تعيش الجامعات المغربية على وقع احتجاجات متواصلة لطلبة الطب والصيدلة منذ ما يزيد عن 7 أشهر، وذلك رفضا لقرار وزارة التعليم العالي تنزيل مشروع إصلاح جديد لنظام التكوين، بموجبه سيتم خفض مدة التكوين من سبع إلى ستّ سنوات.
قرار فوقي بإصلاح نظام التكوين
بدأت أول فصول هذا الحراك خلال يونيو من سنة 2022 حينما عممت وزارة التعليم العالي مذكرة على رؤساء الجامعات ومديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين تعلن فيها عن تقليص فترة التكوين في دراسات الطب العام وكذلك الصيدلة وطب الأسنان إلى 6 سنوات عوض 7. وأضافت المذكرة ذاتها أنه تم تخصيص ما مجموعه 3489 مقعدا جامعيا في الطب و 435 في الصيدلة و355 في طب الأسنان بالنسبة للسنة الدراسية 2022-2023.
دفاعا عن هذا القرار أكد وزير التعليم العالي عبد اللطيف ميراوي أن سبب اتخاذه يعود بالأساس للرغبة في إيجاد حلول عملية وآنية لمواجهة الخصاص المهول الذي تعرفه المنظومة الصحية بالمغرب، بخاصّة مع تفاقم هجرة الأطر الصحية الى الخارج، مشيرا الى النزيف الذي يعرفه القطاع الصحي، فبينما توصي منظمة الصحة العالمية بتوفير 23 مهنيا صحيا لكل 100.000 نسمة، لا يتجاوز العدد الموجود في البلاد 17 مهنيا لكل 100.000 نسمة. مما يجعل الخيارات المتاحة أمام الدولة محدودة إما بتسريع وثيرة تكوين الأطباء المغاربة ورفع عددهم عن طريق رفع المقاعد المخصصة، أو الاضطرار الى جلب أطباء من الخارج.
وأوصى الوزير رؤساء الجامعات وعمداء كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة بإطلاق حوار بهدف تكييف نظام التكوين في المجال الطبّي مع التحوّلات الجديدة في المجال التكنولوجي والاقتصادي.
انطلاق حراك الطلبة رفضا لقرار أطباء “أرقام” لا أطباء أكفاء
أعلنت مجالس طلبة كليات الطب والصيدلة رفضها للقرار الجديد حيث عابت عليه تغييبه للمقاربة التشاركية، وخرقه لاتفاق ثلاثيّ سابق جمعها بوزارة الصحة ووزارة التعليم العالي سنة 2015، -في ظل الحكومة السابقة-والذي بموجبه تم التوافق على إشراك التنسيقية في جميع ورشات الإصلاح التي تهمّ طلبة الطبّ وطبّ الأسنان بالمغرب، فضلا عن مماطلة الوزارة في وضع النص المنظم للسلك الثالث في ظل الاستغناء عن السنة السابعة. وهو ما استغرق أزيد من سنتين من دون اخراج “دفتر بيداغوجي” رغم أن الموسم القادم 2024 – 2025 سيعرف وصول أول دفعة للسنة السادسة حسب “النظام الجديد” رغم غياب معطيات معلنة وواضحة حول الكيفية التي سيتم بها اختزال السلك الثالث من الدراسات الطبية في سنة واحدة.
كما تركزت انتقادات الطلبة للقرار الجديد على تغليب سياسة الكم على سياسة الكيف من خلال التركيز على زيادة عدد الوافدين الجدد على الجامعات وعلى المستشفيات الجامعية من دون مراعاة قدرتها الاستعابية أو الاهتمام بجودة التكوين خاصة في المجال التطبيقي، في ظل سياسة الضبابية والعشوائية التي يراها الطلبة تهدف إلى إنتاج أطباء “أرقام” لا أطباء أكفاء.
وعلى خلاف حراك الأساتذة المتعاقدين، الذين كونوا تنسيقيات لا تحظى بالاعتراف القانوني، اختار الطلبة الأطبّاء خوض معركتهم النضالية من خلال إحياء مجالس الطلبة بالجامعات، والتي يسمح بها القانون المنظم للجامعات، حيث انتخبوا لجنة وطنية، ودخلوا في مسلسل احتجاجي طويل عرف العديد من الأشكال من قبيل تنظيم وقفات احتجاجية محلية وأخرى جهوية، قبل الإعلان عن إنزال وطني أمام البرلمان شارك فيه أولياء الأمور الذين رفضوا دعوات رئاسة الجامعات للضغط عن أبنائهم، حيث انضمّوا لمسيرات الطلبة حاملين شموعا ولافتات لمطالبة رئيس الحكومة بالتدخل.
كما تم الإعلان عن مقاطعة كاملة مفتوحة للدّروس النظرية والتطبيقية والامتحانات في جميع كليات الطب والأسنان في المغرب والدخول في إضراب مفتوح، حيث بات شبح السنة البيضاء يهدد نجاح الموسم الجامعي.
في المقابل، تمسّكت وزارة التعليم العالي بالإجراءات التي اتخذتها معتبرة خفض مدة التكوين قرارا سياديا لا رجعة فيه، متهمة النشطاء في حراك الأطباء بتنفيذ أجندات سياسية.
استمرار حراك الطلبة الأطباء رغم استدعاء أولياء أمور هم وحل مجالسهم
في محاولة لوقف حراك الطلبة الأطباء أصدر رؤساء جامعات مغربية عدة قرارات بإغلاق جميع مكاتب طلبة الطب بكلية الطب والصيدلة، وحظر جميع أنشطتهم داخل الجامعة، كما وجهت استدعاءات لأزيد من 52 طالبا على الصعيد الوطني، من ممثلي الطلبة لعرضهم على مجالس تأديبية، واستدعت جامعات أخرى أولياء أمور الطلبة الأطباء من أجل إنشاء مجموعة عمل تشكل طرفا ثالثا بين الطلبة والإدارة لوصول إلى حلول لأزمة مقاطعة الدروس والامتحانات المستمرة منذ أشهر.
تفاعلا مع هذه التضييقات قال حمزة أكنزي، عضو اللجنة الوطنية لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة: “إنّ حل مكاتب الطلبة اجراء غير قانوني، وسنلجأ للقضاء دفاعا عن حقوقنا المشروعة في حرية التعبير والتنظيم والتجمع”، موضحا أن “الطلبة لا يقاطعون من أجل المقاطعة، بل لأن هناك مطلبا واضحا هو حماية التكوين في مجال الطب وهيكلة السلك الثالث كما نادينا مراراً”. وتابع قائلا: “حل مجالس الطلبة لم ولن يوقف مقاطعة الدروس والامتحانات لأن اللجنة الوطنية هي راعي الحراك الآن واستئناف الحوار لن يكون إلاّ مع هذه اللجنة التي تمثل الطلبة، بعد التراجع عن القرارات التأديبية المتخذة في حق المحتجين”.
من جهتها قالت اللجنة الوطنية للأطباء الداخليين والمقيمين بالمغرب إنها “تراقب بصدمة وغضب شديدين التصعيد الأخير في الأزمة المتفاقمة التي تعصف بنضال طلبة الطب، وطب الأسنان، والصيدلة في المغرب”.
وعبرت اللجنة، في بلاغ لها، عن “رفضها القاطع للتعامل اللامسؤول والتعنّت الصارخ من قبل الوزارات المعنية، بشكل يعرقل كل جهود الوصول إلى حل عادل وشامل يحفظ للمهنة الطبية قيمتها في المغرب”. مستنكرة في هذا المجال “سياسات القمع والاستبداد لعمادات كليات الطب والصيدلة عبر اللجوء إلى تكتيكات مُثيرة للقلق، من قبيل استدعاء ممثلي الطلبة الشرعيين إلى مجالس تأديبية، وتهديدهم بالفصل، وحل مكاتب الطلبة في تجاوز فاضح لإرادة الطلبة وانتهاك صريح لمبادئ الديمقراطية والحريات”.
و اعتبرت النائبة البرلمانية والأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحّد نبيلة منيب، أن الدولة أخطأت في طريقة تدبيرها لملف احتجاجات الطلبة الأطباء مثلما أخطأت في الانصياع الى توجهات العولمة المتوحشة في سياسىة الخصخصة، وفي آخر المطاف عندما تخرج هذه الفئات للاحتجاج لا تجد من الدولة إلا المقاربة الأمنية القمعية، والآلة الزجرية، من خلال محاولة تخويف المحتجين، وأضافت : “إن موقفنا هو مساندة احتجاجات طلبة الطب، لأن مستقبل الطب العمومي يهمنا بدرجة أولى، كما يهمنا مستقبل التعليم العمومي، وهما الركيزتان الأساسيتان للحفاظ على التماسك والعدالة الاجتماعية، على اعتبار أن قطاع الصحة أخرج لنا أطباء أكفاء، طيلة عقود، إلا أن الدولة سائرة في رفع يدها عن العناية اللازمة للنهوض بهذا القطاع. ونرى كيف أن المستشفيات الجامعية في المدن الكبرى تفتقد للشروط الدنيا للعلاج، وكذلك الشأن لكليات الطب التي تفتقد بدورها للكفاءات البشرية والمادية التي تتيح للطبيب ممارسة مهامه بكفاءة”.
مقاطعة امتحانات التخرج تنجح والبحث عن وساطات مؤسساتية لحل الأزمة
أعلنت اللجنة الوطنية لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة بالمغرب عن نجاح مقاطعة امتحانات الأسدس الثاني للسنة الجامعية الحالية، وأبرزت اللجنة، في بيان لها، أن نسبة المقاطعة في اليوم الأول تجاوزت 90 في المائة، وهو تأكيد” للإرادة الطلابية بالاستمرار في المقاطعة، ردا على مجموع القرارات التعسفية التي لم يتم التراجع عنها ومواصلة التنزيل الأحادي لتواريخ الامتحانات بالرغم من عدم توفر الظروف البيداغوجية لإجرائها.
وأطلق مجلس النواب، مبادرة للوساطة بين الحكومة وطلبة الطب والصيدلة، من أجل محاولة إنقاذ الموسم الدراسي الحالي، وتجنيبهم خطر السنة البيضاء، بعدما اقتربوا من إكمال شهرهم السابع من مقاطعة الدروس والتداريب، والامتحانات.
وقال رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب إدريس السنتيسي “إن لقاء جمع ممثلي مختلف الفرق البرلمانية، من أغلبية ومعارضة بممثلي طلبة الطب مؤخرا من أجل تدارس الأزمة، مؤكدا أن البرلمانيين، يدعمون اتخاذ القرارات في كليات الطب بطريقة تشاركية بين ممثلي الطلبة وعمداء الكليات، مع ضرورة “احترام هيبة الدولة والالتزام بالقوانين ، لأن الجميع تحت القانون”.
من جهته دعا الناشط الحقوقي نوفل البعمري إلى “احترام حق الطلبة الأطباء في التجمع السلمي، وعدم الانصياع إلى الاتهامات المتعلقة بتسيسس الاحتجاج، والتي تريد تبرير الفشل في تقديم الحلول، فهؤلاء الطلبة واعون بمطالبهم و قد أخذوا مسافة من أي استغلال لهم سياسي أو غيره، و قوتهم في قدرتهم على احتواء عدد منهم ممن ينتمون لشبيبات الاحزاب او لباقي التيارات السياسية”.
وأضاف: “مطالب هؤلاء الطلبة واضحة، جزء منها يحتاج لقرار سريع، و جزء آخر يمكن أن يكون موضوع تفاوض متبادل”. معتبرا أن “مطالبة الطلبة بضمانات حقيقية عوض الاكتفاء بوعود شفوية يعكس مسألتين: الثقة و هي مسؤولية الحكومة في استرجاعها، وكون هؤلاء الطلبة يريدون شيئا ملموسا يحتجون به في حال تقلب السياسي”.
في نفس السياق تحسر الطيب حمضي، طبيب باحث في السياسات والنظم الصحية، على ضياع الزمن الجامعي، موضحا بأن “الخسارة لا تقتصر على التكوين فقط، بل نخشى أيضا أن تُمسّ صورة المستشفى العمومي، باعتباره العمود الفقري الذي يجب تقويته والتركيز عليه، حيث نخشى فقدان الثقة بين الأطر الطبية والمنظومة الصحية، في زمن الهجرة وتفقير دول الجنوب على حساب بلدان الشمال من حيث استقطاب الأطر”، مشددا على أنه “على رئيس الحكومة أخذ المبادرة مباشرة من أجل حلحلة هذا الملف، حتى يلتحق الطلبة بامتحاناتهم في أقرب وقت، بما في ذلك الطلبة الموقوفين، من باب حسن النية من لدن المؤسسة التنفيذية، حتى نمضي قدما بالأوراش الكبرى التي تهم المنظومة الصحية، مقترحا أن تكون السنة السابعة المثيرة للجدل اختيارية مؤقتا، في أفق التوصل إلى حل يطوي هذا الملف بشكل نهائي”، داعيا إلى “استئناف الحوار وجعل مصلحة الوطن فوق كل اعتبار”.
مواضيع ذات صلة
قمع في كلية الطب وفساد وإهمال في مستشفيات تونس
تدريب الأطباء شأن عسكري في مصر: نشاطات القوات العسكرية تتمدد ومعها صلاحيات القضاء العسكري
قضية فصل طالب من كلّية الطب: الطلّاب يطالبون بحلّ المجلس التأديبي
تعيينات كلية العلوم الطبية: أطباء لا تعرفهم الجامعة اللبنانية
الجامعة وحرية التعبير: “ميم” آخر في نعش الحريات
حكم قضائي يخفف من هشاشة الأساتذة المتعاقدين في المغرب: للمتعاقدين حق اجتياز مباريات التوظيف أيضا
قرار بتحصين حقّ الإضراب للأستاذة المتعاقدين: الملاحقة التأديبية الانتقائية مسّ بمبدأ المساواة