نفذت حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي" اعتصاما لها نهار الاربعاء 4/11/2015، في ساحة رياض الصلح وذلك للمطالبة بإدراج مشروع قانون إعطاء المرأة اللبنانية الجنسية لأولادها كبند للمناقشة على جدول أعمال الجلسة التشريعية المقبلةلمجلس النواب. ويأتي هذا التحرك رداً على إدراج مشروع قانون استعادة الجنسية للمتحدرين من أصول لبنانية وذلك استجابة لتوقيع نواب حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر على مشروع قانون معجل مكرر لإستعادة الجنسية اللبنانية للمغتربين كترجمة لوثيقة "إعلان النيات".
ثلاثون عاماً مرت على مطالبة المرأة اللبنانية بحقها بإعطاء الجنسية لأولادها. كما مضت نحو اثني عشر عاماً على تحركات حملة "جنسيتي حق لي ولاسرتي" ومع ذلك لم تلق صرخات النساء آذاناّ صاغية. فالسلطة السياسية كانت تبرر رفضها بحجة المساس بالتوازن الديموغرافي والطائفي في البلد. واليوم يأتي المشروع المقترح من قبل "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" من نفس البوابة الطائفية لا بل يأخذ طابعاً عنصرياً أيضاً حيث يحدد إعطاء الجنسية للمتحدرين المغتربين الذكور حصراً دون الإناث.
عند الساعة الحادية عشر، بدأت النساء والأطفال بالتوافد الى ساحة رياض الصلح رافعين شعارات تعبر عن رفضهن التام لكل أشكال التمييز والاستنسابية في إعطاء الحقوق. فالمرأة اللبنانية المقيمة في لبنان لها الأولوية في منح أبنائها للجنسية. ومن الشعارات المرفوعة، "ليش بتروح لبعيد حقي بالجنسية قديم مش جديد"، "أمي لبنانية الأصل مش متحدرة الاصل"،"بحجة التوازن الطائفي تحرم الام اللبنانية حقها وباسم التوازن الطائفي تمنح الجنسية لغيرها"،"قبل ما تعمل هالفصل أعطيها للأم اللبنانية الأصل"، "اعطوا الجنسية للي بالغربةونحن بلبنان حطونا بالتربة"، "الجنسية مش أوراق ثبوتية الجنسية تربية وطنية"، الام اللبنانية الها الاولوية".
وفي حديثٍ الى "المفكرة القانونية" اختصرت منسقة حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي" الأستاذة كريمة شبو أهداف الإعتصام وقالت: "ان تحركنا اليوم هو رداً ما قام به الأسبوع الماضي كلاً من "التيار الوطني الحر" و"حزب القوات اللبنانية" من التوقيع على مشروع إعطاء الجنسية اللبنانية للمتحدرين الذكور فقط دون النساء. وتم وضع المشروع على جدول أعمال الجلسة التشريعية لمجلس النواب. كما قالوا إنه من واجب الجميع الاجتماع لأن هذا الحق هو أولوية. بينما بالنسبة لنا فإن الموجودين اليوم من السيدات اللبنانيات المواطنات بالدرجة الأولى لديهن الأولوية في الحصول على الحق بمنح أطفالهن الجنسية قبل أي مشروع آخر".
وقد القت رئيسة جمعية "المرأة العاملة" إقبال دوغان كلمة جاء فيها: "من هم هؤلاء السياسيون الذين يقومون بالتمديد لأنفسهم ويعتبرون أن هذا حق لهم؟ ونحن منذ ثلاثين عاماً ومنذ 12 عاما في هذه الحملة، نطالب بالمساواة حسب الدستور. كانت حجتهم في البداية الإختلاف في الديموغرافيا والتوزيع الطائفي. وللأسف وجدنا أنهم حتى في القانون الذي تقدموا به لاسترجاع الجنسية للمتحدرين يحرمون المرأة اللبنانية المغتربة من حقها في إعطاء الجنسية لأولادها. هذا الامر يدلّ على عقليتهم الذكورية الموجهة ضد المرأة اللبنانية".
"من هو الأحق بنيل الجنسية؟ الذي ولد وتربى وعاش خارج لبنان؟ أم إبنتي التي ولدت وعاشت وماتت ودفنت في لبنان دون ان أعطيها حقي بالجنسية فيما من حقها الحصول على شهادة وفاة لبنانية؟" هو سؤال فيه الكثير من اللوعة والمرارة توجهت به عضو الهيئة التنسيقية لحملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي" مريم غزال الى نواب الأمة والرأي العام في آن. فقد اكدت في كلمة ألقتها باسم جميع النساء المعنيات في الحملة: "نحن لسنا ضد اعطاء الجنسية للمغتربين انما نحن نعترض على "المعجل المكرر". لأننا نحن الأصل وبقينا الأصل وسنبقى الأصل ونحن "اللي من هون ورح نبقى هون".وسألت السلطة التشريعية: "كيف تريدون أن تشرعوا أي قانون قبل إعطاء الأم اللبنانية حقها. فبحجة الطائفية حرمتم اولادنا من الجنسية وبسبب الطائفية تبحثون في الخارج لإعطاء الجنسية. اين العدل قبل ان توزعوا الهوية لنتعلم الوطنية والعدالة الاجتماعية؟".
تقف هدى ابنة التسع سنوات الى جانب أختها الصغيرة منى البالغة من العمر خمس سنوات بابتسامة تزين وجنتيها. هي على صغر سنها تعرف لماذا تقف في الساحة الى جانب باقي الناس. تسألها فترد بكل ثقة:"جايي آخذ الجنسية". تسألها لماذا تريدين الجنسية فتجيب بثقة: "لأني خلقت بلبنان هيدا حقي".
معاناة النساء اللواتي تزوجن من أجانب لا تقف عند حدود حرمانهن من اعطاء أبناءهن الجنسية اللبنانية. بل تكمن أحياناً في عدم حصول الأولاد على أي هوية أخرى مما يجعلهم من "مكتومي القيد". وهذه المعاناة تعيشها ماجدة مع أولادها منذ نحو التسع سنوات وعن ذلك تقول: "أولادي من "مكتومي القيد" هم لبنانيون والجنسية حق لهم وهم بحاجة لهذه الهوية لأنه من دونها ليس لديهم مستقبل".
وعن معاناتها معهم تتابع قائلة:" أعمار اولادي 8 و7 سنوات وقد لجأت الى "الواسطة" لأدخلهم الى المدرسة لأنها لم تقبل بداية بتسجيلهم فالمرء دون هوية "مثل سيارة التاكسي بلا نمرة". وعندما يكبرون سيواجهون حواجز الجيش والدرك وطبعا سيكونون عرضة للتوقيف في اية لحظة وسنحتاج الى مئة واسطة لاخراجهم. لدى ابني طموح كبير في ان يعمل بالتجارة والمحاسبة فمن سيقبل به؟".
وردا على مشروع القوات والتيار قالت:" نحن لا نرضى بهذا المشروع فنحن أولاد البلد وأساس البلد ولا أقبل أن يتم إعطاء الجنسية لمن هو في الخارج قبل أولادي. القصة هي مثل الذي يقوم بطبخة فيطعم أولاد الجيران قبل أن يطعم أولاده. نحن لدينا الحق أولاً. حتى أولادي عندما يكبرون لن يتمكنوا من السفر الى الخارج. نحن "عايشين ميتين في هذا البلد" وما تقوم به الدولة الللبنانية بمنتهى الأنانية وهو عمل قوامه الطائفية".
مضى على معاناة حّلوم ريما خمس وعشرون عاماً. هو عمر ابنه البكر، هي التي تشارك في كل تحرك مطلبي. "جئت الى هنا من أجل أولادي. لدي ولدان، الأول يبلغ الـ 25 والثاني 21، وهما لا يملكان الجنسية فيما انهما أحق بها من الغريب. أولادي محرومون من التعليم ومن كل شيء. فإلى متى ستستمر معاناة الأم اللبنانية التي تنظر الى أولادها فتجدهم محرومون من كل شيء؟".
مثل أية موظفة في دائرة رسمية، تتمتع كوثر زهرمان بنعمة "الضمان الاجتماعي" الذي يؤمّن لها الاستشفاء. وكان بإمكانها أن تمنح أولادها فرصة الانتساب الى صندوق الضمان الاجتماعي لو استطاعت منحهم الجنسية اللبنانية. تتحدث كوثر عن معاناتها: "لقد أجريت عملية "فتاق" لإبني كلفتني مليون ونص ليرة. رفضوا ادخاله الى المستشفى قبل تأمين المبلغ. لو كان ابني لبناني لكنت تمكنت من أن أضمنه فأنا موظفة دولة. او كنت ادخلته على حساب وزارة الصحة ولكن لا يمكنني ذلك لأن أولادي لا يملكون الجنسية فوالدهم سوري". ثم تسأل بغضب: "ولكن ما معنى هذا؟ يحق لنا كأمهات لبنانيات ان نعطي الجنسية لأولادنا لأن أولادنا ولدوا في لبنان وعاشوا في لبنان وسوف يموتون فيه. نرفض المشروع الرامي الى إعطاء الجنسية للمغتربين قبل إعطائها لأولاد النساء المحرومين منها في لبنان. الا يريدون أصوات انتخابية؟ فليبادروا من أجل الموجودين هنا وليفكروا بعدها بالموجودين خارج لبنان".