أقر مجلس النواب اللبناني في 10 تشرين الأول 2012 مشروع قانون يرمي إلى إعادة العمل بالقانون رقم 606 الذي صدر في العام 1997. ويهدف هذا القانون إلى الترخيص للحكومة بتعيين أشخاص معوقين عاملين في الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات في الملاك الإداري للموظفين العامين وذلك، بعدما عملوا لسنوات بصفة متعاقدين أو أجراء أو مياومين وقد تخطوا السن القانونية للتقدم إلى مباراة مجلس الخدمة المدنية. وعلى الرغم من إقرار المشروع منذ خمس سنوات، إلا أنه بقي منسياً في أدراج مجلس النواب.
ويشار هنا إلى هذا القانون 606/97 هو قانون استثنائي ذات طابع مؤقت، بحيث أنه أجاز آنذاك للحكومة تعيين أشخاص معوقين من ذوي الإعاقة آنذاك بعد إخضاعهم لامتحان كفاءة يجريه مجلس الخدمة المدنية، وذلك خلال مدة ستة أشهر من صدوره. ويذكر أنه تم تمديد العمل به في تاريخ 16/3/1998 بموجب القانون رقم 685 لمدة ستة أشهر أخرى. ورغم أن القانون 220/2000 لحقوق المعرقين أقرّ كوتا لهؤلاء وهي نسبة 3% من مجموع الوظائف العامة، فإن الدولة اللبنانية تراخت في وضع آليات تنفيذه، فضلا عن أنه لا يفيد الأشخاص العاملين حاليا في الإدارات العامة كمتعاقدين والذين تخطوا الحد الأقصى للسن التي تسمح بالتقدم لإجراء مباراة توظيف. وقد قابلت المفكرة بعض الأشخاص المعوقين الذين يعملون في الإدارة، وقد تبين أن هؤلاء يعتبرون أن القانون 606 هو الأمل الوحيد لتسوية أوضاعهم.
بدايات مشروع القانون
شرارة انطلاق هذا المشروع جاءت من مواطنة معوقة تعمل كمياومة في وزارة التربية في سنة 2012، وقد طلبت تثبيتها. تبعا لهذا الطلب، رأى وزير التنمية الإدارية أنه يفرض اعتماد معالجة واسعة تشمل شريحة كبيرة من أصحاب الإعاقة من الذين تتوافر فيهم الشروط العامة لدخول الوظيفة العامة، باستثناء شرط السن. وإذ اقترح وزير العمل بالتنسيق مع هذا الأخير إعادة العمل بالقانون 606 على مجلس الوزراء بتاريخ 19 حزيران 2012، تمت إحالة مشروع القانون إلى هيئة التشريع والاستشارات التي أبدت قبولها السير بمشروع القانون بتاريخ 8/7/2012. وقد بررت الهيئة موقفها أنه “في الحالة الحاضرة حيث تتقاطع حاجات حسن سير المرفق العام مع غايات اجتماعية عليا التي توجب أن تؤمن الدولة فرص عمل مستقر لذوي الاحتياجات الخاصة، وهذه الغايات تفي بالمصالح الاقتصادية العامة للدولة التي توجب الاستفادة من مؤهلات شرائح اجتماعية يمكنها الإنتاج كي لا تصبح عبءاً على الدولة”. وأضافت الهيئة، “أنه من صالح الدولة الاجتماعي السير بمشروع القانون”. كما وافقت وزارة المالية على المشروع أيضاً.
بالمقابل، بتاريخ 17 تموز 2012، أبدى مجلس الخدمة المدنية رأيا مغايرا برفض السير بمشروع القانون. فعلى صعيد حق الأشخاص المعوقين بالعمل عموما، رأى المجلس أن “القانون رقم 606 كان له ما يبرره في حينه، حيث لم تكن قد وضعت بعد أحكام ترعى أمور المعوقين على نحو ما جرى عليه في القانون 220”. وطلب المجلس تنصيب الجهود على تطبيق ما ورد في القانون 220، لافتا إلى الخطوات التي قام بها في إطار تنظيم مباريات الدخول وتأمين “التسهيلات اللازمة للمرشحين من الأشخاص المعوقين في المباريات التي يجريها، وعلى إعطائهم الأولوية في التعيين دون حصرهم في حدود وظائف عامة”. أما بخصوص الأشخاص الذين تجاوز سنهم السن القانونية للتقدم لمباراة توظيف، أوصى مجلس الخدمة المدنية باعتماد خيار آخر يمكن المتعاقدين من التثبيت في وظائفهم دون حصر القضية في نطاق الأشخاص المعوقين فقط. وقد أوضح المجلس في هذا الصدد أنه بتاريخ 6/7/2012 أعد مشروع قانون بهذا الشأن ورفعه إلى مجلس الوزراء.
وبتاريخ 10 تشرين الأول 2012، حسم مجلس الوزراء النقاش بالموافقة على مشروع إعادة العمل بالقانون رقم 606. وعليه، تمت إحالة مشروع القانون المذكور إلى مجلس النواب.
مشروع القانون في عصارة التشريع
ولكن، أين أصبح مشروع القانون؟ عن هذا الأمر، يوضح المحامي طارق حجار الذي يتولى متابعة هذه القضية مع بعض الأشخاص المعوقين للمفكرة “أن المشروع عالق في لجنة الصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية في مجلس النواب ولم يتم تحريكه منذ نحو خمس سنوات”. ولدى بحثنا في الموقع الالكتروني لمجلس النواب لا يظهر أي معلومة دقيقة عن المشروع، سوى أنه بتاريخ 3 كانون الأول 2013، طلبت اللجنة المذكورة إعادة مشروع القانون إلى الحكومة. من جهته، يشدد الحجار على أنه حاول الوصول للمعلومات حول مآله، إلا أنه تبين له أن معظمهم لا يعرف أية معلومة عن هذه المسألة.
ويطلعنا الحجار أنه جال مع عدد من الأشخاص المعوقين على غالبية الأقطاب السياسية بهدف حث السلطات على البت بالقانون. ويؤكد الحجار أنه خلال الزيارة التي قاموا بها منذ أشهر إلى الرئيس الحريري، لمسوا منه تفهماً لأهمية المشروع. كما لفت الحجار إلى أن الوفد قد تطرق إلى مسألة القانون 220 الذي لا تزال معظم بنوده غير قابلة للتطبيق بسبب تلكؤ السلطات عن البت بالمراسيم التطبيقية المطلوبة لتنفيذه. وقد أكد في هذا الصدد، أن الحريري وعد بأن يتم العمل على إصدار هذه المراسيم خلال شهر واحد. من ناحية أخرى لم يلمس الوفد أي تجاوب جدي من قبل الجهات السياسية الأخرى.
حراك على نطاق ضيق: أنصفونا في العمل
قابلت المفكرة بعض الأشخاص المعوقين الذين يعملون في الإدارات العامة. ويلحظ أن هؤلاء يتفادون الوسائل الإعلامية ومعها الجمعيات المدنية المختصة بأوضاع الأشخاص المعوقين، لخشيتهم من أن يؤدي توجههم إلى هؤلاء إلى خسارة وظيفتهم أو التضييق عليهم في العمل. ولدى مطالعة المفكرة لهذا الملف تبين أن غالبية الأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى سبيل لأجل إصدار القانون 606 هم من المكفوفين. وهؤلاء رغم أنهم حائزون على شهادات عليا في اختصاصات متنوعة إلا أن الإدارة لم تفتح لهم الأبواب للإنخراط في الوظائف التي تناسب إمكانياتهم، حيث انحصرت فرص العمل أمامهم في السنترالات التابعة للإدارات. يقول أحد الأشخاص المكفوفين، أنه حائز على شهادة جامعية تخوله التعليم في الجامعات، إلا أن الوظيفة الوحيدة المتاحة أمامه هي السنترال. وعلى الرغم من عدم تناسب الوظيفة مع إمكانياتهم التعليمية العليا، يشدد هؤلاء على أهمية وظائفهم بالنسبة إليهم إذ لا يأملون بأن يتمكنوا من التوظف في أفضل منها.
في السياق نفسه، كل ما يرمون إليه من خلال مطالبتهم بتثبيتهم هو أن يتمتعوا بالاستقرار الوظيفي وما يتيحه من مكاسب ما يزالون محرومين منها. يذكر أن بعضهم يعملون بصفة متعاقد مسجلين لدى الضمان الاجتماعي. البعض الآخر غير مسجل في الضمان الاجتماعي، مما يحرمهم من مجمل منافعه ومن أبرزها الضمان الصحي وتعويضات نهاية الخدمة. كما أن بعض المياومين منهم يعملون بأجر أدنى من سواهم من الموظفين غير المعوقين، فيما هم يقومون بالأعمال نفسها.
حق العمل من خلال القضاء
تؤكد رئيسة اتحاد المقعدين سيلفانا اللقيس أن التمييز ما يزال قائماً حتى اليوم في مجال التوظيف، إن كان في القطاع العام أم القطاع الخاص. وهنا تذكر اللقيس عدم التزام الدولة اللبنانية في تنفيذ كامل جوانب القانون 220، حيث تذرعت السلطات في غالب الأحيان بعدم صدور المراسيم التطبيقية لتنفيذه. وهي تشير أنه تبعا لمخالفة وزارة العمل وإدارة الصنوق الوطني للضمان الاجتماعي لواجباتهما في هذا الخصوص، لجأ الاتحاد إلى القضاء واستحصل على قرارات قضائية من مجلس شورى الدولة بتاريخ 13/2/2017، بإلزام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي التأكد من مدى التزام أصحاب العمل في المؤسسات المتوسطة والكبيرة بموجب توظيف ذوي الإعاقة وعدم إصدار براءات ذمة في حال المخالفة. كما أوجب على وزارة العمل جباية غرامات من المؤسسات الكبرى المخالفة.
من جهة أخرى، تؤكد اللقيس أن أهم الأسباب التي حالت دون تطبيق بنود القانون هو أن القانون 220 قد أكد على إنشاء الهيئة الوطنية لشؤون المعوقين والتي يقوم دورها على متابعة التزام الإدارات بالقانون 220. إلا أن المشكلة الأساس تكمن في طبيعة تكوين هذه الهيئة. إذ أنها غير مستقلة تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية ويرأسها الوزير. “الأمر الذي يحول دون قيامها بعملها بالشكل المناسب إذ لا سلطة لها لإلزام كافة الإدارات بتطبيق القانون” وفقاً للقيس. تضيف، كان من “الأفضل أن تكون الهيئة سلطة مستقلة عن باقي الوزارات، يكون لها المقدرة على فرض تطبيق القانون على كافة الإدارات بدلاً من أن تكون تحت وصاية الوزير”. وقد حال هذا الأمر إلى ما يشبه بركود عملها “وقد مرت 17 سنة دون أي عمل جدي يُذكر، فهي تشتكي أكثر من أن تفرض تطبيق القانون”. في هذا السياق، تشير اللقيس إلى أنه “لهذا السبب تمنعنا كاتحاد عن المشاركة في الترشح لعضوية مجلس الهيئة”.
نشر في العدد 53 من مجلة المفكرة القانونية، للاطلاع على العدد انقر/ي هنا “الإعلام والقضاء وحروب النرجسيات المهنية”