“
أطلقت مؤسسة قضايا المرأة المصرية حملة “جوازي ميمنعش حضانتي لأولادي”، والتي تهدف إلى تغيير الوضع القانوني والقضائي الحالي من إسقاط حضانة المرأة لأطفالها عند زواجها من آخر. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الأمر يدفع العديد من النساء إلى التخلي عن فكرة الزواج مرة ثانية خوفًا من إبعاد أولادهن عنهن؛ وهو الأمر الذي لا يعاني منه الأب حيث يمكن له الاحتفاظ بحضانة أطفاله إذا تزوج بأخرى. وبالتالي، يكرس الوضع القانوني والقضائي الحالي نوعا من عدم المساواة بين المرأة والرجل؛ ويزيد من حدّة المشاكل بينهما دون الالتفات إلى مصلحة الأطفال. وتجدر الإشارة إلى أن نسب الطلاق قد ارتفعت بشكل ملحوظ في 2015 حيث بلغت نسبة 10.8%[1] من المتزوجين، وبلغت نسبة النساء التي رفضت الزواج خوفًا من سقوط حقها في الحضانة 90%[2].
وتم في وقت سابق تقديم مقترحات لتعديل قانون الأحوال الشخصية، ولكن في إطار أكثر إجحافًا بالمرأة. فقد تقدمت إحدى نائبات مجلس النواب في 2016، بمشروع قانون لإضافة نص قانوني يسقط الحضانة عن الأم في حالة الزواج وينقل الحضانة مباشرة إلى الأب[3] بدلاً من أم الأم التي لها حق الحضانة بعد الأم وفقاً لنص المادة 20 من قانون الأحوال الشخصية[4]. وهو ما اعتبرته الكثير من المنظمات النسوية عقابًا للأمهات وتهديداً صريحاً لمصلحة الأطفال. وأخيراً في الشهر الماضي، تقدم حزب الوفد بمشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية داعيًا إلى ضرورة إجراء حوار مجتمعي حوله للتوصل إلى قانون يتفق مع الواقع خاصة، وأن القانون الحالي قديم للغاية وأصبح لا يلبي إحتياجات المجتمع المصري[5].
الفراغ التشريعي لتنظيم حضانة الأم
من الجدير بالذكر أن قانون الأحوال الشخصية لم يتناول شروط سقوط الحضانة عن الأم أو الأب أو أي شخص آخر. فالمادة 20 من القانون نصّت على السن الذي ينتهي عنده حق حضانة الأم لأطفالها؛ وتنظيم الرؤية وترتيب الحق في الحضانة. وتناولت المذكرة الإيضاحية المرفقة بالقانون العديد من أحكام الشرع فيما يخص الطلاق والنفقة وسن الحضانة لتفسير نصوص القانون؛ دون التطرق إلى أسباب سقوط الحضانة عن الأم أو غيرها. وبالتالي فتح الفراغ التشريعي في هذه النقطة الباب للسلطة التقديرية لقضاة الأحوال الشخصية، فأصبحت أحكامهم مصدراً من مصادر القواعد القانونية الناظمة للأحوال الشخصية. واستقرت الأحكام القضائية في دعاوى الحضانة على سقوط الحضانة عن الأم في حالة زواجها استنادًا إلى حديث نبوي “انتي أحق به إن لم تنكحي”[6]. وعليه، أصبح هذا الإرث القضائي مسلماً به ومستقراً عليه، ولم ينم إلى علمنا مخالفة أي محكمة من محاكم الأسرة لهذا الأمر. هذا بالإضافة إلى إسقاط الحضانة عن الجدة لابن ابنتها وهى المستحقة للحضانة بعد الأم، إذا كانت تقيم في البيت الذي تقيم فيه الأم مع زوجها الجديد[7].
يجدر الذكر هنا أن المحكمة الدستورية العليا في تفسيرها للمادة 2 من القانون المدني التي تنص على حق القاضي في اللجوء للشريعة الإسلامية في حال غياب النص القانوني، ذهبت المحكمة إلى أن الشريعة هي مصدر للتشريع وليس للأحكام؛ إلا في مسائل الأحوال الشخصية معتبرة أن الشريعة الإسلامية هي القانون العام الواجب التطبيق في هذا المجال[8]. وبالتالي، أعطت المحكمة للقاضي سلطة تقديرية واسعة في البحث في مواد الشريعة واللجوء إليها في حالة عدم توافر النص. وقد أدّى الفراغ التشريعي إلى لجوء القاضي للشريعة، فتم تكريس سقوط الحضانة عن الأم عند زواجها دون الأخذ بعين الاعتبار تطور المجتمع، واختلاف دور المرأة فيه؛ بالإضافة إلى مصلحة الطفل.
مصلحة الطفل الغائبة في مسائل الحضانة
بالإضافة إلى تكريس فلسفة عدم المساواة بين المرأة والرجل، كما أشرنا، فإن القانون الحالي تجاهل تمامًا مصلحة الطفل في ما يخص الحضانة والرؤية، وأصبح أداة بإمكان الرجل أو المرأة استخدامها بعد الطلاق بهدف الانتقام، احدهما من الآخر.
فسقوط الحضانة عن الأم عند زواجها، لا يستهدف بشكل مباشر مصلحة الطفل، على قدر ما هو تكريس لدور المرأة في المجتمع، وللنظرة المجتمعية لضرورة تفانيها في تربية أطفالها بعد الطلاق دون أن تفكر في نفسها. فاستهداف مصلحة الطفل يتطلب أن يقوم القاضي بمراجعة كل قضية على حدة، وتقدير مصلحة الطفل. ولكن تكريس أحكام القضاء على مدار سنوات لسقوط الحضانة بصورة أصبحت “اوتوماتيكية” عن الأم بعد زواجها، يدلل على تمسك القضاة بهذا المنطق، دون أية رغبة منهم في البحث عن سبل تطوير النص أو الإلتجاء لتطور المجتمع أو لمصلحة الطفل لتقرير عكس ذلك.
كما نلاحظ غياب التفكير في مصلحة الطفل عند الرجوع للنصوص الخاصة برؤية الأطفال. فالمادة 20 من قانون الأحوال الشخصية تنص على حق كلا من الأم والأب في رؤية الصغير، دون تنظيم إجراءات ذلك وترك الأمر للسلطة التقديرية للقاضي. وفي سنة 2000، صدر قرار من وزير العدل لتنظيم إجراءات تنفيذ أحكام الرؤية، ونص القرار على ألا تقل مدة الرؤية عن ثلاث ساعات في الأسبوع بين التاسعة صباحًا والسابعة مساءً[9]. ونشير هنا أن ثلاث ساعات أسبوعيًا هو وقت قليل لكي يقضيه الطفل مع أبيه أو أمه، ولا يؤسس لقيام نفسية سليمة للطفل. وبالتالي يتغاضى المُشرع مرة ثانية عن مصلحة الطفل.
ويبيح المُشرع في حالتي الحضانة والرؤية، استخدام الطفل من طرف الأم أو الأب للانتقام أحدهما من الآخر. فالاستقرار على سقوط حق الحضانة عن الأم عند زواجها بآخر، يبيح للأب استخدام الأطفال لمنع الأم من الزواج، بل في أحيان كثيرة، يقوم بعض الآباء ب “خطف” أبنائهم من الأم بمجرد علمهم إنها مقبلة على الزواج ثانية، وتُحرم من رؤية أطفالها. كما يقوم من له الحق بالحضانة، بمنع الطرف الآخر من رؤية أطفاله، مما يدفعه إلى اللجوء للمحكمة لتنظيم ذلك، وبالتالي، يصبح لديه الحق في تمضية عدد ساعات قليل مع طفله في الأسبوع في أوقات بعينها. وهي الأمور التي ينتهجها الطرفان بعد الطلاق لتصفية الخلافات أو الانتقام، دون العبء بمصلحة الطفل. ويأتي القانون والقاضي ليكرسا ذلك الأمر.
الخاتمة
مما لا شك فيه أن الدولة تتعامل مع ملف المرأة بسطحية تامة وبشكل غير جدي سواء من ناحية التشريعات المجحفة التي تحتاج إلى تغيرات جذرية تحمي وتكفل حقوق المرأة وتقضي على التمييز بينها وبين الرجل داخل المجتمع أو من جانب السماح بإستخدام خطاب إعلامي وديني يسيء وينتقص من كرامة المرأة وحقوقها.
وفي حين تدعي الدولة أمام المنظمات الدولية أنها تلتزم بالقضاء على التمييز ضد المرأة بتنفيذ بعض التوصيات المتعلقة بتلك القوانين التمييزية؛ إلا انه رغم أن قانون الأحوال الشخصية طرأت عليه بعض التعديلات منذ صدوره عام 1920؛ إلا أن المشاكل التي تبرزها النساء دائمًا لم يتم التطرق إليها. فلا يمكن الحديث عن المساواة في ظل الظلم الذى تتعرض له الأمهات في حياتها الخاصة وحرية اختيار حياتها المستقبلية، كما أن تعرض المرأة للظلم والتمييز في المجال الخاص يعيق مشاركتها بفاعلية في المجال العام. بالإضافة إلى أن تجاهل قانون الأحوال الشخصية وتطبيقاته لمصلحة الطفل، يؤدي إلى نشوء أطفال غير مستقرين نفسيًا، وينشؤون على التمييز ضد المرأة، مما يعيد إنتاج هذا التمييز لسنوات عديدة قادمة.
[2] راجع المرجع السابق – دراسة ميدانية أجرتها جمعية نهوض وتنمية المرأة في عام 2013 على 10 ألاف مطلقة ومطلق.
[4] تنص المادة 20 من قانون الأحوال الشخصية رقم 25 لسنة 1929 على (…… ويثبت الحق في الحضانة للأم ثم للمحارم من النساء، مقدمًا فيه من يلي من الأم على من يلي من الأب……).
[5] راجع جريدة اليوم السابع الإلكترونية 07/06/2018 أبو شقة: الوفد متمسك بحوار مجتمعي حول قانون الأحوال الشخصية.
[6] قال الرسول الله نقلًا عن عبد الله بن عمرو :”أن امرأة أتت رسول الله فقالت: يارسول الله إن ابني هذا كان في بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني فقال: أنت أحق به ما لم تنكحي”.
[7] حكم المحكمة الجزئية الشرعية رقم 391 لسنة 1928 بتاريخ 15/8/1929
[8] راجع منة عمر، “مبادئ الشريعة الإسلامية في المادة 2 من الدستور: صراع بشأن تفسيرها سعيًا إلى إغلاق أبواب الاجتهاد”، المفكرة القانونية، 28-8-2013.
[9] المادة 5 من القرار رقم 1087 لسنة 2000.
“