“جوغينغ” حنان الحاج علي تُعرّضها للتهديد: لمَ تماهي “السلطة” مع أصوات التحريض؟


2025-05-10    |   

“جوغينغ” حنان الحاج علي تُعرّضها للتهديد: لمَ تماهي “السلطة” مع أصوات التحريض؟
جانب من المؤتمر الصحافي

امرأة تدور حول ضوء بما يُشبه الطواف حول الكعبة، تناجي ربّها وتخبره بأنّها تثق فيه وتطلب مساعدته، وبأنّه سندها الوحيد. تتضرّع إليه شاكية: “يا ربّي تركت الدنيا وما فيها واخترتك دنيا وآخرة، أنا آمنت فيك ومش ممكن شكّك بوجودك ورح تثبتلي إنك موجود” تقول له. وشيئًا فشيئًا، يتحوّل الدعاء إلى ابتهال وتعلو أصوات التكبير. مشهد إذا ما جرّدناه من أدواته المسرحية يبدو واقعيًا إلى حدّ الألفة. فكم منّا ومن الجمهور الذي كان يصفّق، رأى أمّهات في عزاء لأحد أبنائهنّ أو في مصاب ما يتضرّعن إلى الله يسألنه الصبر والسلوان، يعبّرن عن حزن لا يخلو من الاعتراف بعدم قدرتهنّ على تحمّل المُصاب؟ هذا أحد مشاهد العرض المونودرامي “جوغينغ” لحنان الحاج علي. وعلى الرغم من أنّه لا يختصر العرض، إلا أنه بات محلّ ردود أفعال تحريضيّة ضدّ كاتبته وممثلته بعدما تقصّد بعض الأشخاص نشره مقتطعًا. 

ففي السادس عشر من نيسان الماضي، قدّمت حنان الحاج علي عرضها على مسرح الجامعة اللبنانيّة الدوليّة LIU في صيدا، وفي سياق ما تسعى إليه حنان دائمًا من إيصال المسرح إلى مختلف الفئات والمناطق. حضر الطلاب العرض وتلاه نقاش وصفته حنان “بالراقي والجميل”، ولم يحصل خلال العرض أيّ ردّات فعل أو اعتراض. إلّا أنّ إدارة الجامعة التي استقبلت حنان “بالترحيب الكبير”، نشرت بعد يومين بيانًا استنكرت عبره “بأشدّ العبارات” ما ورد في العرض المسرحي من دون تسميته حتّى. واعتبرت الجامعة أنّ العرض “تخلّلته مشاهد وإيحاءات تتنافى مع القيم الأخلاقيّة، وتضمّنت ألفاظًا وتعبيرات غير لائقة، شكّلت إساءة صريحة للشعائر الدينية، ومخالفة واضحة لسياسات الجامعة ورسالتها التربوية”.

واعتذرت الجامعة من “كافة الطلاب وأهاليهم، ومن أبناء المجتمع والجهة الدينية في المدينة التي تواصلت مع الإدارة مشكورة لمعرفة تداعيات الأمر” ذاهبة إلى أبعد من ذلك إذ أعلنت أنّها باشرت “باتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة كل من أساء أو قصّر في الإشراف أو التنفيذ” .

على الرغم من عدم ذكر الجامعة في بيانها أي شيء عن احتجاج أو اعتراض طلّابي، نشرت صفحة “وينيّة الدولة” في الثاني والعشرين من نيسان الماضي خبرًا مفاده حصول “احتجاجات طلابية في جامعة LIU إثر استضافة مسرحية مثيرة للجدل” متحدّثة عن عرض مسرحي “وصف” من قبل “طلاب غاضبين” بأنّه “يحتوي على إيحاءات جنسيّة وسخرية من الشعائر الدينية”. وأرفقت الصفحة الخبر بفيديو تضمّن مشهدين منفصلين من المسرحية، مقتطعين عن سياقهما. المشهد الذي ذكرته سابقًا ومشهد آخر تجسّد فيه حنان دور ميديا وهي شخصيّة من الأساطير الإغريقية تُخاطب حبيبها. مباشرةً بعد نشر المشهدين، بدأت حملة إلكترونيّة طالت العمل وصاحبته والجامعة المُستضيفة وأحد أساتذتها، وحملت ترهيبًا ووعيدًا وتهديدًا تحت راية الدفاع عن الدين والأخلاق وخصوصية مدينة صيدا، حتى بلغ الأمر حدّ التداعي لوقفة أمام المساجد في المدينة، مع العلم أنّ صيدا نفسها سبق أن استضافت المسرحية في العام 2018 في مسرح إشبيليا الذي امتلأت مقاعده حينها من جون أن يلقى أي اعتراض. 

تطرح هذه الحادثة العديد من الأسئلة بدءًا من واقع حرية التعبير في لبنان ودور الجهات المنوطة بالحفاظ على هذا الحقّ وصولًا إلى سبل حماية الفنانين وبالتالي الفنّ في ظلّ غياب المحاسبة وتنصيب بعض الأفراد أنفسهم “مطاوعين” يحدّدون الممنوع والمسموح، ومرورًا طبعًا بسؤال أساسيّ عن دور أيّ صرح جامعي في تعزيز قيم الحريّة والإبداع وتقبّل الرأي المختلف وليس الركون إلى “الجهة الدينيّة في المدينة”.

مؤتمر صحافي لدقّ ناقوس الخطر

على إثر ما تعرّضت له حنان الحاج علي، عقدت مجموعة من الفنّانين مؤتمرًا صحافيًّا باسم “جمع من العاملين والعاملات في الفنّ والثقافة” يوم الثلاثاء الماضي في مسرح دوّار الشمس، واضعين جميع الجهات المعنيّة بالحفاظ على حريّة التعبير والفضاءات الثقافية وسلامة الفنانين أمام مسؤوليّاتها. وفي حين أعلن الفنّانون أنّهم سيتّجهون إلى القضاء لمقاضاة كلّ شخص أو صفحة حرّضت وهدّدت على خلفيّة المسرحيّة، أشاروا إلى أنّه لا يُمكن اتهام جماعات معيّنة بالتحريض، فمن فعل ذلك أفراد قد تكون لهم انتماءات عقائديّة معيّنة، مشدّدين على أنّ الموضوع لا يعني حنان الحاج علي وحدها بل بات نهجًا يؤثّر على الجو الثقافي بشكل عامّ وجب معه دقّ ناقوس الخطر.      

واعتبر المخرج المسرحي جنيد سري الدين، وهو أحد مؤسسي مسرح زقاق، أنّ المشهد الثقافيّ بات اليوم أمام لحظة مفصليّة، إذ بين الفترة والأخرى يتكرّر تعرّض فنّان أو أحد من العاملين في المجال الثقافي لحملات تستسهل التطاول وتُعرّض حياته وحياة عائلته للخطر فضلًا عن مساهمتها في تشويه سمعته، وكلّ هذا وسط غياب لأي أطر مفعّلة لحماية الفنانين. وأشار سري الدين إلى أنّ هذه الحملات تكون أحيانًا بسبب تحليلات خاطئة لمضمون العمل، وأحيانًا بسبب فهم سطحي للعمل الفني ومستويات التحليل، وعدم فهم دور الفن التفكيكي لمجموعة المنظومة وبالتالي دفع المجتمع إلى إعادة التفكير في مسائل منها ثوابت. 

وفي حين شدّد سري الدّين على أنّ الفنّ بحدّ ذاته مساحة للتنوّع الثقافيّ والفكريّ والعقائديّ وأنّ الدستور يحمي حرية الإبداع والتنوّع، دعا أيّ شخص يرى في أيّ عمل فني أيّ شكل من أشكال الإيذاء، التوجّه إلى القضاء بدلًا من التشهير والتحريض قائلًا: “نحن نتحمّل مسؤوليّتنا الكاملة عن أعمالنا، ومن جهة أخرى على من تطاول علينا أن يتحمّل المسؤوليّة، سنتابع الحالات حالة حالة ونوثّقها ونلجأ إلى القضاء وليكن الفيصل بيننا”. 

من جهتها، تحدّثت حنان الحاج علي خلال المؤتمر باختصار عما حصل معها، ذاكرة تهديدات إلكترونيّة وتحريضًا لاحقها ولاحق الجامعة وأحد أساتذتها، وصلتْ إلى حدّ الطلب من إسرائيل التخلّص منها. وفي ما خصّ “جوغينغ” أشارت حنان إلى أنّها تُخبر قصصًا مسكوتًا عنها، لأنّها هي كمسرحيّة تؤمن بأنّ هناك قصصًا لا يمكن أن تُحكى إلّا على خشبة المسرح. فهي كما الفنّانات الملتزمات بقضايا المجتمع تعتبر المسرح أغورا (Agora) ساحة للنقاش السياسي والفكري والفلسفي. ولفتت حنان إلى أنّها ومنذ العام 2016 تعرض مسرحيّتها وهي عرض قيد التطوير، في عدد كبير من المناطق وفي قرى نائية وفي المدن وعلى مسارح عالمية ومحليّة ومسارح مدارس رسميّة، وكانت تُقابل دائمًا بالترحاب. 

وفي ما خصّ ما حصل في صيدا، قالت إنّها دخلت الجامعة بعد موافقة رسميّة وأنها قوبلت بالترحاب والتأهيل الشّديدين وأنّ المسرح امتلأ بالطلاب الذين أجرت معهم نقاشًا بعد المسرحيّة كان “رائعًا” إلّا أنه وعلى الرغم من طلبها عدم التصوير حفاظًا على حقوق الإنتاج، يبدو أنّ هناك من سرّب مقطع فيديو خارج سياقه ليقول إنّه تضمن مسًّا بالذات الإلهية، فانقضّ الناس وراءه وشهروا بالمسرحية وبها بالأستاذ والجامعة. وشرحت أنّ هذا المقطع بالتحديد تقول فيه السيّدة وهي تدور حول ضوء يشبه ضوء الكعبة: “يا الله أنا آمنت فيك، ومش ممكن شكك بوجودك …”. 

وشدّدت حنان على خطورة مثل هذه الموجات على الفضاء الثقافي والعاملين فيه، إذ أن تكرار مثل هذه الحملات دفع بعض العاملين في المجال إلى ترك البلد أو طلب اللجوء إلى بلاد أخرى، كما دفعت بعضًا آخر إلى ممارسة رقابة ذاتيّة شديدة على أنفسهم، هذا فضلًا عن الأثر على الجامعات التي باتت تخاف أن تستقبل العروض المسرحية كي لا تتعرّض إلى حملات وتجد نفسها وحدها كما يجد الفنان نفسه وحده وكأنه الحلقة الأضعف.

أثر مثل هذه الحملات على الفنّان تحدّثت عنه أيضًا المخرجة إليان الراهب لـ “المفكرة”، مشيرةً إلى أنّها لا تُخضع نفسها ولا محتواها لرقابة ذاتيّة ولكنّها تفعل ذلك عند الترويج لهذا المحتوى، إذ توقّفت عن عرض أفلامها للجمهور المفتوح ما يؤثّر على مدى انتشار الفيلم الذي قد يكون نال جوائز عالميّة. وتُشير الراهب إلى أنّ الفنّانين في لبنان يخوضُون حربًا على الصعيد الاقتصادي حتى يتمكّنوا من إنتاج فيلم أو مسرحيّة، وبعدها تبدأ حرب أخرى لاختيار فضاءات العرض وتوقّع الاشتباكات التي قد يواجهونها. 

وفي نهاية المؤتمر، طالب المجتمعون عبر بيان أن تُصان الحقوق الدستورية وبخاصة في ما يتعلّق بحرية التعبير المكفولة بالدستور، وبقطع أي مناورات التفاف في هذا الخصوص، وأن تُقر قوانين مبرمة واضحة غير قابلة للتّأويل والتّحريف مع مراسيم تطبيقية عاجلة لحماية الحقوق ووضع كل جانٍ تحت المسؤوليّة.

كما طالب البيان بإقرار “سياسة ثقافية تربوية اجتماعية من قبل الوزراء المعنيين والخروج بخطة متكاملة تعيد للفنّ والثقافة موقعها الصّحيح كعامل ضروريّ وأساسيّ في بناء الأجيال والأوطان، وإلغاء قانون الرقابة على الأعمال الفنيّة، على أن يكون الاحتكام إلى القضاء هو البديل وأن تكون المحاكم المدنية هي الفضاء الذي يلجأ  إليه كل من يدّعي مظلمةً أو اتهامًا، فضلًا عن وضع خط ساخن في وزارة الثقافة للتبليغ عن الحالات الطارئة على أن يكون هناك من يتولّى رصد هذه القضايا ومتابعتها بشكل عاجل وحثيث ودؤوب”. 

من جهة أخرى، طالب البيان نقابة الفنانين التي حضر نقيبها المؤتمر الصحافي أن “تقوم بورشة تقييميّة تشاركيّة موسّعة لحال القطاع الفنيّ وحاجاته مع مختلف القطاعات وتعيد النظر بشكل منتظم في نظامها وأدوارها وأهدافها وتكون أيضًا أول من ينبري للدفاع عن الفنانين والمثقفين في وجه حملات التردّي والتعدّي بعيدًا من أيّ وصاية”. 

سلطة أفراد أم منظومة داعمة؟

يطرح ما حصل مع حنان الحاج علي العديد من الأسئلة أبرزها عن مدى سلطة هؤلاء المحرّضين الذين نجحوا خلال السنوات الماضية بالضغط من أجل إلغاء مهرجانات ومنع عرض أفلام أو مسرحيّات، ودفعوا جهات وصروحًا تعليمية إلى الاعتذار تمامًا كما حصل في حالة “جوغينغ”، مع العلم أنّهم قد يكونون أفرادًا أو مجموعات، وفي بعض الأحيان ومن خلفيات عقائديّة مختلفة ينصّبون أنفسهم حماة للدين حينًا وللعائلة حينًا آخر ولهويّة وخصوصيّة مدينة ما أحيانًا. ويستدعي ذلك أيضًا السؤال عن مصدر سلطة هؤلاء: فهل هي تعود فعلًا إلى حجمهم وتمثيلهم لشريحة واسعة أم أنّ الأمر مرتبط فعلًا بعوامل عدّة لا تعود إليهم مباشرة مثل النظام الذي يُعطي السلطة على الفنّ، ليس لوزارة الثقافة، إنما لجهاز أمني هو الأمن العام الذي يفرض الإذن المسبق على الأعمال الفنيّة ما يغذّي الشعور بوجود ضرورة لرقابة أمنيّة على هذه الأعمال، أو بالقضاء الذي يتحرّك حتّى من تلقاء نفسه ويستدعي فنّانين وفنّانات أو عاملين في مجال الثقافة إلى محاكم عسكريّة على خلفيّات محتواهم ولا يُلاحق المحرّضين بالشكل المطلوب؟ أم أيضًا بسيطرة أحزاب أو عائلات سياسيّة على مفاتيح الثقافة في عدد من المدن، وتراجع دور الإعلام ولا سيّما التقليدي في دعم الفضاءات الثقافية وحريّة التعبير والإبداع، وهو ذاته أي هذا الإعلام لا تستثنيه هذه الحملات. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر إلقاء قنبلة في اتجاه مبنى “اللبنانية للإرسال” LBCI بعد حملة تحريضيّة طالت المحطة على إثر عرضها مقطعًا ساخرًا في برنامج  “تعا قلو بيزعل”. 

وقبل عام تقريبًا تسبّبت حملات تحريضيّة مشابهة لما تعرّضت له حنان ولو بشكل أوسع، بإلغاء عروض مهرجان Cabriolet للأفلام في طرابلس والذي كان من المفترض أن يستضيفه “بيت الفنّ” (مركز العزم الثقافي) في إطار طرابلس عاصمة ثقافية، المهرجان عُرض في تسع قرى ومدن لبنانية، وألغي فقط في طرابلس حيث حرّضت ضدّه مجموعة من المدينة بحجّة أنّه يتضمّن أفلامًا تروّج لأجندات معيّنة وتتعارض مع قيم المدينة.  وأعلنت حينها جمعية العزم والسعادة الاجتماعية عن قرارها إيقاف المهرجان وذهبت أبعد من ذلك معلنة أنّها “كلّفت لجنة متخصصة من قبلها لتقييم هذه الأفلام” حرصًا “على خصوصية طرابلس وأهلها واحترامًا للقيم الدينية والاخلاقية” وقرّرت بناء على تقرير اللجنة التي أوصت بحذف عدد من الأفلام، إيقاف المهرجان.

هذه الحادثة تراها نادين علي ديب مؤسّسة “مرسح” في طرابلس، خير مثال على أنّ إحدى إشكاليّات حريّة التعبير والإبداع ولاسيّما في طرابلس تكمن في سيطرة العائلات السياسيّة على مفاتيح الثقافة ومراكزها وخطفها للمدينة، تمامًا كما في “البزنس”. وتعتبر ديب في حديث مع “المفكرة” أنّ القطاع الثقافي في طرابلس ولا سيّما في السنوات العشرين الأخيرة بات محصورًا  بشكل كبير بالعائلات السياسيّة وفي المقابل هناك ما يبدو وكأنّه تسليم من الجماعات الثقافية العاملة خارج إطار هذه العائلات بأنّه ليس من السهل خوض معركة ضدّ هذا الأمر وبالتالي تلافي خوضها أو تأجيلها. وتُشير نادين إلى أنّ “مرسح” يقدّم مسرحًا بلا رقابة ذاتية وهو كما فعاليات أخرى في المدينة استنكر العام الماضي إلغاء مهرجان Cabriolet وأصدر بيانًا يُطالب بـ “تحرير الثقافة من السياسة”، فترتّب على هذا الأمر حملات وتضييق كان آخرها حملة ضد “مرسح” ممن يُسمون “حراس المدينة” على إثر عرض فيلم وثائقي عن المذاهب الدينية في العراق. 

بالإضافة إلى “سيطرة السياسيين في المدينة على مفاتيح الثقافة”، تتحدّث نادين عن عوامل أخرى منها دور المعنيين في الدولة إذ تعتبر أنّ المجال الثقافي وفي أيّ مدينة في العالم لا يُمكن أن يقوم ويُحمى عبر مبادرات فرديّة مستقلّة: “فهناك حاجة لحماية الإنتاج المعرفي للمدينة، من قبل المعنيين” سائلة في هذا الإطار مثلًا عن شكل الدور الذي تؤدّيه الرابطة الثقافية في طرابلس التي كانت تستقبل المبدعين والفنانين، وعن إمكانية تعزيز جو ثقافي في ظلّ عدم وجود كليّة مسرح مثلًا في المدينة.

تُشدّد نادين على أنّ المشكلة ليست بالجمهور ولا بهؤلاء المحرّضين معتبرة أنّ رمي المسؤولية على الناس يُشبه تحميل المواطنين مسؤولية الأزمات كما تفعل السلطة، قائلة: “مشكلتنا مشكلة مؤسسات عليها أن تتحرّر من سلطة السياسيّين، وتقدّم مشهدًا ثقافيًا مختلفًا، لو كان هناك دولة وبلديّة لو كان هناك من يهتمّ بطرابلس لما كنّا رأينا لا “حراس المدينة” ولا غيرههم ينصّبون أنفسهم مراقبين على الثقافة والفن”.

وكما نادين تعتبر هبة زيباوي المديرة الفنيّة والمؤسّسة المُشاركة لسينما ومسرح إشبيليا في صيدا أنّ الحديث عن هؤلاء الأشخاص المحرّضين تحت حجج مختلفة، والذين لا نعرف إن كان حقًّا بالإمكان تسميتهم مجموعات، والحديث عن خلفياتهم ليس السؤال الأساسي عند الحديث عن واقع الفضاء الثقافي وحريّة الإبداع والتعبيرـ  فالسؤال الأهم ليس فقط في مدينة صيدا بل في كلّ المدن يدور حول القرار من المؤسّسات الرسميّة المعنيّة، فالكلّ معني من نواب المدينة والبلديات والمدارس والجامعات. إذ أن عمل هذه الجهات وغيرها في إطار سياسات ثقافية واضحة لجهة تعزيز حريّة التعبير والإبداع يُقلّل دور المحرّضين ولا سيّما مع تفعيل المُحاسبة إذ يجب أن يُحاسب كلّ من يُحرّض أو يُهدّد. وكما في طرابلس غالبًا ما نسمع عند الاعتراض على عمل فنّي في صيدا عبارة “خصوصيّة المدينة” الأمر الذي ترفضه زيباوي معتبرة أنّ صيدا مدينة للجميع ومفتوحة وتحتوي على نسيج ثقافي متنوع، وليست ذا طابع واحد.

وتقول هبة زيباوي لـ “المفكرة” إنّها تعمل في مجال الثقافة والفنّ منذ 7 سنوات على الأقلّ وتعرف أنّ من يأتي إلى إشبيليا هم من مختلف فئات المدينة، وأنّ المحرّضين الذين يثيرون البلبلة يعرفون حجمهم ونحن نعرف أنّهم في بعض الأحيان لا يكونون حتّى من نسيج أو فصيل واحد، لذلك ومن أجل حماية حريّة التعبير والإبداع نحتاج إلى تكاتف وعمل جاد بين العاملين في مجالات مختلفة ثقافية وحقوقية وإعلاميّة تربويّة وغيرها. وتقول: “أعمل منذ سنوات في صيدا، ونشاطاتنا متنوعة غنائية ومسرحية وسينمائيّة وورش عمل، ودائمًا ما تلقى هذه النشاطات رواجًا من أهل صيدا”. ونشير إلى أنّ مسرح إشبيليا هو المسرح الوحيد المستقل في مدينة صيدا أُعيد افتتاحه العام 2018 بعد عشر سنوات من إقفاله.

من جهتها، تعتبر إليان الراهب في حديثها مع “المفكرة” أنّ السؤال الأساسي لا بدّ أن يكون عن سبب إعطاء الأمن العام حقّ الرقابة على الأعمال وعن سبب عدم كون وزارة الثقافة هي الجهة التي من صلاحياتها إبداء الرأي بهذه الأعمال. إذ أن إعطاء هذا الحق للأمن العام يعني تعزيز فكرة الرقابة ومن جهاز أمني، مشيرة إلى أنّه حتّى في بعض الأحيان لا يعني إعطاء التصريح من الأمن العام عرض الفيلم تمامًا كما حصل مع المخرجة الراحلة رندة الشهال في فيلمها “طيارة من ورق”. فهذا الفيلم عُرض في العام 2003، إلّا أنّه عندما أرادت قناة “الجديد” عرضه بعد سبع سنوات اعترضت مجموعة من الشيوخ ومواطنين من الطائفة الدرزيّة فاضطرت “الجديد” إلى الامتناع عن العرض. ويُمكن هنا ذكر أيضًا فيلم “تنورة ماكسي” لجو بو عيد الذي تمّ سحبه من صالات السينما تحت ضغط رجال دين مسيحيين.

وتروي الراهب تجربتها مع الأمن العام في فيلم “ليالٍ بلا نوم” إذ تقول إنّها ولمدّة شهرين كانت تذهب إلى الأمن العام تُحاول الشرح لهم ما المقصود من عدد من الجمل والمشاهد والتي كان طُلب منها حذفها و”أنّ الفيلم لن يتسبّب بحرب أهليّة” لينتهي المطاف بها بإضافة ما يُشبه التنويه قبل عرض الفيلم يشرح المقصود من بعض الجمل، والتأكيد على أنّ الشخصيّات تمثّل نفسها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

حرية التعبير ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني