جوابا على تصريحات وزير العدل والحريات


2012-07-03    |   

جوابا على تصريحات وزير العدل والحريات

ذ. هشام العماري[1]
بتاريخ 5-5-2012، اتخذت الجمعية العمومية لنادي القضاة مقررات ببدء تدابير احتجاجية، أخذت أشكالا مختلفة (وضع شارات حمراء، تأخير جلسات المحاكم، ..). وقد أدى ذلك الى مزيد من التشنج والتباعد في العلاقة بين النادي ووزير العدل التي قاربت تصريحاته حد التهديد. أهمية المقال الذي ننشره هنا تكمن بالدرجة الأولى في الأسلوب المستخدم في مخاطبة وزير العدل (المحرر).   
طلع علينا السيد وزير العدل مؤخرا بتصريح ينتقد فيه التصعيد الخطير الذي أقدم عليه نادي قضاة المغرب منخلال تبنيه لأشكال احتجاجية دفاعا عن ملفه المطلبي. إلا أن الأمر لم يقتصر على الانتقاد وإنما نصب السيد الوزير نفسه رقيبا على القضاة بإعلانه أنه سوف يمارس صلاحياته كنائب لرئيس المجلس الأعلى للقضاء لإحالة القضاة الذين يرتكبون مخالفات مهنية على المجلس المذكور في إطار تحريك المساطر التأديبية في حقهم.
نقول لك السيد الوزير من حقك أن تمارس صلاحياتك القانونية طبقا للقانون. لكن ليس من حقك استعمال لغة التهديد والوعيد تجاه القضاة. أنت مخاطب بنصوص القانون تفعلها تلقائيا بما يمليه عليك ضمير هذه المؤسسة الدستورية التي أريد لها أن تسهر على ضمان استقلال القضاة، ولست مفوضا من أحد لاستعمال لغة الوعيد تهدد بها القضاة الذين يتبنون تصورا معينا للدفاع عن استقلال القضاء يختلف عن تصورك ومنظورك.
السيد الوزير، لا تنتظر من القضاة أن يكونوا نسخة طبق الأصل عنك. أو أن يصفقوا لكل جملة نطقت بها. ولا تنتظر منهم الحصول على إذن منك أو رخصة تحدد لهم ما يجوز وما لا يجوز قوله أو فعله. فالأمر أكبر من ذلك بكثير. والمرحلة مرحلة مفصلية تشهد مخاض ميلاد سلطة قضائية حقيقية فلا تحاول إجهاضها لأن إرادة القضاة قوية، ولن يقف في وجهها شيء.كنا ننتظر أن تفتح نقاشا جادا حقيقيا ومسؤولا مع نادي قضاة المغرب لمعالجة مطالب القضاة، في إطار التعاون بين السلط، فإذا بك تفضل الحل الأكثر تعقيدا وتكلفة. ففضلتم رفع عصا التهديد بالمتابعات التأديبية بدل فتح باب الحوار والتفاهم. ونحن نذكرك في هذا المجال بأن المتابعات التأديبية وجدت لمعاقبة المنحرفين والفاسدين في جسم القضاء وتقويمهم، لا لتهديد القضاة المدافعين عن استقلالهم وكرامتهم.
السيد الوزير، لا أحتاج إلى تذكيركم بأن الدستور الجديد قد حذفكم من تشكيلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهي إشارة دستورية دالة وقوية في اتجاه تكريس استقلال هذه المؤسسة عن السلطة التنفيذية، وتعزيز الآلية الديموقراطية والتشاركية عبر ضمان انتخاب القضاة لممثليهم، واعتماد تمثيلية شخصيات من المجتمع المدني مشهود لها بالكفاءة والدفاع عن استقلال القضاء. وهذه الغاية الدستورية لن تتحقق إلا بالإيمان العميق بمبدأ عدم التدخل في شؤون القضاة إلا بالشكل الذي لا يؤثر في حيادهم و استقلالهم النفسي و المعنوي والمادي والوظيفي.
إن روح الدستور تتجه إلى دعم استقلالية القضاة وضمان حقهم في التعبير بعد أن كان هذا الحق محل تضييق ومصادرة. لذا من الضروري التعجيل بتشكيل المجلس الأعلى للسلطة القضائية لوضع تقييم شامل لوضعية القضاء والقضاة بالمملكة. وإلى ذلك الحين يفترض أن يقتصر دور المجلس الأعلى الحالي على تصريف الأشغال العادية والإدارية باعتباره يسير فترة انتقالية مؤقتة فقط. فلا يمكن أن نستمر بالعمل داخل مجلس مؤقت كما لو أنه الوضع الطبيعي في حين أن الدستور الجديد أسس مجلسا آخر يختلف عليه سواء من حيث التشكيلة أو من حيث الوظائف الإضافية أو من حيث فلسفة ومنطق الاشتغال. وإلى ذلكم الحين أدعوك السيد الوزير إلى فتح باب الحوار وسد باب التعليمات. وشكرا على حسن تفهمك .
 



[1] عضو المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب.

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، مقالات ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني