"أنا بطلع الأول بالجامعة اللبنانية حلمي كون مهندس بس هيدا الحلم مش رح يتحقق لأن ما فيي فوت على النقابة" ، جملة قالها الشاب محمد درويش أمام الحشود المجتمعة عند المتحف الوطني للمطالبة برفع الغبن والظلم عن المرأة اللبنانية ومنحها الحق بإعطاء الجنسية لاولادها، قبل ان يقوم بتمزيق شهادته الجامعية قائلاً "لشو بدي شهادتي شو فيني أستفيد منا ما بعوزها وهيدا حال كل واحد متلي ما معو جنسية". لاشك ان محمد ليس الوحيد الذي يعاني من المرارة، فهذا حال الآلاف من الشباب والبنات الذين أنجبتهم امهات لبنانيات من زواج اجنبي. فلا يحق لهن منح جنسيتهن لأبنائهن.
اذاً بمناسبة عيد الأم وضمن حملة "جنسيتي كرامتي"، نظمت جمعية المبادرة الفردية لحقوق الانسان "مصير" اعتصاماً عند الساعة الحادية عشر من صباح الأحد 22/3/2015 على المتحف الوطني للمطالبة بحق الأم اللبنانية بمنح أولادها الأمان الذي يتكرس بإعطاء الجنسية. المفارقة أنه تزامناً مع هذا التحرك كانت حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي" تقيم إعتصامها في ساحة رياض الصلح للمطالبة بالحقوق عينها وفيما توزعت النساء على الاعتصامين لإطلاق الصرخة للتذكير بنضال مضى عليه سنوات، كان السؤال الأبرز لدى العديد من الناشطين عن هذا الانشقاق الذي لا يبشر بالخير ويبرز تشرذماً لدى أصحاب القضية فيما المطلوب هو توحيد الجهود لإعلاء الصوت في وجه الظلم اللاحق بالمرأة اللبنانية. وبينما كان منظما التحركين يوجهان الانتقاد الى الحالة السياسية التي تقسم البلد بين فرقين 14 و8 آذار تفرقهما المصالح والأهداف كان الطرفان يعكسان الصورة السياسية عينها ولكن بنفحة مدنية فيما المطلب واحد.
الاّ ان هذه الصورة التي قد يرى فيها البعض ضعفاً ينعكس على القضية، يجد الطرفان فيه دليل صحة وعافية، وفي هذا السياق يتحدث رئيس جمعية "مصير" ومنسق حملة "جنسيتي كرامتي" مصطفى الشعار قائلاً:" "لقد وضعنا في 5 شباط 2015 إعلاننا عن الإعتصام في هذا النهار فجاء إعلان الطرف الآخر بعد نحو 15 يوماً" مؤكدا محاولة الحملة التنسيق مع المبادرات الأخرى ولكن دون جدوى معتبراً انه ربما يعود السبب الى ان حملة "جنسيتي كرامتي" لا تتلقى تمويلاً" وقال:"بكل الاحوال هذا دليل خير فنحن نأمل أن يحدث 50 ألف اعتصام في لبنان من أجل هذه القضية المحقة."
بدورها وفي السياق عينه قالت مسؤولة الوحدة القانونية في حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي" كريمة شبو ان تاريخ الدعوة الى التحرك من أجل قضية الجنسية ثابت لديهم في كل عام حيث يقام بمناسبة عيد الأم بـ21 آذار وقالت:" "لقد حددننا تاريخ اعتصامنا أمام وسائل الإعلام في نوفمبر الماضي كذلك نشر ذلك في مجلة "لها" وقد إرتأينا ان يكون هذا العام بـ22 عوضاً عن 21 لاننا نعلم أن الإعلام يأخذ عطلته نهار السبت. حين نقوم بالدعوة الى تحرك ويصلنا الرسائل والاتصالات عن تغيير توقيت وموقع التحرك فإن هذا الامر يشير الى سلوك غير نظيف. يجب الانتباه الى أمر واحد وهو انه لايجب ان نستغل الناس فاذا كننا نناضل من أجل قضية محقة فلا يجوز تجزئتها، وان نحارب بها بل من أجلها".
وبعيداً عن الخلافات حول من يحق له أن يكون قائداً لهذه القضية ظلت صرخة الأمهات تلعلع في ساحتي الإعتصام. فأصواتهن كانت تشي بحرقة طال أمدها ووجودهن في أي مكان ينادي بحقوقهن كان لشرعنة قضيتهن المطالبة برفع الغبن والظلم عنهن المتمثل بنظام تمييزي يمعن في الانتقاص من كرامتهن.
وقد طالبت المحامية زينة المصري من اعتصام "جنسيتي كرامتي" بأن يرفع لبنان التحفظ عن المادة التاسعة من اتفاقية "سيداو" التي تتعلق بحق الأم اللبنانية بأن تمنح الجنسية لأولادها كما طالبت بتعديل المادة الأولى والرابعة من قانون الجنسية وقالت:"نحن اليوم أمام قانون عقيم لا يستطيع اعطاءنا حقنا وحق أولادنا بالإستقرار والإحساس بالأمان وأن يحصلوا على جميع الحقوق المدنية من الطبابة الى التعليم والعمل من هنا نناشد وزير العدل ومؤسسات المجتمع المدني للضغط كي لا يبقى اقتراح قانون تعديل الجنسية في الأدراج ويصبح قيد التنفيذ".
بحسب قانون الجنسية الصادر بالقرار الرقم 15 تاريخ 19 كانون الثاني 1925، لا يحق للمراة اللبنانية إعطاء الجنسية لإبنها ولكن المضحك المبكي ان هذه القاعدة تتغير في حال كان الولد مولودا خارج الزواج ولم يعترف به والده، الأمر الذي دفع بالعديد من النساء الى إنكار أزواجهن لضمان مستقبل أبنائهن. وهذا ما كررته المحامية اقبال دوغان من حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي" لافتة الى خطوة كادت ان تنصف المراة اللبنانية فقالت:" ان القضاء انصف المرأة من قبل عبر القاضي جون قزي الذي أعطى احدى السيدات الجنسية لاطفالها، وقام بحكم مدروس ولكن القرار احيل للاستئناف، والمضحك المبكي ان 3 قضاة سيدات قمن بإلغاء الحكم".
كان ليكون عدد المعتصمين أكبر لو أنه تم توحيد الجهود للقيام بالاعتصام في مكان واحد خاصة انه كان لافتاً حضور المعتصمين من كافة المناطق اللبنانية من البقاع والجنوب والشمال والجبل ومن مختلف الطوائف والمذاهب فموضوع "الحق بالجنسية" يكاد يكون المطلب الوحيد الذي يوحد اللبنانيين ولا يفرق بينهم ولكن كان لافتاً في ساحة اعتصام "جنسية حق لي ولأسرتي" مشاركة "اتحاد المرأة الفسلطينية" بالتحرك. وعن هذه المشاركة، تتحدث هيفاء الأطرش قائلة:"جئنا لندعم حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي." فهذه القضية تهم كل إمراة عربية ونحن كذلك في فلسطين ندعو لأن تتمكن المرأة الفسلطينية من إعطاء الجنسية لابنها من زواج أجنبي. من هنا نقول ان موضوع منح الجنسية حق لكل إمرأة في العالم يجب حمايته".
كلما طرح موضوع "إعطاء المراة الجنسية لأولادها" على بساط البحث أطلت مسالة التوازن الطائفي والديمغرافي، حجة السياسيين الممضوغة هي ان أكثرية الراغبين بالحصول على الجنسية هم من الفلسطينيين وان هذه الخطوة قد تفتح الباب نحو "التوطين"، علماً ان هذه الحجة تزول عندما تستدعي المصلحة الخاصة ذلك وفي هذا السياق، ذكّرت حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» بالمراسيم التي صدرت بعهد الرئيس ميشال سليمان والتي قضت بتجنيس نحو 812 قسم منهم تم تجنيسه على فترات متفاوتة في أيلول 2013 وأيار 2014 بسرية تامة ودون ان تنشر هذه المراسيم في الجريدة الرسمية. وقد أكدت كريمة شبو:" ان الخوف "من التوطين"، هي حجة كاذبة لأن النسبة الأقل من المطالبين بإعطاء الجنسية هي من الفلسطينيين، ناهيك عن 80 % ممن تم تجنيسهم في عهد الرئيس سليمان هم من الفلسطينيين والسوريين وقد تم ذلك لاعتبارات سياسية وطائفية بامتياز".
إذا تبقى قضية إعطاء المرأة الجنسية لأولادها فوق كل الاعتبارات الطائفية العقيمة وخارج المقاربات السياسية النابعة من مصالح فردية ويبقى هذا الحق غير قابل للتجزئة، وسوف تستمر المراة اللبنانية بالمطالبة به إنصافاً لامومتها وحق أولادها بالعيش بكرامة وامان والأهم إسترداداً لكرامتها كمواطنة يجب أن تتمتع بكامل حقوقها أسوة بالرجل.