نظّمت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان يوم 14 ديسمبر الجاري تظاهرة بمناسبة إحياء الذكرى 76 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في سياق وطني وإقليمي ينحسر فيه هامش الحريّات وتتعاظم فيه سطوة الاستبداد، وتتوغّل فيه قوى الهيمنة.
يقول بسام الطريفي رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في مداخلة مُسجّلة، إنّ أبرز انتهاك لحقوق الإنسان هو ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة جماعية وتهجير قسري، مؤكّدًا أنّ مبادئ حقوق الإنسان تُنتهَك كل يوم وطنيًّا ودوليًّا، ويضيف: “نحن لا نبتهج بوجود انتهاكات على المستوى الوطني. نريد أن تكون تونس مثالا في احترام حقوق الإنسان”. فيما ذكّر نائب رئيس الرابطة عبد الله السّْبَع بالانتهاكات الحاصلة ضدّ الحق في الحياة وتقرير المصير والحصار الاقتصادي المفروض على دول مثل لبنان والسودان وسوريا وفلسطين، في ظلّ عجز الآليات الدّولية عن ضمان الأمن والحماية ضدّ الفصل العنصري، مُشيرًا إلى التحيّز الأمريكي والأوروبي وتعامل هذه القوى بمكيالَيْن فيما يتعلّق بحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني.
وضعية حقوق الإنسان في تونس، محلّ إجماع المنظمات
بخصوص الشأن الوطني، أشار نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى التضييق على الحريات والإجهاز على المؤسسات وتطويع القضاء من خلال حلّ المجلس الأعلى للقضاء، إلى جانب هرسلة الناشطين والناشطات عبر المرسوم 54 ومحاصرة الحقّ النقابي وتصاعد خطاب الكراهية ضدّ المهاجرين غير النظاميين وتنامي العنف ضدّ النساء، فيما أشار الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل سمير الشفي في مداخلته إلى “السطو على حريّة التعبير” وإيداع مئات من الشباب والمواطنين والمواطنات لمجرّد تدوينات لا تروق لهذا الطّرف أو ذاك وفق تعبيره، موجّهًا التحيّة إلى الصحافيين والإعلاميين القابعين في السجون بسبب المرسوم 54.
أمّا رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات رجاء الدهماني، فقالت في مداخلتها إنّ “التضييق على الحريات يمثلّ تجسيدًا لسلطة الاستبداد، مُطالبةً باحترام كامل الحقوق المدنية والسياسية لكل المواطنات والمواطنين دون استثناء، إلى جانب احترام حرية الإعلام وتوسيع مشاركة النساء والشباب في الحياة السياسية، وتعزيز حقوقهم وحقوقهنّ في إطار تكافؤ الفرص”. فيما دعت نجلاء التريكي عن الهيئة الوطنية للمحامين إلى توفير الظروف التي تحترم الحقوق الأساسية للمساجين، مؤكّدةً على ضرورة احترام كرامة السجين، قائلة: “بغض النظر عن التهم والأحكام الموجهة إليه، فإنّ السّجين يظل إنسانًا له حقوق تكفلها القوانين المحلية والدولية وعلى رأسها احترام كرامته واحترام إنسانيته”.
السجون الضيقة
تعدّ تونس ثلاثين مؤسّسة سجنية موزّعة على إحدى وعشرين ولاية، تضمّ في مجملها 23 ألف سجينًا وسجينةً، 60% منهم في حالة إيقاف ولم تصدر في شأنهم أحكام باتّة، و40% يقضون مدّتهم السجنية إثر صدور أحكام قضائية. تُمثّل الفئة العُمرية من 18 إلى 29 سنة 41% من جملة المساجين، أي ما يُناهز 9430 سجينًا وسجينةً، من بينهم 640 سجينةً. وقد أفاد عضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان محمّد الحبيب البجاوي بأنّ نسبة الاكتظاظ في السجون تتراوح بين 150% و250% وبأنّ أغلب السّجناء ليست لديهم أسرّة، ويستخدمون حشايا مُهترئة وينامون على الأرض في شكل “أكداس” وفق المصطلحات السجنية، وفي بعض الأحيان يضطرّون إلى النّوم في الممرّات وتحت الأسرّة لعدم وجود أماكن كافية. وتعود أسباب الاكتظاظ إلى ارتفاع نسب العَوْد إلى 40%، إلى جانب تصاعد إجراءات الإيقاف التحفّظي وبطء آجال التقاضي. كما أنّ عدم تعميم نظام العقوبات البديلة يؤدّي إلى ارتفاع نسبة الاكتظاظ داخل الغرف، حيث أنّ 20% فقط من جملة المساجين يتمتّعون بهذا الإجراء. ووفقًا لما رصدته الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، بحكم الاتفاقية التي أمضتها مع وزارة العدل والتي تسمح لها بزيارة السجون، فإنّ المعدّل السنوي للأحكام الجزائية غير السالبة للحرية بين 2017 و2022 لم يتجاوز 4 أحكام فقط من جملة 10 آلاف قضيّة.
ووفق ما رصدته الرابطة أيضا، فإنّ أغلب مخازن المؤونة في السّجون لا تستجيب إلى شروط النظافة وحفظ الصحّة والسلامة، كما أنّ المشرفين على هذه المخازن لم يتمتّعوا بتكوين في تقنيات تخزين الموادّ الغذائية وحفظها، حيث يتمّ وضع اللحوم البيضاء والحمراء والخضر في الثلاجات في نفس درجة الحرارة، والحال أنّ اللحوم والدجاج تستوجب درجات حرارة أدنى من درجات حرارة حفظ الخضراوات. كما لاحظت الرابطة أنّ العاملين في المطاعم أغلبهم من المساجين، ويفتقرون إلى التكوين في السلامة من الأخطار، حيث لا يلبسون الأحذية المناسبة ولا يضعون القفازات.
بالنسبة إلى الاستحمام، يقول محمد الحبيب البجاوي إنّ المساجين يتمتّعون بالحقّ في الاستحمام بمعدّل مرة في الأسبوع، ولكن في بعض الأحيان يكون الاستحمام مرّة واحدة في الشهر لمدّة زمنية قصيرة، مع عدم توفير المياه الدافئة. ومن جملة 400 ممرّض بالوحدات السجنية، تقول الرابطة إنّ 10% منهم فقط لهم شهادات في علوم التمريض، وهو ما يدلّ على ضعف الإطار المُشرف على الصحة في السجون. بالإضافة إلى ذلك، لا تتوفّر فضاءات خاصّة بالأنشطة الرياضية والثقافية بالوحدات السجنية، وعادةً ما يتمّ توجيه العروض إلى فئة محدّدة من المساجين الّذين تتوفّر فيهم شروط حسن السيرة والسلوك. كما أنّ القنوات التلفزية التي تعرضها الوحدات السجنية تكاد تقتصر على بعض القنوات الرياضية مثل BeIn Sport، فيما لا تكاد الصّحف التونسية تصل إلى المساجين إلا بعد أن تتثبّت فيها الإدارة وتتفحّص محتواها، وهو ما اشتكى منه عدد من المساجين مثل عصام الشابي ورضا شرف الدين وعبير موسي وسهام بن سدرين.
مثّل إحياء الذكرى 76 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان عبر الندوة التي نظّمتها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان يوم 14 ديسمبر الفارط، فرصةً للتذكير بالانتهاكات الحاصلة وطنيًّا ودوليًّا، وخاصّةً بالإبادة الجماعية والتهجير القسري للشعب الفلسطيني. لكنّ الرابطة تحاشت التطرّق إلى ما تمّ توثيقه من شهادات حول التعذيب وسوء المعاملة والتهجير والتنكيل الّتي تعرَّض لها السّوريّون في السجون والمعتقلات بعد سقوط نظام الأسد، رغم أنّ رئيس الرابطة قال في مداخلة مُسجَّلة إنّ “المبادئ الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كونيّة وغير مُجزّأة وتنطبق على الإنسانية جمعاء”. واكتفت الرابطة بنشر بيان يوم 13 ديسمبر أكّدت في بدايته على “احترام حق الشعب السوري في الحرية والديمقراطية والكرامة وبأن الإقصاء والقمع لا يمكن أن يصون حرمة الأوطان ومناعتها”، وأسهبت في توصيف سقوط النظام على أنّه “يندرج في إطار مشروع استعماري قائم على توطين قوى موغلة في الرجعية من أجل توسع الكيان الصهيوني وتقسيم سوريا وإعادة تشكيل المنطقة”.
متوفر من خلال: