أثار مشروع قانون جديد يعد الأول من نوعه، ويتعلق بالضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين، جدلاً واسعاً في المغرب. فقد أبدت منظمات حقوقية وفعاليات مدنية وسياسية عديدة مخاوفها من بعض مقتضياته لكونها قد تتيح للمسؤولين في المؤسسة العسكرية امكانية الإفلات من العقاب.
أهمية مشروع قانون 12-01 المتعلق بالضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين
يعتبر هذا المشروع خطوة مهمة لتحديث التشريع العسكري[1]، ويتضمن 16 مادة، تحدد العديد من الحقوق المادية والمعنوية والإدارية للمشتغلين في مختف الأسلاك العسكرية. وهو يستهدف بالأساس ملاءمة حقوق وواجبات العسكريين مع مقتضيات الدستور الجديد لعام 2011: فالعسكريون مطالبون بحكم طبيعة المؤسسة العسكرية بعدة التزامات تتعلق بـ "الحياد والانضباط والتضحية والإستعداد في كل وقت للدفاع عن الوطن ووحدته الترابية"، وهم يفقدون عملاً بنظام الجندية بعض الحقوق المدنية كالحق في الإضراب والإنتماء السياسي والنقابي…
لذا أتى هذا المشروع ليحدد بشكل واضح الحقوق المادية للعسكريين مثل الحق في الأجرة، والحق في معاش التقاعد، والحق في الرخص والحق في الحماية الاجتماعية..، والضمانات المتعلقة بالمسار الإداري من قبيل الترقية والتعيين والتكوين فضلا عن ضمانات أخرى على مستوى المتابعات التأديبية..
سلبيات مشروع القانون 12-01 المتعلق بالضمانات الأساسية الممنوحة للقوات المسلحة الملكية بالمغرب
تضمن المشروع مواد مثيرة للجدل.
ومن هذه المواد، المادة السابعة التي تنص حرفيا على الآتي:
"لا يُسأل جنائيا العسكريون بالقوات المسلحة الملكية الذين يقومون، تنفيذا للأوامر التي تلقوها من رؤسائهم التسلسليين في إطار عملية عسكرية تجري داخل التراب الوطني، بمهمتهم بطريقة عادية..".
تتناول هذه المادة حالة تدخل الجيش لتقديم المساعدة لأجهزة الأمن الداخلية في قضايا الدفاع المدني، أو في حالة الإضطرابات الإجتماعية الكبرى. وقد صيغت هذه المادة على نحو يكرس مبدأ حصانة العسكريين من أي ملاحقة في حالة قيامهم بعمليات تنفيذا للأوامر التي تلقوها من طرف رؤسائهم، وهو ما يفهم من عبارة "لا يسأل جنائيا"، فصيغة الاطلاق الواردة في المادة السابعة تكرس الإفلات من العقاب، وتحيل على قضية عدم اشتغال الجيش تحت الرقابة القضائية.. [2]، ومن ثم تعدم أي امكانية لتطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. ومن هذا المنطلق، تبدو هذه المادة في حال تعارض مع القانون الدولي الإنساني الذي يجرم انتهاكات حقوق الإنسان. فالقانون الدولي يفرض أن يتم تدخّل مماثل باحترافية ومسؤولية وفقا لمقتضيات حقوق الإنسان المرتبطة بمبدأ استعمال القوة عند الضرورة وليس على حساب كرامة الأفراد وحرياتهم الأساسية.
أما المادة 8 من المشروع فقد نصت على أنه: "تظل المحاكم المغربية وحدها مختصة للنظر في المخالفات التي يرتكبها، أثناء العمليات خارج التراب الوطني، العسكريون وكذا المستخدمون المدنيون المغاربة الموضوعون تحت إمرتهم، وذلك ما لم ينص على خلاف ذلك في الإتفاقيات التي انضمت إليها المملكة أو صادقت عليها أو تم نشرها".
لقد أثارت هذه المادة اشكالية عدم ملاءمتها لديباجة الدستور وللقانون الدولي الإنساني، خاصة المبدأ الذي صادقت عليه الأمم المتحدة عام 2005 المتعلق ب"مسؤولية الحماية" التي تقتضي التدخل العسكري الدولي بناء على البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة. فالدولة التي تزعم أنها تضمن الحصانة للعسكريين داخل التراب الوطني لا يمكن لها أن تعفيهم من إمكانية المتابعة القضائية الدولية. ولهذا، فإنه بمجرد أن يصادق المغرب على معاهدة روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية، فإنه سيكون إلزاما تغيير هده المادة أو إلغاؤها…
مجتمع مدني رافض لمشروع قانون يكرس الافلات من العقاب
بمجرد طرح المشروع على مائدة النقاش العمومي، انتظمت أكثر من 18 منظمة حقوقية مغربية في إطار نسيج مدني لمطالبة الحكومة والبرلمان بـ "عدم شرعنة قواعد الإفلات من العقاب"، ونادت بإدخال تعديلات عميقة على نصه حتى لا يتحول الى أداة لتحصين العسكريين إزاء مساءلتهم جنائياً. واعتبرت المنظمات الحقوقية أنه "لا ينبغي ممارسة انتهاكات حقوق الإنسان وخرق القوانين تحت مبررات احترام قواعد الطاعة والانضباط العسكري". في الاتجاه نفسه، ذهب مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية والجمعية الوطنية لأسر شهداء ومفقودي الصحراء هذا القانون.
واعتبرت أصوات حقوقية أن الخلفية من وراء هذا المشروع سياسية بالدرجة الأولى، حيث يستهدف حماية بعض المسؤولين المتورطين في الفساد بجميع أنواعه من أية محاكمة محتملة …والمصادقة على مثل هذا القانون سيشكل مصدر ارتياح لكبار العسكريين المتورطين في قضايا الفساد ما دام أنه يعفيهم من المتابعة والمحاسبة القانونية والقضائية وطنيا ودوليا.. غير أنه في المقابل، سيؤدي إلى خيبة أمل الجيل الجديد من العسكريين الشباب الذين يطمحون إلى بناء مؤسسة عسكرية عصرية تقوم على قواعد الحكامة الأمنية…
المعارضة تطلب رأي المجلس الوطني لحقوق الانسان
أمام تزايد مخاوف المجتمع المدني من المشروع الجديد، طالبت فرق المعارضة بإحالته على المجلس الوطني لحقوق الانسان بهدف دراسة مدى موافقته لمبادئ حقوق الإنسان وبنود الدستور المغربي الجديد. وقد أصدر المجلس رأيه الاستشاري الذي تركز أساسا على تحليل صيغة المادة 7 من المشروع الجديد المثيرة للجدل.
وخلص إلى انها تثير العديد من الاشكاليات القانونية من بينها:
- مخاطر جدية لعدم دستورية مقتضيات الفقرة الأولى منها؛
- عدم ملاءمتها مع النصوص التشريعية الوطنية؛
- أنها تتنافى مع منطق توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في مجال الحكامة الأمنية،
- أنها تتنافى مع الاتفاقيات الدولية؛ كما قد تطرح تحديا جديا يتعلق بالملاءمة في حالة اتخاذ قرار المصادقة على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية،
- أنها تبتعد بشكل واضح عن التوجهات التشريعية المقارنة في مجال مسؤولية العسكريين كما تبتعد عن الاجتهاد القضائي والوثائق الإعلانية والبرنامجية الدولية والجهوية المتعلقة بالحكامة الأمنية.
صدور قانون حصانة العسكريين وفتح ورش إصلاح المحكمة العسكرية
بعد النقاش المستفيض الذي أثير حول مشروع قانون حصانة العسكريين في سابقة تعدّ الأولى من نوعها في تاريخ المغرب لجهة المناقشة العامة للقضايا التي تمس المؤسسة العسكرية، تم اقرار هذا المشروع[3] بعد الأخذ بعين الاعتبار لأغلبية الملاحظات التي سجلها المجلس الوطني لحقوق الانسان وكذا النسيج المدني المكون من عدة جمعيات حقوقية. وهكذا تمت اعادة صياغة المادة 7 من المشروع بشكل يحول دون امكانية استغلالها بشكل سيء لشرعنة الافلات من العقاب، وذلك من خلال:
استبدال مبدأ عدم المساءلة الجنائية للعسكريين الواردة في المادة 7 بصيغة قانونية تكرس الحماية القانونية الوظيفية للعسكريين؛
- إدماج مقتضى يكرس شرط تنفيذ المهمة العسكرية الجارية داخل التراب الوطني طبقا للقانون؛
- اقتراح التنصيص على أنه يتعين عند مساءلة العسكريين عن الأفعال المخالفة للقانون التي قد يقومون بها أثناء القيام بهامهم أن تراعى مقتضيات الانضباط العام في حظيرة القوات المسلحة الملكية وقواعد المسؤولية أو عدم المسؤولية الجنائية والمحاكمة العادلة؛
- التنصيص على امكانية اختصاص محاكم غير مغربية للنظر في المخالفات التي يرتكبها العسكريون، أثناء العمليات خارج التراب الوطني في حالة وجود اتفاقية أو معاهدة أو برتوكول انضم اليه المغرب أو صادق عليه ونشر بصفة قانونية.
وعموما، فإن من أهم حسنات المسار التشريعي الذي قطعه القانون المتعلق بالضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين أنه عجل بفتح النقاش حول ضرورة اصلاح نظام العدالة العسكرية من أجل ملاءمتها مع النص الدستوري الجديد والتزامات المغرب الدولية، وهو الاصلاح الذي تحقق بعد سنوات من الانتظار.
ملحق جدول توضيحي للتعديلات التي تم اقرارها على المادتين 7 و 8 من مشروع قانون الضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين
مشروع قانون الضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين المصادق عليه
|
قانون الضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين المصادق عليه
|
المادة 7: لا يُسأل جنائيا العسكريون بالقوات المسلحة الملكية الذين يقومون، تنفيذا للأوامر التي تلقوها من رؤسائهم التسلسليين في إطار عملية عسكرية تجري داخل التراب الوطني، بمهمتهم بطريقة عادية.
في هذا الإطار، وطبقا للقوانين التشريعية الجاري بها العمل، يتمتع العسكريون بحماية الدولة مما قد يتعرضون إليه من تهديدات أو متابعات أو تهجمات أو ضرب أو سب أو قذف أو إهانة، بمناسبة مزاولة مهامهم وأثناء القيام بها أو بعدها. ..
ويستفيد أزواج وأولاد وآباء وأمهات العسكريين من نفس حماية الدولة، عندما يتعرضون، بحكم مهام هؤلاء، إلى التهديدات أو التهجمات أو الضرب أو السب أو القذف أو الإهانة.
|
المادة 7 : يتمتع بحماية الدولة العسكريون بالقوات المسلحة الملكية الذين يقومون، تنفيذا للأوامر التي تلقوها من رؤسائهم التسلسليين، بالمهام القانونية المنوطة بهم داخل التراب الوطني، وفق الأحكام التشريعية والتنظيمية سارية المفعول.
وطبقا للأحكام التشريعية الجاري بها العمل، يتمتع العسكريون بنفس الحماية مما قد يتعرضون اليه، من تهديدات أو متابعات أو تهجمات أو ضرب أو سب أو قذف أو اهانة، بمناسبة مزاولة مهامهم أو أثناء القيام بها أو بعدها.
كما يتمتع بحماية الدولة العسكريون الذين يقومون بعملية عسكرية خارج التراب الوطني في اطار مأمورية انتدبوا من أجلها، وذلك مع احترام القانون الدولي الانساني.
ويستفيد أزواج وأولاد وآباء وأمهات العسكريين من نفس حماية الدولة، عندما يتعرضون، بحكم مهام هؤلاء، إلى التهديدات أو التهجمات أو الضرب أو السب أو القذف أو الإهانة."
|
المادة 8 تظل المحاكم المغربية وحدها مختصة للنظر في المخالفات التي يرتكبها، أثناء العمليات خارج التراب الوطني، العسكريون وكذا المستخدمون المدنيون المغاربة الموضوعون تحت إمرتهم، وذلك ما لم ينص على خلاف ذلك في الإتفاقيات التي انضمت إليها المملكة أو صادقت عليها أو تم نشرها".
|
المادة 8: تظل المحاكم المغربية المختصة وحدها مؤهلة للنظر في المخالفات التي يرتكبها، أثناء العمليات خارج التراب الوطني، العسكريون وكذا المستخدمون المدنيون ذوو الجنسية المغربية الموضوعين تحت إمرتهم، وذلك ما لم ينص على خلاف ذلك في الإتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات التي انضمت إليها المملكة أو صادقت عليها و تم نشرها في الجريدة الرسمية".
|
[1]– يتصف التشريع العسكري بالمغرب بميزة الثبات إذ ظل راكدا منذ الثمانينات، وذلك عقب الموجة التشريعية الأولى التي عرفها المغرب بعد الإستقلال بخصوص هذا القطاع، والموجة الثانية خلال فترة السبعينيات بعد حادث الإنقلابين العسكريين سنتي 1970 و 1971. والموجة الثالثة انطلاقا من سنة 2011 مع ثورات الربيع العربي. أنظر لمزيد من التفاصيل :
الحسن البوعيسي: الوسيط في قانون القضاء العسكري، مطبعة الأمنية بالرباط، الطبعة الأولى 2011.
[2]– حول آراء الفاعلين بخصوص مشروع قانون حصانة العسكريين يمكن الاطلاع على المراجع التالية:
-محمد عياط : نقاش هادئ لمشروع قانون الحصانة العسكرية، مقال منشور بموقع لكم بتاريخ 13/06/2012.
-هشام الشرقاوي: عدم دستورية مشروع قانون حصانة العسكريين، جريدة المساء، بتاريخ 27 / 05 / 2012.
-حوار موقع هسبريس مع الدكتور إبراهيم اسعيدي بتاريخ 27 ماي 2012.
[3]– ظهير رقم 1.12.23 صادر بتاريخ 04/09/2012، المتعلق بتنفيذ قانون رقم 12/01 المتعلق بالضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين بالقوات المسلحة الملكية.