والدة الشهيدة سالي تزور مكان الغارة حيث استشهدت ابنتها في جناتا- تصوير حسين شعبان
هرعت زينب (55 عامًا) للبحث عن ابنها المراهق ليلة 13 حزيران. فقد ضربت غارة إسرائيلية للتوّ حيًّا سكنيًّا في جناتا على بعد 26 كلم من الحدود فدمّرته. طال عصف الانفجار دائرة قطرها أكثر من كيلومترين بحسب شهادات الأهالي. وقال سكّان قرى ضمن شعاع 10 كيلومترات في قضاء صور، إنّ بيوتهم اهتزّت وكأنّ الغارة قربهم. بعد وقت قصير حسبته الأم ساعات، برّد الفتى قلبها برسالة قصيرة: “أنا بخير”، فيما كان يستعجل خطواته نحو مصدر الصوت، معاينًا خلال سيره انتشار زجاج البيوت المحطّم في شوارع القرية.
استهدفت الغارة الحيّ السكنيّ بصواريخ ثقيلة ناسفة مبنى من 3 طبقات كأنّه لم يكن، وهَدمت مباني مجاورة، وهو الدمار الأكبر الذي عاينته “المفّكرة” خارج المنطقة الحدوديّة. “كنت مصدومًا وخائفًا، رأيت مشاهد تذكّر بتدمير القرى الحدودية وحتى غزّة، لكن هذه المرّة في قريتي التي كانت حتى قبل لحظات آمنة”، يقول الشاب. انتشل المسعفون 20 جريحًا وجريحة من المدنيّين، بينهم أطفال. ومن تحت الأنقاض، رفعوا جثمانَي شهيدتين: سالي سكيكي ودلال عزّ الدين. كانت الشهيدة العشرينية سالي تسهر أمام منزلها مع أصدقائها، وكانت الشهيدة الأربعينية دلال توضّب شنطة سفرها في اليوم التالي.
هدّمت الغارة الإسرائيليّة مبنى من ثلاث طبقات في جنّاتا
اشتعلت الحدود الجنوبيّة المقدّرة بـ 130 كلم مع فلسطين المحتلة، يوم 8 تشرين الأول تزامنًا مع بدء حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على غزة. وتوسّعت وشملت معظم قرى محافظتيْ الجنوب والنبطية. والخطر جدّي ويخيّم على قرى الحدود المواجهة للمواقع العسكريّة الإسرائيليّة، وصولًا إلى الغازية والزهراني على المتوسط غربًا، وقرى النبطية وجبل الريحان المتّصلة والبقاع شرقًا.
وقد بلغ عدد النازحين حوالي 100 ألف، لجأ 98% منهم إلى منازل وشقق خارج المنطقة و2% منهم إلى مدارس تحوّلت مراكز إيواء في صور والنبطية. في المقابل، أصيب 1904 بينهم 134 طفلًا وطفلة واستشهد 471 بينهم 129 مدنيًا، بحسب بيانات وزارة الصحة والمجلس الوطني للبحوث العلمية حتى صباح 15 تموز 2024. وبين الشهداء 21 مسعفًا استهدفوا خلال عملهم، و25 امرأة، و12 طفلًا وطفلة.
ومع توسّع الحرب وكسر إسرائيل المزيد من الخطوط الحمراء لا سيما باستهداف المدنيّين، تؤشّر البيانات والتصريحات الإسرائيلية وأيضًا المعطيات والشهادات التي توفرت لـ “المفكّرة” تطبيق إسرائيل استراتيجيّة الأرض المحروقة على المناطق الحدودية. وبناء عليه، يسعى هذا التحقيق إلى تفكيك بعض من منهجيّة إسرائيل في ارتكاب جرائم حرب في لبنان اليوم، ورسائل النار التي تمطر المدنيّين بها.
المبنى المجاور لمكان غارة جنّاتا وقد سجّلت بين أهله معظم الإصابات إضافة إلى شهيدتين
تهديم القرى الحدوديّة
راجعت المفكّرة صورًا جوّية من “رويترز” لبلدة عيتا الشعب، وكذلك عشرات الفيديوهات المصوّرة بتواريخ مختلفة من هواتف في قرى عيتا الشعب وبليدا وعيترون وكفركلا والعديسة وراميا ويارون، وقارنتها مع شهادات من مصادر ترافق قوات اليونيفيل في جولات بين كفركلا وكفرشوبا. كما قارنت الشهادات مع أرقام مؤسسة “جهاد البناء” و”مجلس الجنوب”، وراجعت المصادر البلديّة وشهادات مواطنين ترددوا خلال الفترة الأخيرة إلى القرى الحدودية المستهدفة.
صورة خاصّة للمفكّرة تظهر جانبًا من التدمير في يارون – 21 حزيران
وتبيّن لـ “المفكّرة” وجود تركيز إسرائيليّ على تحويل الصف الأماميّ من المنازل الحدودية من الناقورة إلى شبعا، إلى كومة ردم. وقال مواطنون ممّن التقيناهم إنّ استهداف منازلهم الأمامية بدأ خلال الأيام الثلاثة الأولى. يقول أبو أحمد العبد، وهو ستينيّ سكن بين بليدا ومحيبيب كلّ حياته: “ظننّا أنّ تدمير المنازل الأماميّة كان لجعل المنطقة مكشوفة، لكنّ الغارات سرعان ما وصلت إلى وسط البلدات، ومن ثمّ إلى ما ورائها” ويستنتج: “يريدون إزالة قرانا”.
لحظة استهداف قرية كفركلا بسلاح الفسفور الأبيض – 12 تمّوز
وعلى مدار تسعة أشهر من الحرب، استكملت إسرائيل تسوية هذه القرى أرضًا. وفي 55 قرية أماميّة، شملت أضرار الغارات ما يقدّر بـ 35 ألف منزل، دمّر 5000 منها بالكامل. وهو رقم تمّت مقاطعته مع مصدر للمفكّرة من “جهاد البناء”. ويقدّر سكّان المنازل هذه بربع سكان القرى. وتضرّرت باقي المنازل وهي مساكن لسائر المقيمين الدائمين، وكذلك للأسر المقيمة بين العاصمة والقرى أو في الاغتراب. تقول المصادر البلديّة في هذه القرى لـ “المفكّرة” إنّه يستلزم عمليّات مسح وتقييم لتحديد ما يمكن إصلاحه وترميمه من المباني المتضرّرة، وما قد يستدعي الهدم وإعادة البناء. ومع استحالة المسح الدقيق تحت النيران، تبقى حصيلة المنازل المهدّمة غير نهائيّة.
كان الحي السكنيّ لـ آل حسن من الأحياء الأولى التي سُويّت أرضًا وسط عيترون بضربة واحدة. قصف الحيّ في 10 كانون الأوّل 2023، بعد أسابيع من نزوح الأسر. التقينا أفرادًا منهم نزحوا إلى كوثرية الرز، حيث تقلّب الحاجة أم عبد الحسين على هاتفها صورًا وفيديوهات من منازل العائلة المدمّرة، متحسّرة على “دار الخير” كما تسمّيها، وهي دار بنتها من محاصيل “الزيتون والتبغ”، تخبر “المفكرة”.
وفي عيتا الشعب التي كان لها النصيب الأكبر من الغارات، قال عنصر شرطة إنّ “حجم الدمار مهول”. وتبيّن صور “رويترز” تدمير 64 موقعًا يضمّ كلّ منها عددًا من المباني والمنازل. وتشير مقاطعة الأرقام إلى أنّ عدد المنازل المهدّمة في القرية يصل إلى 600 منزل، لكن المتضرّر فاق الألف، “ما يقدّر بمساكن ثلث إلى نصف سكان القرية”، بحسب عنصر الشرطة المحلّي. وفي الضهيرة التي تلامس شريط الحدود مع فلسطين، شمل الدمار 60% من منازل القرية، تهدّم ثلثها على الأقل بحسب تقديرات مصادر رسميّة ومحلّية وشهادات سكّان قارنتها “المفكّرة”، مع تدمير حوالي 60 منزلًا وتضرر 120 من أصل 300 منزل في القرية الصغيرة.
تدمير مصادر الطاقة والمياه
ومع المباني السكنيّة، تتبّعت “المفكّرة” استهداف البنى التحتيّة والحيوية من ضمنها مصادر المياه والطاقة. ويثير هذا الاستهداف قلق السكان. يقول أبو نايف طحيني من عيتا الشعب: “سنعود فور وقف إطلاق النار، ولو كنّا سنسكن عند أقارب أو جيران أو حتى في مدارس في بلدتنا، ولو حتى في خيمة. لكننا لسنا متأكدين أنّ قرانا قابلة للحياة، وأنه سيتوفّر لنا ماء أو كهرباء أو غذاء فيها”.
صورة خاصّة للمفكّرة تظهر منزلًا مدمّرًا في عيتا الشعب – 27 أيّار
دمّرت الغارات عشر محطّات مياه في المنطقة، بحسب توثيق “المفكّرة”. وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية UNOCHA في تقرير في 27 حزيران إنّ هذه المحطات تخدم 100 ألف من السكان، وهم المقيمون بشكل دائم في المنطقة المستهدفة. إضافة إلى ذلك، يبقى خطر التّسميم بالفسفور الأبيض مخيّمًا على الينابيع والبرك وسائر مصادر المياه في المنطقة، ومعها التربة والزراعات. وهو ما رصدناه في تحقيق منفصل في هذا العدد بعنوان “عدوان الفسفور الأبيض: تدمير وإيذاء وسلاح نفسيّ”.
ولم يقتصر القضاء على مصادر الطاقة على تضرّر شبكات الكهرباء بفعل الغارات. إذ تبيّن الأرقام والمشاهد التي راجعتها “المفكّرة” تدمير العدوان 50% من ألواح الطاقة الشمسية. ففي طيرحرفا وحدها دُمّر حقل طاقة شمسية، يضم 192 لوحًا مع تجهيزاتها تمّ تركيبه بين عامي 2021 و2022، بتمويل من مواطنين محليين لتأمين ضخ مياه خزانات البلدة، كما دُمّرت مضخّات المياه على نبع “مياه الزرقا” على كتف الجنوب في البقاع الغربي، والذي يغذّي نحو 35 بلدة وقرية بقاعية وجنوبية، بفعل الاستهداف المباشر.
وكانت هذه القرى تعتمد على الطاقة الشمسيّة في تشغيل مضخّات المياه وأيضًا في إضاءة بعض الشوارع الرئيسيّة، كما كانت المؤسسات التجارية والصناعيّة والمزارع، والبيوت، تعتمد على ألواح طاقة شمسية خاصة بها، في منطقة نادرًا ما تصلها كهرباء الدولة.
“الأرض” المحروقة
وبالتوازي مع تدمير مرافق المياه والكهرباء والاتصالات، والتدمير الممنهج للبيوت، استكمل العدوان الإسرائيلي سياسة الأرض المحروقة في القرى الحدودية من خلال استهداف المناطق الزراعية والمواشي ومزارع الدواجن وخلايا النحل.
وجنبًا إلى جنب مع إشعال الأحراج وخراجات القرى وتسميم التربة ومصادر المياه باستخدام الفوسفور الأبيض، تكاتفت الهجمات والاستهدافات المتنوعة لتكون خسائر القطاع الزراعي هي الأكبر في منطقة يعتمد ناسها عليه في مصادر عيشهم. وقد دمّرت إسرائيل 20% من المساحات الزراعيّة، وكامل القطاع الحيوانيّ المقدّر بـ 340 ألف رأس ماشية وطير من الدواجن وخلايا النحل، بحسب الأرقام التي حصلت عليها “المفكّرة” وقارنتها وفصّلناها في تحقيق الفسفور.
يقع منزل المزارع ناصيف مواسي على طرف عيترون، ما يجعله مكشوفًا لموقع “المالكية” العسكري الإسرائيلي. وكان لناصيف بقرة مدلّلة “تحلب 40 ليترًا باليوم”، عاد من أجلها بعد أن خاف أن يكون ما تركه لها من علف قبل نزوحه قد نفذ. يقول المزارع في شهادته لـ “المفكرة” إنّه “لدى وصولي إلى المزرعة جانب البيت، بدأ الجنود الإسرائيليون بإطلاق النار عليّ بسلاح الماغ”. قتل الجنود البقرة و3 خراف، فيما هرب ناصيف ولم يعد إلى قريته.
يمكن وضع الاستهداف الإسرائيلي للمزارعين الذين يحاولون إنقاذ مواشيهم من الموت جوعًا، في إطار الاستهداف الممنهج، حيث قتلت إسرائيل في 1 تشرين الثاني، الراعيين ربيع الأحمد (30 عامًا) وأمجد المحمد (17 عامًا) في خراج بلدة الوزّاني أثناء خروجهما بالقطيع في المشاعات الزراعية. وفي 5 كانون الأوّل، استشهد عامل سوري وأصيب اثنان من أفراد عائلته بقصف استهدف مزرعة دواجن بين بلدة أرنون ومجرى نهر الخردلي. واستشهد الشقيقان الراعيان محمد وعلي قاسم لدى قصف منزلهما في حي الحمامير في وسط حولا يوم 2 حزيران.
وقال نازحون من قرى الشريط الحدوديّ، التقتهم “المفكّرة”، إنّهم لم يفكّروا في إنقاذ مواشيهم بعد الاستهداف الممنهج لهذا القطاع، واعتبروا أنّ تدميره، مع خسارة المواسم وتسميم الأرض الذي قد يحرمهم من المواسم المقبلة، يهدم مصادر دخلهم الوحيدة. وتعدّد أم هادي موسى، النازحة من قرية البستان إلى مهنيّة صور الرسمية بأسى “الخيول والأبقار والمواشي والدجاج” مما تُرك لمصيره ينفق جوعًا وعطشًا، ولم تجرؤ على إنقاذه.
وكانت الحرائق من أبرز الأسلحة المستخدمة ضدّ القرى. وتسرّبت في 4 حزيران مشاهد تظهر الجنود الإسرائيليين يرشّون البنزين نحو الجهة الأخرى من الحدود، بهدف تسعير الحرائق وكذلك رمي كرات لهب بواسطة المنجنيق. وقد أكّدت وسائل إعلام إسرائيلية صحّة المشاهد مع الإشارة إلى أنها تعود لأشهر عدّة سابقة.
واستُهدفت فرق الدفاع المدني مرات عدّة سواء بغارات قريبة أو بقصف مباشر بالفسفور والأسلحة الحارقة، بحسب شهادات قدّمها لـ “المفكّرة” عناصر من الدفاع المدنيّ التابع لكشاف الرسالة الإسلامية. وقد نجا العناصر من استهداف مباشر لهم في 25 نيسان في أحراج يارون، بحسب فيديوهات بحوزتهم اطّلعت عليها “المفكرة” تُظهر لحظات حوصروا بها بالنيران والقصف المركّز. وقد تمّ الإبلاغ عن إصابة أحد العناصر بشظيّة في صدره خلال قصف مدفعيّ استهدف المتطوّعين في بلدة الطيبة يوم 24 حزيران، خلال إخمادهم حريقًا. ويظهر فيديو استهداف فرق الدفاع المدنيّ بالمدفعيّة خلال إطفاء حريق في عيناثا في 3 تمّوز. وخلال الحرب، أبلغ المتطوّعون عن استهدافهم بالفسفور الأبيض وبسلاح المدفعيّة بشكل شبه أسبوعيّ، بحسب مصدر في الدفاع المدني التابع للهيئة الصحيّة الإسلاميّة. ويدلّل استهداف من يحاول إنقاذ شيء من القطاع الزراعيّ الذي دمّر، على تقصُّد تدمير هذا القطاع في المنطقة.
صورة خاصّة للمفكّرة تظهر مبنى مدمّرًا قرب كنيسة يارون – 21 حزيران
استهداف أصحاب المهن الحيوية
مع المزارعين والرعاة وفرق الدفاع المدنيّ، طالت استراتيجيّة “الأرض المحروقة” العنصر البشريّ من أصحاب المهن الحيويّة الذين يرتبطون بمهن تعزّز صمود الناس، ومقوّمات الحياة المدنيّة، بعيدًا عن إمكانية التوثيق، بسبب الاستهداف الإسرائيليّ للصحافيّين وتعطيل حركتهم في هذه القرى. وتظهر الأرقام والشواهد استهدافًا مركّزًا للمسعفين واستهدافًا للتقنيّين المسؤولين عن إصلاح أعطال المياه والاتصالات.
استشهد 21 مسعفًا خلال عملهم ما يعني أنّهم يشكّلون 16% من الشهداء المدنيّين، 7 منهم استشهدوا في غارة واحدة استهدفت مركزًا صحيًّا فوق رؤوسهم خلال مناوبتهم الليليّة في الهبّارية في العرقوب، فجر 27 آذار. وقد كان المركز الصحيّ الوحيد في منطقة قرى العرقوب، وأدّت الغارة بحسب تحقيق سابق لـ “المفكّرة” إلى تهجير الأسر ونشر الخوف بينها، فضلًا عن فقدان 2000 صامد في المنطقة آخر مصدر للخدمات الصحيّة. كذلك، أدّت العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى إغلاق 6 مراكز صحيّة في القرى الحدوديّة، بحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في 27 حزيران.
واستهدف مدخل مستشفى صلاح غندور في بنت جبيل يوم 27 أيار، ما أسفر عن استشهاد عامل في المستشفى من الهيئة الصحية الإسلامية ومدني، هما علي عباس (25 عامًا)، وعلي ويزاني (44 عامًا)، وجرح 15 مدنيًا وعاملًا صحيًّا، بالإضافة إلى تدمير مدخل المستشفى وواجهته. وقال طبيب في مستشفى بنت جبيل لـ “المفكرة” إنّ المراكز الصحية في قضاءي مرجعيون وبنت جبيل مغلقة، ما يزيد الضغط على المستشفى.
وكشف عاملون من أطباء بلا حدود لـ “المفكرة” أنّ قرارًا صدر بالامتناع عن التوجّه بالعيادات النقّالة نحو المناطق المستهدفة في محافظة النبطية، وبالتنسيق مع اليونيفيل. وزادت القيود، بحسب المصادر عينها، بعد استهداف فريق المطبخ الأميركي في غزّة، والذي كان ينسّق تحركّاته وإحداثياته بدوره مع الجيش الإسرائيلي. وقد تثبّتت “المفكرة” من تراجع عمل المنظمة، وإلغاء المهام في المناطق الحدودية، من خلال شهادات مواطنين ومصادر في غرفة الكوارث. ويعطي هذا المثال صورة عن الوعي الموجود بأنّ الاستهدافات الإسرائيلية للمسعفين هي أمر متعمّد، كما استهداف العمل الإغاثيّ للمدنيّين. ويظهر أيضًا تأثيرًا للسلوك الإبادي الإسرائيلي في غزة على التقييم الأمني في جنوب لبنان.
والعاملون التقنيون الشهداء، كانوا “يسعون إلى تصليح التدمير الممنهج لمختلف جوانب الحياة في المنطقة الحدودية، لاسيما الأعطال التي لا تحتمل التأخير” بحسب حسن، وهو قريب الشهيد صالح مهدي الذي قتلته إسرائيل أثناء توجّهه للقيام بأعمال صيانة تضمن استمرارية التغذية بالمياه في الناقورة.
كما استهدفت إسرائيل بشكل مباشر فريقًا فنيًا في طيرحرفا يتبع لشركة “باور تك” PowerTech المتعهّدة أعمال الصيانة في شركة “تاتش” للاتصالات، أثناء تنفيذ الفريق أعمال صيانة بمواكبة من الجيش اللبناني والدفاع المدنيّ التابع لكشافة الرسالة، فاستشهد الفنّيّ يوسف جلول، والمسعف غالب حسين الحاج.
وقالت شركة “تاتش” في بيان إنّ الفريق توجّه بعد “أخذ إذن من اليونيفيل” وقال عاملون في الشركة لـ “المفكّرة” إنّ “البروتوكول يفترض أنّ اليونيفيل تبلّغ الطرف الإسرائيلي”، وهو ما أكدته لـ “المفكّرة” مصادر متعاونة مع مركز اليونيفيل الرئيس في الناقورة، وقالت هذه المصادر إنّ التنسيق مع اليونيفيل عادة ما يعني “مشاركة إحداثيات تواجد وعمل الفرق مع كافة الأطراف بما فيها الجيش الإسرائيلي”.
وفي منزل الشهيد يوسف جلول في صيدا، لا يزال الحزن يخيّم، لكن صديقه محمد يقول: “أنا غاضب، ولست فقط حزينًا” لما وصفه بأنّه “غدر إسرائيلي”. ويكشف محمد، وهو فنيّ بدوره، أنّ الاستهداف منع فرق الصيانة من التوجّه نحو المناطق الحدودية، محذّرًا من مغبّة تراكم الأعطال.
جرائم في العتمة: استهداف الصحافيين
وضمن أصحاب المهن الحيوية، ومنذ الأيام الأولى للحرب، لم يكن ثاني الشهداء في لبنان سوى المصوّر الصحافي لوكالة “رويترز” عصام عبدالله، الذي اغتاله الجيش الإسرائيلي باستهدافه الفرق الإعلامية في علما الشعب يوم 13 تشرين الأوّل 2023، مدّعيًا أنه قُتل في تبادل إطلاق نار، قبل أن تؤكّد 5 تحقيقات لمؤسّسات حقوقية وصحافية الاستهداف المباشر له وللصحافيين الآخرين. وبعد 5 أسابيع، جاء اغتيال الصحافية فرح عمر والمصوّر الصحافي ربيع المعماري والمعاون اللوجستي حسين عقيل في طيرحرفا، من فريق قناة الميادين، ليثبّت حظر كلّ المنطقة على الصحافيين.
وقد راجعت “المفكّرة” 10 استهدافات للفرق الصحافية، كان 8 منها في فترة الأسابيع السبعة الأولى، وحتى اغتيال فريق الميادين. لاحقًا، امتنع الصحافيون عن التوجّه إلى القرى الحدودية التي باتت منطقة محظورة على الإعلام. يتمركز الصحافيون اليوم في مناطق خارج القرى المستهدفة، في إبل السقي ومرجعيون. وقد أدّى إبعاد الصحافيين إلى التعتيم على النهج التدميري الإسرائيلي في هذه القرى. وفي الشهرين التاليين تحديدًا، تضاعفت وتيرة الغارات في هذه المنطقة، من دون أن يتم توثيقها.
وقال نازحون التقتهم “المفكّرة” إنّ الاستهداف شكّل لهم رسالة إسرائيلية بـ”سقوط المحرّمات”. وقالت عمّة الشهيد عصام في حديث لـ “المفكرة” إنّ الاستهداف كان صادمًا وغير متوقّع، خصوصًا أنّ الصحافيين حينها كانوا لا يزالون ينتشرون في كامل القرى لتوثيق الأحداث وتطوّرها.
وأكد صحافيون يعملون مع صحف أميركية ووسائل إعلام دولية مختلفة لـ “المفكّرة” إنّ مؤسساتهم منعتهم من العمل الميدانيّ جنوب مدينة صيدا. وقال صحافي إنّ مدير التحرير في واشنطن قال له عقب اغتيال الصحافيين ربيع المعماري وفرح عمر: “بحسب تقييمنا، فإنّ الصحافيين باتوا هدفا للجيش الإسرائيلي ولا نستطيع تأمين غطاء لك”.
أرض محروقة.. بالدمّ
معظم المدنيين الذين استشهدوا في القصف الإسرائيلي هم الذين صمدوا في منازلهم. في 14 تشرين الأوّل، استشهد الزوجان المسنّان خليل علي وزباد العاكوم في شبعا بقصف مباشر على منزلهما. ويوم 1 كانون الأول، استشهدت الحاجة الستينية ناصيفة مزرعاني مع نجلها محمد في منزلهما في حولا، وهي التي لم تنزح يومًا عن قريتها في أي من الحروب السابقة. وفي 23 تشرين الثاني، استشهدت الحاجة الثمانينية لائقة سرحان وأصيبت حفيدتها الطفلة آلاء في كفركلا، ما دفع من بقي من الأهالي إلى مغادرة القرية فورًا.
واستمرت حصيلة الشهداء في الارتفاع، وقال مسنّون عادة ما يصرّون على البقاء أنّ “شيئًا مختلفًا يحصل اليوم، والاستهداف جنونيّ لا يستثني أحدًا”، بحسب ما تقول نازحة من عيتا الشعب لـ “المفكرة”. تحدّى كثيرون هذه السياسة الإسرائيلية، ودفعوا الثمن باستهداف مباشر لهم، ومن هؤلاء، الصديقان رفيق قاسم وحسين صالح اللذان ظلا يتردّدان على بلدتهما عيتا الشعب بعد نزوحهما لإطعام القطط والكلاب الضالة، فاستشهدا باستهداف إسرائيلي مباشر.
صورة خاصّة للمفكّرة تظهر جانبًا من الأضرار في مباني عيتا الشعب – 27 أيّار
بدورها سقطت أسرة من آل حسين بأكملها، زوج وزوجته وابنهما، في منزلهم في حولا، يوم 5 آذار 2024، وقضت أسرة حنيكة، أم وأب وولدان، بعد أن استهدفت بشكل مباشر عند عودتها من بيروت إلى ميس الجبل بهدف نقل ما تيسّر من بضائع السوبرماركت للتجّار قبل انتهاء صلاحيتها.
وعلى طريق النزوح، قضت الطفلات ريماس (14 عامًا) وتالين (12 عامًا) وليان (10 أعوام) وجدتهنّ سميرة أيّوب (60 عامًا) في غارة إسرائيليّة على سيارتهن في منطقة غدماتا بين بلدتي عيترون وعيناتا، فيما نجت الأم، وكانت الأسرة في طريقها إلى بيروت. وقال خال الفتيات سمير أيوب في بث مباشر عقب الاستهداف: “هذه سيارة فيها أطفال وليس إرهابيين”، ردًا على ما نُقل عن الإعلام العسكري الاسرائيلي بأنّه استهدف سيارة فيها “خليّة للإرهابيين”. واعتبر أيّوب حينها أنّه: “بالنسبة لهم أي مواطن صامد في الجنوب، إن كان طفلًا أو إمرأة أو رجلًا مسنًّا بالنسبة هو عسكري، هذه هي سياسة الإرهاب والإجرام”.
قصف مدفعيّ خلال قيام متطوّعي الدفاع المدنيّ من مركز عيناثا بإطفاء حريق
عدوان في كلّ الجنوب
بمحاذاة قرى المنطقة الحدوديّة، وضمن مناطق ظلّت خارج الاستهداف المركّز لـ9 أشهر، بدأ الجيش الإسرائيليّ قصفًا بالفسفور في قرى العرقوب في الأسبوع الثاني من الشهر الحالي، ويوم 14 تموز، استهدفت محطة مرجعيون التابعة لشركة كهرباء لبنان بـ15 قذيفة مدفعية، ما أخرجها عن الخدمة. وأدى القصف إلى قطع إمدادات الكهرباء وإيقاف عمل محطات ضخّ المياه، في كامل مدينة جديدة مرجعيون وبلدة الخيام وقرى العرقوب السبعة، وهي منطقة تستضيف آلاف الأسر النازحة من قرى الحدود.
وفي سائر الجنوب، لا يزال العدوان في مرحلة الغارات المتنقّلة بين القرى والمدن. كان من أكثر الأيام دموية في الحرب الحالية هو يوم 15 شباط. استهدفت إسرائيل مبنى سكنيًا على رؤوس ساكنيه، وقضت أسرتان من المدنيين بالغارة، هم شهيد و5 شهيدات وطفل. يقول حسين برجاوي، قريب العائلة في حديث مع “المفكّرة” إنّ إسرائيل “كانت تنتقم” باستهداف الأسرة. وجاءت الغارة ضمن “موجة واسعة من الغارات داخل لبنان” أعلن عنها الجيش الإسرائيلي. تركزت هذه “الموجة من الغارات” على المدنيين، وحصدت إلى جانب مجزرة النبطية، مجزرة قضت فيها أم وطفليها في الصوانة، وكذلك غارة استهدفت مدنيين في عدشيت، استشهد فيها شاب وجرح تسعة آخرون.
وحصيلة المدنيين خارج المنطقة الحدودية ترتفع. وغارة جنّاتا هي آخر الغارات الكبرى خارج المنطقة الحدودية، من ناحية الدمار وكذلك عدد الضحايا المدنيين، بشهيدتين و20 جريحًا بينهم أطفال. ويقود ارتفاع حصيلة المدنيين مع كلّ تصعيد عسكري، إلى إظهار تعمّد استهداف المدنيّين مجدّدًا للضغط على الخصم.
واستشهد المدنيّون في الجنوب باستهدافات متفرّقة، كانت تحصد منهم الشهيد والاثنين. فيما استهدفت مبان خالية وسط الليل وفي النهار في مناطق عدة بعيدة عن الحدود. وتقول الشابة نور فاخوري من صور إن “جدار الصوت بات ملجأ إسرائيل لإشعار السكّان بالحرب وترهيبهم من دون ارتكاب مجازر قد تقود إلى ردود عسكرية وتصعيد غير مضبوط”. وعاينت “المفكّرة” أضرارًا تسبّب بها جدار الصوت حيث انهارت الواجهات الزجاجيّة في مبنى تجاريّ قيد الإنشاء في صور، ووثّقت “المفكّرة” تحطّم الزجاج في قرى عين بعال ووادي جيلو وطيردبا وقانا في قضاء صور، كما في عدة قرى في قضاء النبطية أبرزها كوثرية الرز. كم أبلغ مواطنون عن تخوّفهم من تصدّع بيوتهم قديمة العمران بسبب تكرّر خرق الطائرات الحربية لجدار الصوت.
العودة للسياق التاريخي
تشمل استراتيجية الأرض المحروقة تدمير أو تعطيل الموارد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، وهي المذكورة في نص المادة 54 من البروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977 الذي يعدّد “المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتج المحاصيل وتخدم المواشي ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري”. واستهدافها محظور طبعًا بحسب هذه المادة “مهما كان الباعث سواء كان بقصد تجويع المدنيين أم لحملهم على الابتعاد، أو لأي سبب آخر”. ويدلّل السلوك الإسرائيلي تاريخيًا على عدم الاكتراث بالمواثيق الدولية، غير عابئ بالملاحقات القضائية القائمة ضده أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائيّة الدولية، في ظلّ استمرار دعم حكومات الشمال العالمي له.
خلال فترة الاحتلال بين اجتياح عام 1978 وتحرير 25 أيار 2000، أنشأ الجيش الإسرائيلي “حزامًا أمنيًا” شمل 160 قرية وبلدة شكّلت ما يعرف الشريط الحدودي، ليكون بمثابة21 “منطقة عازلة”. إنّ الإستراتيجية الحالية للتدمير الشامل للقرى تتم في ظل ظروف عسكرية مختلفة، تعجز فيها إسرائيل عسكريّا عن تحقيق ما حققته قبل التحرير من سيطرة واحتلال لهذه القرى، وإنشاء ميليشيات موالية لها تتحكم بها. اليوم، يتم إخلاء المستوطنات الشمالية في الجليل، ويشير البعض في تل أبيب إلى أنّ الحزام الأمني الذي كان موجودًا في جنوب لبنان قبل عام 2000 قد انتقل الآن إلى الجليل الأعلى في عام 2024.
ويوضح هذا السياق أنّ سياسة الأرض المحروقة تطبّق في المنطقة ذاتها التي شهدت استراتيجية الحزام الأمني القديمة أيام الاحتلال، ممّا يشير إلى وجود نية لتحقيق مكاسب من خلال تدمير أساسيات الوجود المدني في هذه المساحة الجغرافية بالذات، والسعي لتحويل القرى إلى أطلال، ليصبح التدمير هنا هدفًا في حد ذاته ما يُكّذب الادعاء بأنّه مجرّد أضرار جانبية ناجمة عن العمليات العسكرية.
النوايا الإسرائيلية
لعلّ الشواهد ترسم خطوطًا عريضة لسياسة عسكرية إسرائيلية تستهدف المدنيين في كامل الجنوب اللبناني، وتمتد إلى البقاع الذي سقط فيه شهداء من المدنيين، وتحوّل الحرب إلى سلسلة من الجرائم في سبيل تحقيق أهداف عسكرية وسياسية، قد لا يمكن تحقيقها من خلال القتال العسكري أو المفاوضات السياسية. لكن ما يساعد على تبيان العقيدة التي تخوض فيها إسرائيل حربها، هو تصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين أنفسهم.
فقد كرّر المسؤولون الإسرائيليون، بدءًا من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، عبارة “إعادة لبنان إلى العصر الحجري”، وهو تهديد قديم يعود لسنوات خلت، يؤكد منذ ذلك الحين النيّة بتدمير لبنان في أي حرب مقبلة. وفي إطار استعراض بعض هذه التصريحات، قال وزير “الدفاع” الإسرائيلي يوآف غالانت من واشنطن إنّ “إسرائيل قادرة على إعادة لبنان إلى العصر الحجري” في 27 حزيران، وهو سبق أن قال في تشرين الثاني 2023 إنّ “من سيدفع الثمن هم المدنيون اللبنانيون”، قائلًا: “سنفعل في بيروت ما نفعله في غزة”. وقال في تصريح آخر إنّ سكان بيروت “سيلقون مصير أهل قطاع غزة”، في حال وقوع “الحرب الشاملة”.
وهدّد نتنياهو بتحويل بيروت والجنوب إلى غزة وخان يونس، وكان ذلك في الأسابيع الأولى من الحرب وتحديدًا في 7 كانون الأول 2023.
بدوره قال وزير التعليم الإسرائيلي من حزب الليكود في تصريحين منفصلين ترافقا مع تصعيد عسكريّ آخرهما في 3 حزيران: “حان الوقت للدخول في حرب شاملة ضد حزب الله، وطرد سكان جنوب لبنان البالغ عددهم 400 ألف نسمة (في جنوب الليطاني) إلى ما وراء الليطاني والتأكد من أنهم لا يطلقون النار”، وقال أيضًا يوم 9 تموز: “بالطريقة التي تسير بها الأمور في الوقت الحالي، سيُباد لبنان”، ليتابع: “أنا أقول ذلك بطريقة صريحة للغاية: نحن في نوع من الحدث حيث يتجه لبنان نحو الفناء”، و”لبنان كما نعرفه سوف يختفي من الوجود”.
مأسسة جريمة الحرب: “عقيدة الضاحية”
من المفيد هنا استرجاع “عقيدة الضاحية” التي انتهجتها إسرائيل للمرة الأولى في حرب 2006 وعرّابها الوزير في حكومة نتنياهو المستقيل حديثًا وقائد المنطقة العسكرية الشمالية آنذاك، غادي أيزنكوت، حين دعا في إلى تدمير أي قرية لبنانيّة يتمّ منها إطلاق النار على إسرائيل، قائلًا: “أنا أُسمّي ذلك عقيدة الضاحية. إنّ ما حدث في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، خلال حرب لبنان الثانية في العام 2006، هو ما سيحدث أيضًا في أي قرية (لبنانيّة) يُطلق منها النار على إسرائيل. سنفعل ضدّها قوّة غير مُتكافئة (أو مُتناسبة)، وسنُلحق بها ضررًا ودمارًا هائلين”، وختم التصريح قائلًا إنّ “من وجهة نظرنا فإن هذه القرى (اللبنانية) لا تضم مدنيين بل هي عبارة عن قواعد عسكرية”، ليعبّر بصراحة عن نزع الصفة المدنية عن كل السكان، مؤكدًا: “هذه ليست توصية. إنها خطة، وقد أُقرَّت”، متحدّثًا عن “تدمير قاعدة التأييد الشعبيّة في تلك القرى، لأنّ “إمكان تعرُّض المدنيين لأضرار كبيرة هو الكابح الأساسي” بنظره.
تستند هذه “العقيدة العسكرية” التي تمّ تبنيها لاحقًا كاستراتيجية عسكرية إسرائيلية رسمية بحسب المسؤولين الإسرائيليين، إلى الطبيعة غير المتناسبة والمدمّرة للضربات، بما في ذلك التي تستهدف الهياكل المدنية والبنية التحتية، والرفض الصريح للتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، بهدف إلحاق أكبر أذى ممكن بالسكان، وكسر معنوياتهم وإخضاعهم. وانطلاقًا من فكرة أنّ الحرب تحدث على مراحل، فإنّ هذه الاستراتيجية لا يقصد منها أن تحسم الحرب، بل فقط تأخير ومحاولة ردع المرحلة التالية الحتمية.
وينتهج الجيش الإسرائيلي هذه الاستراتيجية التي لا تفرّق بين الأهداف المدنية والعسكرية، ويتجاهل عمدًا مبدأ تناسب القوّة الذي هو بالطبع جانب أساسي من قانون الحرب، في غزة منذ العام 2008 وبلغت ذروتها في حرب الإبادة الحالية على القطاع. وكل المؤشرات في جنوب لبنان اليوم تؤكّد تبنّي تل أبيب هذه الاستراتيجية أيضًا في الجنوب. وكل ذلك يظهر مأسسة جريمة الحرب لدى إسرائيل، التي هي على حدّ وصف المقرر الأممي السابق الخاص بفلسطين: “إرهاب دولة”.
نشر هذا المقال في العدد 73 من مجلة المفكرة القانونية – لبنان
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.