ما أن صدرت نتيجة انتخابات نقابة المحامين في بيروت التي أجريت في تاريخ 19 تشرين الثاني 2023، وفاز فيها النقيب فادي المصري، حتى أعلنت الهيئة التنفيذية في حركة أمل عن فصلها لخمسة محامين من “قدامى” أفرادها والمصنّفين كـ “مفاتيح” انتخابية بارزة ضمن الحركة. كما جمّدت عضوية ستة محامين آخرين لمدة ثلاثة أشهر.
واختلفت الروايات وأسباب الفصل في حركة أمل بين الأعضاء المفصولين والمجمّدة عضويتهم من جهة، وقياداتهم من جهةٍ ثانيةٍ. لكن يبقى الأبرز هو أنّ القيادة اتخذت قرارها من دون “الاستماع” إلى المحامين ومن دون إخضاعهم للتحقيق وضمان حقّهم في الدفاع”. وتؤكد المصادر التي تواصلت معها “المفكّرة القانونية” أنّ معظم المحامين المفصولين علموا بقرار فصلهم من خلال وسائل الإعلام التي سرّب إليها الخبر، ما ألحق الضرر بسمعتهم ومسيرتهم المهنية.
ويُعيد إجراء “طرد” المحامين، طرح مسألة علاقة الأحزاب بأعضائها، ومدى الالتزام بالنظام الداخلي الذي هو بمثابة دستور للحزبيين، والإخلال به يسبب ضررًا معنويًا وتعديًا على كرامة المفصولين وحقهم في الدفاع عن أنفسهم. وهذا ما عبّرت عنه مصادر مقرّبة من المفصولين والمجمّدة عضويتهم، الذين اعتبروا قرار الفصل مسًّا بسمعتهم وبمسيرتهم المهنية، بخاصّة في ظلّ عدم الاستماع لهم.
وعلى الرغم من أنّ ما حدث مع المحامين في حركة أمل يمكن أن يحدث في أيّ حزب آخر، إذ سبق أن تناولت “المفكرة” مسألة طرد عدد من الحزبيين في “التيار الوطني الحر” على خلفية اعتراضهم على كيفية تنصيب جبران باسيل رئيسًا للتيار في العام 2015، لكن اللافت في حالة حركة أمل أنّ المحامين طردوا على خلفية “أدائهم” في انتخابات “نقابتهم” ولعدم التزامهم “بتعاليم قياداتهم” بحسب ما أفاد عدد من القياديين ل “المفكرة”. وبحسب مصادر مقرّبة من المحامين المفصولين، ينكر هؤلاء هذه التهمة ويعتبرون، بخلاف ما يدّعيه بعض القياديين في الحركة، أنّهم هم من التزم بالقرار الرسمي للحركة في حين أراد بعض القياديين فرض أسماء أخرى “من تحت الطاولة”. وعندما رفض المفصولون “الانصياع” واعترضوا على هذه التعليمات المتناقضة، لُفّقت لهم التهم، وبناء عليه صدر قرار فصلهم.
كل ذلك يُظهر مدى اهتمام الأحزاب بانتخابات المحامين وتحويلها من معركة “نقابية” إلى معركة سياسية، بهدف “السيطرة” على النقابة وتحويلها إلى أداة مطواعة في يد الأحزاب الحاكمة وتحقيق الوجود السياسي على حساب العمل النقابي، كما والسعي إلى “ضبط” عمل المحامين، كونهم المدافعين الأوائل عن القانون والدستور، والحامين لحقوق الناس وضمانة لحرّياتهم، عدا عن دورهم في كشف ملفات تتعلق بالفساد وتمسّ بالقضايا الوطنية الكبرى.
في تفاصيل الطرد والتجميد
على الرغم من أنّ المادة 109 من النظام الداخلي لحركة أمل تنصّ على “أن لا يفصل (العضو) أو يهمل أو يجمّد إلّا بعد التحقيق معه ومحاكمته من قبل الحركة”، اتخذت هيئة الرئاسة في حركة أمل برئاسة نبيه بري في تاريخ 29-11-2023، قرارًا بطرد خمسة محامين، من دون التحقيق معهم، علمًا أنّ تاريخ انتساب معظمهم للحركة يعود إلى حقبة السبعينيات والثمانينيات، وهم المحامون: علي عبدالله فواز (مسؤول تربوي مركزي)، هادي علي زبيب (تبوّأ مركز مسؤول شعبة الجامعة اللبنانية)، فراس أسعد كنج (تبوّأ مراكز عدة منها نائب رئيس مكتب البلديات المركزي)، بهاء فضل أحمد الحاج (عضو في دائرة المحامين)، وعلي أحمد رباح (مسؤول تربوي ورئيس قسم البيئة في مكتب البلديات المركزي). كذلك تم تجميد عضوية ستة محامين آخرين لمدة ثلاثة أشهر وهم: عبدالله علي فواز، علي حسين سليم، مصطفى حسين زيتون، علي عاطف شحرور، وسيم مصطفى كوثراني، وحسين عوض مطر.
قرار الفصل جاء تحت عنوان “إعلان عدم علاقة الحركة”، وهو إجراء غالبًا ما يذكر عند اتخاذ قرار نهائي بالطرد. واللافت أنّه تم تجريد المفصولين من لقب “المحامي” وتمّ استبداله بـ “المدعو”. أما في قرار التجميد، فاستعملت القيادة مفردة “الأخ”.
وتفيد مصادر داخل الحركة ومصادر حقوقية مستقلّة أنّه في الليلة التي سبقت انتخابات نقابة المحامين، تلّقى المحامون في الحركة رسائل نصّية من الجمعية العامّة للمحامين في “الحركة” تُعلن فيها، وبناء على تحالفٍ ضمّ حركة أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر، أنّ “أمل” ستدعم ثلاثة مرشحين هم: “المحامي المستقل “الشيعي” شوقي شريم لعضوية مجلس النقابة، المحامي المستقلّ إسكندر إلياس لمنصب النقيب، والمحامي فادي حداد عن التيار الوطني الحر لمنصب النقيب”. ويوضح محامون أنّ حظوظ حداد لتبوؤ منصب النقيب كانت ضعيفة، لذلك تقرّر التصويت لإسكندر إلياس الذي كانت حظوظه أكبر من حداد في المعركة على منصب النقيب. وفيما كانت الجهود تنصبّ لإيصال شريم إلى مركز العضوية في المجلس، لم يتمّ ترشيحه لموقع النقيب كون حظوظ المكوّن الشيعي ضعيفة ولا يمكنها تحقيق “خرق”، إذ نادرًا ما تمكّن أحد من المرشحين الشيعة من الوصول لموقع “عضو” في مجلس النقابة، على الرغم من وجود ميثاق للشرف في النقابة موقع منذ العام 1991، يضمن العدالة في التمثيل لكلّ الشرائح والطوائف.
وبحسب مصادر مقرّبة من “أمل” فإنّ المحامين في الحركة فوجئوا صباح الانتخابات بالمحامي مصطفى قبلان ومسؤول المهن الحرة في حركة أمل، مصطفى فواز، وهما يحاولان “من تحت الطاولة” دعم مرشح جديد على منصب النقيب، وهو المحامي ألكسندر نجّار، من خارج المرشحين الرسميين الثلاثة “شريم وإلياس وحداد”. فواجهوا معارضة من بعض المحامين ومنهم “المفصولين والمجمّدة عضويّتهم” الذين أصرّوا على الالتزام بالقرار الرسمي، رافضين “إسقاط” أسماء جديدة لم تتبنّاها الحركة بشكل رسمي كنجار، ومتّهمين بعض القياديين في الحركة بعقد صفقات انتخابية. وفي اتصال مع “المفكّرة”، رفض المحامي مصطفى قبلان الإجابة على مسألة إيعازه للمحامين التصويت لنجّار، مقفلًا الخط بوجهنا. وكانت بعض التقارير الإخبارية قد ذكرت “وجود صفقة”، من دون أن يتسنّى لـ “المفكرة” التثبّت من هذا الأمر.
وعلى إثر إخفاق نجّار بالانتقال إلى الدورة الثانية من الانتخابات كونه حلّ كعضو مجلس نقابة “رديف” (أي ليس من ضمن الخمسة الأوائل الأساسيين)، تفيد مصادر مقرّبة من المحامين المفصولين، “أنّه تم رفع تقرير بحق عددٍ من المحامين تضمّن معلومات “ملفقة” حول عدم تقيّدهم بتعليمات القيادة، ورفع التقرير مباشرة إلى هيئة الرئاسة من دون المرور بالهيئة التنفيذية للحركة ومن دون إحالة الأعضاء إلى المحكمة الحركية التي من شأنها مساءلة الأعضاء”.
وتتكوّن الهيئة الرئاسية في “أمل” من ستة أفراد، هم بالإضافة إلى الرئيس بري، رئيس الهيئة التنفيذية مصطفى فوعاني، العميد نصرالله، الحاج خليل حمدان، جميل حايك والنائب قبلان قبلان. ووصفت المصادر المقرّبة من المفصولين قبلان وفوعاني بأنّهما “الرأس المدبّر”، مشيرة إلى أنّهما “من قاما بتسليم المذكرة للرئيس بري مباشرةً، في مسعى لإزاحة هؤلاء “المعارضين” الذين تسبّبوا بخسارة صفقتهما مع نجّار، فاتخذا من خسارة المرشحين المدعومين من أمل رسميًا ذريعةً لـ “تلفيق الأخبار” وإزاحتهم من الصفوف الأمامية للحركة في النقابة، لصالح محامين محسوبين على “أجنحة” أخرى”.
وكانت تقارير صحافية قد تحدثت عن وجود صراع “أجنحة” ضمن حركة أمل داخل النقابة، منهم من يتبع للنائب قبلان قبلان، ومنهم للنائب علي حسن خليل، إلّا أنّ معظم المفصولين أكدوا أنّهم خارج الانقسامات الداخلية، بحسب ما أفادت المصادر المقرّبة منهم.
وتفيد المصادر المقرّبة من المحامين المفصولين أنّ أسباب الاعتراض على اسم نجّار بين المفصولين كثيرة، فمنهم من يعتبر أنّه معارض للمقاومة، وبالتالي لا يمكن التصويت له بخاصّة “في ظل استمرار العدوان على غزة وعلى جنوب لبنان الذي سقط فيه أكثر من 80 شهيدًا للمقاومة الإسلامية وشهيد لحركة أمل”. البعض الآخر يعتبر أنّ المشكلة ليست باسم نجار، بل بالطريقة التي فرضتها “القيادة” على المحامين والتي من شأنها الإساءة إلى سمعة حركة أمل بخاصّة في ظل وجود تحالف مع حزب الله والتيار الوطني الحر حيث للمحامين مصداقيتهم أمام الحلفاء “وما بيقبلوا ينقال هول حركة أمل كذابين، هيدي وصمة للتاريخ”، يقول أحد المصادر. كما رفض البعض التصويت لنجار “ناموا الحركيين على أساس عندهم 3 مرشحين، كيف زادو الصبح نجار؟” يسأل أحدهم.
ويتّهم معظم المفصولين قيادة الحركة بتسريب قرار الفصل إلى الإعلام، واصفين الأمر بمثابة “الإعدام الميداني” الذي يؤثر على سمعتهم المهنية، وأفاد أحدهم بأنّ كثيرين ظنّوا أنّهم فُصلوا من النقابة وليس فقط من الحركة: “أكيد مش المفصولين رح يخبروا الإعلام لأن هيدا بضرّ فيهم، يلّي هدفو يزيحهم من الطريق ويخبّر إنّو أخذ إجراءات مسلكية هوي يلّي سرّب للإعلام”.
قيادات أمل وضبابية التبريرات
يبدي مسؤول دائرة المحامين في “أمل” محمد عطية، ومسؤول مكتب النقابات والمهن الحرة المركزي مصطفى فواز، وحتى رئيس الهيئة التنفيذية، مصطفى فوعاني، الذين تواصلت معهم “المفكرة”، استغرابهم من “الضجة” الإعلامية التي أثارها قرار فصل المحامين الخمسة وتوقيف ستة آخرين، حاصرين المسألة بكونها إجراءً تنظيميًا داخليًا. وأنكر عطية أن تكون أسباب الطرد عائدة لعدم تصويت المحامين لنجّار، بل تعود لارتكاب المجموعة مخالفات عدّة، منها العمل لصالح ماكينات انتخابية غير مدعومة من أمل، إضافة إلى ملفات داخلية رفض عطية الإفصاح عنها، معتبرًا أنّ “المفصولين على مدار العام عليهم ملاحظات وسبق وأخذوا تنبيهات”. هذا الأمر أنكرته مصادر مقرّبة من المحامين المطرودين التي أكدت عدم تلقي المفصولين أي إنذار أو تنبيه سابق شفهيًا كان أو خطيًا، وعدم خضوعهم للتحقيق من قبل “هيئة الرقابة المحكمة الحركية” قبل طردهم. وردًّا على ذلك، اعتبر عطية أنّ الحركة لديها أكثر من “محكمة”، بحسب تعبيره، وهيئة الرئاسة هي واحدة منها.
أما فواز، فيعتبر في اتصال مع “المفكّرة” أنّ “الشباب خالفوا قرار القيادة فانفصلوا”، ولم يعطنا إجابة واضحة عن “ماهية” القرار الذي خالفوه. فبحسب المعطيات المتوفّرة حتى الآن، التزم المحامون بقرار القيادة الرسمي بالتصويت للمرشحين الثلاثة (شريم والياس وحداد). وهذا ما أكّده المرشح المدعوم من “أمل” شوقي شريم لـ “المفكرة”، حيث قال إنه حاز بالإجماع على أصوات المحامين “الشيعة” في النقابة، وهذا ما قاله حرفيًا للرئيس بري الذي اجتمع به بعد صدور قرار الفصل على حدّ قوله، وهو حاز على 1368 صوتًا.
قراءة في نتائج انتخابات النقابة
في اتصال مع “المفكرة”، ينكر المحامي المرشح إسكندر إلياس، الذي حاز على المقعد الخامس في انتخابات مجلس النقابة وبالتالي لم يتمكّن من الترشّح على منصب النقيب، أن يكون هناك قرار رسمي من حركة أمل بدعمه كونه لم يتلقّ أي اتصال رسمي من القياديين بهذا الخصوص على حد قوله. ويؤكّد أنّ أصوات حركة أمل توّزعت وتشتتت بين المرشحين. وكانت الأخبار ترد من المحامين في صور والنبطية أنّهم أوعزوا إليهم التصويت لإسكندر نجّار. ويُضيف أنّ هناك من صوّت للمرشّح عبدو لحود ومنهم للمرشّح فادي المصري. وهناك مجموعات ضمن حركة أمل صوّتت لشريم منفردًا، معتبرًا أنّه لولا هذا التشرذم لكان احتمال أن يصل هو إلى منصب نقيب المحامين كبيرًا جدًا. وفي قراءة للأرقام، يتبيّن أنّ إلياس حلّ في المرتبة الخامسة بعدد أصوات بلغت 1843 صوتًا وبفارق 26 صوتًا فقط عن المرشح إيلي قليموس الذي حلّ بالمرتبة الرابعة محققًا 1869 صوتًا، وبالتالي كان إلياس سيخوض معركة النقيب لولا هذا التشرذم، واحتمال الفوز بها كان كبيرًا، على حد قوله.
من جهةٍ ثانيةٍ يعتبر المرشّح شوقي شريم في اتصال مع “المفكّرة” أنّه على الرغم من التزام محامي الحركة بالتصويت له، إلّا أنهم صوّتوا أيضًا لآخرين من دون الحصول في المقابل على أصوات منهم، “يعني نحن صوتنا لغيرنا بس غيرنا ما أعطانا بالمقابل، هيدا بيأثّر”.
حين أخفق المستقلّون وعادت الأحزاب
أظهرت نتائج الانتخابات بحسب المحامي جاد طعمة، أنّ الكلمة العليا هي للأحزاب وليس للمستقلّين الذين لم يتمكّنوا من إيصال أيّ منهم إلى مجلس النقابة، فلا يمكن لغير المدعوم حزبيًا أن يحقق أي مركز. ويرى طعمة في اتصالٍ مع “المفكرة” أنّ الأحزاب عندما تشعر بالخطر تتعاضد فيما بينها للحفاظ على هيمنتها، مؤكدًا أنّ المشكلة تكمن في تفضيل الأحزاب الولاء والانتماء الحزبي على الكفاءة.
ويُضيف طعمة أنّ مجلس النقابة هو انعكاس للتوازنات والوجود الحزبي، والعمل داخل النقابة مرتهن بتوجيهات الأحزاب، “حتى المستقل داخل مجلس النقابة مرتهن لرأي الحزب الذي قام بدعمه للوصول لمنصبه”.
ويذكر أنّ عددًا من البنود كانت مطروحة لتصويت المحامين في يوم الانتخابات لكنّها لم تحظ بموافقتهم. بالإضافة إلى إسقاط المحامين لاقتراح تعديل قيمة رسم الاشتراك السنوي في النقابة من 800 ألف ليرة لبنانية إلى 400 دولار أميركي، رفضوا أيضًا المصادقة على الحسابات المالية للنقابة لسنة 2023 وعلى مشروع الموازنة لسنة 2023، ما يستدلّ منه على انعدام ثقة المحامين بمجلس النقابة السابق.
ملاحظة: تم تعديل هذه المقالة بتاريخ 19/12/2023 بناء على ورود توضيحات بشأنها إلى “المفكّرة”.
مكنكم هنا الاطلاع على تفاصيل قرار الهيئة التنفيذية في حركة أمل بفصل خمسة محامين