جمعية القضاة التونسيين تسأل عن المناصرة الحقوقية في حماية استقلالية القضاء


2022-05-18    |   

جمعية القضاة التونسيين تسأل عن المناصرة الحقوقية في حماية استقلالية القضاء

خلال المدة الفاصلة بين 07 و10 ماي 2022، استضافت جمعية القضاة التونسيين الاجتماع الدوري السنوي للمجموعة الافريقية للاتحاد العالمي للقضاة في خطوة عكست تمسّكها بالانتماء لهذه المنظمة القضائية وبيّنت اهتمام الاتحاد بتعزيز دوره في الدفاع عن استقلالية القضاء التونسي. وكان الاتّحاد أصدر بتاريخ 11-02-2022 بيانا أدان حلّ رئيس الجمهورية قيس سعيّد للمجلس الأعلى للقضاء وتنصيبه مجلسا بديلا له لا يتمتع بشروط الاستقلالية وقد تمّ تبليغ المقرّر الخاصّ لاستقلال القضاء والمحاماة لدى الأمم المتحدة في سياق تعهيد له بالملفّ. وفي إطار هذا الاجتماع، عقدتْ جمعية القضاة التونسيين يوم 08-05-2022 ندوة خصصتها للتباحث في الدور الذي يمكن أن تؤدّيه منظمات المجتمع المدني في الدفاع عن استقلالية القضاء، بما يؤشر إلى أنّ القضاء التونسي بات يعوّل في مواجهته السلطة السياسية أكثر من أي وقت مضى على مؤازرة منظمات المجتمع المدني في هذا الخصوص.

وكشفتْ النقاشات التي تمّت أهميّة الإقرار بالقضاء كشأن عام وبالتالي الاعتراف للمجتمع المدني بدور في حماية استقلاليته وفي تنمية الوعي صلبه بدوره الاجتماعي المتمثل في الدفاع عن قيم المجتمع الديموقراطي. كما بيّنت أن نجاح الرئيس سعيد في الاستيلاء على مجلس القضاء ما كان ليتمّ بذات اليسر لو أن شراكة المجتمع المدني مع القضاء خلال فترة الانتقال الديموقراطي نجحت في تحويل اصلاح القضاء إلى أولوية سياسية. كما ما كان له أن يتحقّق لو أن منظمات المجتمع المدني كانت أكثر نشاطا في معركة الدفاع عن مقومات الحكم الديموقراطي وفي مقدمتها استقلالية القضاء. وفي هذا الإطار، كان السؤال الأكثر الحاحا الذي بدتْ الإجابة عنه صعبة: كيف يمكن في ظلّ تنامي التضييق على الحريات صناعة شراكة جديدة بين القضاء والمجتمع المدني يكون موضوعها دعم القضاء وحماية الحريات من كل تعسّف قد يلحقها جراء تدخّل السلطة في القضاء؟ وما يزيد هذا السؤال إلحاحا هو سعي المنظومة الاستبدادية لإخضاع القضاة لتصور كلاسيكي لواجب التحفظ يمنعهم من كل تواصل مع مجتمعهم ويفرض عليهم تبعية لسياساتها ومواقفها.

تذكّر هذه الندوة إلى حدّ بعيد بالمؤتمر الصحفي الذي عقده نادي قضاة لبنان في أيّار 2019 والتي ناشد فيها “الشعب” مؤازرة القضاة في معركة استقلال القضاء تمكينًا لهم من الاضطلاع بأدوارهم الواجبة في مكافحة الفساد. آنذاك، توقفت المفكرة القانونية في كلمتها عند هذه المناشدة، واصفة إياها “بمثابة إشارة تحوّل في أدوات دفاع القضاة عن أنفسهم وعن القضاء”. وقد سجلت المفكرة في كلمتها آنذاك حرفيا: “من هذه الدعوة، نفهم بوضوح أنّ القضاة اختاروا بعد تجارب عدة الخروج من حال الصمت والعزلة للتوجه للشعب والرأي العام، لمصارحته والاحتكام إليه، طالما أنهم يحكمون باسمه، وطالما أنه هو مصدر كل السلطات. قد تبدو هذه الدعوة، الآن بعد حصولها، أمرا طبيعيا. لكن من يعلم تقاليد القضاة وتنظيمه يعلم الجهود الكبيرة التي بذلها العديد من القضاة، وفي مقدمتهم مؤسسو النادي، للوصول إلى هذا التحول. فالتقاليد التي نشأ القضاء اللبناني في ظلها كانت تفرض قراءة متزمتة لموجب التحفظ، قراءة مفادها أن على القاضي أن يتحمل كل أعباء مهمته وما قد يحصل ضده من اعتداء وتدخل بصمت ومن دون تذمّر. التقاليد صوّرت القاضي على نحو مُتخيّل، على أنه قديس وبطل، وقد صوّرته كذلك لتقول أن بإمكانه أن يصمد وحده وبصمت وعزلة تامّين في وجه سياسات الهيمنة والنفوذ، صوّرته كذلك لتنكر حاجته للضمانات القانونية والواقعية أو لوسائل الدفاع عن ذاته أو استقلاله وأبرزها حريتي التجمع والتعبير. فأنت قديس وبطل، فما حاجتك لهذه الضمانات والوسائل؟ والتحول الكبير الحاصل هو أن القضاة خرجوا اليوم لينقضوا هذه الرؤية والنتائج التي انبنت عليها، لينظروا إلى أوضاع القضاء بشكل أكثر واقعية. ونحن كمفكرة وائتلاف (ائتلاف استقلال القضاء) لا ننصت وحسب باهتمام شديد لهذه الدعوة، بل نفهمها على أنها دعوة عامة ومستمرة. خارطة طريق، يؤمل منها أن ترسي نمطا جديدا في الحراك داخل القضاء وحوله وأن تؤسس لعلاقة جديدة بين القضاء والقوى الاجتماعية، نرجو أن تترسخ وتتطور. وهي دعوة نرددها مع القضاة بمثابة سؤال كبير لنا جميعا، إيمانا منا بواجبنا في الدفاع عن المجتمع وعن مصالحه. فنحن خسرنا الكثير من حقوقنا وأماننا الاجتماعي خلال العقود الماضية، حين تم الافتئات على استقلال القضاء، تحت جنح الصمت واللاحركة. فهل نترك القضاة الآن وقد قرروا المواجهة وحدهم، أم نلبي الدعوة تعزيزا لحظوظ نجاحنا في صد هيمنة السلطة الحاكمة وتحكمها بكل شيء؟”

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، تونس ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني