"سألت لين وماذا تعني كلمة قضية يا ليلى؟"
أجابت ليلى:"أظن أنها تعني مشكلة تعاني منها عائلاتنا.أمي تتكلم كثيراً عن الجنسية".
سارعت جوانا بالقول:"وما هي الجنسية؟"
ردّ ينال:"أظن أنها ورقة يكتب عليها إلى أي بلد ينتمي".(..)
قالت ليلى بحماس:"إذاً الجنسية هي الأفضل. لدي فكرة! ما رأيكم وما رأيكن أن نساعد أهلنا ونريحهم بكتابة أوراق الجنسية بأنفسنا؟"
هذا مقطع مجتزأ من كتيّب بعنوان "جنسيتي بأقلام الصغار" من تأليف الصحافية والمناضلة في قضايا المرأة هند عطوي، قامت "مجموعة بسمة الدولية للمساعدة الانسانية"، بإطلاقه، بتاريخ 17/11/2017 بالتعاون مع "مركز الالتزام المدني وخدمة المجتمع" في "الجامعة الأميركية في بيروت"، خلال ندوة متخصصة بعنوان "رحلة العمر إلى الجنسية"، وذلك بمناسبة "اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المراة" وتكريماً للمناضلة هند عطوي، في قاعة الوست -هول في الـجامعة.
وقد حاولت عطوي في هذا الكتيّب، أن تطرح أبرز القضايا الشائكة التي في صلب نضال المرأة اللبنانية، ألا وهي "الحق في إعطاء الجنسية لأولادها". لكن عطوي في كتيبها الصغير لم تدع للمرأة مجالاً في قول كلمتها والدفاع عن حقها في إختيار من تحبّ مهما تكن جنسيته والثمن الذي دفعته نتيجة لخيارها. بل تركت صفحاتها لأطفال ولدوا في هذا البلد، وترعرعوا في أرجاءه دون أن يعرفوا ماذا تعنيه الجنسية.
فالأطفال هم المتضررون الأوائل من حرمان المرأة لهذا الحق وهم آخر من يدرك حجم الضرر عندما تسلب منهم حقوقهم المدنية كافة ثمناُ لخيارات أهلهم. ماذا تعني الجنسية، أو الفيزا أو الإقامة بالنسبة لطفل؟ مبدئياً لا شيء. ولكن هند في كتيّبها تصحبنا إلى عالم الأطفال لنجالسهم في حواراتهم ونطلع على هواجسهم وأسئلتهم. فنراهم يسعون، على الرغم من ضيق مساحة إداركهم، إلى فهم المعاني التي تقض مضجع أهاليهم، وتفرق بينهم وبين أبناء أقاربهم لناحية أمهاتم. لتنتهي القصة الصغيرة بحلمٍ كبيرٍ يضعونه نصب أعينهم، حلم ناضلت من أجله المرأة اللبنانية لسنوات وسنوات وإلى الآن لم يصبح حقيقة، ألا وهو حلم الجنسية.
وقد ألقت المديرة العامة لمجموعة "بسمة" غولشان صغلام كلمة بالمناسبة ذكّرت خلالها بقضايا المرأة التي تهتم بها جمعيتها. واعتبرت صغلام أن كتيّب "جنسيتي بأقلام الصغار" هو بمثابة "الحلم الذي نتمسك به جميعاً، وتتمسك به مجموعة بسمة لتكمل المسيرة. وايماننا كبير بأن موضوع منح المرأة جنسيتها لأسرتها يقودنا نحو المساواة التي كرستها المواثيق الدولية".
وأضافت بأن "الأطفال هم المتضررون بشكل مباشر من حرمانهم الحصول على الجنسية من والدتهم. وهذا له تداعيات على كل الأصعدة الخاصة بمستقبلهم من تعليم وطبابة وحقوق مدنية من حقهم الحصول عليها". ولفتت إلى أنه "على الرغم من قسوة الظروف والوضع الصحي الذي ألمّ بها، ها هي هند عطوي بيننا، تناضل لتمنح الأم اللبنانية حقها حتى الرمق الأخير".
القاضي قزي: قوانين عمرها مئة سنة…ألم تهرم؟
كما كانت مداخلة للقاضي جون قزي (والذي اشتهر في وقوفه إلى جانب قضايا المرأة). فكانت مداخلته أشبه بمرافعة خلال المحكمة تولى فيها مهمة المحامي المدافع عن المرأة، من ثم طالب الحضور بإنصافها. وقال: "منذ 34 سنة توفيت أمي وحرمت من أن أقدم دفتر علاماتي لها. عندما اجتمعت مع هند وقرأت لها ما كتبته في مقدمة الكتاب، كنت أدمع لسببين: الأول أنني شعرت بأنني تمكنت من أن أوصل جزء يسير من الشيء الكبير الذي قدمته وشهدت شهادة حق. والثاني أنني تذكرت والدتي وقلت انني أقدم لها دفتر علامات جديدة".
ثم أشار إلى انه تمنى لو أضاف إلى عنوان كتابه "رحلة العمر إلى الجنسية" تعبير "بين الذل والظل" معتبراً أن"كل انسان يحرم من حقه أو يسلب حقه منه هو مذلول". أما تعبير "الظل" فبرره بمقولة أن "المرأة هي ظل الرجل" وقال "تصوروا أنها لا يمكن ان تقوم بشيء من دونه".
قزيّ هاجم القوانين التي لا زالت تستخدم رغم مرور مئات السنين عليها. وسأل: "اذا كان المرء عمره 80 سنة ويريد أن يوّقع ورقة لدى كاتب العدل، لا يمكنه ذلك دون أن يكون لديه ورقة من طبيب بأنه يتمتع بالادراك وبالعقل السليم. فكيف بقوانين عمرها 80 و90 و100 سنة ألم تهرم؟".
ولفت إلى أن قانون الجنسية قد صدر بتاريخ 19/1/1925 أي منذ 90 سنة. ولا نزال نطبقه وهو يتألف من 13 مادة تنصّ الأخيرة منها على أنه "على السكرتير العام وحاكم لبنان الكبير، كل فيما خص به تنفيذ هذا القرار الذي يبدأ العمل به منذ تاريخ اذاعته في النشرة الرسمية لأعمال المفوضية العليا". وقد علّق: "نحن نطبقه لليوم، فمن هو سكرتير لبنان الكبير الآن؟"
ثم انتقل إلى المادة الاولى من قانون الجنسية والتي تنص على أنه "يعد لبنانياً كل شخص مولود من أب لبناني"، وعلّق يشددون على "الأب من أجل رابطة الدم". وفي محاولة لتأكيد أي رابط أقوى توجه بسؤال إلى الرجال الموجودين في القاعة "هناك نحو 25 رجل هنا في القاعة من منهم يضمن 100 % بأن أولاده هم حقاً أولاده؟" لحظات صمت سادت في محاولة لمعرفة إلى ما يرمي بسؤاله. ثم أتبع بتعليق "لكن الخمسين او الستين سيدة هنا يضمنون ذلك، اذاً من يملك الرابط الأقوى؟". وعندما أدرك الحضور مآربه من السؤال علا التصفيق في القاعة.
وتابع قزي محاولاً إبراز الثغرات والتناقض في نص القانون، وقال:"في المادة الاولى يحق للأب أن يعطي الجنسية، لو تزوج أي إمرأة ولو أينما كان. بينما الأم التي تعيش في لبنان وتنجب اولادها فيه علينا أن نضع لها عنصراً يراقب لها دقات قلبها. فـممنوع ان يدق قلبك لأجنبي، بل فقط للبناني. فيما الفقرة الثانية والثالثة تنصان على أنه يحصل على الجنسية "كل شخص مولود في لبنان ولم يثبت انه اكتسب بالبنوة عند الولادة تابعية اجنبية". وكل شخص يولد في اراضي لبنان من والدين مجهولين او والدين مجهولي التابعية. أي نحن نفضل الا يكون معروف نسبه لنعطيه الجنسية لكن اذا كانت أمّه لبنانية لا نعطيه الجنسية".
وأضاف: "المادة الثانية تقول أنه إذا كانت هناك علاقة غير شرعية واعترفت بها الأم اللبنانية عندها تعطي الجنسية لأولادها. يعني بالعلاقة الشرعية لا تعطي الجنسية ولكن بالعلاقة غير الشرعية تعطيه الجنسية". ثم سأل الحضور" أنا أستصرخ ضمير كل واحد منكم، كيف يمكن أن اتعامل مع هكذا نص؟"
ثمّ أردف قائلاً: "نحن نقول ظلم في "السوية عدل في الرعية". لا يمكن أن نعطي هذا الحق للرجل ونحرمه من المرأة. فإما يحرم الإثنين من هذا الحق او يعطى لهما. لكن لا شيء يبرر أن يُعطى للرجل اللبناني هذا الحق. في المقابل نجده يقوم بزواج صوري marriage blanc مع احدى الفنانات الأجنبيات ليعطيها الجنسية، كي يعفيها من إجراءات الأمن العام والاوراق الرسمية واجازة العمل وغيرها من الأمور مقابل حصوله على نصف مدخولها لمدة سنة ونصف دون أن يقول له أحدٌ شيئاً. وعندما تأتي الأم اللبنانية تصبح كل أزمة الأمن القومي متعلقة فيها". وختم متوجهاً إلى هند عطوي بالكلام معتبراً ان "عنوان اللقاء هو "الوفاء" وانه من اجتمعوا في هذه المناسبة أرادوا "أن يردّوا لها جزءاً مما أعطته".
وتلا مداخلة القاضي جون قزي عرض فيديو يتضمّن صور تجسد مشوار المناضلة هند عطوي وسرد بعض من سيرتها. ثم ختاماً تم تقديم الدروع التكريمية إلى كل من عطوي (التي تغيّبت بداعي المرض) والقاضي قزي.