“
تفاصيل السابقة القضائية
المحامية: “مرحبا، أهلين، في عندي حكم اليوم بدي شوف إذا صدر”.
الكاتبة:”إيه صدر بس ما فيكي تطلعي عليه. اه في نواقص يمكن أو قرار إعدادي، لا حكم نهائي بس القاضية كاتبة في بند ممنوع تطلعوا عليه إلا بعد استكمال النواقص”،
المحامية: “ايه غريب الحكم ما بكون سري وأصلا بيصدر علنا. عكل حال طيب بدي أعرف شو هي هالنواقص لأن على علمي وبما خصني ما بقدم شي ناقص”،
الكاتبة: “في لائحة ناقصة طابع تعاضد قضاة حاطة واحد. بعد مطلوب واحد”،
المحامية: “لا بس أنا حاطة طابع وهيك القانون بقول والدستور خليني اعترض ع المحضر”،
الكاتبة: “لا ما فيكي…”.
هذا الحوار دار في قلم القاضي المنفرد المدني في صيدا، بين محامية، وهي وكيلة أحد أطراف الدعوى والكاتبة. وقد ضمّنت القاضية حكمها فقرة تمنع الاطلاع عليه إلا بعد استكمال النواقص المحددة. وفي اتصال مع “المحامية” التي فضلت عدم ذكر اسمها، قالت: “الحكم صدر بتاريخ 15/1/2019 وأنا حتى الساعة لم أتمكن من الحصول عليه لأنني أرفض الإمتثال للطلب وأن أدفع رسم طابع غير قانوني بنظري طالما أن هذا الرسم قرره مدير صندوق التعاضد القضائي، ولم يصدر بقانون. ومن ناحية أخرى لا يمكنني الإعتراض عليه فيما قد تكون هناك إمكانية استئناف الحكم أياً كان ولكن إلى الآن لا أعرف ما هو مضمونه حتى”.
وإذ رأت المحامية أن هذا الحكم يشكل سابقة خطيرة، استغربت كيف يعقل أن يصدر قاضٍ حكما على أساس القانون وباسم الشعب اللبناني، وأن يخالف في الوقت نفسه مبدأين أساسيين: الأول، علانية المحاكمة وهي تفرض حكما أن تكون الأحكام علانية، والثاني، أن الرسوم والضرائب تقرر بقانون عملا بالمادتين 81 و82 من الدستور اللتين تمنعان استيفاء أي ضريبة إلا بنص قانوني. وأكدت المحامية على أن”القرار النهائي يكون بالعادة علنيا” وغير مشروط وهذا ما يفرضه القانون وبالتالي فإن الشرط الوارد فيه إنما ينال من خصائصه القانونية هذه”. كما استغربت المحامية أن يتم منعها من الاعتراض على هذا القرار المخالف لمبادئ بهذه الأهمية.
الرسم غير القانوني: قضية عالقة لدى مجلس شورى الدولة منذ خمس سنوات
إن قضية فرض رسوم قضائية إضافية على المعاملات القضائية ليست مسألة جديدة بل هي قديمة نسبياً. وهي تعود إلى العام 2014 حيث كان صندوق تعاضد القضاة قد أصدر قراراً حمل الرقم 137 تاريخ 14/5/2014 تضمن الطلب من القضاة وحرصاً على إيرادات الصندوق استيفاء مبلغ عشرة آلاف ليرة عن كل تثبيت محضر أو تصديق العقد لدى القاضي العقاري وعن كل الإفادات العقارية والطلبات والاستدعاءات وعن كل دعوى يجري فيها إسقاط دعوى الحق العام وعن كل استلام مهمة خبرة ومبلغ ألفي ليرة لبنانية عن كل إفادة وعن كل طلب مقدم او يعطى من أي محكمة من المحاكم.
ورداً على هذا القرار، قام المحاميان واكد صالح ونجيب فرحات بتاريخ 13/8/2014، بالتقدم باستدعاء أمام صندوق تعاضد القضاة طلبا فيه الرجوع عن قراره بفرض رسم تعاضد قضاة على بعض المعاملات القضائية وبشكل خاص على الشكاوى الجزائية المقدمة أمام النيابات العامة. وقد اعتبرا أن “قرارات مماثلة باطلة لصدورها عن مرجع غير مختص طالما أن صلاحية فرض رسوم قضائية تنحصر في المشرع وحده”.(1)
لكن عوضاً أن يتم التراجع عن هذا القرار، فإن صندوق التعاضد عاد وأصدر قرارا مماثلا بنفس التاريخ وهو يحمل نفس الرقم عدل مضمون النص “لتصبح كلفة كل تثبيت محضر أو تصديق العقد لدى القاضي العقاري وعن كل الافادات العقارية والطلبات والاستدعاءات خمسين ألف ليرة”. وكذلك أضاف على التعميم الأول وجوب استيفاء مبلغ عشرة آلاف ليرة لبنانية عن كل شكوى جزائية أو الاعتراض على الأحكام ومبلغ عشرين الف ليرة عند كل تكليف الموظف بإجراء تحقيق”.(1) وعندها تقدم المحاميان بالطعن أمام مجلس شورى الدولة حيث ما تزال الدعوى عالقة حتى تاريخه.
ورغم انقضاء خمس سنوات على هذا الطعن، فإنه لم يتسنّ له أن يخطو ولا خطوة، بفعل امتناع صندوق تعاضد القضاة عن تبلّغه. عن هذا الأمر، صرح المحامي نجيب فرحات لل “المفكرة”: “تقدمنا بالطعن أمام مجلس شورى الدولة. وإلى حدّ الآن لم يتم البتّ بهذه المراجعة ولا بقرار وقف التنفيذ لأن الصندوق يتمنع حتى الآن عن تبلغ المراجعة ويماطل بذلك، علماً أن رئيس مجلس شورى الدولة السابق القاضي شكري صادر حاول أن يتواصل مع رئيس إدارة الصندوق علي ابراهيم حتى يتم تبليغه فكان يعده بأنه سيحصل على تبليغ على هذا الملف ولكن ذلك لم يكن يحصل”.
وتابع: “في سنة 1999 عندما أقرّ تعديل قانون صندوق تعاضد القضاة، كان هناك طرح لوضع رسم على الشكاوى الجزائية بقيمة 10 آلاف ليرة. ولكن حينها رفض مجلس النواب هذا الأمر عملا بمبدأ مجانية التقاضي في المسائل الجزائية، وأعطى رسوماً بديلة على قضايا التنفيذ. إلا أن إدارة الصندوق عادت وقررت العكس في العام 2014. وعليه، بات المحامون مرغمين على دفع هذا الطابع في العديد من المحاكم وحتى في مجلس شورى الدولة نفسه. وأنا أرى أن أسباب هذا التأخير والمماطلة أنهم لا يملكون جواباً على هذه المراجعة وأنهم إذا قاموا بالإجابة، فإنه سيتم البت في وقف التنفيذ خلال مدة شهر وأنا شبه مؤكد من ذلك لأن هناك مخالفة دستورية واضحة”.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم سبق أن” برر لصحيفة “الأخبار” هذه الرسوم مرتكزاً على سندين قانونيين: في ما يتعلق برسم الشكوى الجزائية فقد اعتبرها الصندوق بمثابة سلفة على الحقوق الشخصية يستوفيها الصندوق قبل بت الدعوى عوض استيفائها بعد انتهاء الدعوى ويوجد استشارة من ديوان المحاسبة بهذا الخصوص. وأضاف في ما خص الرسوم على الإفادات العقارية: هناك استشارة من هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة العدل منذ عام 2002 تسمح للصندوق باستيفاء رسوم من القاضي العقاري”(2). وفي حديث آخر للمفكرة، أشار إبراهيم الى أن”هذه الخطوة قانونية وأنها استندت إلى دراسة أعدها القاضي أيمن عويدات”.(3) وفيما لم نتمكن على الحصول على أي من هذه الآراء أو الاستشارات، فإن أيا منها لا يبرر امتناع الصندوق عن تبلغ الطعن المقام ضد قراره لدى مجلس شورى الدولة.
يؤكد فرحات “السعي بكافة الطرق القانونية المتاحة حتى يتمكن مجلس شورى الدولة من تبلغ الشكوى، حتى وصلنا إلى مرحلة طلبنا خلالها من “المجلس” تبليغ صندوق تعاضد القضاة بالطرق الاستثنائية لأن الطرق العادية متعذرة لكن المجلس لم يقبل”.
وامام كل هذا التعجيز، وجد المدعيان طاقة أمل ضئيلة بعثورهما على “قرار يسمح لهما في حال تعذر تبليغ أحد الأشخاص أمام مجلس شورى الدولة بشكل ثابت ودائم، إمكانية محاكمته بصورة غيابية وبالتالي السير بالملف”. وعليه تقدما في تشرين الأول 2018 بهذا الطلب وعنه قال: “لا يزال قيد الدرس لأنه لو أخذ المستشار به عندها بإمكانه أن يصدر قرارا ويقوم بانهائه. وربما هذا التأخر دليل أنه فعلا يريد الأخذ بهذا الطلب وإنهاءه لأنه اذا وافق على البت بصورة غيابية فإنه عندها يصبح بمقدوره البت بالملف”.
هل يتحرك وزير العدل؟
بتاريخ 3 تشرين الأول 2018، وجّه وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي، كتابا إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد، طلب خلاله “إعادة النظر في موضوع استيفاء رسم طابع قضاة بقيمة 1000 ليرة عن كل إذن زيارة لسجين موقوف”، لافتاً إلى أن “مراجعات مكثفة تمت مع الوزارة من بعض منظمات الأمم المتحدة الشريكة في العمل مع وزارة العدل ومن مسؤولي البرامج التابعين لهم، الذين أبدوا استغرابهم من هذا القرار الذي يتعارض مع الإتفاقيات الدولية وشرعة حقوق الإنسان، لا سيما أنه يجافي حق الأسرة بزيارة السجين بشكل غير مشروط”.
قرار الوزير جريصاتي جاء بعدما علت صرخة الأهالي. وعنه قال فرحات: “إن هذا الطابع فرض أيضا منذ العام 2014 ولكنه لم يكن يطبق في جميع المحافظات وعندما تقرر اعتماده في كل المحافظات علت الصرخة فتحرك وزير العدل”.
تبعا لتحرك وزير العدل في هذا السياق، تقدم المحامي فرحات في الأول من كانون الثاني 2019 بكتاب إلى الوزير أطلعه خلاله على موضوع الطوابع القضائية وقال: “في كتابي طلبت من الوزير أن ينتبه أيضاً إلى هذه المسألة وأنه ليس فقط رسم زيارة المساجين مخالفة للقانون فهناك العديد من الرسوم الأخرى المخالفة للقانون. كما طرحت سؤالا مفاده “كيف لشخص معنوي مثل صندوق تعاضد القضاة والذي مقره داخل وزارة العدل لا يتبلغ دعوى قضائية منذ أكثر من خمس سنوات؟”.
إلى الآن لم يحصل المحامي فرحات على جواب من وزارة العدل. ولفت فرحات إلى أنه بصدد “التواصل مع عدد من النواب للبحث في امكانية التوجه من خلالهم بسؤال إلى وزارة العدل حول في هذا الشأن”.
موقف “المفكرة”
بحديث إلى المدير التنفيذي للمفكرة القانونية نزار صاغية، أشار هذا الأخير إلى مجموعة مخاطر تكشفها هذه الممارسات وما تفرع عنها مؤخرا مع صدور الحكم السري. وإذ ذكر صاغية أن “المفكرة” دعمت بشكل كامل حق القضاة بصندوق التعاضد واعتبرت وما زالت تعتبر أي مس به مسا باستقلالية القضاة المالية ومخالفة دستورية، أشار إلى أنها تأبى في الوقت نفسه أي مس بالمتقاضين. فاستقلالية القضاة وضعت ليس لخدمة القضاة بل لخدمة المتقاضين أولا. وقد باتت هذه القضية وتفرعاتها تمس مبادئ أساسية وضعت ضمانا عن حقوق المتقاضين: فعدا عن فرض رسوم من هذا القبيل يمس بحد ذاته بمبدأ مجانية العدالة وفق مناقشات مجلس النواب، فإن فرضه على هذا الوجه يمس بمبدأ قانونية الضرائب وهو أحد أبرز المبادئ المؤسسة للديمقراطيات. فضلا عن ذلك، يشكل إصدار قرار سري مسا واضحا بعلانية المحاكمة. كذلك يشكل امتناع إدارة الصندوق عن تبلغ الطعن المقدم ضدها مسا بحق التقاضي. وعليه، رأى صاغية أنه مطلوب من جميع المعنيين اتخاذ الخطوات اللازمة في هذا الصدد للحد من تفاقم هذه المسألة.
مراجع:
1- تمويل صندوق تعاضد القضاة خلافا للقانون: مؤشر بليغ على هزالة الدولة، المفكرة القانونية، العدد 21 أيلول 2014
2- صندوق تعاضد القضاة :ضرائب بلا قانون، ايفا الشوفي، جريدة الاخبار 9 تشرين الأول 2014
3- استقلالية القضاء كأولوية اجتماعية، أوراق بحثية عن إصلاح القضاء في لبنان.المجلد رقم 14، في رواتب القضاة وملحقاتها.
“