدي أنه يوجد طيف لا بأس به من النواب الذين ملوا من المناورات الحزبية لذلك قد يتجهون نحو التصويت لحكومة الكفاءات الوطنية.

تموقع الحبيب الجملي واختياره لحكومة كفاءات وطنية قد يعرض حكومته لكثير من الضغوطات والمشاكل وقد اعتبر الصحفي والكاتب زياد الهاني في تصريحه للمفكرة أن هذه الحكومة ستمر بكل تأكيد في البرلمان تماما كما مر رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى رئاسته لكن لا أعتقد أنها ستكون قادرة على رفع تحديات خطيرة تستلزم بالأساس مواقف سياسية حازمة، لأنه لا يوجد فيها أطراف سياسية ممثلة تحظى بثقة التونسيين والتي تعبر عن إرادة التغيير التي أظهرها الشعب في انتخابات 2019 حتى تكون قادرة على أن تقودهم إلى تحمل قرارات صعبة.

أما على الصعيد القانوني، وفي حال عدم نيل الحبيب الجملي الثقة في شخصه وفي فريقه الحكومي، فإن الدستور التونسي يحيل المسئولية إلى رئيس الجمهورية وفق ما ينص عليه الفصل 89 من باب السلطة التنفيذية والذي جاء فيه؛ في حال عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، يقوم رئيس الجمهورية في أجل عشرة أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر. إذا مرت أربعة أشهر على التكليف الأول، ولم لمنح أعضاء مجلس النواب الثقة للحكومة، لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما.

 

النهضة وقلب تونس: صراع أم تحالف؟

لم يعلن إلى حد الآن سوى حركة النهضة وحزب قلب تونس مساندتهما لحكومة الحبيب الجملي وهو ما طرح إمكانية التوافق بينهما والسير في حكومة كفاءات وطنية خاصة أنهما تحالفا في انتخابات رئيس مجلس النواب وانتخابات نائب الرئيس، بالرغم من أن الشعار الدعائي الأساسي لحركة النهضة خلال الحملة الانتخابية هو عدم التحالف مع قلب تونس والعكس بالعكس. إلا أن الاتفاق على نفس النقطة أثار شكوك عديد من السياسيين الذين اعتبروا أن حركة النهضة كانت تموه في البداية بدعوة الجميع إلى مشاورات تشكيل الحكومة ولكن الآن قد بات مكشوفا تحالفها مع حزب قلب تونس، حيث اعتبر النائب بدر الدين القمودي عن حركة الشعب أن ما تتحدث عنه حركة النهضة بأن الخطة البديلة هي اللجوء إلى شخصيات مستقلة لتشكيل الحكومة بعد فشل المشاورات من جديد مع القوى الثورية هي الخطة الرئيسية وليست البديلة، فحركة النهضة عزمت على تكرار ما حصل في انتخابات رئيس مجلس النواب ونائبه، ومواصلة نفس التحالف، ففي الظاهر يعلنون أنه لا تربطهم أية علاقة بقلب تونس ولكن في نهاية الأمر يقومون بالتصويت لهم وكان هناك اتفاق مسبق ترتبت عنه تركيبة مكتب مجلس الرئاسة؛ منصب الرئيس لحركة النهضة في شخص راشد الغنوشي، ونائب الرئيس لقلب تونس، موقف أكده لنا أيضا عضو المكتب السياسي للتيار الديمقراطي غسان الشقراني حيث اعتبر أن حركة النهضة منذ بداية المشاورات وتكليف الحبيب الجملي كان لها مسار تفاوض موازي مع حزب قلب تونس وهناك لقاءات دورية بين قيادات الحزبين لإيجاد حل للقيام بحكومة تشاركية.

في مقابل ذلك نفت القيادية بحركة النهضة أي تقارب مع حزب قلب تونس واعتبرت أن الغاية الأولى كانت إنجاح الائتلاف مع التيار والشعب وقد استجبنا إلى مطالبهم ودعوناهم تكرارا ومرارا للالتحاق بالمشاورات ودافعنا عنهم في وسائل الإعلام وكنا نرغب في نجاح المشاورات ومشاركتهم في تشكيل الحكومة.

 

في انتظار الكلمة الفصل أمام مجلس النواب في 15 جانفي المقبل، تاريخ التصويت على الفريق الحكومي المرتقب، يُنبأ المخاض العسير لحكومة الجملي بحجم الاحتقان والتنافر بين مكونات المشهد السياسي، ويرسم ملامح الحد الفاصل بين معسكري الحكم والمعارضة خلال السنوات الخمس المقبلة. واقع كان الجملي ومن خلفه حركة النهضة يعونه جيدا قبل بدأ المشاورات، وهو الذي ترجمه رئيس الحكومة المكلف بالخروج فور فشل المفاوضات بالخطة البديلة وسيناريو الحكومة المسنودة من حزبي حركة النهضة وقلب تونس.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، دستور وانتخابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني