حق القضاة المعفيين في المحاسبة في تونس: هذا الاستحقاق الممنوع


2015-07-14    |   

حق القضاة المعفيين في المحاسبة في تونس: هذا الاستحقاق الممنوع

في نهاية سنة 2014، أعلم وزير العدل السابق حافظ بن صالح المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين “أن ملف القضاة المعفيين في طريقه إلى الحل والتسوية القانونية”.وقرر بن صالح إحالة اثنين وعشرين من القضاة الذين صدرت في شأنهم قرارات إعفاء الى الهيئة الوقتية للقضاء العدلي لتتولى بوصفها مجلس تأديب النظر في المؤاخذات التي تنسب اليهم. ولكن الوزير الذي بشر بحل الملف الشائك لم يكن يعلم أن قراره بإعادة إدماج القضاة المعفيين بالإطار القضائي وإيقافهم عن العمل مؤقتا لحين مثولهم أمام مجلس التأديب لا يكفي وحده لحل الازمة القائمة في اطار تسوية قانونية. فبعد أكثر من نصف سنة من قراره، ما يزال ملف القضاة المعفيين بانتظار الحلّ.

وكان قرار الوزير نقل عمليا مسؤولية إنهاء التعسف الى المؤسسات القضائية. فتعيّن على المحكمة الإدارية الإسراع في بتّ ملفات القضاة المعفيين التي لم يصدر فيها حكم بشكل يمكن هؤلاء من تنفيذ أحكامهم طبق التوجه الحكومي. كما حمّل القرار الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي واجب إنجاز التأديب العادل الذي يضمن حق القاضي في الضمانات القانونية ويحمي حق المجموعة الوطنية في محاسبة من يخلّ بواجب النزاهة.
تداولت الأوساط القضائية بداية سنة 2015 أخباراً تُبشِّر بوعي الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي بأهمية الدور المناط بعهدتها. فقد ذُكر أن أعضاء الهيئة تعهدوا أن يفصلوا في ملفات القضاة المعفيين من دون تأخير وألا يرحلوا هذا الاستحقاق للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. وباشر أعضاء مجالس التأديب بسرعة ملحوظة أعمال الاستقراء من سماعات للقضاة المعفيين وتجميع للملفات التأديبية. كما أكد فصل المحكمة الادارية في عدد متزايد من ملفات القضاة المعفيين ذات التوجه نحو سرعة إغلاق  “ملفّ الإعفاءات”. الا أنه مع قرب نهاية السنة القضائية 2014- 2015، بان أنّ التسوية القانونية لملف القضاة المعفيين باتت مطلبا صعبا.

المحكمة الادارية، بطء الفصل والتلخيص يمنع الاستفادة من التسوية

يشكو عدد من القضاة المعفيين من كونهم لم يتمكنوا من نسخ أحكام صدرت لفائدتهم من المحكمة الادارية بعد مضي مدة معتبرة تجاوزت في حالات السنة الكاملة بسبب عراقيل تتمثل في عدم تلخيصها. كما يذكر عدد آخر منهم انه ورغم وضوح موقف الحكومة التي اقرت بعدم مشروعية قرارات الاعفاء، فان المحكمة الادارية لم تفصل بعد في ملفاتهم.

وعليه، منع الروتين القضائي تحقيق العدالة بالسرعة التي يجب. وتبعا لذلك، لم يتمكن إلا ثلاثون من القضاة المعفيين من المثول أمام مجلس التأديب ليكون لهم الحق في المحاسبة. لكن من كان لهم حق المحاسبة، لم يكن حظهم أفضل إذ تعرضوا مجددا لتعسف السلطة.

الهيئة الوقتية للقضاء العدلي: المحاسبة الممنوعة وخرق القانون مجددا

تعهدت الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي نهاية سنة 2014 بملفات القضاة المعفيين بوصفها مجلس تأديب. وقرر وزير العدل أن يحيل على أنظارها القضاة بحالة ايقاف عن العمل مع حرمانهم من الأجرة.

استند وزير العدل في قراره ايقاف القضاة عن العمل وحرمانهم من الاجرة الشهرية الى الفصل 54 من القانون الاساسي للقضاة الذي يمنحه هذه الصلاحية[1]. وقد اقتضى هذا الفصل أن يُحمى القاضي الذي يتم ايقافه عن العمل وحرمانه من أجرته من تعسف سلطة التأديب، بحيث ألزم هذه الاخيرة بالبت في ملفه في أجل لا يتجاوز الثلاثة أشهر من تاريخ تعهدها.

لم تلتزم الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي بهذا الأجل رغم أنها أتمت استقراءاتها في بحره.

يكشف تحلل الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي التي تتكون في اغلب اعضائها من قضاة منتخبين من شروط المؤاخذة العادلة أن ثقافة احترام القانون لا زالت غير ناضجة بالشكل الواجب، وهو أمر أدى لانتهاك حق القضاة المعنيين في المؤاخذة العادلة ومنع من تطبيق الدستور التونسي الذي يفرض أن تتم محاسبة القضاة الذين لا يلتزمون بالنزاهة.
 



[1]ينص الفصل 54 من  القانون عدد 29  لسنة 1967مؤرخ في 14 جويلية 1967 يتعلّق بنظام القضاء والمجلس الأعلى للقضاء والقانون الأساسي للقضاة والذي لازال ساري المفعول فيما لايتعارض مع احكام القانون الاساسي للهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي  ” عندما يتّصل كاتب الدولة للعدل بشكاية أو يبلغه العلم بأمور من شأنها أن تثير تتبّعات تأديبية ضد قاض يمكن له إن كان في الأمر تأكّد التحجير على القاضي المفتوح ضدّه بحث مباشرة وظائفه إلى أن يصدر القرار النهائي في ذلك التتبع، ويجب في هاته الصورة أن يتعهد مجلس التأديب بالموضوع في ظرف شهر واحد.
يمكن أن يكون تحجير المباشرة الوقتي مصحوبا بالحرمان من بعض الجراية أو كاملها، ولا يمكن نشر هذا القرار لدى العموم وفي هذه الحالة يجب البت في الدعوى التأديبية خلال أجل أقصاه ثلاثة أشهر.
إذا لم يصدر على القاضي المعني بالأمر أي عقاب تأديبي أو كان العقاب من غير الإيقاف على العمل أو العزل يكون لهذا القاضي الحق في كامل جرايته التي حرم منها.”
 
 
انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، محاكم إدارية ، استقلال القضاء ، مقالات ، تونس ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني