
مقالع كفرحزير التي غّيرت معالم البلدة - تصوير: نيولاين
بدا الطلاب والطالبات المشاركون في احتفال جامعة القديس يوسف تحت عنوان “العملاق الصامت: قطاع المقالع والكسارات في لبنان” أمس الخميس 23 كانون الثاني 2025 بتسليمهم شهادات اختتام مشاركتهم في برنامج “شباب للحوكمة” (Youth4Governance) فخورين بمساهمتهم مع خبراء قانونيين ومحامين وأساتذة وطلاب من جامعات لبنانية أخرى، ومن ضمنها الجامعة اللبنانية، في خدمة الإدارة اللبنانية والتعرّف إليها عن قرب وفي وضع الآلية التي مكّنت وزارة البيئة من إصدار الأوامر الأولى لتحصيل مستحقات الخزينة العامة من قطاع المقالع والكسارات المخالف بمجمله للقانون. وتُوّجت المناسبة بالاحتفال بالإعلان عن توقيع وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين أول أمر بتحصيل مستحقات الخزينة العامة من أصحاب قطاع المقالع والكسارات المخالف. وأكد ياسين للمفكرة القانونية أن وزارة البيئة جهّزت 450 أمر تحصيل لتوقيعهم وإرسالهم إلى المعنيين في القطاع بعد حصولها على عناوينهم وأرقامهم المالية من وزارة المالية. وتقتصر أوامر التحصيل هذه على الجزء المتعلق بالأضرار والبالغ نصف مليار دولار، وفق ياسين نفسه، من مجمل 2.4 مليار دولار مستحقة للدولة في ذمّة أصحاب المقالع والكسارات، من بينها إعادة تأهيل المواقع والرسوم المتوجبة لوزارة المالية، وهي تمثل قيمة التعويضات المستحقة للدولة عن الكميات المستخرجة من قطاع المقالع والكسارات ومحافر الرمل بين عامي 2007 و2018، بحسب دراسة صادرة عن وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
فرحة الطلاب وشعورهم بالفخر مستحقّان بناء على ما عرضوه من معلومات تضمّنتها المنصّة التي أنشؤوها إثر عمل دؤوب استمرّ نحو سنتين قضوها في معاونة وزارة البيئة وإدارات الدولة، تخلله عمل ميداني واطّلاع على أوضاع السكان الذين يعانون من المقالع والكسارات وأضرارها والأمراض التي تتسبب بها وعلى رأسها مختلف أنواع السرطانات، مشيرين إلى أن عملهم لم يشمل محافظة بعلبك الهرمل ومقالعها وكسّاراتها من دون إطلاعنا على سبب ذلك . كما أنجز الطلاب خريطة تفاعلية موصولة بالأقمار الصناعية وبتقنية الذكاء الاصطناعي تتيح لموظّفي الإدارات الرسمية والقضاة متابعة أوضاع 1474 مقلع وكسارة، وفق أرقام الطلاب، واتخاذ القرارات المناسبة بشأن الشّكاوى التي ترد بشأنها، حيث وثّقوا وجود “منشأة واحدة فقط مرخصّة من بينها جميعًا”. وعلى المنصة نفسها قدّر الطلاب استخراج هذه المنشآت 198 مليون متر مكعب من المواد الخام، ليحصوا 4000 مخالفة للقانون من قبل أصحابها.
وفي الجو الاحتفالي عينه، عرض الوزير ياسين أحد أوامر التحصيل الذي وقعه تحت عدسة كاميرا الفيديو الذي صوره الطلاب في مكتبه في الوزارة، وتمّ عرضه في الاحتفال، وصودف أنه يخصّ منطقة عين دارة التي تعاني وأهلها، كما كلّ المناطق على مساحة الوطن من أزمة كبيرة نتيجة تفلّت هذا القطاع. وأكّد ياسين وهو يرفع أمر التحصيل، أنّه كوزير بيئة قد غلّب “عبر عملنا الجدي المصلحة العامة وليس المصلحة الخاصة أو السياسية، لأنني لو كنت أريد أن أغلّب المصلحة السياسية أو الرأسمال السياسي بقعد بتفاوض عليهم، ولكن غلبنا المصلحة العامة ومشينا وقدرنا نمشي بهذه الخطوة الجبارة”.
وأضاف “اليوم بدأنا بهذا الشكل الجدي بوضع الملّوث أمام مسؤولياته بهذا الشكل المنظم والمرتب قانونيا عبر محامين وخبراء قانونيين وليس بعملية شعبوية أو إعلامية. واليوم نقول أن المنتهك سيُحاسب وأن الملوث سيدفع وأن المال العام لن يكون منهوبًا بعد اليوم”. وبعدما شكر كل المتعاونين من جامعة القديس يوسف إلى قضاة هيئة القضايا في وزارة العدل إلى الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والخبراء القانونيين والمحامين، قال ياسين: “اليوم نُثبت أن التعاون بين الصادقين في لبنان، وأضع أربعة أسطر تحت الصادقين، لأن هناك كثيرًا من مدعيّ العمل في لبنان في كل مكان، نثبت أن الصادقين والمؤمنين في هذا البلد سينجحون، وطبعًا قد نواجه الكثير من العقبات والقضايا بوجهنا وكثير من الأسهم ولكن نستطيع أن ننجح بهذه التجربة، لنصل خلال هذا العهد إلى تنفيذ خارطة الطريق التي وضعها الرئيس جوزف عون في خطابه للوصول الى دولة العدالة ودولة المؤسسات والدولة القوية ودولة تحصيل الحقوق”.
لكن كلام وزير البيئة عن دولة العدالة والمؤسسات والدولة القوية ودولة تحصيل الحقوق يأتي بعد شهر و19 يومًا على قرار مجلس الوزراء رقم 56 الذي سمحت الحكومة بموجبه لشركات الإسمنت استثنائيا ب “استخراج المواد الأولية اللازمة لصناعة الترابة تلبية لحاجة السوق المحلي وذلك لمدة سنتين”، بذريعة الحاجة الملحّة لإعادة الإعمار وإعادة النازحين إلى بيوتهم، وهو القرار الذي فندت المفكرة مخالفته للقوانين الناظمة ولكن أيضا للقرارات القضائية الملزمة. ولا يخالف القرار 56 المرسوم 8803/2002 الخاص بتنظيم المقالع والكسارات (تقع مقالع شركات الترابة خارجه) ومعه قانون البيئة 444 (حماية البيئة) فقط، بل هو يعدّ تمرّدا والتفافًا على قرار مجلس شورى الدولة الصادر في 13 آب 2024 في وقف تنفيذ القرار الحكومي السابق والذي كان منح شركات الترابة مهلة إدارية لاستثمار المقالع لمدة سنة كاملة. وكان قرار وقف التنفيذ هذا قد صدر في إطار الطعن الذي تقدم به ناشطون بيئيّون بالتعاون مع المفكرة القانونية. وعليه، جاء القرار رقم 56 ليلتف على القرار القضائي بوقف تنفيذ القرار الحكومي السابق من خلال إصدار قرار جديد بنفس المضمون مع مضاعفة مدة الاستثمار المسموح به من سنة إلى سنتين وعمليا مع مضاعفة حجم المخالفة والاعتداء على البيئة. ولم يكن هذا قرار مجلس شورى الدولة في آب الماضي الأول من نوعه إذ كان الناشطون البيئيّون واتّحاد بلديات الكورة نجحُوا قبل ذلك في استصدار 4 قرارات إبطال قرارات حكومية مماثلة تباعا في تواريخ (19/1/2022 و20/1/2022 و15/3/2022 و 20/4/2023، وكلها قرارات قررت وزارة البيئة والحكومة تجاهلها رغم كونها القرارات التي حفظت للدولة إمكانية مطالبة الشركات لاحقا بتعويضات.
هذا الواقع دفع عميدة كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة القديس يوسف ووزيرة العدل السابقة ماري كلود نجم إلى اعتبار قرار الحكومة الأخير “يشكل إهانة للقضاء لأن مجلس شورى الدولة،وخلال 3 سنوات، اتّخذ 5 قرارات آخرها من بضعة أشهر (قرار آب الماضي) ألغى أو علّق بموجبها قرارات مشابهة”. لكن نجم خرجت عن النصّ المكتوب لكلمتها وتوجهت إلى الوزير ياسين بالقول “لكنك قلت أنك تحفظت على القرار وأنّه لن يُنفّذ”. وهو ما أكّده ياسين للمفكرة “لم يأتِ القرار بناء على اقتراحي، ولم أوقّعه، ولن ينفّذ”، مؤكدًا للمفكرة أنّه سجّل تحفظه عليه “رسميًا هذه المرّة على محضر مجلس الوزراء، كما وعدنا بإيداعنا صورة عن هذا التحفظ”. علمًا أن نصّ القرار يقول في إطار عرض مستنداته “اقتراح السيد رئيس مجلس الوزراء (نجيب ميقاتي) وموافقة السادة الوزراء الحاضرين”. ويذكر أن القرار الصادر في 28 أيار 2024 والذي أوقف مجلس شورى الدولة تنفيذ كان قد صدر بناء على اقتراح مشترك من وزيريْ البيئة والصناعة.
ورأت نجم أنّ قرار الحكومة المتّخذ في 4 كانون الأول 2024، “بالتمديد لبعض المقالع بمواصلة عملها لمدة عامّين بشكل غير قانونيّ، يناقض القانون بشكل فاقع، قوانيننا وتنظيماتنا حول حماية البيئة وموارد المياه، وينتهك مبدأ المساواة المكرّسة في الدستور (حيث منح الامتياز لعددٍ محدود ومُعيّن من المقالع)”. وبعدما أشارت إلى أن تبرير الحكومة لقرارها كان وفق ما جاء فيه “الرّغبة الملحّة لإعادة إعمار ما تهدّم نتيجة الحرب”، رأت أن “الحكومة على حق: هناك إلحاح لإعادة الإعمار وإعادة النازحين، ولكن الإلحاح هو أيضا لضمان أن تحصل إعادة الإعمار وعودة النازحين في بلد غير مشوّه وغير ملوّث وفي دولة قانون فعلية حيث القضاء مستقلّ يؤدّي دوره في ضمان حقوق مواطنيه وهذا تحديدًا هدف المشروع (مشروع الجامعة): مقاربة علميّة تهدف ليس إلى إلغاء قطاع بل إلى قوننتِه”.
كما يأتي الاحتفال ببدء توقيع أوامر التحصيل في وقت يمدّد القرار 56 الصادر عن الحكومة سنتين لشركات الإسمنت نفسها التي تدين للدولة ب 386.3 مليون دولار، وتحقق أرباحا بملايين الدولارات من تصدير الإسمنت بسعر لا يزيد عن 50 دولارًا إلى الخارج على حساب صحة اللبنانيين وبيئة لبنان وجباله وطبيعته، فيما يصل إلى المواطن اللبناني بنحو 100 دولار. ولم نعرف إذا كانت قد صدرت بحق هذه الشركات المديونة للدولة أي من هذه الأوامر، حيث لم نلق جوابًا على هذا السؤال من الوزير ياسين الذي لا يذكر جميع الأسماء، كما قال.
وفي نهاية الحفل، قامت نجم ورئيس الجامعة سليم دكاش ووزير البيئة ياسين بتسليم الشهادات للطلاب.
متوفر من خلال: