حراك المحامين المتدرجين في بيروت (1997-2001) ضد الاستغلال: حنين لحراك مفقود ولمشاريع اصلاح منسية


2013-01-31    |   

حراك المحامين المتدرجين في بيروت (1997-2001) ضد الاستغلال: حنين لحراك مفقود ولمشاريع اصلاح منسية

خلافا لما يحدث في عدد من الدول العربية (تونس والمغرب)، يبقى حراك المحامين في لبنان غائبا تماما. ويستعيد الكاتب هنا تحركا نادرا حصل في فترة 1997-2001 وأدى فيه الكاتب دورا رياديا. وقد قام بالتحرك المذكور آنذاك محامون متدرجون للمطالبة بتحسين أوضاعهم وبمزيد من التوازن في العلاقة ما بينهم وبين مكاتب المحامين التي يتدرجون فيها والتي يعمد بعضها (ومنها مكاتب ضخمة) الى تسخيرهم واستغلال طاقاتهم من دون أي بدل مادي أو مقابل بدل جد زهيد لسنوات طوال. لم ينتج الحراك للأسف تعديلا في نصوص النقابة لكنه أنتج بالمقابل وعودا عدة، أبرزها وعد من نقيب المحامين في بيروت الحالي نهاد جبر بإقرار حقهم بالانتخاب. بعد مرور أكثر من عقد على ذلك الحراك، يتوقف الكاتب متسائلا عن احتمالات حراك جديد وعن احتمالات التغيير، إنصافا لهؤلاء. بقي أن نقول إن تحسين أوضاع المحامين المتدرجين ليس مصلحة خاصة بهذه الفئة، بل قبل كل شيء مصلحة اجتماعية. فتدرج محام بشروط عادلة هو شرط لتكوين محام كفوء وملتزم بآداب مهنته (المحرر). 

قلما شهدتاريخنقابتي المحامين في لبنانتحركات جماعية يطلقها المحامون بهدفتحسينأوضاعهمالمهنية الماديةوالمعنوية. وسيتطرق هذا المقال الى تحرّك برز خلال الأعوام 1997 إلى 2001 للمطالبة بجملة من الحقوق المهنية والنقابية أبرزها الاعتراف بحق المحامين المتدرجين بالمشاركة في الجمعيات العمومية للنقابة وانتخاب نقيب المحامين وأعضاء مجلس النقابة[1]وتطوير منهجية التدرّج من خلال إنشاء معهد المحاماة[2]وإقرار نظام الشهادة المؤهلة لممارسة مهنة المحاماة[3]وتحسين ظروف التدرّج وأوضاع المتدرجين المادية. وقد اعتمد التحرك أساليب ووسائل متنوعة للتواصل مع سائر المحامين تمثلت بالأمور الآتية: 1) وضع دراسة قانونية أساسية حددت أهداف التحرك والمطالب تمهيدا لمناقشتها؛ 2) إطلاق حملة توقيع على “عريضة المحامين المتدرجين”[4]لاجتذاب المحامين المتدرجين وحثهم على المشاركة وكسر حاجز الخوف والصمت؛ 3) عقد اجتماع عام للمحامين المتدرجين بتاريخ 17-10-1997[5]وذلك للمرة الأولى في تاريخ نقابة المحامين في بيروت، لمناقشة العريضة المقدمة إلى النقابة؛ 4) عقد اجتماع مع نقيب المحامين بتاريخ 26-11-1997 لعرض المطالب؛ 5) تنظيم ندوة في قاعة المحاضرات في النقابة بعنوان “نظام التدرج وحقوق المحامين المتدرجين: مقترحات للتحديث والتطوير” بتاريخ 2-2-1999، دعي إليها كلّ من النقيب وأعضاء مجلس النقابة والمحامين بالاستئناف وذلك بهدف تأمين الانفتاح على المحامين جميعا على نحو يؤكد الانتماء إلى نقابة مهنية واحدة تحضن الجميع بما يسمح بتفادي التصادم[6]. إلا أن هذا الانفتاح لم يلق التجاوب المطلوب… فقد حاولت سلطة النقابة بداية أن تستوعب التحرك ظنا منها أنه لن يطول بل سينتهي عاجلا… إلا أن نقطة التحول حصلت مع تنظيم الندوة والإعداد الجدي لها وتوسع حركة استنهاض المتدرجين وتأييد محامين بالاستئناف لمطالبهم، فغلب على موقف السلطة السلبي[7]التي انتقلت من موقع الحذر إلى موقع الاستياء على خلفية أنها الممثل الوحيد للمتدرجين وأنها من يتولى شؤونهم رافضة الإقرار بمطالبهم أو أقله محاورتهم بشأنها… وقد زاد موقفها قسوة مع خروج الخطاب النقدي، بما يتضمنه من شفافية وصراحة بعيدا عن التملق أو المجاملة، من الصالات المغلقة الى الفضاء الاعلامي. وهذا ما تسبب بإحالة كاتب المقال هذا مع محاميين بالاستئناف آخرين، إلى التحقيق الداخلي تمهيدا لإحالتهم أمام المجلس التأديبي، وانتهى الأمر بطي الملف نتيجة تحرك احتجاجي لمحامين بالاستئناف دفاعا عن حرية التعبير. إزاء ذلك ابتعد غالب المحامين المتدرجين عن التحرك خوفا من التعرض لهم على نحو أظهر عجزهم عن الدفاع عن حقوقهم إثر أول مواجهة جدية مع السلطة!
هذا وقد لقي تحرك المحامين المتدرجين اهتماما من قبل وسائل الإعلام نظرا للدينامية التي ولدها داخل نقابة المحامين[8]. ولا شك أن مطالبة المحامين المتدرجين بحق الانتخاب انطلاقا من قناعتهم بأن هذا الحق يؤدي الى تحسين مجمل أوضاعهم، شكل الإشكالية الأساسية لدى السلطة ولاقى رفضا من قبلها لا يزال لغاية تاريخه. وقد كانت حجتها اليتيمة في ذلك أن المحامي المتدرج ليس بمحام كامل الصفة النقابية. إلا أن مشروعية هذا المطلب ارتكزت على اعتبارات قانونية أساسها أن المحامين المتدرجين هم أعضاء نقابة واحدة، حلفوا يمينا واحدا، يدفعون رسم انتساب، ويتمتعون بالحقوق والحصانات والضمانات ذاتها ويستوفون الشروط ذاتها التي يفرضها القانون على من ينوي ممارسة المهنة، وبالتالي هم أعضاء ذوو صفة نقابية كاملة، لهم الحق في المقابل بأن يتمتعوا بالحقوق النقابية وأهمها المشاركة في الجمعيات العمومية وانتخاب النقيب وأعضاء مجلس النقابة. فالصفة النقابية ليست مفهوما شخصيا مرتبطا بصفة متدرج أم بالاستئناف بل هي مفهوم حقوقي قانوني يستمد من فعل الانتماء للنقابة. كما ارتكز المطلب على التجارب الدولية في نقابات المحامين[9]. انطلاقا من ذلك فقد أيّد العديد من المحامين[10]مطلب المتدرجين. وأخذ نقيب المحامين الحالي في بيروت الأستاذ نهاد جبر بتاريخ 15-9-2000، حين كان عضوا في مجلس النقابة، مبادرة تقديم اقتراح تعديل المادة 39 من قانون تنظيم مهنة المحاماة “بإعطاء المحامين المتدرجين حق الاشتراك في الجمعيات العمومية…”[11]إلا أنّ مجلس النقابة لم يوافق آنذاك على هذا الاقتراح. فهل يعمل النقيب جبر على اعادة طرحه بعدما أصبح نقيبا؟ أم أنّ الأمر سيبقى اذا على حاله، سنة بعد سنة، بانتظار نشوء حراك ديمقراطي جديد داخل النقابة يكرّس الحقوق وينصف فئة واسعة من المحامين ويطلق تحوّلا ديمقراطيا داخل النقابة.

نُشر في العدد السابع من مجلة المفكرة القانونية


[1]راجع مقالة المحامي كارلوس داود “إصلاح النظام الانتخابي للنقابة” جريدة النهار 4-11-1999.
[2]تأخر إنشاء معهد المحاماة إلى تاريخ 10-6-2009.
[3]راجع مقالة المحامي كارلوس داود “تنظيم المحاماة بتنظيم التدرج” جريدة النهار 30-12-2000.
[4]نصّت العريضة على ما يلي: “نحن المحامين المتدرجين الموقعون أدناه، نعلن أننا حريصون وجاهدون على تعزيز وإعلاء شأن نقابة المحامين، وأننا متمسكون بالديمقراطية والحرية اللتين تميّزان المحامين في ممارستهما، وبحقنا في المشاركة الكاملة والفعلية في كافة أعمال النقابة واللجان الفرعية، ونؤكد أنّ الوقت قد حان لرفع الغبن اللاحق بنا ولنحوز على حقوقنا كاملة كمحامين متدرجين، لذلك دعوتنا الصادقة للحوار والنقاش الصريحين”.
[5]جاء في كتاب الدعوة ما يلي: “إعلام إلى الزملاء المتدرجين في السنوات الثلاث: يعقد في قاعة المحاضرات …لقاء حوار ومناقشة مع رئيس محاضرات التدرّج المحامي الياس بو عيد موضوعه “شؤون وشجون المحامين المتدرجين”. يتناول النقاش العريضة المقدمة من المحامين المتدرجين إلى رئيس محاضرات التدرّج وكل ما يتفرّع عنها”.
[6]اقتصر الحضور إلى المحامين المتدرجين على النقيب السابق عصام كرم وبعض أعضاء مجلس النقابة ومحامين بالاستئناف والدكتور إدمون نعيم.
[7]حصلت ضغوطات كبيرة لعرقلة عقد الندوة تاريخ 2-2-1999أو أقلّه عدم إنجاحها، من خلال منع إلصاق بطاقة الدعوة والبرنامج على اللوحات الإعلانية داخل النقابة، وثني المحامين المتدرجين عن الحضور، ومنع وسائل الإعلام من الدخول إلى قاعة المحاضرات لتغطية وقائعها، ومنع المحامين المنظمين من إدخال أجهزة التصوير والتسجيل الخاصة بهم، والتغطية على العدد الغعلي والحقيقي للحضور.
[8]راجع مثلاً جريدة الدايلي ستار Daily Starتاريخ 24-2-2000 التي أعدّت تحقيقاً بعنوان “Trainee lawyers demand justice”.
[9]أقرّ العديد من قوانين تنظيم مهنة المحاماة في العالم حق الانتخاب للمحامين المتدرجين نذكر منها: فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ وتونس واليمن وإقليم كردستان في العراق…
[10]صرّح الأستاذ حسن الرفاعي، في جلسة خاصة مع كاتب المقال إبّان لقائه لتسليمه نسخة عن مطالب المحامين المتدرجين، أنّ للمحامي المتدرّج الحق بالانتخاب انطلاقاً من صفته النقابية الكاملة، ويجب السعي لانتزاع هذا الحق الرئيسي عندها تتحقق سائر المطالب الأخرى. أعلن الدكتور إدمون نعيم أثناء حضوره الندوة بتاريخ 2-2-1999 ما يلي: “بدون شك يمكن للمحامي المتدرّج أن يختار أيّ شخص. أما في المنتخبية أي ممارسة أعمال المجلس النقابي لا أراه صالح لأنه يتطلب خبرة ومعرفة كافية. أنا مع الانتخاب وضدّ الترشيح”. صرّح المحامي زياد بارود إلى جريدة دايلي ستار تاريخ24-2-2000 بمايلي:
”In principle, trainees should be given voting rights because they pay association dues and appear before the courts. In the same way, 18-years-olds are considered old enough to fight in the army but not mature enough to have political views. If the association does not want to give trainees the vote, then they should not be made to pay dues.”
انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني