عنصر من الدفاع المدني التابع للهيئة الصحيّة الإسلاميّة خلال تشييع شهداء الدفاع المدنيّ اللبنانيّ الأربعة في فرون (9 أيلول 2024 / حسين شعبان)
استشهد عامل إغاثة وجُرح ثلاثة في المريجة في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، صباح اليوم الجمعة 4 تشرين الأوّل، بعد استهداف فرق إغاثة وعدد من المصّورين الصحافيّين بصاروخ إسرائيليّ واحد على الأقل، بحسب مصادر الهيئة الصحيّة الإسلاميّة وشهادة مصوّرين صحافيّين كانوا على الأرض.
وجاء الاستهداف بُعيد تهديد إسرائيلي وصل فرق الدفاع المدني اللبنانيّ ليلة أمس، بالاستهداف المباشر، حال تنفيذهم أيّة مهمّة إنقاذيّة وإسعافيّة في المناطق المستهدفة والضاحية الجنوبيّة تحديدًا. ويُعدّ حظر عمليّات الإنقاذ والإسعاف جريمة حرب، حيث يحظر استهداف الفرق الطبيّة والعاملين في مجال الإغاثة أثناء النزاعات المسلحة، وينصّ القانون الدوليّ الإنسانيّ على وجوب حماية هذه الفرق وتسهيل عملها لإنقاذ الأرواح وتقديم المساعدة الإنسانيّة للمصابين.
وارتفعت حصيل الشهداء المسعفين اليوم فقط إلى 13 من عناصر الدفاع المدني التابع للهيئة، في المريجة وشقرا ومجدل سلم ومرجعيون وجويّا. إضافة إلى استهداف مركز في مجدل زون لم تعرف حصيلته.
وقال نقيب المصوّرين الصحافيّين علي علّوش، في حديث لـ”المفكّرة” إنّه وصل صباح اليوم إلى المريجة مع فريق من زملائه، الذين اعتادوا الدخول إلى الضاحية للتصوير يوميًّا في الوقت عينه. وقال إنّه عند وصوله، لاحظ وجود جرّافة صغيرة تعمل في المكان برفقة عمّال إغاثة وإنقاذ.
وقال: “نحن مجموعة من أربعة مصوّرين اعتدنا، وبناء على اتّفاق فيما بيننا، على الدخول إلى الضاحية يوميًّا لتوثيق التدمير”، وتابع: “وصلنا إلى المريجة وكانت آليّة تعمل على رفع بعض الأنقاض، حين باغتها صاروخ استهدفها مباشرة”.
وقال محمود كركي، مسؤول الملف الإعلامي في مديريّة الدفاع المدني – الهيئة الصحية الإسلامية، لـ “المفكّرة”، إنّ فرق الإنقاذ التابعة للمديريّة بدأت أعمال إزالة الركام وانتشال المصابين صباح اليوم، قبل أن تُستهدف آلية تابعة لها مباشرة، ويستشهد سائق الآليّة، وهو من عناصرها. كما جرح 7 عناصر آخرين.
وتعرّضت المريجة ليلة أمس الخميس لغارات هي من الأعنف منذ بدء العدوان الإسرائيليّ على لبنان، وتمّ رمي 70 طنًّا من المتفجّرات على مربّع سكنيّ صغير. وتتناقل وسائل الإعلام اللبنانيّة منذ صباح اليوم مناشدات من السكّان للسماح للدفاع المدني وفرق الإنقاذ بالدخول الى المناطق المدمرة للبحث عن مفقودين.
وعبّر علّوش عن اعتقاده بأنّ المستهدف كان فرق الإغاثة “رغم احتماليّة أنْ يكون كلّ المتواجدين مستهدفين، من فرق إغاثة ومصوّرين صحافيّين، لكنّ الصاروخ استهدف الآليّة مباشرة”.
ويشرح حسين، أحد سكان المنطقة، أنّ الحاجة إلى وصول فرق الإنقاذ والإسعاف باتت ملحّة أكثر من أي وقت مضى، نظرًا لأنّ الاستهداف الإسرائيلي طال مناطق مهدّدة وأخرى لم تكن مشمولة بالتهديدات المعلنة من قبل الجيش الإسرائيلي تحت مسمّى “إنذارات الإخلاء”. ويوضح أنّ هناك عدم قدرة على التأكّد من إخلاء كافة السكان من هذه المناطق قبل تعرّضها للقصف، خصوصًا في ظلّ الصعوبات التي يواجهها البعض في نقل كبار السن، وعدم توفير وقت كافٍ لإجلاء المدنيين بأمان.
يضيف حسين أنّه نزح من منزله إلى مكان عمله في بيروت الذي بات مكان سكنه حاليًا، لكنه لا يزال قلقًا على جيرانه الذين ظلّوا في بيوت متواضعة في المنطقة. ورغم أنّه غادر، ولم يتمكّن من الاطمئنان إلى سلامتهم حتى الآن.
ويرى حسين أنّ استهداف فرق الدفاع المدني لا يشكل خطرًا فقط على حياة عمّال الإغاثة والمسعفين أنفسهم، بل يهدّد أيضًا حياة جميع سكّان المنطقة وأهلها، ممّن لم ينزحوا بعد، أو قد يعودون في ظلّ اضطرارهم للمفاضلة بين الخطر والتشرّد. وحظر وصول هذه الفرق إلى المناطق المتضرّرة يشكّل انتهاكًا للحق الأساسي في تلقّي المساعدة والرعاية الصحّية، ممّا يزيد من معاناة الناس ويتركهم عرضة للخطر من دون أي حماية أو دعم.
حظر على أعمال الإنقاذ
ويبرز نمط من الاستهداف الإسرائيليّ الذي يحظر أعمال الإغاثة والإنقاذ، إذ يُستهدف المسعفون إثر انطلاقهم بمهامهم، وقبل إتمامها. ولليوم الثالث على التوالي، يمنع الاستهداف الإسرائيليّ أي فرق إسعافية من التحرّك نحو 8 مسعفين مجهولي المصير لغاية الساعة إثر فقدان الاتّصال بهم في استهداف مركباتهم الثلاث منذ ثلاثة أيام، إثر استهدافها من قبل العدوان الإسرائيلي في منطقة الطيبة – العديسة، قضاء مرجعيون.
وقدّ توجّه فريق من الصليب الأحمر والجيش اللبنانيّ يوم أمس الخميس لإخلاء المصابين الثمانية، بتنسيق مع اليونيفيل، وفق بيان للصليب الأحمر. واستهدف الفريق بقصف مدفعيّ، وفق بيان للجيش، ما نتج عنه استشهاد الرقيب الأوّل ماهر أحمد عويك، وإصابة خمسة عناصر من الجيش ومسعف.
وكانت “المفكّرة” قد وثّقت صباح اليوم تلقّي عناصر الدفاع المدني اللبناني اتصالًا يحذّرهم من القيام بأي عمليّات إنقاذ في الضاحية الجنوبيّة، ما يكشف بوضوح محاولة العدوان حظر أعمال الإنقاذ. وتتكرّر الهجمات على عمّال الإغاثة والعاملين الطبّيّين منذ بدء العدوان. واستشهد 97 منهم على الأقل حتّى يوم أمس، بحسب وزير الصحّة، إضافة إلى 188 مصابًا.
وظهر اليوم، استشهد 7 آخرون اليوم في غارة على سيارتين للدفاع المدني التابع للهيئة الصحّية الإسلامية على مدخل مستشفى مرجعيون في جنوب لبنان، وشهيدين مسعفين في استهداف مركز للهيئة الصحيّة في خربة سلم، إضافة إلى العنصر الشهيد في الهجوم على المريجة صباحًا.
وعصر اليوم، استشهد مسعفين اثنين في شقرا بحسب ما أبلغت به الهيئة الـ “المفكّرة”، كما استهدفت سيّارة إسعاف في جويّا عصر اليوم أيضًا، ما أدّى إلى استشهاد مسعف. وعند الساعة الـ6:00 مساء، استهدف مركز الدفاع المدني التابع للهيئة في مجدل زون، ولم تعرف حصيلته حتى اللحظة.
وبهذا يرتفع عدد الشهداء الكلّيّ من الطواقم الطبية والإغاثية إلى 110 على الأقل، بحسب إحصاء “المفكّرة”، إضافة إلى 8 مسعفين في عداد المفقودين بعدما انقطع التواصل معهم إثر استهدافهم بين الطيبة والعديسة على الحدود الجنوبية.
وقد خرج مستشفى مرجعيون عن الخدمة إثر إغارة العدوان على سيارتي إسعاف في مدخله، ليصبح ثالث مستشفى يخرج عن الخدمة في المنطقة الحدودّية، بعد مستشفى ميس الجبل اليوم، ومستشفى بنت جبيل قبل 10 أيّام، إضافة إلى مستشفى المرتضى السبت الماضي 28 ايلول. كما كشف نقيب أصحاب المستشفيات الخاصّة سليمان هارون في اتصال مع موقع “إم تي في” أنّه تمّ إخلاء المرضى من مستشفى “سان تيريز” في الحدت وبدأت أعمال الترميم والإصلاحات فيه ليعاود العمل قريبًا.
وأصيب ممرّضان وجرح 11 آخرون منذ بدء العدوان، كما تضرّرت 9 مستشفيات و45 مركزًا صحيًّا، ما وضع 40 منها خارج الخدمة، بحسب أرقام وزارة الصحّة. كما تم استهدف العدوان 128 آليّة إسعاف وإطفاء.
ويقوّض العدوان الإسرائيليّ، بشكل ممنهج، البنية التحتية الطبية والإنقاذية، مثل المستشفيات وخدمات الطوارئ. وتعني إعاقة عمليات البحث والإنقاذ بقاء الجرحى في الأرض والضحايا تحت الأنقاض، دون أمل في الحصول على المساعدة. ويحرّم القانون الدولي الإنساني استهداف الطواقم الطبية والإغاثية ويؤمّن لها حماية خاصّة. ولإسرائيل تاريخ من الإفلات من العقاب في هذا الإطار، في ظلّ حماية تؤمّنها لها دول الشمال السياسي.
وتضمن اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية، حماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني خلال النزاعات المسلحة، وكذلك حق الجرحى والمرضى في تلقي الرعاية، بحيث يجب توفير العناية الطبية للجرحى والمرضى دون تمييز، ولا يجوز منع أو عرقلة وصول المساعدات الطبية إليهم. كما يؤكد البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف (1977) وجوب تسهيل مرور فرق الإغاثة الإنسانية إلى المناطق المتضررة. ويشكّل استهداف فرق الإغاثة جريمة حرب بموجب القانون الدولي.
ويقول كركي للمفكّرة إنّ “العدوّ الإسرائيلي لم يكن يومًا مسالمُا معنا، ومنذ 8 تشرين الأوّل، كان عملنا الإنسانيّ يشكّل تحدّيًا للعدوان”. ويشرح: “كان يقفل طرقات في القرى المأهولة فنقوم بفتحها، ويشعل الحرائق في البساتين والأحراج فنطفئها، وكان يقصف الأُسر في المنازل، فننقذهم، ويحاصر العوائل بالنار فنخرجهم ونوصلهم بأنفسنا إلى منطقة آمنة”.
وكشف كركي عن شعور لدى عمّال الإنقاذ والإسعاف بأن “الإسرائيلي مستثار من عملنا”، مؤكّدًا “التحدّي العاقل للبقاء إلى جانب أهلنا وناسنا”. وقال للمفكّرة إن الجهاز يتّخذ إجراءاته قدر الإمكان بهدف الاستمرار بالعمل، لا الانكفاء عنه: “ونحن عقلانيّون وواعون للمخاطر لكنّنا نكمل عملنا في كلّ الأماكن حتّى تلك التي نستهدف فيها”.
ويُظهر استهداف فرق الإغاثة ومحاولة فرض الحظر على عمليات الإنقاذ سياسة العقاب الجماعي التي تمارسها إسرائيل ضد سكّان المناطق المستهدفة، من دون تمييز. فإعاقة وصول المساعدات لا تهدف فقط إلى مضاعفة عدد الضحايا، بل إلى كسر الروح المعنوية للمجتمع بأكمله، عبر تركه دون أي حماية أو دعم في مواجهة آلة الحرب.
في ظل هذه الظروف القاسية، يصبح من الواضح أنّ الحظر الإسرائيلي على عمليات الإنقاذ ليس مجرّد جريمة حرب منفردة، بل هو جزء من سلسلة من الجرائم التي تسعى إلى تقويض كل سبل الحياة الإنسانية في المناطق تحت العدوان.