حكم جزائي في قضية عنف أسري: والآن، ماذا بعد الحبس؟


2013-06-14    |   

حكم جزائي في قضية عنف أسري: والآن، ماذا بعد الحبس؟

"انت مش زلمي" عبارة قالتها امرأة لزوجها بعد خمسة أشهر من زواجهما وقد كانت كافية لدفع الزوج الى ضربها ضربا مبرحا بالنبريش على كافة أنحاء جسمها انتقاما لرجوليته. وردت هذه العبارة في حكم صادر عن القاضية المنفردة الجزائية في طرابلس نازك الخطيب بتاريخ 20/12/2012، في إطار شكوى تقدمت بها الزوجة أمام فصيلة الدرك في طرابلس. وقد أدلت المدعية في شكواها أن زوجها قام بضربها "لأنها رفضت بأن تقوم بتنظيف السطل الموجود في المنزل في ساعة متأخرة في الليل بعدما صرحت له أنها تريد القيام بهذا العمل في الصباح". كما أضافت أنها ليست المرة الأولى التي تتعرض بها للضرب من قبل زوجها. هذا وقام طبيب شرعي بالكشف على الضحية وتبين من تقريره أنها "تعاني من تورم واحمرار في الوجنة اليمنى، وتقرح جلدي على الرقبة بمقياس 3 سم، واصابات على الألية اليمنى وهي بسبب هذه الاصابات، بحاجة الى تعطيل عشرة أيام عن العمل". ومن اللافت أن المدعى عليه اعترف بما قام به مبررا أفعاله بسبب ما وصفه "تطاولا" عليه بالكلام وعدم قيامها بما "يتوجب" عليها القيام به من أعمال منزلية. وبذلك، بدت حالة العنف هذه مؤسسة تماما على توزيع الأدوار الاجتماعية بين الجنسين وعلى الصورة النمطية للمرأة: فللرجل أن يثور إذا لم تقم المرأة بدورها الاجتماعي الذي يقوم على طاعته واجراء تنظيفات منزلية كما له أن يثور في حال طعنت برجوليته.
وقد طلبت المدعية من المحكمة بأن تلزم الزوج بدفع مهرها المؤخر على سبيل العطل والضرر الحاصل من جراء الضرب الذي تعرضت له. ويجدر التوقف عند هذا الطلب، بحيث أن طلبات مماثلة تقدم عادة أمام المحكمة الشرعية التي يعقد الزواج أمامها، وهي تخرج عن اختصاص المحاكم الجزائية. وكان طلب مماثل قد ورد في قضية مماثلة أمام القاضي المنفرد الجزائي في صور، حيث طلبت منه المرأة المعنّفة أن يطلقها من زوجهاوأن يتعهد هذا الأخير بعدم التعرض لها. ولهذا الأمر دلالتان أساسيتان على الأقل: فهو يعكس من جهة المطلب أو ربما الهاجس الأساسي للمرأة المعنّفة وهو الانفصال عن زوجها، خوفا من احتمال انتقامه منها، كما يعكس من جهة ثانية نتيجة طبيعية لهذا الهاجس وهي لامبالاة المرأة المعنّفة إزاء طبيعة القضاء الذي تمثل أمامه وتحديدا فيما إذا كان دينيا شرعيا أو مدنيا غير ديني.
ومن جهة أخرى، بعدما ذكرت القاضية بأن طلب الحكم على الزوج بتسديد المؤخر لزوجته يخرج عن اختصاص محكمتها، اعتبرت القاضية أن محكمتها تبقى "مختصة للحكم لها بالتعويضات عن الأضرار اللاحقة بها من جراء الجرم المرتكب من قبل المدعى عليه"، فأعادت تفسير الطلب من تلقاء نفسها لتحكم للمدعية بتعويض قدره ثلاثة ملايين ليرة لبنانية، علما أن هذا التعويض يبقى ربما نظريا إذا لم يحصل انفصال اذ يصعب على المرأة إلزام الرجل على تسديده في حال عادت قبضته عليها بل قد ترغم على التنازل عنه لشراء راحتها أو حريتها. أما على صعيد العقوبات الجزائية، فقد انتهى الحكم الى ادانة المدعى عليه بجرم الايذاء المنصوص عنه في المادة 554 من قانون العقوبات اللبناني[1] وبحبسه سندا لها 15 يوما وتشديد العقوبة سندا للمادة 257 من قانون العقوبات لتصبح مدة الحبس شهرا واحدا، حيث اعتبرت القاضية أن الزوج "استغل عدم التناسب في القوى الجسدية ليقدم بضرب المدعية".
هي حلقة إضافية إذاً، من حالات العنف الأسري الشائعة، والتي تبين قصور القوانين الحاضرة عن حماية المرأة من العنف الأسري، اذ تبقى المسألة خاضعة لأحكام قانون العقوبات المرتبطة بالإيذاء والتي تحدد في ضوئها العقوبة على أساس أيام التعطيل عن العمل (أو التشوه بالجسم أو التسبب بعاهة دائمة) الذي ينتج عن الضرب الذي تعرضت له المرأة. وهي مواد غير ملائمة لحالات العنف الأسري بحيث تعجز هذه النصوص عن تكريس حماية شاملة وفعالة للمرأة المعنفة خاصة وأنها غالبا ما تبقى محكومة بمساكنة زوجها مجددا بعد انتهاء عقوبته. فبالرغم من صدور أحكام بارزة في قضايا المرأة المعنفة (تبقى الى حد كبير مرتبطة بذهنية القاضي وكيفية مقاربته للملف)، يمكننا التساؤل عن مدى قدرة القاضي على ضمان حماية فعالة للمرأة المعنفة في ظل النصوص الحاضرة.



[1]تنص المادة 554 من قانون العقوبات اللبناني على "من أقدم قصداً على ضرب شخص أو جرحه أو إيذائه ولم ينجم عن هذه الأفعال مرض أو تعطيل شخص عن العمل لمدة تزيد عن عشرة أيام عوقب بناء على شكوى المتضرر بالحبس ستة أشهر على الأكثر أو بالتوقيف التكديري وبالغرامة من عشرة آلاف إلى خمسين ألف ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين.إن تنازل الشاكي يسقط الحق العام، ويكون له على العقوبة ما لصفح المدعي الشخصي من المفعول.
 
 
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، لبنان ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني