“
بتاريخ 9 نيسان 2019 عقدت جلسة جديدة من محاكمة علي الزين، المتهم بقتل زوجته سارة الأمين، أمام محكمة الجنايات في بعبدا، برئاسة القاضي إيلي الحلو. خلال الجلسة، تمّ الإستماع إلى شهادة الطبيب النفسي يوسف فارس الذي كان وكيل المتهم طلب شهادته، بهدف إظهار أن موكله يعاني من إضطرابات نفسية. وكان المتهم قد ادّعى أنه لم يسمع صوت الرصاص “من فورة أعصابه”، وطلب وكيله طبيباً نفسياً لمعاينته. إلاّ أن شهادة الطبيب النفسي لن تأتِ لمصلحة المتهم، فقد قال أن”المتهم كان يعاني من التشنجات العضلية في ظهره ورقبته ومن الـstress” فقط لا غير. كما أنه لفت إلى أن المتهم زاره مرتين فقط ، في المرة الأولى كان وحده وفي الثانية كان برفقة زوجته (لم يحدد أي زوجة).
وقد انتهت الجلسة بتحديد تاريخ 18/6/2019 موعداً للمرافعة تمهيداً لإعلان الحكم في قضية مقتل سارة الأمين، التي تعد واحدة من أبرز جرائم العنف الأسري الحاصلة خلال السنوات الماضية والتي هزت الرأي العام سيما وأن سارة قد قضت، بعدما أطلق عليها زوجها الزين 17 رصاصة دون أي شفقة أو رحمة وفي حضور ابنها.
تفاصيل الجلسة
قرابة الساعة الواحدة والنصف، وصل محمد الزين ابن سارة الأمين برفقة جده والمحامي قاسم الضيقة من مكتب المحامي أشرف الموسوي. وجلست العائلة على مقاعد الحضور، فيما توجه المحامي إلى المقاعد المخصصة للمحامين، بانتظار أن ينادي القاضي على أطراف الدعوى. وكان المتهم قد أحضر قبل وقت إلى قفص الاتهام وجلس إلى جانب موقوفين آخرين يخضعون لمحاكمات شتى. في البداية، كان علي الزين يسترق النظر إلى الجالسين في مقاعد الحضور ولكن عندما دخل ابنه محمد أخذ المتهم وضعية “الصنم” فبات ينظر طوال الوقت إلى الامام وحسب. أما محمد فلم يحاول حتى سرقة النظر إلى والده، فعلي الزين بات غريمه الذي سلبه أمه لا أكثر ولا أقل. وفي انتظار أن يحين الوقت كان ينظر إلى باقي الموقوفين، يضحك لدى حصول مواقف طريفة، ويسأل عن القاضي إن كان هو نفسه أم تغير.
قرابة الساعة الثانية من بعد الظهر، استدعى القاضي أطراف الدعوى فمثل المتهم علي الزين مخفوراً دون قيد في حضور وكيله المحامي بطرس سكر، فيما ذكّر القاضي بأن الجلسة مخصصة للاستماع إلى شهادة طبيب الأعصاب يوسف فارس الذي دخل القاعة بكل هدوء. حلف اليمين بأن يقول الحق ولا شيء سواه ثم أجاب على الأسئلة التي وجهت إليه بكل تجرد.
وأقر طبيب الأعصاب أنه عالج المتهم علي الزين “من آلام في الظهر والرقبة والـstress. ورداً على سؤال عن أسباب هذا الـstress فرد بأنه لا يذكر السبب مؤكداً أن المتهم “لم يكن عصبياً”، وأنه وصف له نوعين من الأدوية وهي الـcitoles والـmagnesium . ورداً على سؤال وكيل الجهة المدعية لفت الطبيب إلى أن”أسباب الـstress غير محددة فهو حضر مرتين واحدة كان لوحده وأخرى مع زوجته فقط “. ولم يدلِ طبيب الأعصاب بأي شي يظهر بأن المتهم يعاني من إضطراب نفسي قد يبرر له الجريمة التي ارتكبها.
وبعدما انتهت الأسئلة الموجهة إلى الطبيب، لفت القاضي إيلي الحلو بأن شهادة الأخصائي في الطب النفسي أنطوان سعد موجودة من قبل ولا داعٍ للاستماع إليه مرة جديدة، فاستمهل المحاميان للمرافعة.
لكن قبل أن يحدد القاضي موعد الجلسة المقبلة، طلب المحامي بطرس سكر الكلمة، فقال أن”الإعلام يشوّه القضاء”..و”يتطاول عليه، لأنه ممسوك من أعداء الوطن”، وطلب الإذن بعرض إحدى الحلقات التلفزيونية التي أطلت فيها عائلة سارة الأمين.
لكن القاضي إيلي الحلو رفض طلبه لكنه قال وقد ارتفعت نبرة صوته: “أنا ضد تداول الملف بالإعلام وإذا حصل هذا الأمر سوف نأخذ قراراً بعدم التداول بالملف نهائياً”. وأضاف: “لا طوني ولا جو معلوف ولا الله، نحن نحاكم عاجبكن أهلاً وسهلاً”. وتابع: “يقولون لي أن أحمد الحريري يتدخل في هذا القضية وأنا أقول لا أحمد الحريري ولا أحد يتدخل في هذا الملف”. ثم أرجئت الجلسة إلى تاريخ 18/6/2019.
وفي حديث “للمفكرة” مع المحامي قاسم الضيقة حول مجريات الجلسة، قال: “لقد قال الطبيب الذي تم استدعاؤه للشهادة، أن “علي” يعاني من تشنجات ولم يذكر أن لديه اضطرابات نفسية، ولا شيء يثبت بحالته أن لديه مشكلة. شهادة الطبيب كانت ضد المتهم رغم أن وكيل هذا الأخير هو الذي طلب، لكن الطبيب يبدو “آدمي” وقد أعطى شهادته بكل تجرد”.
وأكد أن مطلب الادعاء سيكون في الجلسة المقبلة “الإعدام” وقال:”هذا ما يريده أهل سارة الأمين ولا يقبلون بأقل من ذلك”. وتعليقاً على اتهام عائلة سارة باللجوء إلى إلاعلام قال: “إن عائلة سارة لا تلجأ الى الإعلام كما تم اتهامها وإنما الاعلام هو من يتواصل معهم. فجريمة بهذه الحجم تستدعي اهتمام الإعلام انطلاقاً من مهمته الرقابية في قضية باتت تشكل رأيا عاما”.
بانتظار الجلسة: ازدحام وضجيج ودخان
قرابة الساعة الحادية عشرة من قبل الظهر، فتحت قاعة محكمة الجنايات أبوابها لاستقبال أهالي الموقوفين في الدعاوى التي ستنظر بها المحكمة. أول ما يلفت النظر في هذه القاعة هو ضيقها تبعاً لعدد الدعاوى. ويؤدي هذا الأمر إلى إزدحام شديد، غالبا ما يضطر معه عناصر القوى الأمنية إلى الصراخ بين الحين والآخر طلباً للهدوء. ويجري التشديد على مسألتين: إطفاء أجهزة الهاتف وعدم ثني الأرجل فوق بعضها البعض احترام لهيبة المحكمة. يدخل الموقوفون الى قفص الاتهام وما هي إلاّ دقائق حتى يبدأ بعضهم بإشعال السجائر في القاعة فيتصاعد الدخان إلى الأعلى ويمرّ أمام ورقة عالقة على الجدار كتب عليها “ممنوع التدخين تحت طائلة الملاحقة القانونية وغرامة 135 الف ليرة التوقيع الرئيس الأول”، فيما رائحة الدخان مجبولة بروائح العرق والأنفاس المتصاعدة تجعل الجو مخنوقاً على نحو لا يطاق. وبالطبع، يقدم الموقوفون على التدخين بعلم العناصر الأمنية المتواجدة في القاعة طبعاً والذين يطلبون من الموقوفين التوقف عن التدخين فور سماعهم عن وصول القاضي إلى القاعة.
قرابة الساعة الحادية عشرة والنصف، بدأت جلسات المحكمة برئاسة القاضي الحلو، الذي على الرغم من بشاشة وجهه أثناء الحديث إلاّ أن هناك بعض الأمور التي قد تحجب ابتسامته وتشرع الأبواب لنقيضها. وأهم هذه الأمور، “العجقة” والحديث ضمن القاعة وأمام بابها فتراه بين الحين والآخر يسأل “من يتكلم” ويطلب من العناصر الأمنية إبعاد الناس من أمام الباب دون استثناء. ولعل حرصه على الهدوء متأتٍ من رغبته بأن تكون الجلسات علنية فعلاً وليس قولاً في ظل غياب كل التجهيزات التقنية التي تؤمن حسن الاستماع بينه وبين المتقاضين وبالتالي السماح للحضور بمعرفة مجريات الجلسة.
ليست المشاكل التقنية وحدها ما يعرقل حسن سير الجلسات، والتواصل بين القاضي والموقوفين إذ تظهر أيضاً مشكلة اللغات. فخلال الجلسة الأخيرة كان الموقوف من الجنسية البنغلاديشية، ولكن سفارة بنغلادش لم ترسل مترجماً إلى المحكمة وهنا سأل القاضي الموقوف إذا كان يريد مترجماً فرد الأخير بالنفي، فيما أبدى القاضي الحلو حرصاً شديداً على أن يكون الموقوف على دراية تامة بما يسأل وعلى ماذا يجيب.
مشكلة أخرى ظهرت وهي عدم سوق المتهمين، وقد صودف أيضاً سوق عدد من المتهمين في إحدى القضايا فيما لم يتم سوق متهم فيها، الأمر الذي أثار حفيظة المتهمين الذين طالت مدة توقيفهم نتيجة التأجيل فكان رد االقاضي بأنه متمسك بالسير بالمحاكمات وطلب من الموقوفين “تقديم شكوى بقوى الأمن” إذا كانوا يرون أن المسؤولية تقع عليهم.
وأثناء سير المحاكمات، أشعل أحد الموقوفين السيجارة حتى وصلت الرائحة إلى القاضي. فسأل “من يدخن؟” فرد الموقوف بكل هدوء رأيت غيري يدخن فافتكرت أن التدخين مسموح، فاعترض أحد عناصر الدرك على كلامه فرد أحد المحامين مؤيدا كلام الموقوف، الأمر الذي أربك الجو فكرر القاضي أنه ممنوع التدخين.
قضية أخرى خلقت جواً من الإرباك داخل القاعة. حصل ذلك في قضية اتهم فيها أب مع أبنائه وكانوا نحو ثمانية أشخاص. وفور انتهاء الاستجواب، أعلمهم القاضي أنه سيصار إلى توقيفهم ريثما يصدر الحكم الشهر المقبل. إلاّ أن الابناء طلبوا إخلاء سبيل والدهم، لأنهم متزوجون ويحتاجون أن يكون والدهم في المنزل إلى جانب زوجاتهم. إلا أن القاضي رفض الأمر عملاً بأحكام القانون، فبدأوا بالصراخ وأحدثوا جلبة كبيرة داخل القاعة. فما كان من القاضي إلاّ أن خاطبهم قائلاً:”غيروا القانون وأنا أنفّذ، بكرا قولوا لنوابكن لما تروحوا تنتخبوهن هالحكي، لأن هيدا القانون عملو نوابكن”.
مقالات ذات صلة:
إبن سارة الأمين أمام المحكمة: “أنا شاهدت أبي يقتل أمي”
ذوو سارة الأمين يعرضون تعبهم أمام جنايات بعبدا: تأخّر المحاكمة يدمرنا
قضية مقتل سارة الأمين: الدفاع يطلب تقييماً نفسياً لزوجها المتهم بقتلها
3 سنوات بعد مقتل “سارة الأمين” على يد زوجها: والدة سارة تواجه قاتلها بسؤال واحد “لماذا؟”
17 رصاصة استقرت في جسد سارة الأمين ملف العنف الأسري يعيد النساء الى الشارع
“