حكم قضائي بشأن عدم شرعية تحرير قرار إداري باللغة الفرنسية: الإنفتاح على الحضارات لا يبرر التخلي عن الهوية الوطنية


2018-03-26    |   

حكم قضائي بشأن عدم شرعية تحرير قرار إداري باللغة الفرنسية: الإنفتاح على الحضارات لا يبرر التخلي عن الهوية الوطنية

في سابقة مثيرة تعكس تطورا في فكرة التقاضي أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 20/10/2017 حكما يعتبر من بين الأحكام القضائية المبدئية اعتبر أن القرارات الإدارية المحررة بلغة أجنبية تعد غير مشروعة لأنها مخالفة للدستور ومشوبة بعيب المخالفة الجسيمة للقانون ومآلها الإلغاء. وكانت طبيبة رفعت دعوى أمام المحكمة الإدارية بالرباط تعرض فيها أنها توصلت من وزارة الصحة بأمر إداري يتضمن معلومات كلها محررة بلغة أجنبية (الفرنسية)، معتبرة أن هذا القرار غير مشروع لأنه يتضمن خرقا للدستور الذي ينص على أن اللغة الرسمية للبلاد هي اللغة العربية، وخرقا للمنشورين الصادرين عن الوزير الأول في 1998 وفي 2008 بمطالبة الوزراء بحثّ جميع المسؤولين والأطر والموظفين التابعين لهم على استعمال اللغة العربية في تحرير المراسلات والوثائق والمذكرات، وعدم استعمال لغة أجنبية إلا في الحالات التي تتعلق بمخاطبة جهة خارجية. والتمست المستدعية من المحكمة أساسا الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك، واحتياطيا إصدار أمر إلى الجهة المطلوبة في الطعن وقبل البت في الموضوع قصد ترجمة الأمر المطعون فيه إلى اللغة العربية وحفظ حقها في تقديم مستنتجاتها ودفوعها بعد الترجمة.

وقد أجاب الوكيل القضائي للمملكة بمذكرة التمس من خلالها عدم قبول الطلب لانعدام المصلحة في الدعوى لغياب الضرر الحاصل للمدعية نتيجة تحرير القرار باللغة الفرنسية، ولكون طلبها ينطوي على توجيه أوامر للإدارة وهو ما يُحظر على القاضي الإداري في إطار دعوى الإلغاء.

وقد استند الحكم بقبول الدعوى على الحجج الآتية:

  • أن للمدعية مصلحة ثابتة في الدعوى، ذلك أن “المصلحة في دعوى الإلغاء تقدر تبعا لعلاقة الطرف الطاعن بالقرار المطعون فيه من حيث ثبوت تأثيره ماديا أو معنويا في مركزه القانوني بشكل مباشر أو غير مباشر”، كما أن الثابت من الملف أن القرار موضوع طلب الإلغاء في النازلة يتضمن أمرا للمدعية قصد أداء مبلغ 532.413,96 درهم لفائدة الخزينة العامة، وعليه يكون مؤثرا تأثيرا مباشرا في مركزها القانوني، لأنه يحملها بالتزام في مواجهة الإدارة يترتب عنه مسّ بذمّتها المالية.
  • أن طلب المدعية رمى لإلغاء القرار الإداري الصادر عن وزير الصحة، وهو بذلك لا ينطوي على طلب توجيه أوامر للإدارة، بل يتأطر في مجال دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة، وهو ما يجعل الدعوى المقدمة ضمن هذا الإطار مقبولة.
  • أن الفصل الخامس من الدستور ينص على أن “العربية هي اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها، وتعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء.” وعلى هذا الأساس، قررت المحكمة أن “الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بجميع مرافقها تكون ملزمة باستعمال اللغتين العربية أو الأمازيغية في جميع تصرفاتها وأعمالها، من بينها اعتمادها في تحرير قراراتها وعقودها ومراسلاتها وسائر الوثائق المحررة بمناسبة تدبير جميع المرافق التابعة لها سواء كانت وثائق داخلية أو موجهة للعموم، وفي جميع حالات التواصل الكتابي أو الشفهي مع المواطنين، وفي جميع حالات التواصل والتخاطب الكتابي والشفهي بأي وسيلة كانت مع المغاربة والأجانب، سواء داخل التراب الوطني أو خارجه، من قبل ممثلي الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية والمرافق والإدارات العمومية التابعة بصفتهم هاته، في الحالات التي يكتسي فيها الأمر طابعا رسميا وعلنيا، فضلا على ما يتعين على الدولة القيام به من إجراءات وتدابير بغاية حماية اللغة العربية وتطويرها وتنمية استعمالها، وفقا للمقطع الأول من الفصل الخامس أعلاه.” وعليه خلصت المحكمة الى أن إصدار وزير الصحة لقرار مُحرر باللغة الفرنسية يعد عملا مخالفا لقواعد الدستور، وهو بذلك مشوب بعيب المخالفة الجسيمة للقانون.

وقد عللت المحكمة الإدارية قرارها بأن “اللغة الرسمية المقررة بنص دستوري تُعد مظهرا من مظاهر سيادة الدولة، في بعدها الثقافي والتاريخي ذي الامتداد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ولذلك فإن استعمال الإدارة للغة أجنبية بديلة عن اللغة الرسمية في المجالات المذكورة أعلاه يشكل تنازلا عن هذه السيادة في أبعادها المشار إليها، وانتهاكا لإرادة المواطنين المُجسدة بنص الدستور الذين اختاروا العربية والأمازيغية لغتين لمخاطبتهم من قبل الدولة وجميع المرافق العمومية الأخرى، كما أنه تصرف لا يمكن تبريره بأي مسوغات واقعية أو قانونية جدية، لأن الحاجة للانفتاح على مختلف الثقافات بما تشتمل عليه من لغات، والحرص على تعلمها وتعليمها إلى جانب اللغتين الرسميتين، في إطار “توسيع وتنويع والمبادلات الإنسانية والاقتصادية، والعلمية والتقنية، والثقافية مع كل بلدان العالم” حسب ما ورد بديباجة الدستور، لا يتم قطعا عن طريق إحلال هذه اللغات بديلة عن اللغة الرسمية، ومن ثم فإن استعمال من قبل الإدارات العمومية المغربية يعد عملا مخالفا للدستور، لأن اللغة المذكورة غير منصوص على استعمالها الرسمي بأي نص قانوني، فضلا على أنها .” 

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، محاكم إدارية ، قرارات قضائية ، المغرب ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني