في سابقة تعد الأولى من نوعها، حمّلت المحكمة الإدارية في الرباط في تاريخ 9/2/2024 الدولة المغربية مسؤولية التعويض عن الضرر الناجم عن مضاعفات لقاح كورونا. وعليه، قضت بـأن تؤدي الدولة لفائدة المدعية تعويضا قدره 250.000,00 درهم أي ما يعادل 25 ألف دولار، وذلك بعدما تعرضت لشلل على مستوى الوجه والأطراف السفلى نتيجة تلقيها لجرعة من لقاح أسترازينيكا، الذي أصبح اليوم مثار جدل على الصعيد الدولي.
مضاعفات بعد تلقّي جرعة من لقاح أسترازينيكا
تعود فصول القضية إلى تاريخ 23/06/2022 حينما تقدمت المدعية بمقال افتتاحي أمام المحكمة الإدارية بالرباط تعرض فيه بأنها تعمل كأستاذة جامعية، وأن الكلّية التي تعمل بها نظمت عملية تلقيح لفائدة العاملين فيها، بتاريخ 05/02/2021، حيث تلقت جرعة من لقاح أسترازينيكا، إلا أنها تعرضت جراء ذلك لمضاعفات خطيرة لا زالت تعاني من تبعاتها، وقد اعترف لها مركز مراقبة السموم واليقظة الدوائية التابع لوزارة الصحة بكونها مصابة بمتلازمة غيلان باري GHILLAIN BARRE ، التي تصنف كمرض يصيب الأعصاب الطرفية ويتسبب في ضعفها أو حتى بشللها تدريجيا.
وأضافت أن طبييها الخاص عاين التهاب واعتلال الأعصاب متعدد الجذور من نوع المتلازمة المذكورة وشللا على مستوى عضلات الوجه والطرفين السفليين، وأعد تقريرين في الموضوع، كما خضعت لخبرات طبية من لدن أخصائيين تابعين لوزارة الصحة، خلصت لعدم خضوعها مستقبلا لأي جرعة إضافية تتعلق بلقاح من اللقاحات المرصودة لفيروس كورونا.
وأكدت عريضة الدعوى أن مسؤولية الإدارة عن نشاطها الرامي الى تعميم اللقاح لا تستلزم تحقق أي خطأ من جانبها، وأن هذه المسؤولية تتأسس بناء على المخاطر التي يمكن أن تنجم عن أخذ اللقاح تنفيذا لسياسة الدولة في مواجهة كورونا، ملتمسة الحكم لها بتعويض مسبق قدره 5000 درهم، مع اجراء خبرة طبية.
الدولة تنفي مسؤوليتها
أدلى دفاع “الدولة” بمذكرة جوابية تلتمس رفض الطلب، موضحةً بأن الحكومة وضعت بروتوكولا صحيا واضحا قبل انطلاق حملة التلقيح، يتضمن مجموعة من الإجراءات التي يتعين اتخاذها من طرف مراكز التلقيح قبل تطعيم المواطنين، كما وضعت رهن إشارتهم رقما أخضر من أجل طلب المساعدة في حالة ظهور أي أعراض عليهم بعد تلقيهم جرعة التلقيح، ومن أجل تحميل الدولة المسؤولية عن أي تقصير لا بد من إثبات المدعية لاحترامها كافة التدابير المذكورة في البروتوكول، وإثبات إخلال الإدارة بالالتزامات الملقاة على عاتقها. كما أكد دفاع الدولة أنّ ما تمسكت به المدعية من إجبارية التلقيح لإثارة مسؤولية الدولة يعدّ مرفوضا لأن الأمر يتعلق بتدابير احترازية اتّخذتها الدولة بعد الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية.
المحكمة تأمر بخبرة طبيّة للتأكّد من مضاعفات اللقاح
للتأكد من علاقة أخذ المدّعية لجرعة التلقيح ضدّ فيروس كورونا وإصابتها بمتلازمة غيلان باري GHILLAIN BARRE أمرت المحكمة بإجراء خبرة طبية، وبعد اعتذار عدد من الأطباء عن إجراء الخبرة وتقديم طلبات أخرى لاستبدالهم أو لطلب الإعفاء من المهمة، استغرق تنفيذ الأمر بإجراء خبرة حوالي سنة، تم القيام بالمهمة.
خلصت الخبرة الطبية المنجزة الى أن “المدعية استفادت من تلقيح استرازينيكا بتاريخ 2021/02/05 ومباشرة بعد تلقيها الجرعة تعرضت للمضاعفات التالية: إحمرار – تنمل – هبات ساخنة وبعد عشرة أيام أصيبت بألم الرجلين من أسفل القدمين إلى الحوض نقلت على إثره إلى مصحّة وتمت معاينتها وسمح لها بالخروج”، “وبتاريخ 2021/02/20 تفاقم وضعها وربطت الاتصال بطبيب الطوارئ الذي عاينها وحقنها بالكالسيوم، وبتاريخ 2021/02/23 تفاقم وضعها إذ أصيبت بشلل الأطراف السفلية وتنملات ووجع حاد وشلل في الوجه مما اضطرها للذهاب إلى مستشفى ابن سينا في الرباط، وتم تشخيص حالتها هناك بمتلازمة غيلان باري Guillain Barré ، ثم بعد ذلك تمت معاينتها من طرف الدكتور “ن.ب” وشخّص حالتها أنها تعاني من شلل الوجه المزدوج وشلل في الأطراف السفلية مع فقدان ردة الفعل، مما استوجب القيام بالتخطيط الكهربائي للعضلات، وطلب منها إعادة التخطيط بعد 15 يوما وقد تم بالفعل إعادته، إلا أنه لم يظهر علامات المرض، وبالتالي تم تشخيص المرض كلينيكيا وأخذ عينة من ماء النخاع الشوكي فثبت فيها أنها تعاني من متلازمة غيلان باري Guillain Barre بصفة لا شك فيها”.
كما أن الملفّ الطبّي للمدعية يضمّ بين طياته شهادة طبية تثبت أنها تعرضت للمتلازمة المذكورة وأخرى من توقيع الدكتور “ن.ب” لتفادي تلقي الجرعة الثانية من لقاح كورونا بعد تعرضها لمضاعفات بعد تلقيها الجرعة الأولى، وشهادة موانع اللقاحات من وزارة الصحة والحماية الاجتماعية وتقرير طبي يفيد العلاج في المستشفى وتقريرين طبيين للتخطيط الكهربائي للعضلات وحصص الترويض الطبي.
وتبين للخبير – أمام ذلك . وبعد دراسة دقيقة في البحوث العلمية التي ظهرت بعد فيروس كورونا أنّ ما أصيبت به المدعية من متلازمة Guillain _ Barre جاء نتيجة تلقيح الجرعة الأولى من اللقاح.
المحكمة تقبل الدعوى وتقرّ بمسؤولية الدولة عن مضاعفات لقاح كورونا
استجابت المحكمة لطلب المدعية للتعويض عن الأضرار اللاحقة بها نتيجة تلقيها جرعة من لقاح أسترازينيك، معتمدة على العلل التالية:
- إنّ المسؤولية الإدارية للدولة إما أن تكون مبنية على الخطأ الذي قد يكون شخصيا أو مرفقيا، أو أن تكون مسؤولية بدون خطأ، وهي مسؤولية مفترضة تطوّرت مند ظهورها من نظرية المساواة ثم المخاطر لتنتهي بالتضامن، بحيث تتحقق بمجرد حصول الفعل الضار، وإثبات المتضرر كون الضرر اللاحق به نتج مباشرة عن الفعل الضار بصرف النظر عن وقوع الخطأ من جانب الإدارة من عدمه.
- إنّ المسؤولية الإدارية للدولة إما أن تكون مبنية على الخطأ الذي قد يكون شخصيا أو مرفقيا، أو أن تكون مسؤولية بدون خطأ، وهي مسؤولية مفترضة تطوّرت مند ظهورها من نظرية المساواة ثم المخاطر لتنتهي بالتضامن، بحيث تتحقق بمجرد حصول الفعل الضار، وإثبات المتضرر كون الضرر اللاحق به نتج مباشرة عن الفعل الضار بصرف النظر عن وقوع الخطأ من جانب الإدارة من عدمه.
- إنْ كان اطلاق عملية التلقيح ضد فيروس كورونا من لدن الحكومة يدخل ضمن الإجراءات الاحترازية المتخذة في ظل الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية إثر تفشي وباء كورونا، والتي كانت تصاحبها تدبير حكومية أخرى تفرض جواز التلقيح في اطار المقاربة الاحترازية، والتي لا تنطوي على أي اجبار على التلقيح حسب قرار محكمة النقض[1]، فإنه يقع على عاتق الدولة حماية المواطنين من الأضرار الناتجة عن مخاطر التلقيح على اعتبار أنها دعتهم بصفة ملحة الى أخذ جرعاتهم من اللقاحات، بل وضيقت على غير الملقحين في ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي، كما أنها هي المسؤولة عن المصادقة على لقاحات كورونا.
- لا يمكن الاحتجاج بأن الأمر يتعلق بإجراءات اتّخذت في ظل ظروف استثنائية لعدم تحمّل الدولة أية مسؤولية طالما أن الأمر يتعلق بظروف غير عادية لأن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة[2] المتعلق بتحديد المسؤوليات الأساسية للدول المتضررة من الكوارث الطبيعية يؤكد على أنه تقع على عاتق هذه الدول مسؤولية الاعتناء بضحايا الكوارث الطبيعية وغيرها من الطوارئ التي تقع في إقليمها.
- إنّ نتائج الخبرة الطبية التي اعتمدت على معطيات واقعية مستمدة من الوثائق التي يضمها الملف الطبي للمدعية، والتي خلصت إلى أن المدعية أصيبت بمتلازمة متلازمة Guillain _ Barre نتيجة تلقيح للجرعة الأولى للتلقيح ضد فيروس كورونا، وذلك بعد التأكد من تشخيص المرض اكنيكيا وأخذ عينة من ماء النخاع الشوكي، وبعد إخضاعها للتخطيط الكهربائي للعضلات، والفحص السريري.
وعليه قضت المحكمة بأداء الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة ووزارة الصحة في شخص ممثلها القانوني تعويضا لفائدة المدعية قدره 250.000 درهما.
لقراءة حكم المحكمة الادارية حول التعويض عن أضرار التلقيح
مواضيع ذات صلة
قانون لإعفاء مصنّعي لقاح كوفيد 19 من المسؤولية: مخاطر حيال تعميم اللامسؤولية وحرمان المتضرّرين من تعويض عادل
التلقيح ”باسم الشعب اللبناني“ حقّاً
سجال حول أولويّة الصحافيّين بالتلقيح: اتّجاه نحو ضمّ المراسلين إلى المرحلة الثانية
بدء عمليّة التلقيح ضد فيروس كورونا في لبنان: تحدّيات إنفاذ حقّ جميع المقيمين في المناعة
المغرب يعلن حال الطوارئ الصحية: احترام مبدأ الشرعية الجنائية في زمن “الطوارئ الصحية”
“جواز التلقيح” في تونس: نموذج عن مخاطر التفرّد بالحكم والتشريع
هل يشمل التلقيح المهاجرين غير النظاميين في تونس؟
لا عدالة في تلقيح الأطفال في لبنان وخطر انتشار الأمراض يقترب
[1] -يتعلق الأمر بقرار محكمة النقض رقم 785 بتاريخ 23/06/2022، في الملف الإداري رقم 2021/1/4/5710.
[2] يتعلق الأمر بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 57.150 بتاريخ 02/11/2005.